صراحة الحديث بين بايدن وشي
تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT
في عام 1979، حينما أصبح دينج شياوبنج أول زعيم لجمهورية الصين الشعبية يزور الولايات المتحدة، كانت الزيارة محاطة بأجواء التودد. ففي مسابقة لرعاة البقر في تكساس، ارتدى الثوري السابق، الذي لم تكن قامته تتجاوز خمسة أقدام، قبعة زنتها خمسة جالونات، أثارت إعجاب الجمهور وأعطت الأميركيين الانطباع بأن دينج، على حد تعبير كاتب سيرته الذاتية عزرا فوجل، كان «أقل شبها بأولئك الشيوعيين وأكثر شبها بنا».
ولكن الأسبوع الماضي لم يشهد مسابقات لرعاة البقر أو ارتداء لقبعات، عندما التقى الزعيم الصيني الحالي شي جين بينج بالرئيس جو بايدن، بعد عام مرهق من الانتقادات المتبادلة وانعدام الثقة منذ آخر لقاء بينهما. خلال تلك الفترة، اتهم شي الولايات المتحدة بالسعي إلى «احتواء وتطويق وقمع» بلده، ووصف بايدن شي بـ«الديكتاتور». وبرغم تشابك الاقتصادين الأضخم في العالم تشابكا عميقا، تزايدت الخلافات بين الحكومتين بشأن مطالبات الصين بتايوان وجهود أمريكا لتقييد القدرة على الوصول إلى التكنولوجيا الحساسة، وتعارض المواقف بشأن الحروب في أوروبا والشرق الأوسط. وغرقت العلاقات في صمت بارد بعد أن طار بالون مراقبة صيني إلى الأراضي الأمريكية في الشتاء الماضي وأسقطته القوات الجوية.
وفي ظل هذه المخاطر العالية، وجَّه بايدن الدعوة لشي إلى قمة مختصرة في الخامس عشر من نوفمبر، بالتزامن مع اجتماع الدول المطلة على المحيط الهادئ في سان فرانسيسكو، لتكون هذه أول زيارة يقوم بها شي إلى الولايات المتحدة منذ أكثر من ست سنوات. وبرغم منعة شي السياسية على المستوى الداخلي -وقد تخلص من قيد فترات الولاية ومن أي منافسين سياسيين ظاهرين- فقد كانت لديه الأسباب لإبداء المرونة. فبعد عقود من النمو المرتفع، أصبح الاقتصاد الصيني في حالة ركود، إذ قامت الشركات الأجنبية، الفزعة من جراء العداء لإصلاحات السوق واعتقال رجال الأعمال الصينيين البارزين، بخفض الاستثمار المباشر إلى أدنى مستوياته على الإطلاق، فضلا عن نزوح رجال الأعمال الصينيين ونخبة الخريجين الشباب. ومن أجل القمة، لجأ الزعيمان والوفدان المرافق لهما إلى جنوب المدينة، حيث عقار فيلولي، وهو قصر على طراز عصر النهضة الجورجي كان بمثابة خلفية لمسلسل «الأسرة الحاكمة» الرأسمالي الذي أذيع في الثمانينيات. (ومن المفيد أن مسلسل «الأسرة الحاكمة» حقق نجاحا كبيرا في الصين).
بدأ بايدن وشي، وقد جلسا قبالة أحدهما الآخر، بتعليقات مهذبة، وإن تكن كاشفة. فقال بايدن إنه «من المهم للغاية أن يفهم أحدنا الآخر بوضوح، من زعيم إلى زعيم، دون أي مفاهيم خاطئة أو سوء فهم». ويعكس الحديث عن «المفاهيم الخاطئة» قلق واشنطن من إحاطة شي نفسه بالعديد من الموالين لدرجة أنه «لا يمكن أن يتأكد أحد من كيفية تصفية المعلومات الواردة من العالم الخارجي قبل أن يراها» حسبما قال فيكتور شيه، خبير الاقتصاد السياسي في جامعة هارفارد بسان دييجو. ومن الأمثلة البارزة على ذلك أن بايدن أراد دحض الشكوك الصينية بأن الأمريكيين يشجعون تايوان على إعلان الاستقلال، ولكنه أراد أيضا توضيح تصميمه على الدفاع عنها ضد أي هجوم. وعندما قال: إن الزعماء يجب أن يضمنوا عدم «انحراف المنافسة إلى صراع»، اعترف شي بأن من شأن الصراع أن تكون له «عواقب لا تحتمل»، لكنه أضاف قوله: «إنني لم أزل أعتقد أن المنافسة بين الدول الكبرى ليست بالاتجاه السائد في الوقت الراهن». ولجأ إلى ديناميكية مختلفة فقال: «إن كوكب الأرض كبير بما يسمح بنجاح البلدين».
