كيف يؤثر تغير المناخ على اقتصادات الدول الأفريقية؟
تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT
تعاني البلدان الأفريقية من تبعات التغيرات المناخية، وآثارها المتمثلة في موجات الجفاف والإجهاد الغذائي والمائي والتهديدات المصاحبة لارتفاع منسوب سطح البحر، ذلك على الرغم من أن نصيبها من الانبعاثات الكربونية العالمية لا يتجاوز الـ 3.5%، في حين أن الدول الكبرى تسهم بإنتاج الجزء الأكبر من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تسبب التغير المناخي.
وبسبب التغيرات المناخية يهدد ارتفاع مستويات المحيطات عديداً من العواصم الساحلية في القارة، مما يؤدي إلى تقلص مساحة الأرض، والفيضانات الساحلية، وزيادة قوة العواصف، وارتفاع عدد الأشخاص المعرضين للخطر.
ومن المتوقع أن يرتفع متوسط مستوى سطح البحر العالمي بما يصل إلى نصف متر بحلول العام 2050، وإلى مترين بحلول العام 2100، ويرجع ذلك إلى تمدد مياه البحر نتيجة ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن ظاهرة الاحتباس الحراري وذوبان الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية.
وتقع عديد من أكبر مدن أفريقيا وأكثرها كثافة سكانية، بما في ذلك لاغوس وأبيدجان وأكرا، على طول الساحل الغربي المنخفض، وهم عرضة لتأثيرات تغير المناخ مثل الفيضانات الساحلية والتلوث، والتي تكلف القارة حوالي 4 مليارات دولار أميركي من الخسائر الاقتصادية السنوية.. هذه المدن الساحلية سريعة التوسع مهددة بتآكل كتلة الأرض والفيضانات الساحلية وعرام العواصف الناجمة عن ارتفاع منسوب مياه البحر، بحسب تقرير سابق للبنك الدولي.
تسهم هذه المدن بشكل كبير في اقتصاد المنطقة، حيث تولد 56 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي، كما أنها توفر أراضٍ رطبة واسعة وموارد بحرية وفرصًا للسياحة واحتياطيات من النفط والغاز.
تداعيات كارثية محتملة
من جانبه، قال الخبير البيئي، تحسين شعلة في حديث خاص مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن تأثير التغيرات المناخية على السواحل الإفريقية سيزداد بشدة خلال الفترة المقبلة نظرا لحدة التغيرات المناخية التي ستطول الأخضر واليابس في جميع دول العالم وبما ينذر بعواقب وخيمة على اقتصادات تلك الدول والاقتصاد العالمي، بالنظر إلى ما تتمتع به القارة السمراء من موارد أساسية، علاوة على موقعها.
ونوه إلى أن السواحل الإفريقية ستكون الأكثر تضررًا من تأثير التغيرات المناخية خلال العشرة أعوام المقبلة، متوقعًا اختفاء بعض المناطق الساحلية على السواحل. كما أشار إلى أن المثال الواضح لذلك ما حدث في درنة بليبيا واختفاء مناطق فيها اختفاء كاملاً؛ نتيجة لإعصار دانيال العنيف الذي أدى لوفاة عدد كبير من الأشخاص بالإضافة إلى الكوارث، وما حدث مسبقا من زلازل في المغرب وأدى لخسائر اقتصادية في البنية التحتية.
وشدد على أن ما تنفقه الدول من مصروفات باهظة لزيادة قوة البنية التحتية للمناطق الساحلية لمواجهة آثار ارتفاع منسوب مياه البحر والمد والجزر سيؤدي لتكبد تلك الدول أضرارا اقتصادية كبيرة، نظرا لما يتم صرفه من أموال لمواجهة التأثير الحاد للتغيرات المناخية والظواهر التي تؤدي لتدمير بعض المناطق الساحلية.
