في الجزء الثامن عشر من «موسوعة مصر القديمة»، والذي تناول الأدب المصري القديم في الشعر وفنونه والمسرح، يروي الأثري الراحل سليم حسن تمثيلية حفظت منقوشة على جدران معبد «إدفو» الذي أقيم للإله «حور»، ووصفها بأنها «تُعدُّ أحسن دراما حفظت لنا بحالة سليمة»، وفق تعبيره «حيث يوضح متنها رسوم لمناظرها؛ مما يساعد على فهم هذه الدراما».

 

حملت هذه الدراما عنوان «انتصار حور على أعدائه»، حيث تقص حرب الانتقام التي شنها «حور» على قاتل والده «أوزير»، ثم انتصاره والحكم له أمام القضاة المقدسيين، ثم اعتلائه عرش والده «أوزير» بوصفه الوارث القانوني له. لتنتمي هذه الحكاية إلى «الدراما المنفيَّة» أو «تمثيلية خلق الدنيا» و«دراما التتويج»، التي يرجع عهدها إلى أوائل الأسرة الثانية عشرة. 

وتشير الموسوعة إلى أن إله «إدفو» الأكبر هو «حوربحدت» أو «حور إدفو»، الذي نعرف أن حروبه الخرافية مع أعدائه ومع أعداء إله الشمس ترجع إلى أصل تاريخي -وهو الإله الذي نراه في الرسوم التي توضح الدراما- غير أنه في متن الدراما، وأحيانًا في التعابير المختصرة التي نجدها مكتوبة أمام بعض الآلهة الأخرى في الرسوم، أن «حور الصغير» بن «أوزير» و«إزيس» هو الذي يشار إليه دائمًا. 

وتحتوي «تمثيلية إدفو» على خمسة أقسام: مقدمة، وثلاثة فصول مقسمة إلى مناظر وخاتمة. تضم متونًا قصيرة قليلة العدد، يحتمل أنها اقتباسات من حديث، وليس فيها إلا عدد قليل جدًّا من العناوين المفسرة للمناظر.

يقول سليم حسن: التعليمات المسرحية فلا نجدها إلا في الفصل الأول في المنظر الرابع والفصل الثالث في المنظر الثالث، والتعليل المحتمل لهذه النقائص هو أن الرواية التي وصلت إلينا عن الدراما التي نتناولها الآن هي رواية مختصرة؛ بسبب أن الرقعة التي كانت تحت تصرف النحَّات على جدار المعبد كانت محدودة، وأنه كان لا بد له من أن يترك مسافة للأحد عشر رسمًا التي كانت لازمة لإيضاحها. 

وجاءت الرسوم الخاصة بـ «دراما التتويج» هذه تتضمن التعليمات المسرحية -أو قائمة المتاع- موضحة برسوم خشنة في أسفل الصحيفة؛ وفيما يختص بالممثلين، يظهر أنه كان يوجد في «تمثيلية إدفو» شخصيات ثانوية لا تشترك في التمثيلية بالكلام؛ بل كانوا يقومون بأدوارهم في مناظر صامتة.
وتوضح الموسوعة: لذلك لم تذكر التعاليم المسرحية في المتن الذي اختصر عن قصد، ومن جهة أخرى قد وجدنا أحاديث ذكرت في المتن، وفي الوقت نفسه لم نجدها في الرسوم الإيضاحية، وهذا الحذف يمكن أن يعزى إلى الاقتصاد في الرقعة التي تحت تصرف الكاتب، وأن مجرد وجود الممثلين والكلام الذي تفوَّهوا به في المتن كان يعتبر كافيًا.

 

جدل حول أصلها

هناك أدلة تُبرهن على أن التمثيلية أقدم بكثير من العصر الذي كتب فيه متنها على جدران المعبد. والواقع أن المتن نفسه يزخر بتعابير من اللغة المصرية الحديثة، ويوحي بأنه قد نسخ من بردية كتبت في أواخر الدولة الحديثة.

وقد ذكر في الرسوم أن رئيس مرتلي المعبد هو «إمحوتب» -المعروف بالحكيم والمعماري للملك «زوسر» من الأسرة الثالثة- مما يُشعر بأن القصة يرجع عهد تأليفها إلى زمن أبعد بكثير من نهاية الدولة الحديثة، يضاف إلى ذلك أن الجدار الذي كتب عليه متن الدراما ونقشت عليه رسومها، ويقال إنه أقيم حسب التصميم الذي وجد في كتاب «في تصميم معبد»، وتأليف هذا الكتاب يعزى إلى «إمحوتب» هذا.