وبرغم رقة الصورة، فقد سلطت الضوء على رغبة شي في أن تتنحى الولايات المتحدة من الطريق، بتقليص دورها في الصراعات الدائرة حول تايوان، وأوكرانيا، وبحر الصين الجنوبي، والشرق الأوسط. وقال جود بلانشيت -متخصص في الشؤون الصينية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية-: إن الولايات المتحدة لا تعتزم ذلك، ومن ثم فقد كشفت التصريحات عن «الهوة بين الزعيمين». وأضاف بلانشيت قوله: «إن لقاءات قادة الولايات المتحدة الشخصية بشي سوف تقل أكثر فأكثر، وسيظل شي يشعر بالإحباط من الاتجاه الذي تمضي فيه السياسة الأمريكية».
بعد غداء عمل، والمشي سريعا أمام الكاميرات، غادر شي لحضور مأدبة في فندق حياة ريجنسي. واستقبله المتظاهرون هاتفين: «التبت حرة!»، ولكن القاعة في الداخل امتلأت بالرؤساء التنفيذيين والمستثمرين، الذين كانوا لا يزالون حريصين على تحقيق الربح في الصين، فدفعوا ما يصل إلى أربعين ألف دولار مقابل فرصة الجلوس إلى طاولته. كرر شي انزعاجه من المنافسة -«السؤال الأول بالنسبة لنا هو: هل نحن خصمان أم شريكان؟»- واقترح وصول مزيد من دببة الباندا الجديدة قريبا إلى حديقة حيوان سان دييجو. وقد صفق له الحاضرون وقوفا. وأعلن بايدن، الذي ظهر منفردا في مؤتمر صحفي نادر، عن اتفاقات لاستئناف الاتصالات العسكرية المنتظمة ومكافحة انتشار الفنتانيل fentanyl ، وتطوع بقوله إنه لم يتم التوصل إلى صفقات بشأن قضايا أخرى، بما في ذلك إطلاق سراح الأمريكيين المحتجزين في الصين. ولكن، جنبا إلى جنب مع اتفاق المناخ الذي تم التوصل إليه مسبقا لخفض انبعاثات الوقود الأحفوري من خلال مضاعفة استخدام الطاقة المتجددة إلى ثلاثة أمثاله، أثبتت النتائج أنه من الممكن إيجاد أرضية مشتركة. قال بايدن: «لقد اتفقنا أنا وهو على أن يتصل أي منا هاتفيا بالآخر مباشرة، فيجد على الفور أذنا مصغية». وأضاف أن هناك قيمة في «مجرد التحدث مجرد الصراحة مع أحدنا الآخر اجتنابا لسوء الفهم». (وبروح الصراحة، عندما سأل مراسلٌ بايدن عما إذا كان قد غير رأيه بشأن كون شي ديكتاتورا، أجاب بالنفي).
لا ينبغي أن يتوقع أحد أن تعود الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والصين إلى البهجة الظاهرة، والمضللة، التي سادت قبل جيل مضى. ففي بادرة على استمرار المشاكل في المستقبل، ذكرت وسائل إعلام رسمية صينية أن شي أبلغ بايدن بأنه سيتخذ «إجراءات ملموسة»، وليس مجرد كلام، لنزع فتيل المخاوف من أن أمريكا تدعم استقلال تايوان. وهدف بايدن، في الوقت الراهن، واقعي إلى حد ما: وهو تجنب الصمت الخطير الذي يسمح بنمو الشكوك والاستياء.
