لجريدة عمان:
2025-04-01@00:52:14 GMT

هشاشة الوجود الإسرائيلي

تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT

لا شك في أن هناك تأثيرًا قويًّا لإسرائيل في السياسات الدولية للغرب الداعم له، وبوجه خاص في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية التي هي الحليف الأقوى في العالم الداعم لها على الدوام. وليس بخافٍ على أحد أن قوة تأثير إسرائيل يرجع إلى أنها تقوم بتوظيف جماعات ضغط قوية على السياسات الغربية داخل المؤسسات الرسمية والاقتصادية وغيرها؛ ولذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تستخدم دائمًا حق النقض في إدانة جرائم إسرائيل وعدوانها عبر تاريخها القصير.

السؤال إذن: إذا كان هذا هو حال إسرائيل الذي يبلغ هذا الحد من القوة والتأثير؛ فكيف يتسنى لنا أن نتحدث عن الوجود الإسرائيلي باعتباره وجودًا هشًّا؟! لنتأمل الأمر عن قرب:

من الصحيح أن إسرائيل تمتلك جماعات ضغط قوية على سياسات الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها؛ ولكننا لا ينبغي أن ننسى أنها في النهاية مجرد أداة بحكم فكرة نشأتها بمقتضى وعد بلفور الذي هو «وعد من لا يملك لمن لا يستحق»، فمنذ ذلك الحين كانت إسرائيل هي الأداة أو العميل الأقل تكلفة في الحفاظ على مصالح وأطماع قوى الغرب الإمبريالية في الشرق الأوسط؛ ولذلك ذهب روجيه جارودي في كتابه «الأساطير المؤسِّسة للسياسة الإسرائيلية» إلى القول بأن «دولة إسرائيل هذه ليست سوى حاملة طائرات نووية حصينة تابعة لسيدة العالم مؤقتًا: الولايات المتحدة الأمريكية، التي تريد أن تفرض هيمنتها على نفط الشرق الأوسط الذي يمثل عصب النمو الغربي» (الترجمة العربية، دار الشروق، ص. 16). وفي رأيي أن هذا هو المسمار الأول في نعش الوجود الإسرائيلي؛ لأنه لا يصبح وجودًا حقيقيًّا، وإنما يصبح وجودًا «أداتيًّا»، أي مرهونًا بكونه أداة فاعلة ومطلوبة، وهو أمر يمكن أن يتغير بتغير موازين القوى العالمية، بحيث لا تصبح هذه الأداة فاعلة أو مطلوبة في إطار هذه المتغيرات.

الأمر الآخر الذي لا يقل أهمية هو أن هشاشة الوجود الإسرائيلي يكمن في أنه يقوم على الاعتقاد في أساطير وخرافات يقوم بترويجها، ويجعلها أساسًا لمشروعية وجوده وممارسة سياساته العدوانية. لقد كشف الفيلسوف الكبير روجيه جارودي في أواخر القرن الفائت في كتابه سالف الذكر عن هذه الأساطير من خلال دراسة وافية متعمقة، فكشف عن مزاعم الأرض الموعودة لليهود في فلسطين، والقول بأن اليهود هم شعب الله المختار، والمزاعم المتعلقة بالمحرقة النازية. وليس بإمكاننا أن نتتبع في هذه العجالة تفنيد جارودي لكل المزاعم والأساطير، وإنما سنكتفي بالإشارة إلى شيء منها:

تزعم الصهيونية السياسية ما يلي: إذا كنا نمتلك التوراة، ونعتبر أنفسنا شعب التوراة، فمن الواجب علينا أن نمتلك جميع الأراضي المنصوص عليها في التوراة التي تقول: «سأعطي نسلك هذه الأرض من وادي العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات» (الإصحاح 15، الآية 18). ولكن هذا الوعد كما يبين لنا جارودي لم يكن سوى نبوءة مستوحاة من غزوات داود. والواقع أن هذا الوعد يمكن تسميته بالوعد البدوي؛ لأنه كان يهدف إلى توطين قبيلة من البدو الرعاة من أجل توفير الاستقرار لهم. وقد تجمعت قبائل من البدو لاحقًا لتشكل شعب إسرائيل.

كما تزعم الصهيونية العالمية، بل تتاجر، بالهولوكوست أو المحرقة النازية لليهود، وهي حقيقة واقعة وإن كان عدد الضحايا لا يزيد على 300 أو 400 ألف وليس ملايين عديدة كما تزعم دولة إسرائيل. ولكن العدد هنا ليس هو المهم، وإنما الأهم هو أن اليهود الأوفياء لعقيدتهم والأساتذة الثقات من اليهود، يرون في هذه المحرقة جريمة بحق الإنسانية بوجه عام، وليست في حق اليهود وحدهم؛ لأن الإنسانية جمعاء كانت شريكة في أكبر عمليات الإبادة في التاريخ؛ ولذلك فإننا لا ينبغي أن ننسى ضحايا الإبادات الأخرى عبر التاريخ، بدءًا من إبادة ملايين الهنود الحمر والزنوج حتى ضحايا ناجازاكي وهيروشيما.

