الشيخ العلامة محمود بوزوزو.. سيرة و مسير الإمام المصلح و الاستاذ الجامعي في بلاد الغرب: نصف قرن من العمل الإسلامي على مختلف الجبهات
تاريخ النشر: 11th, July 2023 GMT
حاوره بمقر جمعية الشيخ بوزوزو بجنيف: محمد مصطفى حابس: أخي الكريم أستاذ سي عبد الحميد، مرحبا بكم في حوار مع مجلة ” الشاب المسلم” بالفرنسية، مع ترجمة بالعربية لجريدة البصائر التي كان والدكم- شيخنا العلامة سيدي محمود بوزوزو- من ألمع أقلامها قبل الثورة .. وبهذا اللقاء الودي الاخوي نحاول الدخول من خلاله الى بيت شيخنا العلامة محمود بوزوزو لنعرف القارئ الكريم لأول مرة – عن طريق أحد أبنائه – بالشيخ بوزوزو الأب و الإمام و المعلم و المجاهد الوطني وسفير الاسلام في الغرب، كما أشكرك على تلبية الدعوة، علما أنك من زمان، تحاول التملص من هذا العبء.
أستاذ عبد الحميد أنت، إبن الشيخ محمود بوزوزو، كنت مدرسًا وأمين المكتبة الجامعية بجنيف وبالتالي فأنت جزء من حركة الشيخ التي همها التعليم والكتابة و الاصلاح، وقد كانت للشيخ مكتبة ضخمة يعلمها العام والخاص، و قد تبرع بثلثيها للجامعة السويسرية. ضف إلى ذلك هذا المثل المغاربي الذي يقول: “قبل أن تسأل المرأة عن زوجها، اسأل أولاً هي ابنة من؟ و كيف كان والدك لهذه السيدة المجاهدة – رحمها الله- في بضع نقاط ؟
والدي رحمهما الله، تزوجا في دلس عام 1943، ولا يسعني إلا أن أقول إنه طيلة مسيرته كان زوجًا صالحًا، وكان عموما رجلاً مصلحًا ومستقيمًا ومتسامحًا، مع أهله وأقربائه وجيرانه !! الشيخ محمود بوزوزو الأب المربي ؟: كان أبًا حنونًا للغاية، ولم يكن صارمًا مع أطفاله !! الشيخ محمود بوزوزو ، المعلم المترجم ؟ : كان إتقانه للغات العربية والفرنسية ممتازًا. إذ تم تعيينه مترجمًا رسميًا محلفًا لدولة مقاطعة جنيف. التي حرصت من جهتها إلى ترجمة الوثائق الإدارية و وثائق رسمية أخرى.. كما أن الشيخ من جهته قام بتدريب عددا لا بأس به من المترجمين والمترجمين الفوريين ، كما ساعد الطلاب والباحثين في عملهم الجامعي و أشرف على رسائل وأبحاث بعضهم الاخر، ولا سيما ريتو بيزولا في أطروحته حول “أصول وتشكيل أدب البلاط في الغرب”، و ساعد جان لوي ميشون عن أطروحته حول “المغاربي الصوفي ابن عجيبة” ، كما ساعد لوسي بولنس عن أطروحتها حول “الزراعة العربية الأندلسية” ، و ساعد مارسيل أندريه بوازار عن كتابه عن “إنسانية الإسلام”. الشيخ محمود بوزوزو الإمام العالم ؟: كانت معرفته بالقرآن والتفسير و الفقه والحديث رائعة. بالإضافة إلى ذلك، فسر الأحلام وكان على دراية بالشعر العربي الكلاسيكي. وقد كتب كتيباً للكشافة الإسلامية عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بعنوان “آخر الرسل”، كم نشر سلسلة روايات في مجلة ” المسلمون”، محاكاة للسيرة العطرة للرسول و أصحابه (رضي الله عنهم) و بعض المصلحين كالشيخ عبد الرحمان الجيلاني !!. كان لديه ثقافة مزدوجة استثنائية. كان لديه فضول حول كل شيء، وكان لديه شغف بالقراءة بكلتا اللغتين. كان موسوعة حية متحركة. لقد