كيف أحيت معركة الطوفان قضية فلسطين في ضمائر الأمة والعالم؟
تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT
يمانيون – متابعات
انشغلت الأمة بقضاياها واهتماماتها اليومية ولهثت وراء تقليد الحضارات الغربية متناسية القضية المقدسة والمصيرية قضية فلسطين حتى جاءت عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها كتائب القسام الجناح العسكري التابع لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر الماضي لتحيي في الجميع قضية النضال الفلسطيني، وهي حقيقة لم تغب عن أذهاننا كأمة إسلامية.
تتحرر الشعوب بالمقاومة والنضال وهذا ما علمتنا تجارب التحرر من العبودية والاحتلال على مر العصور، فجأت غزة العزة لتبرهن أن ما اٌخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
قضيتنا الأولى
كان لـ”طوفان الأقصى” أثره البالغ في استحداث جديد لمفهوم الحضارة التي غابت لسنوات في ظل سيطرة الغرب الذي عمل على تجريد العالم من الإنسانية وقيمها.
إنها انبعاثه جديدة للأمة، من خلال المظاهرات والمسيرات التي حشدتها الشعوب العربية والإسلامية وبعض الدول الحرة تضامنا من الشعب الفلسطيني وتنديدا بجرائم الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة، حيث ردد المشاركون في المظاهرات والمسيرات الذين يعتبرون فلسطين بوصلة الشرف والمقاومة والرجولة، الأناشيد الداعمة والمساندة للمقاومة الفلسطينية وفق مستطلعين أفادوا بذلك لموقع صحيفة السياسية.
يقول رامي الأديمي وهو يمني يعيش حاليا في تركيا إن تفاعل الشارع التركي مع القضية الفلسطينية مبهر وله دلالات واضحة تؤكد أن القضية لم تعد طي النسيان على المستوى الشعبي أو السياسي.
ويضيف الأديمي أن فلسطين كانت وما تزال قضيتنا الأولى.. مشيرا إلى أن معركة طوفان الأقصى اعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة ضمائر واهتمامات الشعوب العربية والإسلامية.
عاد للناس إيمانهم بالمقاومة والحرية
بدوره يرى سيف الدين الذي يعيش في الجزائر أن علاقة الشعوب بفلسطين علاقة أخوية لا تحدها مسافة أو حدود ولا نحتاج البتة إلى جواز سفر حتى “نجدد عهدنا بها”.
ويقول سيف الدين “معركة طوفان الأقصى جعلتنا نستيقظ على حلم عربي طال انتظاره جدا، فما أجمله من واقع، فمن حجر يقاوم إلى صاروخ يضرب، ومن أسر وانكسار إلى غزو ومقاومة”.. ووصف تضحيات أبطال المقاومة بأنها جرعة إيمانية عظيمة “شجعتنا وزودتنا بطاقة ايمانية كبيرة”.
فلسطين في ضمير اليمنيين
لم تغب قضية فلسطين في ضمير اليمنيين يوما لما لها من مكانة عظيمة جسدتها المظاهرات الشعبية العارمة التي شهدتها العديد من المحافظات، حيث حظيت معركة “طوفان الأقصى” بمباركة من صنعـاء قيادة وشعبا مؤكدة على عدالة القضية ومؤيدة لحق الفلسطينيين في استرداد أرضهم المغتصبة.
أصبحنا نرى مظاهرات عديدة مناصرة لفلسطين في الشارع اليمني منذ انطلاق المعركة الفاصلة في السابع من أكتوبر الماضي، وزاد على إثرها وعي الأطفال والشباب بالقضية الفلسطينية وتساؤلاتهم التي تجعل القضية تتصدر الأحاديث في المنازل وعلى كافة وسائل التواصل الاجتماعي، هذا ما حدثتنا عنه أم آية وهي مواطنة من محافظة حجة التي قالت: “منذ السابع من أكتوبر وعيوننا متسمرة على التلفزيونات وقلوبنا متعلقة لغزة بالدعاء، فأصبحنا نعايش الحدث فيها لحظة بلحظة وثانية بثانية وتوحدت مشاعرنا وصرنا نحزن لألمهم ونفرح لفرحهم”.
