«كوب 28» طوق النجاة للأرض
تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT
إعداد: مصطفى الزعبي
في خضم درجات الحرارة المرتفعة، والفيضانات، والجفاف، وحرائق الغابات، يجتمع زعماء العالم في جولة أخرى من محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ في الإمارات، بالحدث العالمي «كوب28»، والذي يعد بمنزلة طوق النجاة للأزمات التي وضعت مناخ الأرض في ورطة.
ومن خلال هذا المؤتمر ستقود الإمارات جهود الدول واقتراحاتها والحلول المستدامة للتحديات المناخية، وسلة أهداف مناخية منها: التحول العالمي السلس إلى الاقتصاد الأخضر، وتحقيق الاستدامة والتنوع الاقتصادي، وزيادة النمو، وتذليل العقبات أمام ذلك، والانتقال إلى عمليات التنفيذ، وتجاوز مرحلة التسويف، وسيوحد المؤتمر الجهود العالمية لتقليل انبعاثات الكربون، وإيجاد الحلول للتحديات المناخية، وتعزيز العمل الجماعي؛ لضمان مستقبل مستدام.
يقول المؤرخون: إن الأشخاص الذين ادعوا القدرة على التحكم في الطبيعة وموارد الطاقة من حولهم، رأوا في البيئة أداة يمكن استخدامها لتحقيق التقدم، وعلى مدار مئات السنين، أدى هذا الدافع إلى إعادة تشكيل مناخ الكوكب أيضاً، ودفع سكانه إلى حافة الكارثة للتغير المناخي.
وأعطوا مثالاً على ذلك، مكسيكو سيتي التي تعود إلى قرون مضت، كانت قائمة على جزر وسط بحيرة تيككوكو. وفي السنوات الأخيرة، اختفت معظم البحيرة، وجفت منذ فترة طويلة، لإفساح المجال للبناء والنمو الذي يضم اليوم 22 مليون شخص ينتشرون على حواف وادي المكسيك.
وقال لويس زامبرانو، أستاذ علم البيئة في الجامعة الوطنية في المكسيك: «الطبيعة لا تسبب هذه المشاكل الضخمة لوحدها».
وفي أماكن أخرى، تمت إزالة الغابات من مساحات شاسعة من الأراضي لأغراض الزراعة أو رعي الماشية، أو تدهورت وتلوثت بسبب المحاجر والتعدين للمعادن. وأدى استغلال الطبيعة للحصول على مواردها إلى تحقيق التقدم والإنتاجية بالنسبة للبعض، لكنه كان أيضاً محركاً رئيسياً للانبعاثات والتدهور البيئي.
الفحم محرك الاقتصادات
بينما بنيت مدينة مكسيكو فوق الماء، كانت بريطانيا تستغل مساحات شاسعة من الفحم الذي ساعد بنهاية المطاف في تشكيل غطاء من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تضر الغلاف الجوي.
واستخدموا الفحم في المنازل للتدفئة والطهي، ولم يكن المصدر الوحيد للطاقة؛ إذ كانت الأخشاب أيضاً من المصادر، لكن الميزان مال بشكل كبير لمصلحة الفحم خلال أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر من خلال الاختراعات التكنولوجية؛ مثل: الطاقة البخارية، وطرق النقل الجديدة مثل القنوات ووسائل النقل وفي وقت لاحق السكك الحديدية.
وعندما وصل الاقتصاد البخاري لتطوير محركات تعمل بالفحم لتسخين المياه وإنتاج الطاقة البخارية سهّل على أصحاب المصانع التحكم في العمل والطبيعة، مقارنة بالاقتصاد القائم على الطاقة المائية.
وبحلول منتصف القرن التاسع عشر، اعتمدت الطاقة البخارية في الصناعات التحويلية ومصانع القطن والسفن البخارية والقاطرات حول العالم، ما أدى إلى تحول الفحم إلى تجارة عالمية.
بداية التغير
أنشأت القرون السابقة الظروف المناسبة لتغير المناخ الناجم عن أنشطة بشرية، ولكن الأجيال القليلة الماضية جعلت ذلك حقيقة واقعة.
في عام 1960، أطلق البشر نحو 9 مليارات طن من ثاني أكسيد الكربون في الهواء؛ وفي عام 2021، أنتجوا 36 مليار طن، وفقاً لمشروع الكربون العالمي.
وارتفع استخدام الطاقة بشكل كبير؛ حيث أصبح شراء السيارات والسفر الجوي والتكنولوجيا متاحاً بشكل أكبر في العديد من دول أمريكا الشمالية وأوروبا. وكانت دول أخرى مثل الصين واليابان والهند تقوم بتجميع أنظمة الطاقة الخاصة بها، اعتماداً على الوقود الأحفوري، وحدث كل هذا وسط تزايد الفهم والقلق بشأن الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
ونما استخدام النفط في أواخر القرن التاسع عشر؛ لأنه لم يكن يتطلب عمالة كثيفة مثل الفحم، وهو أكثر ثراءً بالطاقة، كما أنه أسهل في نقله.
