المنظومة الرسمية العربية في الميزان الغزاوي
تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT
يمانيون – متابعات
كشفت المنظومة الرسمية العربية، مجدّداً، عجزها عن الدفاع عن الأمن القومي العربي، حتى بأدنى سقفٍ ممكن، أو عن تواطئها عليه، أولاً، كمنظومة تجزئة، صمّمت كي تترك الأمة العربية مكشوفةً أمام المخاطر التي تتهدّدها معاً أو تتهدّد أجزاءها منفردة، وثانياً، كميزان قوى ضمن تلك المنظومة راح يميل بصورةٍ متزايدة نحو خيار الخضوع الذيلي للغرب الجماعي، خصوصاً مع انحسار الأنظمة ذات التوجّه المستقل في المشهد الرسمي العربي، عدداً وأثراً، من الانقلاب الساداتي على الناصرية في مصر، إلى ما يسمّى “الربيع العربي”، مروراً بالعدوان على العراق وحصاره واحتلاله ومحاولة تفكيكه.
لم يكن متوقّعاً من المنظومة الرسمية العربية أن تجرّد الجيوش لتحرير فلسطين، ولا أن تعلن الحرب على الكيان الصهيوني رداً على العدوان الهمجي على غزة، لكنّ التحوّلات في المشهدين الدولي والإقليمي كانت تشجّع وتتيح القيام بأكثر من التفرّج على المجازر والدمار.
كان الانضواء في منظومة البريكس، والتوجّه نحو رفع أسعار النفط ضمن “أوبك+”، على خلفية العقوبات الغربية على روسيا ونفطها وغازها، والتقارب مع روسيا والصين، والشروع بفك الحصار الرسمي العربي عن سوريا، والمصالحات الرسمية العربية مع إيران، على النقيض من التوجّه الغربي والصهيوني في كل تلك الأصعدة، والثقل المتزايد الذي بات يشكّله محور المقاومة ومكوّناته إقليمياً، وانحسار الظل الأميركي عن منطقتنا نسبياً، يوحي كله بانبعاث روحٍ جديدةٍ في المنظومة الرسمية العربية.
سبقت الإشارة في مقالاتٍ سابقة إلى أنّ ما دفع المنظومة الرسمية العربية بالاتجاه أعلاه كان فقدان الغطاء الأميركي، خصوصاً بعد الانسحابِ من العراق وأفغانستان، وتركِ الأميركيين حليفهم الأوكراني يقاتل وحده من دون غطاء رسمي من الناتو، وتقاعس الأميركيين عن التصدّي للصواريخ اليمنية التي تصول في منطقة الخليج، وتوجّه إدارة بايدن للتفاهم مع إيران على خلفية العقوبات على روسيا وحرب أوكرانيا بالذات، وانشغال النخب الأميركية بصورةٍ عامةٍ بأزماتها المستفحلة محلياً، مثل أزمة موازنتها ودينها العام والانقسام المجتمعي ومعاركها الانتخابية والقضائية، وتركيز قواها دولياً على مواجهة روسيا والصين، في محاولة لإبطاء أفول الولايات المتحدة الأميركية اقتصادياً وسياسياً كقطب أوحد، الأمر الذي ترك المنطقة العربية في أدنى سلّم الأولويات الأميركية، بعد أوكرانيا وتايوان وكلّ مناطق الاحتكاك الأخرى مع روسيا والصين في الجغرافيا السياسية والاقتصاد الدوليين.
علامة مخالفة للتوجّه الأميركي لإهمال المنطقة العربية
تمثّلت العلامة الفارقة عن التوجّه الأميركي لإهمال الملفات العربية بصورةٍ عامةٍ في السنوات الفائتة في الضغط الحثيث من طرف إدارة الرئيس الأميركي بايدن على السعودية كي توقّع اتفاقاً تطبيعياً، خصوصاً في الأسابيع السابقة لعملية “طوفان الأقصى” التي كثرت فيها التسريبات الإعلامية عن “قرب توقيع اتفاق إبراهيمي آخر” بين السعودية والعدو الصهيوني.