من مجمل هذا يتبين لنا أن هشاشة الوجود الإسرائيلي تكمن في أنه وجود مفتعل يقوم على ترويج مزاعم صهيونية لا علاقة لها بالتوراة؛ وبذلك يمكن القول بأن هناك هوة واسعة بين العقيدة اليهودية والصهيونية السياسية: فالصهيونية مذهب سياسي مرتبط بالحركة السياسية التي أسسها تيودور هرتزل، وهي حركة قومية لا تتخذ الدين مرجعًا لها، وهي أيضًا مذهب استعماري يهدف إلى إنشاء دولة استعمارية توسعية. ولذلك فإن هرتزل نفسه في يومياته يذكر أنه لم يكن حريصًا على نشأة دولة إسرائيل في أي مكان بعينه من العالم! ولذلك فإننا ينبغي أن نتحرر من هذا الخطأ أو الخلط الذي يقع فيه كثير من الناس بين اليهودية وإسرائيل أو بين اليهود والصهاينة، فلا نقوم بتعميم الأحكام من دون معرفة عمق المسألة. وليس أدل على الهوة السحيقة بين اليهودية ودولة إسرائيل سوى ما نراه في أيامنا هذه من مظاهرات يقوم بها المتدينون اليهود في أمريكا وفي إسرائيل نفسها تضامنًا مع الفلسطينيين، ولسان حالهم يقول: إننا لم ننجو من محرقة هتلر، لنرتكب محرقة بحق شعب آخر! ولذلك يمكن القول بأن هشاشة النظام السياسي الإسرائيلي الصهيوني يكمن في التخفي وراء ستار من المزاعم الفكرية، وهذا أمر يشبه تمامًا هشاشة النظم المتأسلمة التي لا علاقة لها بالإسلام والتي سرعان ما يطويها الزمان.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة الوجود الإسرائیلی دولة إسرائیل وجود ا

إقرأ أيضاً:

حكومة الاحتلال تجري اجتماعا أمنيا لبحث الوجود التركي في سوريا

قالت رئاسة حكومة الاحتلال؛ إن بنيامين نتنياهو يعتزم عقد اجتماع مع مسؤولين أمنيين، لبحث ما وصفه بـ"الوجود التركي" في سوريا، وهو ثاني اجتماع من نوعه خلال أسبوع.

وأضاف البيان، أن الاجتماع الجديد سيضم قيادات في مؤسسة الحرب، على غرار اجتماع مشابه عقد الأسبوع الماضي.

والأسبوع الماضي، عقد نتنياهو اجتماعا أمنيا مع مسؤولين بشأن سوريا، حيث تمت مناقشة "النفوذ التركي المتزايد" في هذا البلد.

فيما ذكرت وسائل إعلام عبرية، أن نتنياهو "يتابع بقلق التقارب بين الإدارة السورية الجديدة وتركيا".

إظهار أخبار متعلقة



وزعمت أن الحكومة السورية تجري محادثات متقدمة مع أنقرة لتخصيص قاعدة عسكرية في منطقة تدمر بمحافظة حمص (وسط) للجيش التركي، مقابل مساعدات اقتصادية وعسكرية وسياسية.

وأشارت إلى أن "الوجود العسكري التركي" المحتمل شرقي حمص، من شأنه أن يثير قلق الاحتلال بشكل جدي.

ومنذ عام 1967، تقع معظم مساحة الجولان بيد الاحتلال، واستغل الوضع الراهن بسوريا بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، فاحتل المنطقة السورية العازلة، وأعلن انهيار اتفاقية فض الاشتباك بين الجانبين لعام 1974.

مقالات مشابهة

  • معركة الوجود تخيم على الانتخابات البرلمانية المقبلة والناخب هو الفيصل
  • معركة الوجود تخيم على الانتخابات البرلمانية المقبلة والناخب هو الفيصل - عاجل
  • التسيب بالشوارع بإسم حرية التعبير يتسبب في إلغاء آلاف الحجوزات بالفنادق المغربية خوفاً من تصاعد كراهية اليهود
  • نائب أردوغان يشن هجوماً لاذعاً على إسرائيل.. ما الذي يحدث؟
  • حكومة الاحتلال تجري اجتماعا أمنيا لبحث الوجود التركي في سوريا
  • إعلام عبري يكشف تفاصيل المقترح البديل الذي قدمته إسرائيل لمفاوضات التهدئة بغزة .. 10 أسرى مقابل التهدئة في العيد
  • ماذا يتضمّن "المقترح البديل" الذي أرسلته إسرائيل للوسطاء؟
  • قاسم: نرفض التطبيع مع إسرائيل ولن نقف مكتوفي الأيدي أمام العدوان الإسرائيلي
  • أكاديمية السينما تعتذر بعد إغفال اسم المخرج الذي اعتدت عليه إسرائيل
  • تعرف على القنابل الخمسة التي تستخدمها إسرائيل في إبادة غزة