ليست أرواحا "بل بضاعة معرضة للتلف"!
تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT
مثل هذا الأمر كان يحدث في القرن الثامن عشر، وكان يمكن لقباطنة السفن التجارية أن يتفادوا الخسارة المادية بالتخلص من "بضائعهم الحية" وإلقاء البشر الذين استعبدوا في البحر.
إقرأ المزيدهذه القصة التي تعد الآن وصمة عار في التاريخ البريطاني، بدأت في نوفمبر وديسمبر من عام 1781، حين شقت سفينة تجارة العبيد "زونغ" طريقها منطلقة من غرب إفريقيا إلى جامايكا، وكانت تحمل "بضائع حية" هي عبارة عن 442 عبدا إفريقيا، وكان يأمل تجار الرقيق أن يحصلوا "مقابل كل رأس" من هذه "البضاعة" التي تم الحصول على تأمين لها، على 36 جنيها إسترلينيا.
كان يقود تلك السفينة التجارية البريطانية القبطان لوك كولينجوود ويساعده طاقم مكون من 17 بحارا بريطانيا. هذا العدد القليل في حد ذاته يشير إلى أنه لم يكن من الممكن الحفاظ على النظافة والنظام على متن السفينة خلال تلك الرحلة الطويلة، علاوة على ذلك كانت السفينة محشوة بأربعمئة وأربعين من الأفارقة المستعبدين، وهو رقم يزيد 2.8 مرة عما كان مقررا.
خلال رحلة السفينة "زونغ"، انتشر على ظهرها وباء الكوليرا وأمراض أخرى، ما أثار قلق القبطان ومساعديه، لأنه في حالة وفاة العبيد العادية، فإن شركة التأمين لن تدفع لهم أي تعويضات على الإطلاق، لأن "الموت الطبيعي للبضائع"، وفقًا للقواعد البحرية المعمول بها، لم يكن يسري عليه التامين. وذلك يعني أن العبد إذا مات بسبب المرض، فإن شركة التأمين لن تعوض العملاء المالكين للعبيد.
زاد انتشار الأمراض على ظهر السفينة، وبحلول نهاية نوفمبر، فقد الطاقم عددا من البحارة وحوالي 60 من العبيد الأفارقة، ولذلك قرر القبطان ومساعدوه في 29 نوفمبر مواجهة المشكلة واتخاذ إجراءات لمنع "الرقيق" من أن يموت حتف أنفه، وبالتالي "حرمان" المالكين من الحصول على تعويضات من شركة التأمين.
خرج قادة السفينة التجارية البريطانية بحل "وحشي" يتمثل في ربط بعض العبيد المرضى وإلقائهم في البحر، وتبرير فعلتهم بالقول إنهم يريدون إنقاذ العبيد الأصحاء من وباء البرص، وبالتالي إنقاذ بضاعتهم الحية.
كان هذا الحل "الوحشي" قانونيا في ذلك الوقت، ولا شيء يستطيع أن يمنع التاجر من التخلص، كما يشاء، مما كان يعد "بضاعة" بما في ذلك البشر.
كان المنطق القانوني السائد حينها، أنك إذا رميت بعبيدك في البحر بقصد إنقاذ آخرين، فستحصل على تعويضات من شركة التأمين على كل شخص، في حين إذا مات الرقيق بسبب المرض أو تم إنزاله إلى جزيرة في الطريق مثلا وهو ما يزال حيا، فلن يكون هناك حق في التعويض.
في اليوم الأول من عملية "إعدام" العبيد، جرى تكبيل 54 إفريقيا بالسلاسل الثقيلة ورميهم في البحر وهم يصرخون ويتدافعون فيما القبطان وبحارته منهمكون في عملية "القتل" بلا رحمة، وهو أمر كانوا يعدونه تخلصا من بضائع تالفة، بقوة القانون!
في اليوم التالي جرى التضحية 42 شخصا من الأفارقة المستعبدين، ورميهم إلى قاع البحر، وفي 1 ديسمبر تم رمي دفعة أخرى من العبيد المكبلين بالسلاسل إلى البحر.
في ذلك اليوم أقدم عشرة عبيد وهم في حالة من الرعب من وحشية البريطانيين على الانتحار والقفز إلى الماء قبل أن يتم فعل ذلك بهم، وهم بهذه الطريقة حرموا التجار البريطانيين من الحصول على التعويض الذي لا يسري على الانتحار!
بعد مرور 112 يوما وهو ما يعد ضعف المدة المعتادة، رست السفينة "زونغ" في جامايكا في 28 ديسمبر، ومن بين حمولة من الرقيق ضمت 440 إفريقيا نجا 208، فيما بلغت الخسائر نسبة 53 بالمئة.
من يمكن وصفه بالقاضي والجلاد، قبطان السفينة كولينجوود، كان المرض قد أنهكه وتوفى بعد 3 أيام من رسو السفينة.
أصحاب السفينة بعد عودتها إلى ليفربول طالبوا شركة التامين بتعويضات عن 122 إفريقيا تم التضحية بهم وإلقائهم في البحر، وكان مبرر تلك المذبحة انتشار الأمراض، ونقص مياه الشرب.
نقابات شركات التأمين في ليفربول اشتبهت في عملية احتيال وقامت برفع دعوى قضائية في مارس 1783. المحكمة أيدت مطالب تجار الرقيق في البداية، واستأنفت شركة التأمين الحكم.