وقال جيه آر ماكنيل، المؤرخ في جامعة جورج تاون: «يمكن شحن النفط كسائل عبر الأنابيب، وكذلك عن طريق الشاحنات والناقلات وعربات السكك الحديدية».
وأدى ظهور السيارات في عشرينات القرن العشرين إلى قيام الولايات المتحدة ببناء نظام الطاقة الخاص بها والكثير من تقنياتها حول محركات الاحتراق الداخلي التي لا تزال تهيمن على السيارات والسفن والطائرات.
مقياس للتنمية
في الصين واليابان، كان الاستهلاك المتزايد بمنزلة مقياس للتنمية الاقتصادية في أوائل القرن العشرين، كما قال مؤرخ العلوم في جامعة هارفارد، فيكتور سيو.
ودرست اليابان التعدين الغربي لتطوير حقول الفحم الخاصة بها في كل من جزرها الأصلية وإمبراطوريتها.
وتعد الصين أكبر مصدر لانبعاثات الغازات الدفيئة في العالم حالياً، على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال تتفوق عليها تاريخياً.
وفي الهند أيضاً، التي كانت جزءاً من الإمبراطورية البريطانية حتى حصولها على الاستقلال في عام 1947، تم استخدام الفحم لتعزيز تنمية البلاد، ومساعدة حكومات الولايات على كسب الدعم الشعبي، كما تقول إليزابيث تشاترجي، المؤرخة في جامعة شيكاغو الأمريكية.
وأنشأت الهند محطات مملوكة للدولة تعمل بالفحم، وبدأت في كهربة مدنها ومزارعها الأكبر حجماً، مع عدم وصول العديد من المناطق الريفية الأخرى إلى الخدمة حتى أوائل القرن الحادي والعشرين.
وقال تشاترجي: «تحدثت إنديرا غاندي، في وقت مبكر من عام 1981، علناً عن تغير المناخ، باعتباره تهديداً، لكنها واصلت استخدام الفحم وكانت بداية لعدم تطبيق».
زخم أمريكي
في الولايات المتحدة، بدأت القضايا البيئية تكتسب زخماً في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، مع أول يوم للأرض في عام 1970، بحسب ما قال جوشوا هاو، مؤرخ البيئة في كلية ريد في بورتلاند بولاية أوريغون. واستشهد بالتشريعات الرئيسية لإنشاء وكالة حماية البيئة الأمريكية، وقانون الأنواع المهددة بالانقراض؛ باعتبارها استجابات كبيرة لتلك اللحظة الكبيرة.
وأشار هاو أيضاً إلى عدم الرغبة في الانضمام إلى اتفاقيات المناخ الدولية، بما في ذلك تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع في عام 1997 ضد التوقيع على أي معاهدة مناخية تقضي بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وقال هاو: إن هذا التصويت جاء، في رأيي، إلى حد كبير عندما ذهب التفاؤل بشأن الالتزام على المستوى الوطني بالتخفيف من آثار تغير المناخ وخاصة من خلال الاتفاقيات الدولية إلى الدخان.
لكن العديد من المؤرخين يتفقون، وسط كآبة المخاوف المتصاعدة بشأن المناخ والبيئة، على أن التحولات الجذرية بعيداً عن أفكار التقدم التي تعود إلى قرون من الزمن يمكن أن تشكل مستقبلاً أفضل.
وقال فريدريك ألبريتاون جونسون، المؤرخ بجامعة شيكاغو: «إذا أعاد البشر التفكير في الحاجة إلى النمو المستمر، فيمكن للمجتمعات أن تعمل ضمن قيود الموارد المحدودة وحدود الغلاف الجوي».
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: تسجيل الدخول تسجيل الدخول فيديوهات الإمارات كوب 28 الاستدامة التغير المناخي فی عام
إقرأ أيضاً:
من القمح إلى البطاطا.. ثلث إنتاج الغذاء العالمي في مهب الريح
حذرت دراسة جديدة من أن الاحتباس الحراري يعرض جزءا كبيرا من إنتاج الغذاء العالمي للخطر، مع تعرض المناطق ذات خطوط العرض المنخفضة لأشد العواقب.
وفي الدراسة التي نشرت في الثالث من مارس/آذار الجاري في مجلة "نيتشر فوود"، بحث المؤلفون كيف ستؤثر درجات الحرارة المرتفعة، والتغيرات في أنماط هطول الأمطار، وزيادة الجفاف على زراعة 30 محصولا غذائيا رئيسيا حول العالم.