لم آخذ تلك التسريبات بجدية كبيرة آنذاك لأن الإعلام الأميركي والصهيوني حفل بتقارير عن الدوافع الشخصية لكلٍ من بايدن ونتنياهو كي يحقّقا “إنجازاً شخصياً” يوظّفانه لإنقاذ نفسيهما، بايدن قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام المقبل بعد تدنّي شعبيته بشدة، ونتنياهو لإنقاذ حكومته ومهنته سياسياً، وشخصه قضائياً. لذلك، كانا مستعدّين لبذل أي وعود للسعودية لتحقيق اختراق تطبيعيٍ، بغض النظر عن جدّيتهما في تنفيذها، ما عدا تلك التي تضرّ بصورتهما سياسياً طبعاً، وبالتالي انتخابياً، هنا والآن.
من البديهي أن أي اختراق تطبيعي يعد انتهاكاً للأمن القومي العربي، وأن تمرير صورة تطبيع وشيك، حتى لو لم يتحقّق، تمثّل بذاتها اختراقاً إعلامياً، ولا سيما عندما يترك الباب مشرّعاً في وجهها سعودياً. لكنّ ما تحتاجه الآلة الانتخابية للحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، حزب الرئيس بايدن، وحكومة نتنياهو في الكيان الصهيوني، كان قد تدنّى من مستوى استراتيجية عليا إلى مستوى “إعلان اتفاق” يوظّف في حملة علاقات عامة تروّج لبايدن ونتنياهو شخصياً.
لم يخرج البعد التطبيعي في مشروع “الممر الهندي-الأوروبي”، الذي يمرّ بالخليج والكيان الصهيوني، والذي أعلن عنه في قمة مجموعة العشرين في الهند في 9 أيلول/سبتمبر الفائت، قبل نحو شهر من عملية “طوفان الأقصى”، عن إبراز صورة تطبيع وشيك بين السعودية والكيان الصهيوني يصعب أن يتحوّل الممرّ إلى واقعٍ من دونه، على الرغم من تساؤلات كبرى ظلت تحوم فوق الممر تقنياً واقتصادياً جاعلةً جدواه مشكوكاً بأمره، بعيداً عن بعده السياسي، والذي يتلخّص ببعده الإعلامي حقيقةً في اللحظة الراهنة، سواء ترجم الممر إلى حقيقة أم لا.
الأهم أن “الممر الهندي-الأوروبي” يمثّل من منظور الجغرافيا السياسية اصطفافاً مع الغرب الجماعي في مواجهة روسيا والصين، خصوصاً بعد انضواء 6 دول في منظمة البريكس في شهر آب/أغسطس الفائت، كانت السعودية من بينها. هذا يعني أن منظور الصراع الدولي بات حاكماً في التعامل مع الجغرافيا السياسية للوطن العربي، وهذا أكثر أهميةً من تهميش الممر لإيران، لأن إيران محطة رئيسية في ممر شمال-جنوب الذي يربط الهند بروسيا، وخياراتها الاستراتيجية ترتبط بالشرق والجنوب العالميّين، لا بتعزيز العلاقات مع أوروبا اقتصادياً وسياسياً، أي أن الضربة هنا للصين أساساً، ثم لروسيا.
عملية “طوفان الأقصى” تغيّر المعادلات الإقليمية
عزّزت الولايات المتحدة حضورها العسكري بحرياً في 7 آب/أغسطس الفائت بقطعٍ من الأسطول الخامس، تحمل قوةً تدميرية كبيرةً وآلاف الجنود الأميركيين، في القوس الممتد من قناة السويس، مروراً بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب، إلى خليج عدن وبحر العرب، ومن ثم إلى خليج عُمان ومضيق هرمز فالخليج العربي. وفي 24/10/2023، أجرى الأسطول الخامس مناورات عسكرية في الخليج العربي.
كانت تلك رسالة لطمأنه الأنظمة الحليفة للولايات المتحدة الأميركية، والساعية لإيجاد غطاء روسي-صيني بديل في العراء، وللتصالح مع إيران، بعد ما بدا انسحاباً أميركياً من المنطقة وقلّة اكتراثٍ بها. فها هي الولايات المتحدة إذاً تؤكد حضورها وتثبت غطاءها، وكان ذلك خلفيّةً ضروريةً لإقناع السعودية بالدخول في المسار التطبيعي الإبراهيمي.