وتضيف أم آية “بالرغم مما نمر به من أوضاع إلا أن قضيتهم تلغي أي قضايا أخرى ويتم تأجيلها إلى إشعار آخر”.. مشيرة إلى أن أولادها تفاعلوا مع القضية الفلسطينية التي لم يكونوا على دراية بها وغابت عن وسائل الإعلام ولم تكن في صدارة الأخبار وأنهم أصبحوا يرددون أناشيد المقاومة.
من جانبه يؤكد عبدالله طرموش من صنعاء أن معركة طوفان الأقصى وحدت الشارع اليمني بشكل كبير.. مضيفاً أن القضية اكتسبت زخماً عالياً في الشارع وتفاعل العديد من اليمنيين وتعاطفوا بالرغم من ما تمر به البلاد من أوضاع صعبة الا أن اليمنيين تناسوا ما بهم من وجع ونزلوا للشوارع مناصرين ومؤيدين.
العودة إلى الواجهة
على خلاف ما يعتقده البعض بأن القضية العادلة لأبناء فلسطين قد دفنت وذهبت طي النسيان، فأنها لا تموت تبعث مراراً وتكراراً وأصبحت القضية التي من أجلها انطلقت العديد من المسيرات الداعمة في عدة دول غربية وخرج فيها آلاف الأشخاص رافعين شعارات تطالب بالاعتراف بحقوق الفلسطينيين وشجب القصف الإسرائيلي على غزة، ليتم وضع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مرة أخرى في قلب الاهتمام الإعلامي والسياسي العربي والعالمي.
السياسية / ميادة العواضي
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة طوفان الأقصى فلسطین فی
إقرأ أيضاً:
بالوعي والمقاومة.. كيف أعاد اليمن صياغة معركة الأمة؟
يمانيون../
ليس أخطر على أمّة من أزماتها الفكرية والثقافية، ولا أشد قسوة عليها من الانحطاط الذي يُطوّق وعيها ويحاصر إرادتها، فالأزمات السياسية قد تجد طريقاً للحل إذا كانت هناك إرادة واعية، ولكن حين تتصدع منظومة القيم، ويتسلل الوهن إلى الثقافة والضمير الجمعي، تصبح الأمّة عاجزة عن مواجهة الأخطار التي تحدق بها، بل قد تتحول إلى شريك في تسهيل هذه الأخطار وتمكينها من تحقيق مآربها.
هذا ما نعيشه اليوم في واقع الأمّة العربية، حيثُ لم يعد الانقسام والتشتت مجرد ظاهرة سياسية، بل باتا جزءًا من المشهد الثقافي والفكري.
انحراف مبادئ وفلسطين ثابتة
لقد أصبحت فلسطين، التي كانت رمزاً للوحدة والنضال، هدفاً للخذلان، بل وحتى خنجراً في خاصرة النخب التي اختارت الاصطفاف مع العدوّ الصهيوني، ليس فقط بالتطبيع، بل بالدفاع عن جرائمه، وتشجيعه على قصف كلّ صوت مقاوم.
إن هذا الانحطاط لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج طويل من العمل الممنهج الذي استهدف الثقافة والوعي العربيين.
منذ عقود، والآلة الاستعمارية تعمل على تفريغ الهوية العربية من محتواها، واستبدال قيم التضامن والإباء بقيم الاستهلاك والخضوع.
واليوم، نرى ثمرة هذا المشروع واضحة في مواقف بعض النخب السياسية والإعلامية التي تتباهى بولائها للمحتل، وتهاجم كلّ من يقف في وجهه.
لقد أصبح المشروع الإسرائيلي جزءاً لا يتجزأ من مشروع الهيمنة الأمريكية في المنطقة، وكلاهما يسعيان إلى تمزيق ما تبقى من وحدة عربية، وتصفية كلّ جيوب المقاومة التي تقف حجر عثرة أمام مخططاتهما.
وما يثير الألم والغضب هو أن بعض الدول والجماعات السياسية في المنطقة لم تكتفِ بالصمت، بل انضمت إلى هذه المشاريع، وأصبحت شريكاً فاعلاً فيها.
إن هؤلاء الذين يشرعنون وجود الكيان الصهيوني، ويدافعون عن قصفه للمدن والمخيمات، لا يدركون أنهم يطعنون شعوبهم قبل أن يطعنوا القضية الفلسطينية، إنهم يقفون في خندق الخيانة، ويتحولون إلى أدوات بيد المحتل، يُروِّجون لرواياته، ويُضلِّلون الرأي العام العربي، حتى أصبح من يدافع عن فلسطين يُتهم بالتطرف، ومن يُناصر الاحتلال يُصنَّف بالاعتدال.
