تنبأ منظرو ما بعد النيوليبرالية بأن نهاية هذه الأخيرة ستكون بسببها، أي أنها من ستودي بنفسها في النهاية، ويبدو أن العالم يسير على هذا النحو فعلا، فلنتأمل في حياتنا العادية ما يؤشر لذلك، على سبيل المثال إعادة النظر في سيطرة الشركات على وسائل الإعلام، ومحاولة فرض قيود، -خصوصا مع ما يحدث في فلسطين الآن- على شركات السيلكون، إذن، هنالك عودة للحديث عن إعادة السيطرة على رؤوس الأموال، وفرض قيود عامة تضمن تحقق مضامين الدساتير الدولية المختلفة.
عندما يطالعنا أحد مشاهير «السوشل ميديا» قائلا: إنه يستلم مقابلا يوميا يتجاوز ما يتحصل عليه الطبيب خلال عام كامل من العمل، ألا ينبغي أن نسأل عن طبيعة هذا الواقع الذي نعيش فيه وما ستؤول إليه الأمور في عالم يعترف بالمال فحسب، ويربط الحرية بالمال والجمال بالمال، المال فحسب؟ يبدو أن سحر قتل الرأسمالية لنفسها يتوازى أيضا مع قتل «الديمقراطية» المفترضة في دول العالم الشمالي، مع تصاعد خطابات القومية الشعبوية، وارتفاع أصوات اليمين المتشدد. لكن هذا لا يحدث على مستوى واحد بل على عدة مستويات.
فلنتأمل مثلا ما حدث الأسبوع الماضي من تداول واسع لرسالة بن لادن لأمريكا عام 2001 والتي لم تلقَ رواجا واسعا وقت نشرها عام 2002، لكن في الأسبوع الماضي فقط تم تداول الرسالة ملايين المرات عبر تطبيق تيك توك، الأمر الذي دفع صحيفة الجارديان لحذف صفحة الرسالة من موقعها تخوفا من عواقب تسوغ العنف والإرهاب.
إن تلك الرسالة حسب ما تداولها الأمريكيون والأوروبيون على نطاق واسع، قد تعتبر رسالة لحركة تحررية، تحاول مواجهة الإمبريالية، وتحقيق العدالة لدول الجنوب، في ظل احتلال فلسطين خصوصا أو «استعمارها» بحسب الأدبيات التي نشأ عليها الناس في أوروبا وأمريكا، فكيف تكون إرهابا؟ إن مجرد طرح هذا السؤال على نطاق واسع أصاب الأوساط الإعلامية والسياسية والأكاديمية بالذعر.
عبّر برانكو مارسيتش عن ذلك عبر كتابة تحلل هذا الموقف في currentaffairs. ويقول إنه ينبغي أن نراقب بدقة التحول في المواقف الليبرالية إلى حد كبير منذ عام 2016 تجاه قضايا حرية التعبير والتبادل الحر للأفكار، إذ اعتمدت أدبيات الليبرالية على معتقد أساسي يقوم على الحوار المفتوح، وحرية الوصول للمعلومات جزء لا يتجزأ من الديمقراطية. ولنتأمل الوضع الآن كيف أنه صار من الخطر على الجمهور التعرض لرسالة بن لادن؟ هل لأن رسالته تعزز الغضب المناهض لأمريكا؟ وهي تقدم نموذجا لشخص رفض العلمانية واتهم بالتطرف.
بحسب مارسيتش استقبل جيل زد على وسائل التواصل الاجتماعي على أنها تبرئة لابن لادن. وهذا يقول لنا الكثير عن سياسات الليبرالية الاجتماعية. وهو بالضرورة يعيدنا لسياسات النيوليبرالية كلها، وإعادة التفكير في منطق السوق الحر بالمطلق، الذي يجعل الشركات تستخدم حتى القيم الإنسانية إذا ما كانت في صالحها وتبدأ بتكريس نوع من المعاداة المضادة إذا كان ذلك سيكسبها المال. ينبغي التفكير مليا في التفكير حول الحرية وما تعنيه.