وقال الخبير البيئي إنه من المتوقع في بعض مناطق السواحل الإفريقية وبالأخص المغرب التي لها طبيعة جغرافية خاصة، أن يكون للتغيرات المناخية تأثيرات بالغة الخطورة، تؤثر بشكل مباشر على الاقتصادات الأفريقية، منها:
ارتفاع معدل الانبعاثات الكربونية ما يؤدي لزيادة معدل الاحتباس الحراري. فقدان قابلية الأراضي للزراعة. نزوح بعض السكان إلى المناطق المجاورة، مما يؤدي إلى حدوث خلل في التوزيع الجغرافي لبعض المناطق التي من المتوقع أن تهجر في السواحل الإفريقية، وانتشار المجموعة السكانية في أماكن مجاورة يتوفر بها مصدر غذائي معين. الاحتباس الحراري سيؤدي مستقبلا لحدوث الزلازل والبراكين مع وجود ظاهرة النينو وإعادة تكرارها في فترات زمنية قصيرة، فقد أدت لارتفاع درجة حرارة البحر نصف درجة مئوية مما يؤدي إلى زيادة المنخفضات، وبالتالي سيؤدي لزيادة معدل سقوط الأمطار. نتيجة لارتفاع معدل الانبعاثات الكربونية ستكون الأمطار حامضية وبالتالي يكون الضرر شديد يؤدي إلى فقدان الأرض قابليتها للزراعة. ظهور أمراض وأوبئة، وهي أمراض كانت اختفت مسبقاً وعادت من جديد نتيجة للتغيرات المناخية.خسائر كبيرة
وأكد الخبير البيئي، في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن الخسائر الناتجة عن التغير المناخي ليست اقتصادية أو بشرية فقط، إنما هي خسائر عامة تشمل جميع مناحي الحياة، لا سيما في الدول الساحلية، وتمتد آثارها على المستوى القريب والبعيد، ومردودها سلبيًا بصفة عامة.
تبعاً لتقرير التقييم السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإنه بحلول العام 2030، يمكن أن يعيش حوالي 116 مليون أفريقي في مناطق ساحلية منخفضة الكثافة السكانية. وحذر التقرير من أنه على الرغم من الحاجة إلى اتخاذ إجراءات منسقة لمعالجة ارتفاع مستويات سطح البحر، إلا أنه لم يتم تنفيذ تدابير التكيف الملموسة الكافية. وإذا لم يتم تنفيذ تدابير التكيف، فقد تواجه أفريقيا تكاليف أضرار سنوية تصل إلى 10 مليارات دولار أميركي بسبب الفيضانات وحدها بحلول عام 2100. مركز سياسات المناخ الأفريقي، توقع أن تتراوح تكاليف خسائر وأضرار تغير المناخ في "القارة السمراء" بين 290 إلى 440 مليار دولار. وفقا للمركز، فقد تأثر في العام 2022 أكثر من 110 ملايين شخص في القارة بشكل مباشر بالمخاطر المرتبطة بالطقس والمناخ والمياه؛ مما تسبب في أضرار اقتصادية تزيد عن 8.5 مليار دولار.مشكلات جسيمة
من جهته، قال خبير الشؤون الإفريقية رامي زهدي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن القارة الإفريقية تعاني تحت وطأة مشكلات جسيمة بعدما باتت أزمة المناخ معطل أو حاجز قوي ضد جهود الدول الإفريقية نحو التنمية المستدامة (..).
وأوضح أن منطقة الساحل الإفريقي وما يجاورها من أقاليم صحراوية وغابات تعاني وبشدة من ظروف صعبة وآثار سلبية اقتصادية ومجتمعية نتيجة استمرار تنامي الظواهر المناخية الصعبة الناجمة عن التغيرات المناخية التي تجتاح نطاقات جغرافية متعددة في العالم، لافتاً إلى أن هناك عديداً من التأثيرات السلبية لتغير المناخ في تلك المناطق، ومنها:
التأثير على الإنتاجية الزراعية في نقص الغذاء، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية خاصة عندما يكون هناك فائض في الطلب على العرض. التأثير سلبًا على حركة التجارة والسلع المصدرة، ما قد يؤثر على أسعار السوق العالمية.ونوه بأن أحد أبرز الظواهر الصعبة إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة والطقس المتطرف وتزايد احتمالات حدوث الهزات الأرضية، تأتي مشكلة الأمن الغذائي في القارة، إذ "لا توجد دولة إفريقية واحدة لا تعاني ظروف غذائية صعبة إما بنقص، أو ندرة أو سوء نوعية الغذاء المتاح".
وأشار إلى أن التغييرات المناخية كان لها تأثير مباشر على المحاصيل الزراعية في المناطق الاستوائية والساحلية على حد سواء، إلى جانب التأثير على الثروة الحيوانية والسمكية، بالإضافة إلى ظواهر التصحر والجفاف.