ثار جدل في المحكمة، إلا أن المدعي العام لإنجلترا وويلز رد بحدة قائلا: " أي نوع من التصريحات بأن الناس تم إلقاؤهم في البحر؟ نحن نتحدث عن الممتلكات والسلع. السود هم البضائع والممتلكات التي يملكها المتاجرون، ومن الحماقة اتهام هؤلاء النبلاء الذين فعلوا الشيء الصحيح بالقتل. تصرف الكابتن الراحل كولينجوود في مصلحة سفينته وحماية طاقمه. إن التشكيك في تجربة القبطان الذي أبحر لفترة طويلة ويحظى باحترام كبير هو الجنون بعينه، خاصة حين يتعلق الأمر بالعبيد. يمكن مقارنة هذه الحالة بما إذا تم إلقاء سجل في البحر".
في نهاية المطاف، رفض اللورد مانسفيلد، الذي ترأس المحكمة، التعويض، بدعوى أن نقص المياه على متن السفينة كان نتيجة للإدارة غير السليمة للسفينة من قبل القبطان. علاوة على ذلك، اتضح أنه كان لا يزال هناك 1900 لتر من المياه العذبة على ظهر السفينة "زونغ" عند وصولها إلى جامايكا.
وتم أيضا في المحكمة إلقاء اللوم على القبطان على حمولة السفينة الزائدة، وكان التركيز على قصة التعويض عن البضائع المفقودة فقط، ولم يتهم القبطان الراحل وبحارته لا من قريب ولا من بعيد بالقتل.. لم تكن أرواحا بريئة في نظرهم بل بضاعة معرضة للتلف!
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: أرشيف إفريقيا شرکة التأمین فی البحر
إقرأ أيضاً:
كل ما تريد معرفته عن قانون التأمين الموحد الجديد في 10 معلومات
يعد قانون التأمين الموحد الجديد رقم 155 لسنة 2024 خطوة مهمة في تنظيم قطاع التأمين في مصر، حيث يهدف إلى تطوير الإطار التشريعي للقطاع وتعزيز الحماية التأمينية للمواطنين والشركات.
ويشمل القانون تنظيم أعمال الخبرة الإكتوارية، وضوابط ترخيص الشركات، وآليات القيد والتجديد، بالإضافة إلى معايير الالتزام المهني.
قانون التأمين الموحدوحول الحديث عن قانون التأمين الموحد، تستعرض الوطن في هذا التقرير 10 معلومات أساسية عن القانون الجديد وجاءت كالتالي:
1- ضرورة الحصول على ترخيص لمزاولة أعمال الخبرة الإكتوارية.
ينص القانون على أنه لا يجوز لأي خبير إكتواري ممارسة أعماله إلا بعد الحصول على ترخيص رسمي من الهيئة المختصة، وفقًا لشروط محددة.
2- شروط القيد في سجل الخبراء الإكتواريين
للقيد في سجل الخبراء، يجب أن يكون المتقدم حاصلًا على درجة زميل أو رفيق من معاهد معتمدة مثل معهد الخبراء الإكتواريين بالمملكة المتحدة، أو جمعية الخبراء الإكتواريين بالولايات المتحدة.
3- تجديد القيد كل خمس سنوات
يجب على الخبراء الإكتواريين تجديد قيدهم في السجل كل 5 سنوات، مع تقديم طلب التجديد خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من المدة المحددة.
4- رسوم القيد والتجديد
يحدد مجلس إدارة الهيئة رسوم القيد أو التجديد، بحيث لا تتجاوز 10.000 جنيه للأفراد و50.000 جنيه للشركات.
5- إمكانية الترخيص لشركات الخبرة الإكتوارية
يسمح القانون بترخيص شركات لمزاولة أعمال الخبرة الإكتوارية، بشرط أن لا يقل رأسمالها عن 3 ملايين جنيه، وأن يكون مديرها التنفيذي مقيدًا في سجل الخبراء الإكتواريين.
6- اشتراط وثيقة تأمين مسؤولية مهنية
يُلزم القانون الخبراء الإكتواريين بتقديم وثيقة تأمين مسؤولية مهنية كشرط أساسي للقيد والتجديد، لحماية العملاء والمؤسسات المتعاملة معهم.
7- إمكانية شطب أو وقف القيد في حالات معينة
يمكن وقف القيد لمدة تصل إلى 3 سنوات أو شطبه نهائيًا إذا فقد الخبير أحد شروط القيد، أو ثبت تقديمه بيانات غير صحيحة، أو ارتكب مخالفات قانونية أو مهنية جسيمة.
8- ضرورة الالتزام بمعايير الخبرة الإكتوارية
يُلزم القانون الخبراء بالعمل وفقًا للمعايير المعتمدة من مجلس إدارة الهيئة، لضمان جودة الخدمات المقدمة.
9- صلاحيات الهيئة في الرقابة والإشراف
تتمتع الهيئة المختصة بصلاحيات واسعة لمتابعة أداء الخبراء والشركات، واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان الامتثال للقوانين واللوائح.
10- دعم القطاع التأميني وتطويره
يهدف القانون إلى تعزيز دور قطاع التأمين في دعم الاقتصاد الوطني، من خلال وضع إطار قانوني شامل يشجع الاستثمار ويضمن الحماية للمستفيدين.