لكنّ التحوّل الكبير في التحشيد الأميركي عسكرياً حدث بعد عملية “طوفان الأقصى”، فإذا كانت المياه العربية الممتدة بين البحر الأحمر والخليج هي منطقة عمل الأسطول الخامس الأميركي، فإن المياه العربية المحاذية للبحر المتوسط هي منطقة الأسطول السادس، وهو أسطولٌ سبق أن واجهه العرب مراراً، عندما دخل إلى لبنان خلال الأزمة الأهلية عام 1958، بناء على طلب الرئيس اللبناني الأسبق كميل شمعون، وفي الحرب مع الكيان الصهيوني عام 1973، وكانت مهمته آنذاك إبقاء قناة السويس مفتوحة، كما دخل في مناوشات مباشرة مع السوفيات في تلك الحرب، وعندما قصف ليبيا عام 1986، وعندما قصفها بضراوة عام 2011.
لكن يبدو أن الحضور التقليدي للأسطول السادس في البحر الأبيض المتوسط لم يكن كافياً لشدّ أزر الكيان الصهيوني، بعد ضربة “طوفان الأقصى” التي دوّخته، فلم ترسل الإدارة الأميركية مجموعة حاملة طائرات واحدة، بل مجموعتين، كانت أولاهما مجموعة حاملة الطائرات “جيرالد فورد” التي لحقتها مجموعة حاملة الطائرات “دوايت أيزنهاور”.
بيت القصيد هنا أنّ مثل هذا الحضور العسكري الأميركي المتزايد في البحر المتوسط، تحت عنوان مواجهة إيران وحزب الله رسمياً، كان له أثر استعادة شيء من ثقة الأنظمة العربية التي راهنت على الإدارة الأميركية فخذلتها، لكنها تشعر الآن بـ “دفء” الغطاء الأميركي من جديد مع تأكيد الولايات المتحدة عملياً التزامها بحراسة المنطقة.
ونلاحظ أن لقاء “أوبك+” ذاته جرى تأجيله، كما أن الحديث عن عقد اتفاقية “إبراهيمية” تجدّد. لكن إلى متى يمكن الرهان على التزام الولايات المتحدة عسكرياً في منطقتنا، بعيداً عن أولوياتها الاستراتيجية مع روسيا والصين؟ وإلى متى تبقى تعزيزات الأسطول الخامس في مياهنا بعيداً عن أولوية “الهادئ-الهندي” التي ثبّتها البنتاغون عام 2018؟
كلّ ما جرى أن الكيان الصهيوني شعر بتهديد حقيقي وباختلال في توازنه، فهرع الغرب الجماعي، وعلى رأسه الإدارة الأميركية، كي يقدّم له الدعم معنوياً وسياسياً وعسكرياً ومالياً. انكشفت حقيقة الصراع في فلسطين على الملأ بأنه صراعٌ مع الغرب الجماعي، والبعض يقول إن ذلك دليلٌ على أهمية “إسرائيل” كقاعدة للإمبريالية في الوطن العربي، ويقول البعض الآخر إنه دليلٌ على وزن اللوبيات اليهودية في مراكز القرار في الغرب الجماعي.
لكنّ وجهتي النظر محقّتان في آنٍ واحد، فالعلاقة العضوية بين الغرب الجماعي والكيان الصهيوني تتجاوز تأدية دورٍ وظيفي كقاعدة للاستعمار في منطقتنا، إلى اندماج النخب اليهودية في النخب الحاكمة في الغرب سياسياً واقتصادياً وثقافياً، التي لا تتردّد في معاقبة الفنانين والممثّلين ورجال الأعمال والإعلاميين وأساتذة الجامعات الغربيين ممن “يشذون” عن خط المؤسسة الحاكمة في دعم الصهيونية، كما رأينا في الأسابيع الفائتة.
تراهن الأنظمة العربية، باختصار، على طيفٍ عابر سوف يغادر عندما تقرّر الإدارة الأميركية أن الخطر المحدق على الكيان الصهيوني زال. فإذا بقي ذلك الخطر مقيماً، وكان وجود الكيان الصهيوني ذاته مهدّداً، فما الحكمة من مراهنة الأنظمة العربية على كيانٍ بات وجوده برسم الزوال؟
استراتيجية الأنظمة العربية في التعاطي مع العدوان الصهيوني على غزة
في ظلال الوجود الأميركي الكثيف في المنطقة، عسكرياً وسياسياً، تركّزت مقاربة النظام الرسمي العربي في التعامل مع العدوان الصهيوني على غزة في تركه يمضي مع الحرص الشديد على إدارة حملة علاقات عامة، تداري بها تواطؤها في المجازر الصهيونية في غزة أمام المواطنين العرب من خلال الآتي:
أ – بيانات الشجب والاستنكار، وبعض الفذلكات الإعلامية لامتصاص غليان الرأي العام العربي.