لم يبتهج الجميع بتحدث الرجلين مرة أخرى. فقبل اللقاء، أصدر الأعضاء الجمهوريون في «لجنة مجلس النواب المختارة لشؤون الحزب الشيوعي الصيني» رسالة شجبوا فيها اللقاء ووصفوه بـ«العلاقة غير المجدية الشبيهة بالزومبي» مع الصين. لكن بايدن دائما يفضل المحادثات، مهما كانت غير كاملة، في تقليد يرجع إلى الحرب الباردة. في عام 1950، صاغ ونستون تشرشل، بين فترات عمله كرئيس للوزراء، كلمة «القمة summit» لوصف أمله في عقد اجتماع رفيع المستوى مع السوفييت. ولم يحصل تشرشل قط على قمته -فلم تصبح القمم سمة متكررة للعلاقات بين السوفييت والغرب إلا في وقت لاحق- ولكن في خطاب ألقاه أمام البرلمان في عام 1953، طرح رؤيته للقاء، في مكان منعزل، «يسود فيه شعور عام بين المجتمعين بأنهم قد يفعلون شيئا أفضل من تمزيق الجنس البشري، وأنفسهم، إلى فتات».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
مصرع 33 أمريكيا جراء أعاصير وسط الولايات المتحدة
قُتل ما لا يقل عن 33 شخصًا وأصيب العشرات عندما اجتاحت الأعاصير والعواصف العنيفة وسط الولايات المتحدة، حيث حذر خبراء الأرصاد الجوية من توقع طقس أكثر سوءًا يوم الأحد.
وأظهرت الأخبار أسقفًا ممزقة من المنازل وشاحنات كبيرة منقلبة، وفق ما ذكرت صحف أمريكية.
قالت الشرطة إن ثمانية أشخاص لقوا حتفهم في كانساس في حادث تصادم شمل أكثر من 50 مركبة، بسبب انخفاض الرؤية خلال "عاصفة رملية شديدة".
وأكدت دورية الطرق السريعة بولاية ميسوري 12 حالة وفاة مرتبطة بالعاصفة ونشرت صورًا لقوارب مكدسة فوق بعضها البعض في مرسى دمره الطقس.
وأفادت شرطة الولاية بسقوط أشجار وخطوط كهرباء، بالإضافة إلى أضرار لحقت بالمباني مع تأثر بعض المناطق بشدة "بالأعاصير والعواصف الرعدية والبرد".
وفي ولاية ميسيسيبي، جنوبًا، قال حاكم الولاية إنه تم الإبلاغ عن ست وفيات وفقدان ثلاثة أشخاص في وقت متأخر من يوم السبت.
وفي الوقت نفسه، قالت السلطات المحلية في تكساس إن أربعة أشخاص لقوا حتفهم في حوادث مرورية مرتبطة بالعواصف الترابية والحرائق التي قللت من الرؤية على الطرق.
وفي ولاية أركنساس المجاورة، قال المسؤولون إن ثلاثة أشخاص لقوا حتفهم وأصيب 29 آخرون في العاصفة.
وأعلنت الحاكمة سارة هاكابي ساندرز حالة الطوارئ ردًا على ذلك وقالت إنها تحدثت إلى الرئيس دونالد ترامب.
انقطعت الكهرباء عن ما لا يقل عن 250 ألف منزل وشركة في جميع أنحاء وسط الولايات المتحدة بحلول صباح يوم الأحد.
ومن المتوقع حدوث المزيد من الأعاصير في ولايات ساحل الخليج الوسطى، بما في ذلك ميسيسيبي وتينيسي.
وقالت هيئة الأرصاد الجوية يوم السبت: "من المتوقع استمرار العديد من الأعاصير الكبيرة، والتي قد يكون بعضها طويل المسار وعنيفًا ، حتى هذا المساء".
تعد الأعاصير أعمدة هوائية تدور وتلامس الأرض من سحب رعدية ركامية ضخمة.
وتشهد ولايات تكساس وأوكلاهوما وكانساس الوسطى والجنوبية أعنف الأعاصير بسبب الظروف الجغرافية والجوية .
ويُطلق عليها "زقاق الأعاصير"، حيث تلتقي رياح ذات درجات حرارة متفاوتة على نطاق واسع في سحب عاصفة قوية ومتقلبة، وتحدث معظم العواصف من مايو إلى يونيو.
وفي عام 2024، توفي 54 شخصًا في حوادث متعلقة بالأعاصير في الولايات المتحدة.