جلسة حوارية تسبر أغوار الموسيقى التقليدية العمانية
تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT
شهد الأسبوع الثقافي لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم في يومه الثاني اليوم إقامة جلسة حوارية في الموسيقى التقليدية العمانية نظمها مركز عمان للموسيقى التقليدية استنادا إلى أهدافه في جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العمانية والمحافظة عليها ومتابعتها ميدانيا بهدف التعرف على أصولها وجذورها وتطورها من خلال الدراسات والبحوث، وتعد الجلسة التي أقيمت اليوم ترجمة للدور المنوط بمركز عمان للموسيقى التقليدية في نشر الوعي الموسيقي وتبادل الدراسات والرؤى بشكل فعّال وعميق.
الجلسة التي قدمها الشاعر محمد المشرفي اليوم شارك فيها نخبة من المهتمين بالفنون التقليدية العمانية وانطلقت بورقة حول الدراما الموسيقية في فنون عمان التقليدية ـ فن الميدان نموذجا ـ قدمها الباحث راشد بن مسلم الهاشمي تناول فيها تعريفا للدراما الموسيقية التي قال إنها ذلك العمل الفني الدرامي الذي تكون الموسيقى إحدى مكوناته الأساسية وعموده الفقري، حيث تتعاطى الموسيقى مع النص والمعاني والمشاعر والمواقف التي تكشف العلاقات البنيوية بين الشخصيات وارتباطها بالأحداث، وحمل المتلقي على إدراك ما يحيط بالشخصيات ويثير تعاطفه مع الموقف المعروض أو الخبر الذي قد يكون صادما أو مفرحا أو مؤلما...إلخ، وتمتد إلى التعليق على ما وراء الحوار من مغزى وتلميحات ترتبط بالموقف وتداعياته، كما أن الموسيقى تغوص في عالم الشخصية بحثا عن المشاعر والأحاسيس غير المعلنة والمضمرة في ما هو مكتوب أو مشاهد، وقد تتماهى وترتبط وتقترن بشخصية معينة قد تنوب عنها أو بحدث معين قد توحي به وتذكر به.
كما أشار الباحث إلى أن «الميدان» يعد أحد أهم الفنون التقليدية العمانية، وفن المطارحة والمساجلات الشعرية يبدع فيه شعراؤه وممارسوه في التلاعب بالألفاظ العربية الدارجة وتغاير معانيها، والتي تصاغ في قالب شعري رصين ومتقن، مشيرا إلى أنه يقام في بعض المناسبات المجتمعية كالأعراس والاحتفال بطهور الصبية، كما أنه يقام للسمر والتسلية، وأحيانا بغرض التطبيب الشعبي، وهذا الفن يؤدى في أربعة أدوار منفصلة، ويفصل بين كل دور وآخر مدّة للراحة، وآخر الميدان يكون هناك ما يعرف بالزفة.
مختتما «الهاشمي» ورقته بالتأكيد على أن الدراما الموسيقية عمل فني له فكرة وأدوات وشخصياته وسيناريو، وهذا ينسحب على فن الميدان، وأن الأعمال الدرامية الموسيقية تعتمد على الموسيقى والغناء والأداء الحركي كمكون أساسي لها من بدايتها إلى نهايتها ،وهذا الحال في فن الميدان، وتتكون الأعمال الدرامية الموسيقية عادة من عدة فصول وتكون منفصلة، كما هو الحال في فن الميدان والذي يتكون من أربعة أدوار، وكل فصل في الدراما الموسيقية يكون فيه أحداث وشخصيات متعددة، وهذا ما نجده في فن الميدان من أجزاء وشعراء وموضوعات مختلفة في كل دور، وفي العمل الدرامي الموسيقي هناك شخصيات فنية ذات أصوات قوية ومبدعة في أدائها للألحان، وأيضًا تلك الشخصية موجودة في فن الميدان متمثلة في من يقوم بأداء النايحة.
مؤكدا أنه مع كل هذه المقاربات بين فن الميدان والعمل والدرامي الموسيقي لا يضع فن الميدان كعمل درامي موسيقي متكامل الأركان كما هو الحال في الأوبرا أو الأوبريت، وقال: هو عمل فني متكامل في بيئته وغرضه المجتمعي، ولذلك فهو يعطينا بعدا فنيا متميزا وبأدوات فنية تحمل فكرا إبداعيًا لا يسعنا إلا أن نقدر ذلك الإنسان الشعبي الذي أبدع مثل هذا الفن الذي أعطاه هذا الفكر الإبداعي والذي ليس متاحا لكل أحد ممارسته أو الخوض فيه.