ب – استعراض المساعدات الإنسانية التي قدّمتها.
ج – مناشدة الغرب الجماعي بأن يفرض وقفاً لإطلاق النار.
د – ترك بعض المنافذ لتنفيس الاحتقان الشعبي العربي.
تمثّلت المهزلة الحقيقية في مخرجات القمة العربية-الإسلامية في الرياض، في 11/11/2023، أي بعد أكثر من شهر من بدء العدوان الصهيوني على غزة، والتي “طالبت” الدول العربية والمسلمة بموجبها بوقف العدوان ورفع الحصار، وبأن يُصدِر مجلس الأمن الدولي قراراً ملزماً، و”حاسماً”، بهذا الاتجاه، كما “طُلب” من الدول التي تصدّر الأسلحة إلى كيان “إسرائيل” بأن تكفّ عن ذلك! وكان مسك ختامها تشكيل لجنة وزارية عربية-إسلامية تجوب العواصم العالمية للترويج لهذا الموقف “ذي السقف المرتفع”.
تنبع عبثية ذلك المشهد الرديء من هوية الطرف الذي أصدر مثل ذلك الموقف، أولاً، ومن انحطاط سقفه السياسي، ثانياً. فلو لم يكن عربياً مسلماً، ولو لم يقع العدوان الهمجي على عربٍ ومسلمين، لقلنا إن العدوان يدور في جزر المحيط الهادئ القصيّة مثلاً، أو في مكانٍ ما بين عُطارد وزحل، وما علينا إلّا تصدير إدانة وإرسال مساعدات. لكن ما الذي يُرجى من مجلس الأمن وفيه فيتوات، لا فيتو واحد، للغرب الجماعي؟! وما هي مسؤوليتكم أنتم، يا عشرات الدول العربية والمسلمة، في التدخّل مباشرة لوقف المذبحة الجماعية التي تجري في غزة تحت ناظريكم؟ وما هي أدوات الضغط التي أعددتموها حتى تحقّقوا ما جاء في بيانكم الختامي؟
مرة أخرى، لم يكن متوقّعاً من الأنظمة العربية، وهي المسؤولة أولاً، أن تعلن الحرب رسمياً أو أن تباشر بتحرير فلسطين. “لا سمح الله!”. كان المطلوب الممكن والواقعي، وما برح مطلوباً، اتخاذ خطوات عملية من أجل وقف العدوان على غزة، وهي تملك أوراق ضغطٍ كثيرةً يمكن أن توظّفها في هذا الاتجاه لو توفّرت الإرادة السياسية، ومنها الآتي:
أ– ورقة النفط والغاز، ووقف تصديره للدول الداعمة للعدوان الصهيوني، كما جرى عام 1973.
ب– ورقة التطبيع، وإعلان بطلان المعاهدات والاتفاقيات مع العدو الصهيوني، وإغلاق سفاراته في العواصم العربية.
ج– ورقة فتح معبر رفح، واستعادة السيادة المصرية عليه، بعيداً عن أي وصاية صهيونية أو غربية.
د- ورقة إعطاء حيّز للشارع العربي كي يتحرّك في مسيرات جماهيرية باتجاه فلسطين المحتلة.
هـ- ورقة تبديل التحالفات الدولية باتجاه روسيا والصين، وتقنين العلاقات مع الغرب الجماعي.
و– ورقة تعزيز العلاقات مع دول محور المقاومة، وفك الحصار تماماً عن سوريا واليمن.
ز– ورقة التلويح بإيصال السلاح والمال للمقاومين في فلسطين حتى يكفّ الغرب عن إرساله إلى الكيان الصهيوني.
أما المقترح الأول، فسيكون مؤلماً جداً للغرب في ظلّ العقوبات على النفط والغاز الروسيين. أما الثاني، فإن دولاً بعيدة في أميركا اللاتينية وغيرها أحرجتكم بقطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني احتجاجاً على ما يجري في غزة.
أما الثالث، فسيجد دعماً غير مسبوق من المصريين وسائر العرب والمسلمين، مهما كانت العواقب مع الغرب. أما الرابع، فخطوة حكيمة لرأب الصدع بين الأنظمة والمواطن العربي الذي لا يطالب الأنظمة سوى بأن تفسح له مجالاً. أما الخامس، فيهزّ كيان الغرب الجماعي ويدفّعه ثمن دعمه غير المحدود للكيان الصهيوني. أما السادس، فيخنق الكيان الصهيوني سياسياً. أما السابع، فلوّحوا به فقط، وسترون الغرب يتوسّل إليكم بدلاً من العكس.