يعتبر الكثير من المنظرين والصحفيين اليوم، ساحات التواصل الاجتماعي هي الميادين العامة الجديدة، ويطالبون بالضرورة أن تكون مفتوحة لأي رأي، وأن يتم تبادل الأفكار فيها. لكن ترى ما هي حدود خطاب الكراهية؟ خصوصا أن واحدة من أدوات الاستعمار التي نألفها جميعا هي إعادة تسمية الأشياء، فإسرائيل اليوم تقول عن حماس إنها منظمة إرهابية وإن الفلسطينيين يمارسون الإرهاب، لكن هذا الوصف لا ينطبق بالدرجة نفسها على إسرائيل نفسها التي قتلت في هذا العدوان وحده ما يزيد على عشرين ألف إنسان من بينهم ما يزيد على ثمانية آلاف طفل. إن الوقوف الحازم من قبل الأكاديميين والكتاب في العالم على حدود تعريف هذه المصطلحات واستعادتها من الاستعمار والقوى الإمبريالية، ربما يفتح أفقا لإنسانية تشهد اليوم مأزقا سيجرها بالضرورة لحرب عالمية رابعة، منشؤها حركات يمينية شعبوية متطرفة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
“الشارقة لصعوبات التعلم” يستعد لإطلاق برنامجاَ شتوياً لتنمية مهارات التفكير والإبداع لدى الطلبة
ينظم مركز الشارقة لصعوبات التعلم برنامجاً شتوياً تحت شعار “معاً نتعلم” في الفترة من 22 حتى 31 ديسمبر، ضمن المبادرات والفعاليات التي ينظمها المركز، بهدف تنمية القدرات الإبداعية للطلبة من ذوي صعوبات التعلم وتعزيز مهاراتهم الحياتية.
ويشتمل البرنامج الذي يستهدف للطلبة من ذوي صعوبات التعلم من عمر 13 – 20 عام، على مجموعة متنوعة من الأنشطة وورش العمل التطبيقية، حيث سيتعلم الطلبة فنون الرسم على اللوحات والشموع، وسيخوضون تجربة تعليمية تفاعلية تهدف إلى تعزيز مهارات التفكير المنطقي والإبداعي والابتكار من خلال تعلم المفاهيم الأساسية لعمل الروبوتات والبرمجة، بالإضافة إلى التدريب على وظائف تنفيذية مختلفة من خلال ورش عمل متخصصة مثل “فنون الرد” و “ألعاب تحديات التفكير”، والتي تهدف إلى التدريب على المرونة واستدامة الانتباه وتطوير قدرات المشاركين على التخطيط والتنظيم.
مدربون متخصصون
ويحظى البرنامج بمشاركة نخبة من المدربين المتخصصين الذين سيقدمون ورش العمل بأسلوب تفاعلي يشجع الطلبة على المشاركة والتعلم بفعالية وتعزيز دافعيتهم للتعلم، كما يتضمن البرنامج الذي يأتي بدعم من سفاري الشارقة وهيئة متاحف الشارقة أنشطة خارجية ورحلات ترفيهية وورش عمل متنوعة تهدف إلى تحفيز عملية التعلم لدى الطلبة بطريقة ممتعة وفعالة.
التزام بتقديم أفضل البرامج
وقالت سعادة الدكتورة هنادي السويدي مدير مركز الشارقة لصعوبات التعلم: إن المركز ملتزم بتقديم أفضل البرامج لتمكين ذوي صعوبات التعلم بالعمل على دمج الأنشطة الإبداعية في البرامج التعليمية نظرًا لأهميتها كأداة فعالة لتنمية مهارات الطلبة وتجاوز تحديات التعلم، مؤكدة أن البرنامج الشتوي يعكس هذا التوجه حيث تسهم الأنشطة الإبداعية في توسيع خيال الأطفال وتشجعهم على التفكير وتنمي لديهم حس الاستكشاف والتجريب ليتمكنوا من التعبير عن أنفسهم بطرق مختلفة وبناء ثقتهم بقدراتهم، مشيرة إلى حرص المركز على أن يظل دائمًا حاضنة للإبداع والابتكار من خلال تنظيم فعاليات وأنشطة ترفيهية هادفة تعزز المهارات الإبداعية والحركية لدى الطلاب لتمكينهم من اكتشاف مواهبهم وتطويرها إلى جانب تجاوز تحديات التعلم بثقة ومرونة.
وأضافت الدكتورة هنادي السويدي أن إطلاق البرنامج الشتوي يأتي تواصلًا لجهود المركز المستمرة على مدار العام وإيمانه بأن فئة ذوي صعوبات التعلم يمتلكون قدرات ومواهب كامنة تتطلب منحهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم من خلال الأنشطة الإبداعية التي تسهم في تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتنمية مهاراتهم في مختلف المجالات، مشيرة إلى أن أنشطة البرنامج الشتوي تساعد الطلاب المستهدفين على التواصل مع الآخرين وبناء علاقات اجتماعية إيجابية، مما يعزز اندماجهم في المجتمع، ويجسد سعي المركز لتقديم خدمات تدريبية متكاملة تساعد الطلاب على الاستفادة منها.
ويشمل البرنامج ورش عمل فنية متنوعة، منها الرسم على اللوحات، والرسم على الشموع، والروبوتيك، وفنون الردّ، وألعاب تحديات التفكير، بالإضافة إلى أنشطة التدريب على المرونة واستدامة الانتباه، وتطوير قدرات المشاركين على التخطيط والتنظيم.