وهناك رواية أخرى تقول إن هذا الجدار قد بني على غرار التصميم العظيم الذي في الكتاب الذي نزل من السماء شمالي «منف»، لتكون هناك رواية تربط المبنى الأصلي ببلدة «منف»، وبعبارة أخرى بعهد الدولة القديمة. هكذا ليس من المستحيل أن يرجع تاريخ «تمثيلية إدفو» إلى عهد الأسرة الثالثة، وأن يكون نفس كاتبها هو «إمحوتب» أو على الأقل كتبت تحت إشرافه.

 

ما السبب الذي من أجله نقشت هذه الدراما على جدران المعبد؟

تقول الموسوعة: كان المصري القديم يعتقد أن لوجود الكتابة والرسم معًا أثرًا سحريًّا واقيًا كالأثر السحري المفيد الذي يحصل عليه الإنسان من تمثيل الرواية المقدسة نفسها. فضلًا على أن فائدته هناك ستكون باقية إذا حدث أن «الدراما» قد أهمل تمثيلها السنوي. 

وتضيف: ولا جدال في أن الممثلين والممثلات، سواء أكانوا يمثلون دورهم بالحديث أم يمثلون دورهم صامتًا، كانوا ينتخبون من كهنة المعبد وأسرهم. وقد دلتنا إحدى التعليمات المسرحية التي بقيت على أن الكاهن رئيس مرتلي المعبد كان هو الذي يقوم بإلقاء الأحاديث، وكان مفروضًا أن الملك كذلك يلعب دورًا في المسرحية، ولكن بطبيعة الحال كان يقوم بإلقائه نائب عنه.

ومن المحتمل جدًّا أنه كان يوجد في المسرحية فرقة مغنين يجوز أنها كانت مكونة من مغني المعبد وموسيقييه، وكانوا يحتلون أماكنهم على المسرح بوصفهم أصحابًا ومعاضدين للإله «حور». 

وتدل الرسوم بوضوح على أن الدراما كان يمثل بعضها على الماء وبعضها بجانب مجرى ماء. ومن المحتمل أنها بركة حور، وهي بحيرة مقدسة تقع في الجهة الشرقية من المعبد، ولكنها في داخل السور المحيط به، والظاهر أن الممثلين الذين كانوا يمثلون حور والآلهة والعفاريت الذين كانوا يتبعونه، كانوا يلعبون دورهم على وجه عام في قوارب تسبح في البركة. 

وفي حين أن المرتل كان من المحتمل أن يقف على الأرض في الأمام بين المتفرجين والممثِّلين؛ أما «خاتمة التمثيلية» فيظهر أنها كانت تمثل على اليابسة.


كم مرة عُرضت «تمثيلية إدفو»؟

تشير الموسوعة أن هذه الدراما كانت تمثل سنويًّا، وقد أشير إلى تاريخ اليوم الذي كانت تمثل فيه، وذلك بوساطة تعليم مسرحي في الفصل الثالث؛ حيث يقول: إن تقطيع أوصال «ست»، وهو حادث جاء في آخر الدراما، كان ينفذ في اليوم الواحد والعشرين من الشهر الثاني من فصل الربيع؛ أي في الواحد والعشرين من شهر أمشير.

ويؤكد سليم حسن: وإن كانت هذه «الدراما» تمثل تذكارًا لانتصار «حور» على أعدائه، وأن تمثيلها السنوي كان يُظَنُّ أنه يخلد سحريًّا هذه الحوادث الجسام وما ينشأ عنها من فائدة، فإنه كان يُعتقد في الوقت نفسه أنها تمنح الملك الذي يمثل دورًا فيها نفس هذه الفوائد السحرية.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: انتصار حور إدفو مصر القديمة هذه الدراما فی الرسوم على جدران على أن

إقرأ أيضاً:

محمد صبحي يكشف تفاصيل مسرحيته الجديدة .. تفاصيل

يكشف الفنان محمد صبحي، الكثير من الأسرار الفنية وتفاصيل عروضه المسرحية الجديدة، وذلك خلال حلوله ضيفًا مع الإعلامية شيرين سليمان، عبر برنامجها «سبوت لايت»، الجمعة المقبل، على شاشة صدى البلد.