وفي ورقة ثانية قدم الباحث والشاعر ربيع بن ملاح الهديفي ورقة بعنوان «من خصائص الشعر الشعبي المغنى» تناول فيها بعمق فن «الرزحة» ونوائحها المتعارف عليها في أغلب محافظات وولايات سلطنة عمان وكذلك ما يصاحبها من خصائص وأنماط، مشيرا في البداية إلى خصائص وأنماط فن الرزحة العمانية وما يميزها عن بعض الفنون الشعبية التقليدية العمانية من حيث التسمية وهو أنه لا يقال لهذا النوع من الشعر بالقصيدة أو القصائد بل يقال شلّة للمفرد أو شلاّت للجمع ومقصب أو مقاصب عندما تكون هناك محاورة أو مساجلة أو مراسلة بين شاعرين أو حتى وإن كان الشعر من شاعرٍ واحد، مشيرا إلى أن من أبرز خصائص أشعار الرزحة بمختلف نوائحها هي إمكانية عدّها أو إلقائها أمام الحضور و التغنّي بها في المحافل و هناك شلاّت و مقاصب قيلت منذ عشرات السنين بل البعض منها منذ مئات السنين وما زال صداها يتردد و يُتغنى بها إلى وقتنا الحاضر و ذلك نظرًا لصدق مضمونها وغزارة معانيها وحسن صياغتها و ندرة مفرداتها ومن ضمن خصائصه هو أنّه يوثق بعض الأحداث و المناسبات والأماكن المهمة سواءً في الولايات أو المحافظات أو في بعض أحداث الدولة بشكل عام أو بعض الأحداث ذات الأهمّية حصلت عند شخصية معيّنة معتبرة و هناك مقاصب قديمة قيلت خارج الوطن بين أربعينيات و ثمانينيات القرن العشرين الماضي خلال وجود بعض أبناء الوطن للعمل و التجارة في زنجبار ودول الخليج والهند.
كما عرّج «الهديفي» إلى أغراض شعر الرزحة، وكيفية بناء الشلاّت أو المقاصب فيها مشيرا إلى أنواعها الخمسة شلّة قصافي درب «همبل»، والنائحة القصيرة، و نائحة «اللال العود»، والنائحة المربوعة، والنائحة البوشرية، إضافة إلى تعريفه بالمناسبات التي تؤدى فيها الرزحة، واللباس المستخدم فيها وطريقة أدائها.
وحول «استثمار الموسيقى التقليدية لتحقيق رؤية عمان 2040» قدمت الدكتورة غالية بنت عيسى الزبيدية دراسة في جدوى التأثير النفسي والفني منطلقة في حديثها بالتعريف بدور الموسيقى عبر العصور وما قدمته في رسم التاريخ الروحي للشعوب، وقالت «الزبيدية»: الموسيقى التقليدية العُمانية هي تراث روحي للشعب العُماني، رسمت ملامحهُ وطقوسه واهتماماته منذُ عريش النخل وشباك الصيادين وأصوات الفُلك تجري على الماء في رحلاتها مناجيةً البحر والريح وأهازيج الأمطار والنوارس، فمنها «المديمة»، و«الشُبّبانية» و«الرزحة»، و«العيالة»، و«الرزفة البدوية»، وفن «الليوا»، و«الباكت» وكل الفنون التي قامت سلطنة عمان بتوثيقها كأنماط موسيقية تقليدية في مركز عمان الموسيقي، وقد مثلت الموسيقى التقليدية أحد وجوه هويّة عمان الثقافية الأمر الذي يبرهن مدى اهتمام سلطنة عُمان بتراثها الحضاري القديم. لكن كيف يمكننا استثمار هذا التراث القديم «الموسيقى التقليدية» في تحقيق إرث المستقبل رؤيا عمان 2040؟.
وقالت الدكتورة عائدة الزبيدية: تختلف الموسيقى عن اللغة، أي إنها لا تحمل أية دلالات (Semantics)، وعلى الرغم من ذلك نستجيبُ لها كأداة تواصل، ليس لأنها صوت، فنحن نسمع الكثير من الأصوات في حياتنا اليومية دون أن نتأثر بها؛ لكن لأنها لغة خاصة تتصل بذواتنا وعواطفنا، ربما لهذا السبب تصوّر «فريدريك نيتشه،» في كتابه «مولد التراجيديا»، أن الموسيقى هي شرط سابق للغة، وربطها بما تعنيه «الإرادة»، بل ووضعها كصورة بدائية من وجودنا ذاته، وبذلك يكون التعرف إلى الموسيقى، بالنسبة لنيتشه، والتعرّف بها إلى العالم، هو تعرّف إلى ذواتنا.