حفظ مئات الأبيات لشعراء عرب وفرنسيين وكانت ذاكرته استثنائية. أتذكر أنه قبل وفاته بوقت قصير، عن عمر يناهز 88 عامًا ، استعرض لي عن ظهر قلب”الباتروس (القطرس)” لتشارلز بودلير !!. لقد جمع آلاف الكتب في مكتبه في مجالات مختلفة من المعرفة، و أهدى جزء كبيرا منها لمدينة جنيف وكانت لدي مهمة فهرستها لمكتبة الجامعة. و الآن يمكن للقارئ الاستفادة منها في مكتبة مدينة جنيف الرئيسية… كإمام ، كان أيضا الشيخ يستقبل و يوجه معتنقي الإسلام الجدد الأوروبيون ، على سبيل المثال لا الحصر المفكر الفرنسي روجيه غارودي ، الذي أشهر إسلامه بين يديه !! ما هي آخر الذكريات التي بقيت عالقة في ذهنك؟ وصيته للأسرة، وعلاقاته ، وأحداث أخرى في حياته ، مثل معاملة الإمام لزوجته وإخوته ووالديه ، وكيف تحمل صعوبات ارتداء هذه القبعات الكثيرة من مسؤوليات شتى، أحيانا متضاربة، كيف استطاع التوفيق بينها؟ مهامه – رحمه الله – متعددة وثقيلة، خاصة في بلاد المنفى، لم يكن لينجزها بدون المساعدة الإلهية التي كان يعتمد عليها باستمرار، كمسلم مثالي، متواضع ومؤمن بعمق. على الرغم من الصعوبات العديدة والمتنوعة، ظل هادئًا ومتوازنا. لقد كان مثالاً على الخضوع للإرادة الإلهية. علاقاته ليس فقط مع أفراد الأسرة ولكن أيضًا مع الناس عامة. كان يحب الناس ويحبه الناس من المسلمين وغير المسلمين. ما علاقة الإمام برجال مسجد جنيف والشباب خصوصا؟ هل يمكنك ذكر بعض أسماء من يترددون على الإمام بوزوزو في تلك المرحلة؟ في المسجد الكبير يأتيه كثير من الناس لتلقي النصيحة أو الفتوى في أي مجال، لأنه كان يحظى بالاحترام والتقدير لحكمته. عمله صار بمثابة المرشد الروحي للشباب والكبار. ومن بين الشخصيات التي ترددت عليه و اشتغلت تحت توجيهاته أذكر الشيخ الإمام يحيى باسلامة (سعودي) والشيخ الإمام يوسف إبرام (مغربي). و هناك العديد العديد، من رجال السلك الديبلوماسي، و الكتاب و ممثلي الجمعيات الخيرية و الإنسانية و يعد بالنسبة للبعض مؤسس المكتبة العربية الوحيدة بجنيف، و هو ما يشهد به اليوم، المشرف عليها المسيحي آلان بيطار “، حيث كان الشيخ هو من يعطيه قائمة ما يجب اقتناؤه من كتب عربية و اسلامية و غربية، لأن صاحب المكتبة حينها لا يعرف اللغة العربية مطلقا !! ذكرياتي الأخيرة ، على الرغم من محنة المرض الصعبة التي عايشها في آخر عمره، وجهه المضيء ، وخضوعه التام والمثالي للإرادة الإلهية، ولا يشتكي أبدًا رغم الآلام، ويقول لنا: “الله يحبنا، لما يبتلينا، أنشكر أم نكفر” !! من تتذكر من بين الشخصيات التي اعتاد الشيخ محمود بوزوزو الارتباط بها في العالم الإسلامي، في الجزائر وأخيراً في سويسرا؟ في العالم الإسلامي ، لا أستطيع تسمية أسماء الشخصيات، لكن علماء كثر من دول المشرق و المغرب، أمثال علماء رابطة العالم الإسلامي و الأزهر و الزيتونة و القرويين وجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة و غيرها ، جل المفكرين و الكتاب من أبناء جيله من مالك بن نبي الى الصواف الى الدكتور توفيق الشاوي صاحب ( نصف قرن من العمل الإسلامي)، الى العلامة محمد المبارك و شقيقيه في سوريا ( أصلهم من دلس- بالجزائر)، … كما أتذكر أنه التقى بالباحث الهندي محمد حميد الله والجزائري رشيد بن عيسى والشيخ العربي كشاط بباريس والشيخ عصام العطار بألمانيا… و من الجزائر زميله عبد الحميد مهري الذي تعرف عليه في الكشافة في أربعينيات القرن الماضي، والدكتور أحمد طالب الإبراهيمي الذي قال عن الشيخ إنه نظرًا لثقافته المزدوجة الهائلة ، “كان من الممكن أن يكون وزيرًا في حكومة الجمهورية الجزائرية المؤقتة “، ومولود قاسم آيت بلقاسم و عبد الرحمان شيبان، من وزارة الشؤون الدينية، اين دعي الشيخ للمشاركة في ملتقى الفكر الإسلامي الذي نظم عام 1983 في قسنطينة و في مدن أخرى. وفي سويسرا كان يزوره المفكر حيدر بامات، وكذا المناضل الجزائري حسين آيت أحمد ، الذي تربطه بنا علاقة عائلية، والسيد عبد القادر واقواق ، الديبلوماسي محمد لبجاوي ، محمد لعشوبي ، والدكتور زيدان مريبوط، والتونسي الشاذلي فيتوري ، والطبيب المصري علي زكي ، مؤلف الكتاب المثير للاهتمام للغاية “هؤلاء هم البيض” و سعيد رمضان مؤسس المركز الإسلامي بجنيف والصحفي والكاتب السويسري الذي اعتنق الإسلام روجيه دو باسكيي، وشخصيات عديدة بجنيف كونها مقر العديد من المنظمات الدولية والإنسانية.. كما التقى به العديد من الدبلوماسيين والمسؤولين الدوليين من العالم الإسلامي و الغربي. كان مكتبه مفتوحًا للجميع وزاره عدد كبير من المشرق والمغرب، لا استحضر كل الأسماء !!.. كيف كان يقضي الشيخ محمود بوزوزو أيامه في سويسرا قبل مرضه الأخير؟ بعد وفاة الوالدة كان يعيش مع ابنته خديجة، لأنه لم يعد بإمكانه أن يكون مستقلاً، مضطرًا للتنقل على كرسي متحرك. ورغم هذا العائق لم تفوته صلاة جمعة واحدة!! ملخص مسيرة رجل مصلح : في ظل كل هذا، ما هي خلاصة و زبدة تجربة الشيخ محمود بوزوزو قصد إيصالها للأجيال؟ من شيمه رحمه الله، كثرة التواضع، والخضوع التام لقدرة الله سبحانه، والتوكل على الرحمة الإلهية، عملا بقوله تعالى : ” إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ” “( هود / 88)، و هو الشعار الذي جعله منهج حياته، و هو ذات الشعار الذي تحمله جمعيتنا بعد رحيله اليوم !!. وأتذكر أنه كان يحبنا حبا جما، و يذكرنا بأن الدنيا “دنيا”، أي في الأسفل حسب الكلمة الإلهية، سريعة الزوال و الانقراض و يبقى وجه ربنا ذو الجلال و الاكرام، ولكن مطلوب منا أن ننجز مهمة الإصلاح التي أكلنا وكلفنا بها معتمدين عليه سبحانه بإخلاص لله وحده لا شريك له!! ما سر ثباته رغم الشدائد والصعوبات التي مر بها؟ كما قلت لكم، بفضل إيمانه الراسخ بالرحمة الإلهية والخير، مرتكزا على ثنائية عجيبة، قوتي الصلاة والذكر، اللتين لا نجاح لصاحبهما إلا بتوفيق من الله و لطفه بعباده!! وما هو دور الأم والأبناء في تلك المسيرة، لأن المثل يقول “وراء كل رجل عظيم امرأة” ؟ كان لوالدتي الكثير من الشجاعة والتحمل، لأن الوالدة عاشت المنفى عندما كانت صغيرة مع أطفال صغار لتربيتهم في المغرب الشقيق، وأحيانًا بمفردها لأن الوالد كان كثير السفر و التنقلات أثناء الثورة. أما بعدل الاستقلال، فيجب أن تعلم أنه في الستينيات، كان المسلمون والجزائريون قليلو العدد في سويسرا وكان الأمر أكثر صعوبة. كانت الوالدة رائعة ودعمت الشيخ قدر استطاعتها!! وكيف استطاعت الأم أن تسافر في هذا الطريق الطويل والشاق والمتعرج معه؟ من خلال إيمانها وتقواها، استطاعت أن ترافق زوجها وأولادها في رحلة حياة غير عادية. أستطيع أن أقول إن لديّ أبوين استثنائيين و الحمد لله !! كيف سيكون شعور الإمام الشيخ محمود بوزوز وزوجته لو كانا على قيد الحياة بيننا اليوم ، عندما أتى الربيع العربي بزعماء إسلاميين إلى السلطة في تونس و مصر ، والمسلمون على رأس المنظمات و الهيئات في أوروبا والدول العربية ، الامر الذي جعل أن عدد المسلمين في ازدياد كبير و كذا عدد المساجد بشكل ملحوظ منذ عقود بعد وصولهم إلى سويسرا؟ سيكونون بالتأكيد سعداء للغاية، حيث تتحقق رغبتهم في تعزيز حضور الإسلام كماً ونوعاً. أتذكر أنه في الستينيات من القرن الماضي، لم تكن غرفة الصلاة في المركز الإسلامي بجنيف ممتلئة أبدًا لأداء صلاة الجمعة، عددنا بضعة عشرات، بينما توجد اليوم صلاتان متتاليتان أو ثلاث من أجل الاستجابة للحشود الكبيرة في مسجد واحد على تعدد المساجد اليوم. وأيضًا لأن المزيد والمزيد من الغربيين يعتنقون آخر دين موحى به كل يوم و كل جمعة و علنا ليس سرا ، مثل ايام زمان!! فرنسا والمعاملة غير العادلة للدعاة والمسلمين : على ذكر تعدد المساجد في جنيف، يعاني الدعاة من حصار جائر من عدة جهات في أوروبا، مما يحرم الكثير منا من الاستمتاع بالمؤتمرات والأنشطة خارج سويسرا. حتى فرنسا المجاورة منعت الدعاة المسالمين من التحدث علانية على أراضيها.. ما تعليقك؟ أعتقد أنه من الخطأ محاولة منع أصحاب النوايا الحسنة والسلام من التحدث والتدريس لجاليتنا. فالفطرة السليمة تملي علينا سماعهم ومعرفة آرائهم إذا أردنا خيرا للبلاد والعباد. وفي فرنسا، الوضع خاص و استثنائي بسبب السوابق الاستعمارية للبلاد وخاصة تجاه دول شمال إفريقيا، وخاصة الجزائريين، كما هو معاش مع كل أسف لحد الساعة !!.. لا يمكننا الحديث عن سويسرا دون الحديث عن الإسلام والمسلمين فيها، وقضية منع المآذن، التي صارت وصمة عار في جباه السويسريين. ماذا تقولون؟ نعم، صحيح حظر بناء المآذن ينم عن سوء فهم كامل لوجود الإسلام و رسالته في الغرب. إنها مسألة رحمة إلهية من أجل تقديم طريقة للخلاص لمجتمع منغمس تمامًا في المادية ومبتور حتى عن المسيحية إلى حد كبير. و التاريخ يعلمنا أن هذا الدين استطاع أن يستقر أكثر فأكثر في الغرب، ولم يكن غائبًا تمامًا – فلنتذكر الفتوحات الإسلامية في أوروبا – و على رأسها، إسبانيا من القرن الثامن إلى القرن الخامس عشر ومنطقة البلقان من القرن السادس عشر – فهي صفحات و صفعات تساعد الرجال والنساء في البحث عن معنى في حياتهم وفي حب الروحانيات لتلبية تطلعاتهم. والدليل على ذلك هو العدد المتزايد لمعتنقي الإسلام في العالم