مرة أخرى، لا نطالبكم بشنّ الحرب على الكيان الصهيوني، مع أن بعضكم، عندما قرّرت الولايات المتحدة شنّ حربٍ على العراق عام 2003، شارك فيها، وعندما قرّرت قصف ليبيا عام 2011، شارك في قصفها، وعندما قرّرت شن حربٍ هجينة على سوريا عام 2011، انخرط فيها، وعندما تقرّر محاصرة العراق أو سوريا أو ليبيا أو غزة أو غيرها، يحاصرها.
وعندما قرّرت الولايات المتحدة، جمّدتم عضوية سوريا في الجامعة العربية، أما غزة، فيذبح من أهلها 20 ألفاً، حتى الآن، وتدمّر نصف مبانيها، ثم يتذرّع المطبّعون، بكل ابتذال فيلم هندي يقلّد فيلماً أميركياً، بأن تطبيعهم غرضه “تمرير مساعدات إنسانية” إلى فلسطين… في حين أن سفاراتهم المفتوحة في “تل أبيب”، وعلاقاتهم التطبيعية مع المعتدي، تقدّم تأشيرات سياسية له لممارسة المزيد من العدوان.
نعيش اليوم لحظات تاريخية فاصلة، وغزة المحاصرة فرضت على العدو الصهيوني صفقة تبادل أسرى بشروطها، فشكّلت معلماً مظفّراً في صفقات تبادل الأسرى مع العدو الصهيوني. وعاد أهل شمال غزة إليه رغماً عن العدو الصهيوني، بعد إعلان الهدنة، كما عاد أهل جنوب لبنان إليه بعد عدوان عام 2006.
إنه زمنٌ جديدٌ يسجّل فيه المقاومون إنجازاتٍ عظيمةً، ويسجّل فيه من راهنوا على الغرب والكيان الصهيوني انتكاساتٍ كبرى، ولم يعد من الصعب على المرء أن يرى موضع الجانب الصحيح من التاريخ.
* المصدر: موقع الميادين نت
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الإدارة الأمیرکیة الولایات المتحدة والکیان الصهیونی الأنظمة العربیة الکیان الصهیونی الأسطول الخامس العدو الصهیونی الغرب الجماعی طوفان الأقصى روسیا والصین مع العدو مع الغرب على غزة الذی ی لم یکن
إقرأ أيضاً:
مستقبل الكيان الكردي في سوريا الجديدة
ما تزال مسألة انضمام مناطق شرق الفرات إلى سوريا الجديدة مثار جدل دائر بين السلطات السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تسيطر على تلك المناطق، حيث يقول قادتها في العلن إنهم من حيث المبدأ مع وحدة الأراضي السورية، وأن (قسد) مستعدة للاندماج في الجيش السوري الجديد.
لكنهم في نفس الوقت يضعون شروطًا مرفوضة من طرف الإدارة الجديدة، إضافة إلى أنهم لم يقوموا بأي خطوة تثبت ما يقولونه حول وحدة الأرض السورية وسيادتها، فهم يتصرفون وكأنهم يتحكمون في كيان خارج الإجماع السوري، من خلال استمرار فرض سيطرتهم على حوالي ثلث الأرض السورية، واستئثارهم بثروات تلك المناطق الغنية بالموارد الطبيعية، حيث توجد فيها معظم حقول النفط والغاز الموجودة في سوريا.
قوى السيطرةبداية، يجب التنويه إلى أن ما يسمى مناطق شرقي الفرات، الواقعة في شمال شرقي سوريا، توجد فيها مكونات متعددة الأعراق، ولا يمثل الأكراد الغالبية فيها، حيث يتعايش فيها العرب والأكراد والآشوريون والسريان، في ظل عدم وجود إحصاءات دقيقة وحديثة.