محمد صبحي يفتح صندوق الأسرار في سبوت لايت مع شيرين سليمان

 

محمد صبحي مسلسل فارس بلا جواد  

ويتحدث صبحي عن تفاصيل مسرحيته الجديدة «فارس يكشف المستور»، والتي تُعتبر امتداد لمسلسل «فارس بلا جواد»، والذي يطرح من خلاله العديد من الأفكار الواقعية، كما يتناول لأول مرة الحديث عن كواليس لقاءه مع «كوكب الشرق» أم كلثوم، خلال إحدى الحفلات التي كان خلالها يعمل في شباك التذاكر.


كما يتحدث أيضا عن رأيه في التعدي على بعض رموز الفن خلال الفترة الحالية، كما يكشف أيضًا عن رأيه في اعتذار الشاعر والسيناريست أيمن بهجت قمر، ويتحدث أيضاً عن ذكرياته مع المؤلف لينين الرملي، وكيف كان رد فعله بعد انتشار بعض الأقاويل التي اتهمته بسوء معاملة زملائه، خاصة الفنانة عبلة كامل.

 

بحضور فضيلة مفتي الجمهورية..
إقبالٌ كثيفٌ على ندوة "الفتوى والدراما"  للفنان محمد صبحي والدكتور علي جمعة

 

على الجانب الأخر شهد جناحُ دار الإفتاء المصرية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، لليوم الرابع على التوالي، ندوةً مميزة ناقشت موضوعًا شائقًا بعنوان: "الفتوى والدراما"، حيث شهدت إقبالًا كثيفًا من روَّاد المعرض وتفاعلًا كبيرًا من الحضور.


تناولت الندوة العَلاقة بين الدين والفن، وأثر الدراما في تشكيل وعي المجتمع ونقل القيم الدينية بشكل صحيح، وذلك بحضور فضيلة الأستاذ الدكتور نظير محمد عيَّاد -مفتي الجمهورية، رئيسِ الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- وقد حاضر في الندوة كلٌّ من: الأستاذ الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ورئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، والفنان محمد صبحي، الفنان القدير الذي اشتُهر بأعماله التي تجمع بين الفن الهادف والمعالجة المجتمعية، وقد قدَّم الندوة محاورًا الإعلامي شريف فؤاد، وتأتي هذه الندوة في إطار جهود دار الإفتاء لتعزيز التفاعل بين الفتوى والثقافة والفنون بما يخدم المجتمع ويوجهه نحو المسار الصحيح.

 

ومن جانبه تحدَّث فضيلةُ الأستاذ الدكتور علي جمعة -عضو هيئة كبار علماء المسلمين- عن علاقة الفتوى بالدراما، وهل هي عَلاقة تكامل أم تناقض، مؤكدًا أن هذا الأمر ينتابه التشابك والتداخل، ولا نريد أن نحكم عليه فقط، بل نريد أن نطوِّرَه ونسعى به للأمام، وليس الأمر فقط أن نعطي حكمًا بالجواز أو عدم الجواز بقدر ما نريد لهذا البلد الرائد الذي عاد إلى مكانته الأولى أن يسعى لتطوير هذه العَلاقة الجدلية بين الفن والدين.


وأضاف فضيلة الدكتور علي جمعة أن التراث الإسلامي يعكس بشكل عميق قضية الدراما، مشيرًا إلى شخصيات تاريخية، مثل: الظاهر بيبرس، وعنترة بن شداد، التي تحمل حكمةً وتجارِب إنسانية تنقلُها الأجيالُ عبر الزمن، وأكَّد أن هذه القصص تمثِّل جانبًا مهمًّا من الدراما، حيث تقدِّم دروسًا وعِبرًا.


وأشار إلى أنَّ الدراما قد تطوَّرت وسائلها بشكل كبير، موضحًا أنَّ الفكر الغربيَّ غالبًا ما يبدأ من الرواية، حيث تنشأ الفكرة في الرواية ثم تنتقل إلى السينما والصحافة والجامعات، وفي النهاية تصل إلى السياسة وصانعي القرار. من هنا، تُعدُّ الدراما الأساس الذي يرتكز عليه هذا التطور الفكري، وفي المقابل، كان الحكَّاؤون في الشرق ينقلون قصصًا مثل "بني هلال" في المقاهي والأسواق، ثم انتقلت هذه الحكايات إلى الراديو.