بشكل عام وفي العالم الغربي بشكل خاص. يخشى بعض المتدينين من غير المسلمين من هذا الوجود ، فهم حرفيون كارهون للإسلام. أقول لهم إنه بدلاً من الخوف من المسلمين و الاسلام، عليهم عكس ذلك، أن يكونوا سعداء لأن المؤمنين المسلمين يؤدون الصلاة كل يوم، وهي نعمة للجميع. و على حد تعبير الكاردينال الغيني روبرت سارة، هذه العبارة ، قوله: “ما يمكن لي أن استنباطه من الإسلام هو قدسية الصلاة ووقتها!!. عندما كنت كاهنًا شابًا، لما اسمع نداء المؤذن في الساعة الرابعة صباحًا، أقول لنفسي:” ولكن هل ما زلت نائم؟ لذلك أعتقد أن الإسلام يمكن أن يذكرنا بأنه لا يمكن رفض عناية الله في المجتمع، يجب أن يكون حاضرًا ويجب أن يوقظنا كل صباح !!”. تحت ذريعة التجاوزات التي يرتكبها البعض ممن يدعون الإسلام، وصلنا إلى إدانة الغالبية العظمى من الناس الذين يعيشون بشكل طبيعي وسلمي، وكثير منهم مواطنون ويشاركون في حياة المجتمع بإيجابية و تضحية منقطعة النظير !!.” جمعيتكم، جمعية الشيخ بوزوزو التي أنت رئيسها الحالي، هل يمكنك تقديمها إلينا في بضع كلمات، وكذلك مشاريعكم؟ من الأهداف الأساسية مرحليا لجمعية الشيخ محمود بوزوزو هو جمع آثار و تراث الشيخ، من بينها كتاباته وجميع الوثائق المتعلقة به في شكل نصوص وتسجيلات صوتية ومرئية، منها ما هو لدى هيئات إذاعة وتلفزيون سويسرا الدولية والمحلية، الدروس التي كان يقدمها عبرها في مواسم الأعياد و رمضان و مناسبة دولية و محلية أخرى .. و نظمت أيضا جمعيتنا، منذ سنوات الى اليوم ، مؤتمرات و ندوات تتعلق بشخص الوالد والإسلام والدعوة في الغرب عموما، قصد تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، كما تعمل جمعيتنا على مساعدة الشباب في دراستهم، ولهذا فتحت مركزًا متواضعا يسمح للطلاب بالاستفادة من دروس الدعم الخصوصية !! كما نتمنى بحول الله قريبا نشر ما تيسر لنا – إن شاء الله – من سلسلة كتيبات حول تراث ومنشورات الشيخ باللغتين العربية والفرنسية إن أمكن هذا العام، حتى و لو إن كانت مواردنا المالية شحيحة ومحدودة !! كيف ترون مستقبل المسلمين في الغرب في ظل تجربتكم الثرية فيه، منذ عقود ؟ بحول الله، أرى مستقبلًا مشرقًا للمسلمين عموما، لأن الإرادة الإلهية هي من تجعل ديننا يزدهر في العالم، كونه الوحي الختامي الذي يقدم طريقة لخلاص الإنسان المعاصر من خلال إشباع كل من احتياجاته المادية واحتياجاته الروحية، والتي تتكيف حتى مع أوقاتنا المضطربة.. وعلى الرغم من العقبات التي يحاول البعض وضعها في طريقنا، إلا أن هذه العقبات لا تستطيع إعاقتنا و لو تعثرنا بعض الوقت، وعلينا كمسلمين في بلاد الغرب أن نكون سعداء ومستعدون للمجابهة بالخير و بالأيادي البيضاء. كما يجب علينا، خاصة، نحن الذين نعيش خارج دار الإسلام أن نرتقي إلى المستوى المطلوب وأن نكون قدوة بدورنا كشهود خير على المسلمين وغير المسلمين وهذا شكل من أشكال الدعوة الربانية العجيبة، ولكن بعون الله يمكننا أن نجعلها حية بيننا وفاعلة في المجتمع الذي نعيش فيه مهما كانت الصعاب والتحديات !! – ما الكلمة الأخيرة التي تودون تقديمها للشباب المسلم عامة في الغرب تحديدا، وكذا للأسر والمنظمات التي تعنى بشئون الأقليات المسلمة، محافظة على هويتها وحقوقها، وتفعيلا لدورها في المجتمعات الغربية؟ أنصح الأجيال الشابة بدراسة أعمال أسلافنا واستلهام الخير منهم. سيجدون قطعا القدوة من خلال السلوك والأفعال والإنجازات التي تساعدهم على أن يكونوا مخلصين لمثلنا العليا الدينية والدنيوية.. سيرون أن السلف مروا أحيانًا بتجارب بالغة الصعوبة أو حتى أصعب مما هي عليه اليوم، مما يقويهم في رغبتهم في الامتثال للتعاليم الربانية… سوف يتعلمون هم أيضا بدورهم، كما فعلت أنا مع والدي – رحمة الله – أنه لا يوجد شيء مستحيل بالنسبة لأولئك الذين لديهم النية الخالصة لعمل الخير ويخضعون بتواضع للإرادة الإلهية !! ومن خلال السير في هذا الطريق الشيق الشائك، سيتمكنون من الحفاظ على هويتهم، ومن خلال التصرف والسلوك في العيش كمواطنين كاملي الحقوق والواجبات في مجتمعهم، وبالتالي لن يضمنوا حقوقهم الخاصة فحسب، بل سيساعدون أيضًا غير المسلمين ومعتنقي الإسلام الجدد للفهم الصحيح للرسالة الخاتمة، لأنهم سيتصرفون وفقًا للأوامر الإلهية والتمسك بها بحزم وفق النموذج المثالي الذي هو نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلمالمصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية: غیر المسلمین المسلمین فی عبد الحمید فی أوروبا فی العالم فی الغرب التی کان فی جنیف من خلال یجب أن من أجل
إقرأ أيضاً:
خطيب المسجد الحرام: سيرة أصحاب الذكر الجميل تتخطى الآفاق وتفتح لهم القلوب
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام، الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي، المسلمين بتقوى الله، فقد تكفَّل اللهُ سبحانه لأهل التقوى، بالنجاة مما يحذرون، والرزقِ من حيث لا يحتسبون.
وقال المعيقلي، في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، ومن دعاهم إلى خير، كان له من الأجر مِثل أجور مَن تَبِعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ورب كلمة طيبة، تكون سببًا في نفع الأمة، فتترك أثرًا إلى يوم القيامة، وربما كان الأثر، بعمل يسير، من ابتسامة صادقة، أو طلاقة وجه وبشاشة، أو دلالة على هدى، فلا تحقرن من المعروف شيئًا"، وكان صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه، على أن يجعلوا لأنفسهم آثارًا طيبة، حتى آخر فرصة من الحياة، قال صلى الله عليه وسلم: ((إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ، فَلْيَغْرِسْهَا))، فلذا قال جابِرٌ رضي الله عنه: "لم يكُنْ أحدٌ من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ذو مَقْدِرَةٍ إلّا وَقَفَ".
وأضاف: "ومن الآثار التي تبقى لصاحبها بعد موته، عِلمٌ علَّمَه ونشرَه، وولدٌ صالحٌ ترَكَه، أو مُصحفٌ ورَّثَه، أو مسجِدٌ شيده، أو وقفٌ للأرامل والأيتام بناه، أو ماءٌ أجراه، أو صدَقةٌ جاريةٌ أخرجَها من مالِه، في صِحَّتِه وحياتِه ".