وأكد خبير الشؤون الإفريقية، أن القارة السمراء منفردة لن تستطيع مواجهة تحديات التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية خاصة وأن الأمر ليس فقط مرتبط بالتمويلات بشكلها الاعتيادي إنما ما تحتاجه إفريقيا هو تمويلات عادلة منصفة بدون شروط مجحفة أو ابتزاز سياسي أو تهديد لسيادة الدول الإفريقية وإرادتها.
وفق أحدث تقارير الأمم المتحدة في هذا الصدد بنهاية أكتوبر الماضي، انخفض التمويل الدولي المخصص لتكيّف البلدان النامية مع تغير المناخ بنسبة 15 بالمئة عام 2021 . تبعاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن أن النقص في التمويل يتزايد "رغم الوعود التي قدّمت خلال مؤتمر الأطراف السادس والعشرين (كوب26) في غلاسكو بمضاعفة تمويل التكيف بين عامَي 2019 و2025، ليصل إلى 40 مليار يورو سنويا" وهو أمر "مثير للقلق".ومن المهم أن تكون هذه التمويلات في شكل استثمارات مباشرة لدعم المشروعات التي تواجه وتعمل على استيعاب الآثار السلبية للتغير المناخي، وفق ذهدي الذي أشار إلى أنه إلى جانب التمويل وأهميته، تحتاج القارة إلى نقل الخبرات والتجارب، فإذا لم يستطع العالم سريعًا القيام بدوره لدعم جهود القارة الإفريقية في التصدي للآثار السيئة للتغيرات المناخية فإن الأزمات في القارة سوف تصل إلى مراحل لن يمكن مستقبلا استيعابها أو مواجهتها وبالتالي تنتقل آثار هذه المشكلات خارج حدود القارة وتهدد العالم أجمع.
بحسب تقديرات البنك الأفريقي للتنمية، فإن القارة السمراء تخسر ما بين 5 و15 بالمئة من نصيب الفرد من النمو الاقتصادي بسبب تداعيات تغير المناخ وتواجه نقصا كبيرا في التمويل المناخي. كيفين أوراما، كبير الاقتصاديين بالإنابة في البنك الأفريقي للتنمية، ذكر في بيان سابق أن الدول الأفريقية تلقت حوالي 18.3 مليار دولار من التمويل المخصص لمكافحة تغير المناخ بين عامي 2016 و2019. لكنها تواجه فجوة تقارب 1.3 تريليون دولار في تمويل المناخ للفترة من 2020 إلى 2030.المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات التغيرات المناخية القارة الإفريقية مناخ تغير المناخ التغيرات المناخية القارة الإفريقية مناخ التغیرات المناخیة للتغیرات المناخیة الاحتباس الحراری القارة السمراء تغیر المناخ ما یؤدی إلى فی القارة إلى أن
إقرأ أيضاً:
لا يستطيعون تفسيرها.. ارتفاع درجات الحرارة يُحيّر العلماء
تتسبب درجات الحرارة العالمية التي حطّمت الأرقام القياسية سنة 2023 ومرة جديدة عام 2024، في حيرة للعلماء، إذ يواجهون صعوبة في فهم ما يحدث.
وقد أثبتت الأوساط العلمية أنّ حرق الوقود الأحفوري وتدمير المساحات الطبيعية مسؤولان عن احترار المناخ على المدى البعيد، والذي يؤثر تباينه الطبيعي أيضا على درجات الحرارة من عام إلى آخر.أسباب الاحترار العالميلكنّ أسباب الاحترار الكبير الذي شهدته سنة 2023 وكذلك 2024، تبقى موضع جدل كبير بين علماء المناخ، إذ يتحدث البعض عن احتمال أن يكون الاحترار حصل بشكل مختلف أو أسرع من المتوقع.
أخبار متعلقة بالعين المجردة.. ظاهرة "إكليل القمر" تُزين السماء الليلةآركابيتا وفلو تطوران مجمع لوجستي في الرياضوثمة فرضيات عدة تغذي البحوث، منها ما يشير إلى عدد أقل من السحب وبالتالي انعكاس أقل للأشعة الشمسية، وأخرى تلفت إلى انخفاض تلوث الهواء وبالوعات الكربون الطبيعية والمحيطات والغابات التي باتت تمتص كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون.
وتكثر الدراسات لكنّ تحديد التأثير الدقيق لكل عامل يحتاج بعد إلى عام أو عامين، ويقول مدير معهد غودارد لدراسات الفضاء التابع لناسا غافين شميت "أودّ أن أعرف السبب الكامن وراء" درجات الحرارة القياسية التي شهدها عاما 2023 و2024".
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } موجة طقس حارة تتزايد - مشاع إبداعيالكوكب إلى ساحة مجهولةوتابع: "ما زلنا نقيّم ما إذا كنا نشهد تغييرًا في كيفية عمل النظام المناخي"، فيما يؤكد عالم المناخ ريتشارد ألان من جامعة "ريدينغ" البريطانية، أنّ "الحرارة العالمية القياسية خلال العامين الفائتين دفعت الكوكب إلى ساحة مجهولة".
تبين سونيا سينيفيراتني من المعهد الاتحادي السويسري للتكنولوجيا في زوريخ، أنّ ما سُجّل "استثنائي، في حدود ما يمكن توقّعه استنادًا إلى النماذج المناخية الحالية".
وتقول: "مع ذلك، إن الاتجاه العام للاحترار على المدى البعيد متوقع، نظرا إلى كمية الوقود الأحفوري التي تُحرق"، ولم تبدأ البشرية بعد في خفض الانبعاثات، رغم الاقتراب من مرحلة الذروة.التقلبات المناخية الطبيعيةتفسّر التقلبات المناخية الطبيعية هذه الملاحظة جزئيا. في الواقع، سبق عام 2023 سلسلة نادرة من ثلاث سنوات متتالية شهدت ظاهرة ال نينيا الطبيعية، إذ حجبت جزءًا من الاحترار من خلال تكثيف امتصاص المحيطات للحرارة الزائدة.
وعندما سيطرت ال نينيو، الظاهرة المعاكسة، بكثافة قوية جدا عام 2023، عادت هذه الطاقة، مما دفع درجات الحرارة العالمية إلى مستويات غير مسبوقة منذ مئة ألف عام، بحسب علماء المناخ القديم.
ومع أنّ الذروة التي وصلت إليها ظاهرة ال نينيو في يناير 2023 قد انتهت، لا تزال موجات الحرّ مستمرة.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } خطورة الموجات الحارة - NSW Governmentتفسيرات مطروحةويقول عالم المناخ روبرت فوتار إنّ "التبريد بطيء جدا"، مضيفًا "لا نزال ضمن الهوامش المتوقعة نسبيًا" للتنبؤات، لكن إذا "لم تنخفض درجات الحرارة بشكل أكبر سنة 2025، فسيتعين علينا أن نطرح بعض التساؤلات".
من بين التفسيرات المطروحة، الالتزام عام 2020 بالتحوّل إلى الوقود النظيف في النقل البحري. وقد أدى هذا الإجراء إلى خفض انبعاثات الكبريت، مما تسبب بزيادة انعكاس ضوء الشمس عن طريق البحر والسحب وساعد في تبريد المناخ.
وأشارت دراسة إلى أن انحسار السحب على علوّ منخفض سمح بوصول مزيد من الحرارة إلى سطح الأرض، وقد يكون النشاط البركاني أو الدورات الشمسية أديا دورا كذلك.زيادة درجات الحرارةويخشى البعض من عدم إيلاء العلماء اهتمامًا بالعوامل الأخرى، إذ تقول سونيا سينيفيراتني "لا يمكننا استبعاد عوامل أخرى ربما تكون قد تسببت بزيادة درجات الحرارة".
وفي العام 2023، عانت مصافي الكربون من ضعف غير مسبوق، بحسب دراسة أولية كبيرة نشرت في الصيف.
وأفادت الوكالة الوطنية الأميركية لمراقبة الغلاف الجوي والمحيطات (NOAA)، أنّ منطقة التندرا في القطب الشمالي باتت تُحدث انبعاثات من ثاني أكسيد الكربون أكثر مما تخزن.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } أسباب الاحترار العالمي - The Statesmanارتفاع حرارة المحيطاتأما المحيطات التي تشكل مصفاة الكربون الأساسية والمنظم الرئيسي للمناخ، فترتفع حرارتها بمعدل "لا يستطيع العلماء تفسيره بشكل كامل"، بحسب يوهان روكستروم من معهد بوتسدام للأبحاث المتعلقة بتأثير المناخ.
وتساءل قائلًا: "هل احترار المحيطات مؤشر لخسارة القدرة على الصمود على هذا الكوكب؟ لا يمكننا استبعاد ذلك".