وتطرَّق فضيلةُ الدكتور علي جمعة إلى حادثة عُرضت على الشيخ أحمد بن صديق الغُماري، أثناء جلوسه في مسجد الحسين، بأن تُمثَّل شخصية سيدنا يوسف، فأوضح أن تمثيل الأنبياء محرَّم وَفْقًا لفتوى شرعية، لأن ذلك يتضمَّن عنصرَ الوحي ويختص بأبعاد خُلُقية خاصة؛ ولذلك رفض العلماء تمثيل الأنبياء. وقد وافق بعض أهل الدراما على استبعاد تمثيل الأنبياء على مضض، إذ تمسك الشيخ أحمد بن صديق الغُماري برأيه في تحريمه.


وأشار فضيلة الدكتور علي جمعة إلى أن العلماء قد قَبِلوا فيما بعدُ فكرة الدراما بشكل عام، رغم أنهم لم يلتزموا بفتوى الشيخ أحمد بن صديق الغُماري بتحريم التمثيل، وتم الاستقرار على فتوى أخرى تسمح بذلك.


كذلك تحدَّث فضيلةُ الدكتور علي جمعة عن مدى نجاح الدراما في تقديم القيم والقضايا الأخلاقية، وطرح تساؤلًا حول ما إذا كنا نروي الواقع كما هو، أم نميل إلى تقديم ما نأمل أن يكون، وقال: "هناك مدرستان: الأولى تقول إنه إذا قدمنا الواقع، نعرض كيفية حياتنا الحقيقية، بينما الأخرى ترى أن تقديم القبح يؤثر سلبًا على المُشاهد، ويجعل النهاية باهتةً، لأن القُبح لا يفيد"، وأضاف أن هذا النزاع قد حدث بين الكاتبين الكبيرين: عباس العقاد، وإحسان عبد القدوس.


وأشار إلى أن هذه القضية تتطلَّب فنَّانًا قادرًا على تحويلها إلى مهارة فنية، وليس مجرد معلومة، وأضاف أنه من الضروري أن نعتاد تقديمَ ما هو أفضل وأرقى في الدراما، وأن نطوِّر عَلاقتنا بهذا الفن، مشيرًا إلى أنَّ الدراما المصرية منذ بداية القرن العشرين وحتى يومنا هذا عَمِلت على تقديم الواقع والمأمول والفن من أجل الفن، وأسهمت بشكل كبير في نقل الأخلاق إلى المجتمع وتنظيمها.


ومن الناحية النقدية الدينية، أشار إلى أنَّ هناك حاجةً أكبر لتقديم نماذج مشرِّفة، مثل الفنان محمد صبحي، وأن التوصية بالحق والتعاون بين الناس يؤدي إلى الخير لكل المجتمع دون تفرقة.


ولفت الانتباه إلى ملاحظاته حول الأفلام المصرية، حيث لاحظ أنَّ هناك أخطاءً متكررة في تلاوة القرآن الكريم، وأن هناك تحريفًا غير مقصود في بعض الحالات أثناء بعض المشاهد التمثيلية، كما أشار إلى أن بعض المفاهيم الخاطئة قد ترسَّخت في الدراما، مثل فكرة أن الرجل لا يستطيع تطليق زوجته إذا فوَّض ذلك لها (جعل العصمة في يدها)، وهو أمر يتطلب تصحيحًا.


كما تحدَّث فضيلةُ الدكتور علي جمعة عن صورة رجل الدين في الدراما، مؤكدًا أن الغالبية العظمى من هذه الصور سلبية، وأن هناك قلة فقط عكست صورةً إيجابية له، مشيرًا إلى أنَّ بعض الممثلين استخدموا زِيَّ المأذون أو المدرِّس أو الشيخ الأزهري للسخرية، موضحًا أن هذا الأمر تزايد في فترة سياسية غير مستقرة، حيث كانت الظروف العامة صعبة وقَلِقة، وشدَّد على أهمية التعاون من أجل النهوض بالدولة الجديدة، مشيرًا إلى دَور القيادة المصرية والريادة التي كانت دائمًا تمثل مصر في التاريخ كمثال للخير ونبراس  مضيء للعالم.
 