وتقول الباحثة الرئيسية في الدراسة سارة هيكونين، باحثة الدكتوراه في قسم البيئة المشيدة في جامعة ألتو بفنلندا، في تصريحات للجزيرة نت إن "فقدان التنوع يعني خيارات أقل للزراعة، مما قد يقلل من الأمن الغذائي ويحد من الحصول على السعرات الحرارية والبروتينات الأساسية".
ووفقا للدراسة، يمكن أن تصبح نصف المساحات الزراعية في المناطق الاستوائية غير صالحة للإنتاج إذا استمرت درجات الحرارة في الارتفاع. وستعاني هذه المناطق أيضا من انخفاض حاد في تنوع المحاصيل، مما يهدد الأمن الغذائي ويجعل من الصعب على السكان الحصول على العناصر الغذائية الأساسية.
وتسلط الدراسة الضوء على أن الاحتباس الحراري سيؤدي إلى انخفاض كبير في الأراضي الزراعية المناسبة للمحاصيل الأساسية مثل الأرز والذرة والقمح والبطاطا وفول الصويا.
إعلانوتوفر هذه المحاصيل أكثر من ثلثي الطاقة الغذائية العالمية. وتعتبر المحاصيل الجذرية الاستوائية، مثل اليام التي تعد مصدرا أساسيا للأمن الغذائي في العديد من البلدان المنخفضة الدخل، من بين الأكثر تأثرا.
وأوضحت هيكونين "في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، التي ستكون الأكثر تضررا، قد يصبح ما يقرب من ثلاثة أرباع الإنتاج الغذائي الحالي في خطر إذا تجاوزت درجات الحرارة 3 درجات مئوية"، مشيرة إلى أن بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط الواقعة في الصحراء الكبرى ستكون ضمن أكثر المناطق المتأثرة بتغير المناخ.
من ناحية أخرى، قد تحافظ المناطق ذات خطوط العرض المتوسطة والعالية، مثل أجزاء من أميركا الشمالية وأوروبا وروسيا، على إنتاجها الزراعي، بل قد تشهد توسعا في زراعتها. ومع ذلك، فإن أنواع المحاصيل المزروعة ستتغير، إذ يمكن أن تصبح الفواكه المعتدلة مثل الكمثرى أكثر شيوعًا في المناطق الشمالية مع تغير الظروف المناخية.
وتلفت الباحثة إلى أنه رغم أن بعض المناطق قد تشهد تحسنا في الظروف المناخية للزراعة، فإن تغير المناخ يجلب معه تحديات أخرى.
"تظهر دراستنا أن هناك إمكانات زراعية في بعض المناطق، ولكن هناك عوامل أخرى مثل انتشار الآفات الجديدة والظواهر الجوية المتطرفة يمكن أن تشكل تهديدات كبيرة، كما أوضحت هيكونين.
علاوة على ذلك، فإن العديد من البلدان الواقعة في خطوط العرض المنخفضة تعاني بالفعل من نقص الغذاء وعدم الاستقرار الاقتصادي ونقص الموارد الزراعية.
وتوصي الدراسة بضرورة تحسين الوصول إلى الأسمدة والري وتخزين الغذاء للحد من بعض هذه المخاطر. ولكن وفقا للباحثة، فإن الحلول الطويلة الأجل ستتطلب تغييرات كبيرة في السياسات واستثمارات في إستراتيجيات التكيف مع المناخ.
إعلان"في العديد من المناطق الاستوائية، تكون إنتاجية المحاصيل أقل بكثير مقارنة بمناطق أخرى ذات ظروف مناخية مشابهة. يمكن تحسين الإنتاجية من خلال تقنيات زراعية أفضل وبنية تحتية متطورة، لكن تغير المناخ يضيف المزيد من التحديات، مما يستدعي اتخاذ إجراءات إضافية، مثل اختيار محاصيل أكثر مقاومة وتحسين أساليب التهجين"، كما قالت هيكونين.
على الرغم من أن التأثيرات الأكثر خطورة لتغير المناخ على إنتاج الغذاء ستحدث في المناطق الاستوائية، فإن الدراسة تؤكد أن النظام الغذائي العالمي مترابط. فارتفاع درجات الحرارة، والظواهر الجوية المتطرفة، وتغير المناطق الزراعية، سيؤثر كلها على أسعار الغذاء وسلاسل التوريد والتجارة الدولية.
وأكدت هيكونين "إذا أردنا تأمين نظامنا الغذائي العالمي، فيجب علينا اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة والتكيف مع الظروف المتغيرة. حتى لو كانت أكبر التأثيرات في المناطق الاستوائية، فإننا جميعا سنشعر بتداعياتها من خلال الأسواق الغذائية العالمية. هذه مشكلة تتطلب منا جميعا العمل معا لمواجهتها".