وبين أن من الآثار التي تبقى لأصحابها بعد مماتهم، الذكر الحسن، والسمعة الطيبة، وهي عمر المرء بعد مماته، فبعد أن طُويت أيامه، بقيت آثاره، وحفظت مآثره، فهي نعمة يرزقها الله من يشاء من عباده، ويُجرِيها على ألسنة خلقه، والناس شهداء الله في أرضه.
وأكد الشيخ ماهر المعيقلي أن الذكر الحسن، يبقى لِمَنْ عمَّ نفعُه، وانتشر عطاؤه، فأصحاب الذكر الجميل، سيرتهم تتخطى الآفاق، وتفتح لهم قلوب الخلق، وتنشرح الصدور في التعامل معهم، وتطمئن النفوس لهم، ويرفع عند الناس مقامهم، فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم، سبقته سيرته الحسنة، إلى قلوب الناس قبل بعثته، فهو الصادق الأمين، في الجاهلية والإسلام، والنجاشي ملك الحبشة، انتشر في الناس عدله، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم، لأصحابه يوم الهجرة الأولى: ((إِنَّ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مَلِكًا لَا يُظْلَمُ أَحَدٌ عِنْدَهُ))، فالخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، ممن تواصل برهم، وترادف إحسانهم، وبقي أثرهم، من ملك عادل، يحفظ حقوق رعيته، ويحوطهم برعايته، ويقاوم الفساد، ويحمي البلاد، أو عالِم ينفع الناس بعلمه، وسمته وأخلاقه، أو غني كريم معطاء، يُحسِن للمساكين والفقراء، وآخرين يشيدون المساجد، ويعمرون المدارس والمعاهد، وكل هؤلاء الصالحين وغيرهم، وإن غيب الموت أجسادهم، فقد حفظ الله أعمالهم وآثارهم، وأبقى ذكرهم الجميل، واتصل الدعاء لهم جيلًا بعد جيل.
وبين إمام وخطيب المسجد الحرام أن من الحرمان العظيم والخسران المبين، أن يرزق الإنسان عمرًا مديدًا، ومالًا ممدودًا، وبنين شهودًا، ثم يموت بلا أثر يذكر، أو عمل طيب عليه يشكر، فمن لم يجعل لنفسه أثرًا قبل مماته، دفن ولا شيء يذكره، غير أنه كان ثم مات، ناهيكم بمن يفرح الناسُ بغيابهم، ويهنئ بعضهم بعضًا بفقدهم، ولربما بقيت آثارهم السيئة، فيأتي من يُحْيِيها، فيكون عليه وزرها ووزر من عمل بها، فأول من بدَّلَ دينَ إبراهيمَ عليه السلام، وأتى إلى جزيرة العرب بالأصنام، رآه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، يَجُرُّ أمعاءَه في النارِ.
كما جرَّ الناس إلى الشِّركِ بالعزيز القهار، وليس من نفس تُقتَل ظلمًا؛ إلا كان على ابن آدم الأوَّل كِفْل من دمها؛ لأنه أول من سَنَّ القتل، وكذا من ابتدع بدعة في الدين ودعا إليها، ثم مات دون أن يتوب منها، ويحذر الناس من فعلها؛ بقيت أثرًا سيئًا يرافقه بعد موته، ويحمل وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم بعثه، فلذا حذّر النبي ﷺ، من السيئات الجارية؛ التي تُكتَبُ على صاحبها وهو محبوس في قبره.
واختتم الشيخ ماهر المعيقلي خطبته مبينًا أن من أسباب لسان الصدق في الآخرين، وبقاء أثر الثناء على العبد في العالمين، العمل بالقرآن الكريم ففي القرآن العز والشرف، والفخر وارتفاع الذكر، كما أن قضاء حوائج الخلق، سبب عظيم لجلب ثناء الصدق، والتربية الصالحة للأبناء، سبيل لبقاء الأثر والثناء.