وحول دَور المؤسسات الدينية في دعم الأعمال الدرامية للحفاظ على صورة رجال الدين، أكَّد فضيلة الدكتور علي جمعة أنَّ التعاون بين هذه المؤسسات والفنانين قد بدأ منذ فترة طويلة، وأوضح أنَّ العديد من الروائيين والمُخرجين والمنتجين يتوجَّهون إلى مجمع البحوث الإسلامية لطلب النصائح الشرعية حول الأعمال الدرامية والأدبية، وبعض هذه النصائح يتم قبولها، بينما يتم رفض البعض الآخر، مما يُعيدنا إلى السؤال حول ما إذا كانت الفتوى مُلزمة أم لا، في هذا السياق، أشار فضيلته إلى أن الحُكم المُلزم هو حكم القاضي. وأكَّد أنَّ هناك تعاونًا قائمًا بالفعل، ودعا إلى تعزيز هذا التعاون ووضْعِ قواعد واضحة له.
وأضاف أنه من الضروري أن يتم تربية أبنائنا من أهل العلوم الشرعية على هذا المبدأ، بحيث تُمنح مساحة واسعة من الحرية، مع الأخذ في الاعتبار أنه إذا كانت هناك ملاحظات أو تحفُّظات، فيجب أن يتم التعامل معها بحذر واهتمام.

 

من جانبه، وجَّه الفنان محمد صبحي الشكرَ إلى فضيلة المفتي، وأشاد بوجوده بجوار د. علي جمعة، مشيرًا إلى أن العصر الحالي يشهد تصدُّر كل الناس للفتوى والمعرفة دون اختصاص.


كما تحدَّث عن دَور الدراما كفنٍّ يقوم على الخيال لنقل الواقع، موضحًا أن الفن الصحيح يوجه رسالةً دون المساس بالأخلاق التي أتى بها الدين. وقد أثار تساؤلًا عن مدى إلزامية الفتوى، وهل يجب العمل بها إذا لم يقتنع الإنسان بها؟


كذلك أشار الفنان محمد صبحي إلى أن الدراما لها جوانب متعددة، فهي تسهم في بناء الإنسان وتجعل الجمهور يتأمل دون إصدار الأحكام. وأوضح أن الإعلام هو الوعاء الذي يحدد ما يُعرض للناس من محتوًى جيِّد أو سيِّئ. واستشهد بواقعة تمثيل النبي في فرنسا، مشيرًا إلى أهمية احترام الشخصيات الدينية. كما ذكر أنه تلقى انتقادات لعدم تعليم الأطفال الصلاة في مسلسل "ونيس"، مؤكدًا أنه ليس شيخًا ليتحدث في هذا المجال.


وأكد صبحي أنَّ المشكلة في الدراما ليست في الإسفاف اللفظي فقط، بل في الإسفاف الفكري، موضحًا أن مسلسل "ونيس" قدَّم نموذجًا للأخطاء البشرية وكيفية الاعتذار عنها. وأشار إلى أهمية توجيه الدراما لتأثير إيجابي دون الوقوع في قيود تَحُدُّ من الإبداع. وروى موقفًا حين دعاه محافظ الجيزة لافتتاح حارة تأثرت بالمسلسل، من حيث تجميلها وتحويلها إلى صورة جيدة، مما يعكس قوة تأثير الفن.


وأوضح صبحي أنَّ الدراما لا تهدُف إلى الترويج للمخدرات، بل إلى تقديم الشخصيات الواقعية بأسلوب يعكس خطرَ تلك السلوكيات، مستشهدًا بمشهد -في فيلم غربي- تحول فيه الضابط إلى مدمن قهرًا دون عرض تفاصيل لكيفية تناول هذه المخدرات، وحاول صديقه إعادته إلى الطريق الصحيح. وانتقد بعضَ الأعمال التي تهدم القيم المجتمعية، مؤكدًا أن مصر تحتاج إلى تنمية مستدامة تبدأ ببناء الطفل أخلاقيًّا وسلوكيًّا.


كما تحدَّث الفنان محمد صبحي عن ظاهرة ورش العمل الفنية، مقترحًا تسميتها "استوديوهات"، وانتقد بعض المسلسلات الرمضانية التي تقدِّم خيانات زوجية، مشيرًا إلى أن الريادة المصرية كانت قائمة على أدباء ومفكرين غاب تأثيرهم الآن، معربًا عن قلقه من تأثير السوشيال ميديا على عقول الأطفال وانتشار أفكار منحرفة تهدف إلى هدم الأسر والثقافة، محذرًا من مخططات تلغي الأديانَ وتنشر الماسونية.


وأكَّد أهميةَ إنشاء خريطة ثقافية وإعلامية تُعنَى ببناء الوعي الديني والثقافي. وأوضح أن ما نراه من سلوكيات سلبية وعنف في المدارس لم يكن مصادفة، بل نتاج تخطيط تدريجي. ودعا إلى استغلال وسائل التواصل الاجتماعي لصناعة منتجات نافعة بدلًا من الاستهلاك السلبي.