لذلك تثير الموسيقى حواسنا وتؤثر على مشاعرنا بالدرجة نفسها؛ بحيث أن طفلًا في الشهور الأولى من عمره سوف يستجيب للموسيقى كشخص كبير، سوف يتأهب ويتراقص مع بعضها، ثم مع البعض الآخر الحزين منها سيركن إلى كتفي أمه ليهدأ قليلًا، ونحن الكبار نفعل الشيء نفسه، «حينما نسمع فصول موسيقى فيفالدي الأربعة نتمكن، عبر موسيقاه، من معرفة عن أي فصل تتحدث مقطوعته الخاطفة، وربما نشعر باضطراب الحب في نبضات قلوبنا حينما نسمع موسيقى تايتانيك، وقد نبكي كثيرًا لصوت الناي أو الكمان وموسيقى الفقد والموت أو مواويل الحياة الحزينة.
إذن فالتأثير الموسيقي على الإنسان والمجتمع يبقى بالدرجة ذاتها في التأثير سواء أكان في الماضي أو الحاضر أو المستقبل طالما أن المستهلك للموسيقى والمتأثر بها هو الإنسان الذي لا تتغير طبيعته البيولوجية وحاجاته النفسية، من هنا تعد الموسيقى التقليدية هي المنبع الأول للموسيقى المعاصرة وتشكل جسرًا صوتيًا ممتدًا يحمل أثره على رؤى المستقبل وخططه وتوجهاته وطموحاته.
من جانبه استعرض عادل المعولي تجربة «مجلة الموسيقى العمانية» مشيرا إلى إصدار مجلة الموسيقى العُمانية يأتي استكمالًا لمسيرة مركز عُمان للموسيقى التقليدية ودوره الوطني تجاه الموروث الموسيقي العُماني، وتعريف القارئ العام والباحث بأهمية هذا الموروث، ورفع مستوى الوعي الثقافي بالموسيقى العُمانية داخليًا وخارجيًا في محاولة جادة نحو تحبيب العُماني بثقافته وموروثه. وقال «المعولي»: سعى فريق عمل المجلة جاهدًا وبعزيمة صادقة إلى أن تكون المجلة مرجعًا ثقافيًا وعلميًا لكل باحث ومهتم في الشأن الموسيقي التقليدي وغير التقليدي، حيث احتضنت في زوايا المجلة، كتابًا من ذوي الكفاءة والتخصص بهدف جعل المجلة مرجعًا علميًا متاحًا لكافة القراء، وتصبح من أهم المصادر والمعلومات ذات الصلة بالفنون الموسيقية، وقد وضعت أسرة المجلة نصب أعينها أهدافًا وطنية سامية تسير على ضوئها، مؤكدا أن فريق عمل المجلة وضع رؤية مستقبلية طموحة بينها رفع سقف موضوعات المجلة من حيث الكم والكيف، وجعلها مرجعا علميا وثقافيا في الوطن العربي، وإيصال أعداد المجلة إلى مراكز البحوث، وإلى مكتبات الجامعات، وفتح باب نشر موضوعات الأكاديمية مثل البحوث والدراسات التي تقوم بها كليات الفنون، والسعي نحو جعل المجلة من ضمن المجلات المحكّمة ثم البحث في إمكانية تسجيلها رسميًا في المَجْمعَ العربي للموسيقى التابع لجامعة الدول العربية للاستفادة من الامتيازات والدعم المقدم من المَجْمَع، وجعل المجلة منبرًا علميًا وثقافيًا جاذبًا للكتاب وذوي الاختصاص.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التقلیدیة العمانیة مشیرا إلى ة عمان إلى أن
إقرأ أيضاً:
الإفتاء: حضور الأفراح القائمة على الموسيقى ليس محرمًا بشرط
أكد الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن حضور الأفراح التي تتضمن موسيقى لا يُعتبر محرمًا، شريطة أن يتم الحفاظ على الأدب والاحترام، وعدم الخروج عن حدود الأخلاق.
وأضاف عثمان، خلال حلقة برنامج "فتاوى الناس" المذاع على قناة "الناس"، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشجع على الاحتفال بالأعراس، حيث كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تحكي عن احتفالات الفرح في المجتمع، والتي كانت تتضمن في بعض الأحيان ترفيهًا مثل العزف بالدف أو بعض الأغاني البسيطة.
وأشار إلى أن هناك تسامحًا في بعض الأحيان في مثل هذه المناسبات، طالما أن ذلك لا يتجاوز الحدود ويظل في إطار الاحترام والاحتشام، دون أن يؤدي إلى الخروج عن آداب الإسلام أو الإضرار بالقيم الأخلاقية.
وأوضح أمين الفتوى، أن اللهو الذي كان موجودًا في زمن النبي كان يتضمن العزف بالدف، ومع تطور الزمن أصبح بالإمكان وجود موسيقى أو أغاني معتدلة، بشرط أن تحافظ على كرامة الحضور ولا تؤدي إلى الإساءة للأخلاق.
وشدد على أن الممنوع في مثل هذه المناسبات هو أي نوع من الكلام الفاحش أو التصرفات التي تؤدي إلى تدني الأخلاق أو خرق حدود الأدب.