اليمن يبرز بالمشروع القرآني
القصة بدأت قبل عقدين من الزمن وبينما كان الكيان الصهيوني يواصل تنفيذ مخططاته لتدجين الشعوب وتفريغ الهوية الثقافية العربية من محتواها، وقفت الأنظمة العربية عاجزة، بل وغافلة عن الأخطار التي تُحاك ضد الأمّة.
في خضم هذا الواقع المرير، برزت بصيرة رجل من أعماق جبال اليمن، الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، الذي أدرك بحكمته ووعيه حجم المخاطر التي تهدد الأمّة وكرامتها.
بدأ بتأسيس مشروع قرآني يهدف إلى مواجهة هذه المخططات الاستعمارية، مستندًا إلى ثقافة المقاومة والإباء، ليعيد صياغة الوعي الجمعي للأمة، ويضع أسساً جديدة لصراع يمتد إلى عمق الوجود العربي والإسلامي في مواجهة الاحتلال والاستكبار.
في خضم هذا الواقع المرير الذي تعيشه الأمّة العربية، حيثُ تخفت أصوات المقاومة وتتعالى أصوات التطبيع والانحلال، ويغيب المشروع العربي، يظهر اليمن كاستثناء لافت، يكسر هذه المعادلة المذلة، ويعيد إلى الوعي العربي الأمل.
منذ اللحظة التي أطلق فيها الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، مشروعه القرآني التحرري في عام 2003 كان يدرك بعين بصيرته أن الأمّة تقف على شفا هاوية، وأن التخاذل أمام المشروع الأمريكي الصهيوني ليس إلا بداية لسلسلة لا تنتهي من الانكسارات والهزائم.
لقد أطلق مشروعًا لم يكن مجرد حراك سياسي أو عسكري، بل ثورة فكرية وثقافية، انطلقت من عمق جبال مران في صعدة، لتعيد صياغة مفهوم المقاومة وفق أسس ثقافية ودينية وأخلاقية متينة، كان يؤمن بأن أية مواجهة مع قوى الاستكبار العالمي يجب أن تسبقها مواجهة داخلية مع الجهل، والخنوع، والتبعية؛ ولهذا أسس وعيًّا شعبيًّا يربط بين معركة الكرامة الوطنية ومعركة البناء الثقافي والروحي.
حمل المشروع يخلق التحولات
وبعد سنوات من التضحيات، أصبحت نتائج هذا المشروع واضحة للعيان، الجيش اليمني، الذي كان يوماً مستضعفاً ومحاصرًا، تحول إلى قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها، استطاع أن يفرض معادلات استراتيجية غير مسبوقة، من التحكم في مياه البحر الأحمر إلى دك عمق الأراضي المحتلة بالصواريخ والمسيّرات، معلنًا أن الأمّة قادرة، إن أرادت، على كسر هيمنة أمريكا وبريطانيا وإسرائيل.
على الجانب الآخر، نجد الشعب اليمني في حالة استثنائية من الوعي والحركة، في وقت غرق فيه كثير من شعوب المنطقة في الخمول واللامبالاة، يقف الشعب اليمني في ميادين المقاومة بكل أشكالها، تجدهم في معسكرات التدريب، وفي دورات التأهيل الثقافي والعسكري، وفي الإعلام، وفي حملات التبرع لدعم المجهود الحربي، وفي الوقفات الاحتجاجية والمسيرات المليونية التي تجدد روح الصمود والتحدي كلّ أسبوع.
هذا المشهد يضعنا أمام مقارنة مؤلمة مع بقية شعوب وقادة المنطقة، في حين يُباد أهل غزة تحت القصف الإسرائيلي، وتُدمَّر المدن الفلسطينية، نرى كثيراً من الدول العربية غارقة في مهرجانات الترفيه والرقص والانحلال الأخلاقي، بينما يستمر الكيان الصهيوني في جرائمه، نجد هذه الدول تلتزم الصمت، أو في أحسن الأحوال تصدر بيانات خجولة لا ترقى إلى مستوى الجريمة.