وهناك حالة توجّس كبيرة لدى المكون العربي من ممارسات وتوجهات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، بوصفه قوة السيطرة الحقيقية على مناطق شمال شرقي سوريا، ويتحكم فيها بواسطة أذرعه ومخرجاته التي تتوزع على مستويين:
إعلان المستوى العسكري، ويتمثل بوحدات حماية الشعب الكردية الذراع العسكرية له، والتي تشكلت بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، وسيطرت على مناطق شرقي نهر الفرات، بتسهيل من نظام الأسد البائد. ثم باتت العمود الفقري في قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تشكلت عام 2015. المستوى المدني، ويتمثل بما يسمى الإدارة الذاتية (أطلق عليها في البداية فدرالية روج آفا-شمال سوريا، ثم تغير الاسم إلى النظام الاتحادي الديمقراطي لشمال سوريا). وجرى تشكيلها في عام 2013، ويشرف عليها مجلس سوريا الديمقراطية (مسد).يعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني التركي (PKK)، بالنظر إلى هيمنة عناصره على حزب الاتحاد، وعلى كافة مخرجاته المدنية والعسكرية، الأمر الذي يفسر حساسية تركيا تجاه هذه الكيانات، التي تصنفها ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، وتطالب بإنهاء تواجدها في شمال شرقي سوريا، كونها تشكل ما تعتبره تهديدًا لأمنها القومي على حدودها الجنوبية، فضلًا عن أنها تخوض حربًا طويلة الأمد ضد حزب العمال الكردستاني، تمتد إلى ثمانينيات القرن العشرين الماضي.
التحدي الأبرزيمثل دمج قوات سوريا الديمقراطية في الدولة السورية الجديدة التحدي الأبرز أمام السلطات السورية، التي تسعى جاهدة إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة، وخاصة المؤسستين؛ العسكرية والأمنية، حيث تتركز نقاط الخلاف بين الإدارة السورية الجديدة والقوى المسيطرة على مناطق شمال شرقي سوريا فيما يلي:
أولًا: تعمل الإدارة الجديدة وفق مبدأ وحدة البلاد على تشكيل جيش وطني موحد يضم تشكيلات عسكرية مهنية تحت مظلة الدولة، بما يعني منع فوضى السلاح، وحصره بيد الدولة، وقد أعلنت حل جميع الفصائل بما فيها "هيئة تحرير الشام، بينما يصرّ قادة (قسد) على الاحتفاظ بسلاحهم والدخول ككتلة موحدة، أي كجسم عسكري مستقل ضمن الجيش، ويرفضون تفكيك تشكيلاتها المليشياوية، التي تضم عددًا لا يستهان به من المقاتلين الأجانب، وخاصة مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي. إعلانوهو أمر ترفضه القيادات السورية الجديدة، كونها ترفض وجود كيانات مستقلة بعناصرها وعتادها وسلاحها ضمن الجيش الجديد، لأن ذلك يؤسس إلى الاعتراف بوجود كيانات عسكرية مستقلة، ويفضي إلى تشرذم المؤسسة العسكرية. إضافة إلى أن السلطات الجديدة تطالب برحيل كل المقاتلين غير السوريين.
ثانيًا: تسعى القوى المسيطرة على مناطق شرقي الفرات إلى الاحتفاظ بقواتها العسكرية وتكتلها داخل الجيش السوري، لأنها تريد الحفاظ على وضع خاص في إدارة مناطق سيطرتها الحالية، معتبرة أنها تشكل حيزًا جغرافيًا خاصًا بها.ويتذرع حزب الاتحاد الديمقراطي ومعه كافة مخرجاته بأنهم يمثلون الأكراد السوريين الذين تعرضوا لظلم تاريخي، وسُلبت حقوقهم القومية. إضافة إلى أن تلك القوى المسيطرة تريد الحصول على حصة خاصة من الثروات الموجودة فيها.
ولا تمانع الإدارة الجديدة في دمشق منح المجالس المحلية في تلك المناطق نوعًا من الاستقلالية في إطار اللامركزية الإدارية التي تشمل مختلف مناطق سوريا، مع الإقرار دستوريًا بضمان الحقوق الثقافية للمكون الكردي، لكنها تبدي معارضتها لأشكال الحكم الذاتي أو الفدرالي، الذي تعتبره يتعارض مع وضع سوريا ووحدة أراضيها وشعبها.
ثالثًا: تجد (قسد) قوتها ليس في تعداد مقاتليها الذي يقدره بعض الخبراء بنحو 80 ألف مقاتل، ولا في دعمها من طرف قوات التحالف فقط، بل لأنها تملك ملفات هامة بيدها، تتمثل بإدارتها سجونًا يقبع فيها مقاتلون يشتبه بانتمائهم إلى تنظيم الدولة، ومخيمات تؤوي عوائلهم.إضافة إلى سيطرتها على قسم كبير من الحدود مع العراق وتركيا، وإدارتها معابر حدودية مع العراق وإقليم كردستان العراق، فضلًا عن سطوتها على عائدات حقول النفط والغاز.