وأوصى الفنان محمد صبحي بعدم تقييد الفن، مؤكدًا أهمية الرجوع إلى أهل التخصص، ودعا إلى إنتاج برامج وأعمال درامية هادفة تُعرض في أوقات مناسبة للأسرة، مثل مسلسل الشيخ محمد متولي الشعراوي، بالتعاون مع دار الإفتاء المصرية، مع الترويج لها بشكل جيد لضمان تأثيرها الإيجابي.

 

وفي ختام الندوة، توجَّه فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عيَّاد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- بالشُّكر إلى فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة والفنان محمد صبحي والإعلامي شريف فؤاد مشيدًا بهذه المشاركة القيِّمة وبالحوار البنَّاء الذي تناول دَور الدين والفن في تعزيز القيم الأخلاقية وبناء الوعي المجتمعي.


وأكَّد فضيلة المفتي أن دار الإفتاء المصرية تحرص على التصدي للأفكار المغلوطة التي تروِّج لفصل الدين عن واقع الحياة، مشيرًا إلى أنَّ الفتوى لا يمكن أن تكون مجرد رأي عابر، بل هي مسؤولية شرعية تستند إلى الدستور الإلهي ومصادره الموثوقة، وعلى المسلمين الرجوع إلى علماء الدين المؤهَّلين الذين يجمعون بين المعرفة الدينية العميقة والفهم الواقعي لقضايا العصر.


كما أوضح فضيلته أنَّ التعاون بين علماء الدين ورجال الفن ضرورة مُلِحَّة في ظلِّ التحديات التي يواجهها المجتمع، حيث إنَّ الفن، إذا تمَّ توظيفه بشكل صحيح يكون وسيلة قوية لنشر القيم الإيجابية والتصدي للأفكار السلبية التي تسعى إلى هدم المجتمع من الداخل. وشدَّد على أهمية تقديم محتوًى إعلامي وثقافي يُسهم في بناء الإنسان ويحترم القيم الأخلاقية، مستشهدًا بدَور الدراما في تشكيل الوعي، سواء كان ذلك من خلال معالجة قضايا اجتماعية أو إبراز التحديات التي تواجه الأسرة والمجتمع.


وأضاف فضيلة مفتي الجمهورية أن واقع اليوم يشهد ظلمًا مزدوجًا؛ ظلمًا لعالِم الدِّين الذي أصبح مستهدَفًا من تيارات التشكيك والتهميش، وظلمًا للفن الذي أُسيء استغلالُه في بعض الأحيان ليصبح أداةً لنشر الإسفاف والابتذال. وأكد أن مواجهة هذه الإشكاليات تتطلب تضافر الجهود بين جميع الأطراف المعنية، سواء كانوا علماء دين، أو مفكرين، أو صنَّاع فن، لإعادة صياغة المشهد الثقافي والفني بما يخدم الوطن ويحمي هُوية المجتمع من التهديدات التي تسعى إلى طمسها.


واختتم فضيلةُ المفتي كلمتَه بالتأكيد على أن دار الإفتاء تعمل جاهدة لتعزيز الوعي الصحيح والرد على التساؤلات التي تثير البَلبلة، مشددًا على ضرورة بناء جسور الثقة بين الدين والفن، والعمل على ترسيخ خطاب ديني متزن وفن ملتزم، قادريْن معًا على مواجهة التحديات وبناء مجتمع أكثر وعيًا وتماسكًا.

مقالات مشابهة

  • ترامب: المروحية العسكرية التي اصطدمت بطائرة الركاب كانت تحلق على ارتفاع عالٍ جدا
  • الحلبي: نحو تعزيز التربية البيئية في المدارس اللبنانية
  • الآثار والمتاحف تعلن فتح أبوابها أمام البعثات الأثرية التي كانت تعمل في سوريا
  • نائب:تعديل قانون الانتخابات يعتمد على “الإتفاق بين كهنة المعبد”
  • فليك: التتويج بـ"التشامبيونز ليغ" من أصعب الأحلام
  • رويترز: طائرة بلاك هوك العسكرية التي اصطدمت بطائرة الركاب كانت في رحلة تدريبية
  • بطلة المياة بعد التتويج : المملكة تستثمر بشكل كبير في قدرات الشباب
  • خاص.. حوار تحت الطاولة بين كهنة المعبد لتعديل قانون الانتخابات في العراق
  • أحمد هشام دودو: التتويج بالمونديال حلم لن نتخلى عنه
  • محمد صبحي يكشف تفاصيل مسرحيته الجديدة .. تفاصيل