بل إن الأمر تجاوز حدود الصمت إلى التواطؤ، فبعض الدول أصبحت تطالب الكيان علنًا باجتثاث حركات المقاومة، وتتهمها بالإرهاب، وكأنها تنطق بلسان المحتل، أما التطبيع، فلم يعد مجرد اتفاقيات سرية، بل تحول إلى حالة فجة من التحالف مع العدوّ، بل والدفاع عن جرائمه، تحت ذرائع واهية لا تنطلي إلا على العقول المستعبدة.
إن الفارق بين اليمن وبقية المنطقة ليس في الإمكانيات، بل في الإرادة والوعي، في اليمن، أدرك الشعب والقيادة أن الكرامة لا تُمنح، بل تُنتزع، أما في بقية الدول، فقد استسلمت شعوبها وقادتها لفكرة أن المقاومة مستحيلة، وأن الخضوع قدر لا مفر منه.
إن ما يقدمه اليمن اليوم ليس فقط نموذجاً للمقاومة، بل دعوة صريحة للأمة لاستعادة دورها ومكانتها، ما يفعله الشعب اليمني هو تأكيد على أن الكفاح ممكن، وأن التغيير يبدأ من الوعي والإيمان بعدالة القضية.
وفي النهاية، تبقى الحقيقة واضحة: الكيان الصهيوني وأعوانه يعتمدون على حالة الخنوع التي يعيشها معظم العالم العربي، لكنهم يدركون تماما أن هناك شعوباً، كاليمن، لا تزال عصية على الخضوع، قادرة على كسر معادلات الهيمنة، وكتابة مستقبل الأمّة بأحرف من نور ودم.
النموذج اليمني كدعوة اقتداء للأمة
أخيراً، وفي ظل غياب المشروع العربي فإن ما يقدمه اليمن من نموذج راسخ في الصمود والمقاومة يؤكد أن الخلاص الحقيقي للأمة يكمن في الانضواء تحت راية المشروع القرآني، الذي أثبت صلابته في مواجهة قوى الاحتلال والاستكبار؛ فهذا المشروع لم يكن مجرد حراك عابر، بل رؤية متكاملة تستنهض قيم الحق والعدل والكرامة، وتعيد للأمة هويتها ومكانتها.
هل تتذكرون خطابات السيد القائد عبد الملك الحوثي، خلال أغسطس وسبتمبر من هذا العام، عندما حذر من خطورة التنصل عن المسؤولية تجاه ما يحدث من عدوان على غزة؟ فقد أكّد أن التخاذل أو صمت بعض الدول العربية عن دعم غزة ليس مجرد خطأ سياسي، بل خطوة خطيرة تحمل بذور اضطرابات كبرى ستطال الجميع، سواء أكانوا دولًا أو جهات سياسية.
وأشار إلى أن ما يحدث في غزة ليس سوى بداية لمعركة أكبر ستحدد مستقبل الأمّة العربية بأسرها.
وقد رأينا قبل أيام تحقق ذلك في سوريا، حيثُ حاول النظام السابق بقيادة بشار الأسد تحييد سوريا عما يحدث في غزة، لكن نتيجة هذا التفريط كانت كارثية،؛ إذ انتهى الأمر بسقوط سوريا، مما مثَّل فرصة لتوسع الاحتلال في الأراضي السورية واحتلال مساحات كبيرة، إلى جانب تدمير مقدرات سوريا العسكرية.
وهناك اليوم أيضاً تحذيرات من أن تكون الأردن هي التالية؛ إذ بات الكيان الصهيوني يلعب على نفس السيناريو والمخطط وهو مستعد لاقتناص هذه الفرص لتدمير مقدرات الجيوش العربية.
ما أود قوله في هذه السطور هو التأكيد على رسالة السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي، في خطابه يوم الخميس لجمهورية مصر العربية، حيثُ أشار وحذر من وجود سيناريو أمريكي وإسرائيلي يستهدف الجيش المصري بشكل مباشر.
هذا التحذير يجب أن يُؤخذ على محمل الجد من قبل القيادة والشعب والجيش المصري، فلقد رأينا كيف تحول التهاون في سوريا إلى انهيار أمني وعسكري واسع النطاق.
ومن هنا كانت الرسالة واضحة من قبل السيد الحوثي؛ إذ شدّد على أنه يتعين على مصر القيام بواجبها ومسؤولياتها تجاه الأمّة لدرء هذه المخاطر قبل أن تصل إليها.
المسيرة: كامل المعمري