ووفق تقديرات منظمة "هيومن رايتس ووتش" لحقوق الإنسان، فإن (قسد) تدير مخيمي "الهول" و"روج"، اللذين يضمان حوالي 42500 شخص، من بينهم حوالي 18 ألف شخص أجنبي، ينتمون إلى 60 دولة.
إعلانترى الإدارة الجديدة أنها قادرة على إدارة السجون والمخيمات المذكورة في المناطق التي تسيطر عليها (قسد)، وأن مهمة إدارتها تقع على عاتق الدولة السورية، التي تمتلك الإمكانات للقيام بذلك.
وقد طرحت السلطات الجديدة على قيادة التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة موضوع تسليم إدارة تلك السجون والمعتقلات إلى "جيش سوريا الجديد" المدعوم من طرف التحالف، والذي أعلن ولاءه واندماجه مع الجيش السوري الجديد.
رابعًا: لجأت الإدارة السورية الجديدة إلى الحوار والتفاوض مع (قسد) بوصفه خيارها الأساسي لحل الخلافات معها، وقد شهدت الفترة الماضية عقد لقاءات بين الطرفين، لكن بعض المسؤولين في الإدارة يرون أن (قسد) تماطل، وتريد شراء الوقت بانتظار اتضاح الموقف الأميركي، حيث لم يتضح بعد موقف إدارة الرئيس ترامب حيال سوريا، وخاصة فيما يتعلق بموضوع بقاء أو انسحاب القوات الأميركية المتواجدة في سوريا ضمن قوات التحالف الدولي لمحارية تنظيم الدولة، والتي تستقوي بها (قسد).
فيما تنظر الإدارة الجديدة إلى أن القضية الكردية هي شأن سوري داخلي، ويجب أن تحل في إطار الوطنية السورية الجامعة، عبر ضمان حقوقهم في دولة القانون والدستور. وعلى هذا الأساس طلبت السلطات الجديدة في دمشق من القيادة التركية التريث، وعدم القيام بأي عملية عسكرية ضد (قسد)، بغية منحها بعض الوقت للتفاهم معها بشكل سلمي.
آفاق المستقبللا شكّ في أن الأفضل هو أن يفضي طريق الحوار إلى حل لمشكلة دمج الكيان الكردي في الجسم السوري الجديد، ويفسر ذلك تفضيل بعض قادة قسد الحوار والتفاوض مع الإدارة الجديدة في دمشق، وذلك بالتزامن مع رسالة الزعيم الكردي التركي عبدالله أوجلان، التي من وجهها إلى قسد، والمرجح أنها تضمنت دعوته للاندماج في سوريا الجديدة، وإلقاء سلاح المقاتلين ووقف العمل العسكري.
يكشف واقع الحال أن قسد وضعت نفسها خارج الحوار السوري، وذلك بعد تشكيل لجنة تحضيرية للحوار الوطني، لذلك ارتفعت أصوات تطالبها بالمشاركة الفاعلة فيه، بغية صياغة دستور يضمن حقوق الأكراد السوريين ضمن مفهوم المواطنة المتساوية، الأمر الذي يدفع باتجاه تخليها عن الشروط التعجيزية، والتراجع عن المطالبة بالفدرالية، بما يعني إضعاف نفوذ التيار المرتبط بقيادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل المدعوم من إيران.
إعلانوربما يرضخ قادة حزب الاتحاد الديمقراطي إلى الضغوط الممارسة عليه، خاصة من طرف قادة إقليم كردستان وتركيا، ويقوم بخطوات أولى مثل القبول بإدارة مشتركة لمناطق سيطرته في المرحلة الانتقالية، بما فيها سجون مقاتلي تنظيم الدولة وخيام عوائلهم والمعابر البرية.
يبقى أن مشكلة اندماج قسد بالجسم السوري الجديد مرتبطة بتوازنات دولية وإقليمية ومحلية. فضلًا عن أن الإدارة السورية الجديدة لا تريد توتير العلاقة مع الولايات المتحدة التي لا تزال تحتفظ بقواعد عسكرية في مناطق شمال شرقي سوريا في انتظار بناء تفاهمات مع إدارة الرئيس ترامب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline