بعد ثلاثين عاما (إلا سنة واحدة) يقرر الشاعر اللبناني شبيب الأمين إصدار مجموعته الشعرية الثانية. عمر طويل نسبيا ما بين الكتاب الأول «أعتقد أنني سكران» (دار الجديد 1994)، والثاني «رجل للبيع يهزأ بالأبد ــ يليه ــ مصرع لقمان» (رياض الريس للكتب والنشر 2023). قد لا يشكل هذا العمر انقطاعا عن التجربة، مثلما يتبادر للوهلة الأولى، فمنذ بداياته وشبيب الأمين مقلّ في النشر، إذ يرغب في أن تكون نصوصه مسبوكة إلى حدّ الإتقان، لغاية أنه أحيانا، يلغي الكثير مما كتبه، متبعا بذلك قول الفيلسوف الألماني تيودور أدورنو، الذي يشكل واحدا من «معلميه» الفكريين: «الشعر هو ما تمحوه لا ما تكتبه».
الشعر في ذلك كله، عند الشاعر، كان طريقة حياة (ولا يزال)، لا مجرد كتابة نص فقط. إنه «عيش في الشعر»، فيما لو استعدنا جملة الشاعر الفرنسي أوجين غيوفيك. هذا العيش، الذي جعله يبتعد في السنوات الماضية، عن بيروت، ليقيم في قريته الجنوبية، بعيدا عن الضجيج، وإن كان منزله هناك لم يتوقف عن استقبال الشعراء والفنانين التشكيليين ومن له علاقة بالثقافة، وكأن النقاش، انتقل من «جدل بيزنطي» إلى تلك القرية السابحة في خضرة الطبيعة.
منذ نصوصه الأولى، بدا شعر شبيب الأمين وكأنه نقد حقيقي للشعر السائد، المكتوب في تلك الفترة في غير عاصمة وحاضرة عربية. أحب أن أتخيل أن الشاعر كان تائها في ضواحي الحياة، لكنه عرف كيف يجعل حياته تتجاوز الكلمات، في رحلة تحمل عزلته وحبه لهذا الصمت الإنساني. هل لذلك أراد أن يجعل من كلماته، المجمعة بمهارة، والتي لا تشبه كلمات أحد في تجربة حداثة الشعر اللبناني، أن تكون صورة عن رجل يصرخ بصمت، أو بالأحرى عن رجل يهزأ بكلّ المسلمات التي توارثناها؟ الحدّ الفاصل بين صراخ شبيب واستهزائه، في شعره، يبدو حدّا واهيا، إذ يمتزج الأمران في لعبة كتابية، تعرف كيف تؤسس لمشروعها الخاص. الصراخ هنا، لا يجعله يشفق على الألم ولا لأن يغنيه، بل يطرده من داخله، نحونا، وعلينا أن ننجح في تلقفه، وإلا ضاع كل شيء علينا.
يعبر شبيب الأمين الكتابة واقفا، وكأنه يوزع بطاقات شعرية محملة باللعنة. ربما لأن الشعر داء يُكتشف باكرا. هذا الداء الشعري يجعله يرحل إلى كل الشواطئ، بعيدا عن أي غنائية متواطئة. الكتابة أشبه بشخص يلعب لعبة الحجلة بشكل مأساوي في دوائر الجحيم. هي أيضا، بمثابة أغاني الناجين من حروب طويلة عرفناها وعشناها على مرّ تاريخ لبنان الحديث. هل يمكن إذَا أن نقول إنه شعر يرغب بدوره في «قتال» ما؟ ربما. فالصرخات الواضحة، أو لنقل بدقة، صرخات الوضوح هذه تأتي بصوت قوي، تخرج من قبضة الصرخات المغلقة والكف المفتوحة تجاه الناجين ــ وربما تجاه الذين رحلوا وغادروا، لا لتشييد نُصب ذاكرة لهم، بل لمحاولة إعادتهم إلى ذاك المكان الذي كانوا يجتمعون فيه، خلف طاولة شبيب في قريته، إنه «نضال» مستمر، على الأقل نضال شعري لأن تكتب حياة أخرى، لأن ألم نسج الكلمات، حين تلتهم الحياة نفسها كل شيء وتجعله يدور في تيهه، لا يبقى لنا، أمام هذه المعاناة، سوى أن نلجأ إلى الكتابة وكأنها «عار» يخنقنا.
ينحت البعض جملًا رائعة لوضعها بالقرب من المدفأة في أمسيات الروح الشتوية. تحتفظ كلماتهم بالوضعية التي كانت عليها، قبل رحيلهم واختفائهم. لم تعد تتحرك، صارت ثابتة. وهي بذلك لا تظهر إلا صورة من صورهم الشخصية ومن سيرتهم. كأنها في نهاية الأمر، لا تتوقف عن التنهد لتحاول أن تبتسم لنا. كلمات شبيب في مجموعته هذه، لا تزال تتحرك، لا تتوقف عن التساؤل عن المكان التي سوف تذهب إليه. ربما هي تكتب بعضها البعض في الصباح الباكر لتمتزج بالندى، أو في عشية القرى حين تحل سَكينة الروح على الأرض. لذا لا يختفي الشاعر في أبدية الشعر، بل يواجه العالم، يلتصق به، ويرغب في أن يجعله أكثر أخوية وعدالة.
أن نعود ونقرأ قصائد شبيب الأمين، بعد كلّ هذه السنين، معناه أن نقرر الانطلاق في رحلة إلى جُزر من الكلمات تواجه الرياح، إنها سفر بين عاطفة عميقة وشهوانية ملموسة. فالشاعر حاضر في كل حالاته المزاجية. كتابته فعل احتضان. يجعل صوره تنبت برغبة وارفة. إذ يترك الشاعر كلماته تطير مثل بالونات زرقاء نحو سماء زرقاء. يتابعها قليلا بنظره، وينتظر ريحا مواتية تعيدها إلى قارئها. تحت أمطار أيام غزيرة، وفوق يدين تجيدان عجن أرض الكلام، يقول الشاعر جملته تلو الأخرى، بلطف، بعناد رجل من الجنوب يقلب الكلمات، يقلب الأرض، لا لتزهر من جديد، بل لتشهد على رفاتنا جميعنا. أمام ذلك تأتي الكلمات وكأنها محمولة، متناثرة، مجزأة، منجرفة ... تماما مثل أحلام تظنها عديمة الفائدة، مثل إلحاح لتحقيقها. لا شفقة على الإطلاق. فقط تحاول أن تتذكر القليل ممّا حدث.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
هنغششك الإجابة.. محمد رمضان يشعل السوشيال ميديا بسؤال الـ5 ملايين
أثار الفنان محمد رمضان جدلاً واسعاً عبر منصات التواصل الاجتماعي بعد إعلانه عن جائزة مالية ضخمة تصل إلى 5 ملايين جنيه للمشاهدين الذين يتمكنون من تخمين اسم أغنيته الجديدة، هذه المفاجأة حملت معها الكثير من التساؤلات حول أسم الأغنية، خاصة بعد تلميحاته الغامضة التي ربما قصدها رمضان لأستنتاج اسم أغنيته.
واعتاد الفنان محمد رمضان على إثارة الجدل والتشويق، لم يكشف رمضان حتى الآن عن تفاصيل أحدث اغنيه أو اسمها بشكل مباشر، ولكنه ربما اعتمد في اعلان مسابقته على نشر بعض التلميحات والتي قد تتضمن رسائل مشفرة قد تحمل رموزاً أو إشارات قد تشير إلى معاني معينة قد تشير إلى اسم الأغنية.
وفي سياق آخر، ظهر الفنان محمد رمضان مؤخرًا بلوك مميز بالشارب الغليظ والوجه الصارم، أثناء دخوله لوكيشن تصوير أول مشاهد فيلمه السينمائى الجديد الذي يحمل طابع تاريخي أكشن ويحمل اسم “أسد”.
ويعد التعاون الأول بينه وبين المخرج المصري العالمي محمد دياب، عقب نجاح الأخير بمسلسل مارفل moon knight.
للمزيد من التفاصيل حول التلميحات وجائزة رمضان لمن يستطيع تخمين اسم أجدد أغنية قبل الإعلان الرسمي، يمكنكم متابعة الفيديو التالي: