من أهم دلائل قوة صفية زغلول، رفيقة درب الزعيم سعد زغلول، وزوجته المخلصة، هو تمكنها بإرادة حديدية من تحويل منزل الزوجية، إلى مركز للنضال. صفية زغلول هى التى قالت إن بيت سعد هو «بيت الأمة». وهى قصة مهمة يحكيها الكاتب رشاد كامل نقلًا عن وثائق المرحلة قائلًا: «واندلعت الثورة فى اليوم التالى مباشرة وعادت الروح إلى الأمة.
قال على شعراوى باشا متسائلًا: كيف نعقد الاجتماع فى بيت «سعد باشا» وهو غير موجود؟
ردت صفية دون تردد: إنه موجود وسوف يكون موجودًا ولو قتله الإنجليز، إن هذا ليس بيت «سعد» إنه «بيت الأمة وقلعة الثورة».
رد على شعراوى باشا بقوله: لك حق، سنجيء ونعقد الاجتماع فى بيت «سعد باشا»، ولكنى أحب أن أحذرك فقد تتعرضين للمتاعب نتيجة لهذا.. قالت صفية زغلول: بعد أن أخذوه لم تعد لحياتى قيمة، قيمة حياتى وهو هنا.
وأمرت صفية بفتح أبواب بيت الأمة، وتخصيص كل غرفه للثورة.. وفى اليوم التالى اجتمعت صفية زغلول مع «هدى شعراوى» وحرم «محمد محمود باشا»، وقالت هدى شعراوى هانم إنها قامت بكتابة برقيات احتجاج باسم سيدات مصر إلى زوجة المندوب السامى البريطانى، وإن زوجها «على شعراوى» رئيس الوفد بالنيابة أخذ البرقيات وعرضها فى اجتماع الوفد وعاد إليها متهلل الوجه قائلًا لها: لقد أعجب أعضاء الوفد ببرقيتك، حتى إنهم قرروا حفظها فى محضر جلسة الوفد.
قالت «صفية» إن كتابة الاحتجاجات والبرقيات لا تكفى، يجب أن تخرج المرأة المصرية إلى الشارع، تخرج جميع النساء إلى الشوارع متظاهرات هاتفات بسقوط الاحتلال.
قالت حرم «محمد محمود باشا» بحماس: إننى لم أضع قدمى فى الشارع منذ كنت طفلة، ولكنى موافقة على الخروج إلى الشارع حتى لو ضربنا الإنجليز بالرصاص.. ردت السيدة «هدى شعراوى» مستغربة: يضربوننا بالرصاص! لو قتلوا امرأة واحدة فسوف تلتهب مصر كلها.
قالت «صفية زغلول» وهذا ما نريده تمامًا.. وبالفعل قادت صفية زغلول هذا الاتجاه بمساندة من صديقتها هدى شعراوى ومعها تلميذة هدى وقائدة المظاهرات النسائية سيزا نبراوى ليصبحن النساء الثلاث قصة تستحق التسجيل والتوثيق!
هذا التوثيق المهم الذى نشره الكاتب الكبير رشاد كامل، استكمله الكاتب الكبير مصطفى أمين فى كتابه «من واحد لعشرة» قصة خروج السيدات فى مظاهرات لأول مرة قائلًا: ما كاد «على شعراوى باشا» يعرض الفكرة حتى ثار وهاج وماج كل الأعضاء ورفضوا خروج النساء فى مظاهرة، وكان من رأى الأغلبية أن هذا الفعل وقاحة وقلة حياء! وكان من رأى الأقلية أنها مع تقديرها للوطنية التى أملت هذه الفكرة الجريئة، إلا أن الأغلبية العظمى للشعب تستنكر خروج النساء إلى الشوارع، وأن هذا سوف يقسم الرأى العام فى مسألة فرعية، بينما هو مُجمع لأول مرة على مسألة واحدة هى مسألة الاستقلال، فخروج النساء إلى الشوارع قد يجعل الإنجليز يتهمون الثورة بأنها تدعو إلى الخروج على الدين الإسلامي! وبذلك تنفض أغلبية الشعب عن الثورة!
وكانت الأغلبية التى تعتبر خروج المرأة إلى الشارع وقاحة وقلة حياء مؤلفة من «على باشا شعراوى» نفسه، و«عبدالعزيز بك فهمى» و«محمد على علوبة» و«جورج بك خياط» و«حسين باشا واصف» و«عبدالخالق باشا مدكور» و«محمود أبوالنصر بك» و«عبداللطيف المكباتى بك».. وكانت الأقلية التى رفضت رفضًا دبلوماسيًا خشية انقسام الأمة مؤلفة من «أحمد لطفى السيد بك» و«مصطفى النحاس بك» و«سينوت حنا بك» و«على ماهر بك» ودكتور «حافظ عفيفى».
دائمًا الفكرة هى التى تصنع التقدم للأمام.. وهذا ما فعلته صفية زغلول ونحن جميعًا مدينون لها بهذا الفكر المستنير الذى أصبح نمطًا أراد البعض محوه.. ولكن ستبقى المرأة المصرية سندًا للمجتمع والوطن بمشاركتها العامة وتضحياتها التى لا تغيب.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نور الزعيم سعد زغلول الوفد بيت الأمة فى بیت
إقرأ أيضاً:
مصطفى ليس الأول.. حكاية شقيق ثالث فقده حسين فهمي
يقف منظبطا في مدخل سرادق العزاء، يتحاشى التقاء عيناه بعيون الحضور، حتى لا تنهمر دموعه المحبوسة، فهو يقف الآن يتلقى واجب العزاء في شقيقه الأصغر وصديقه وشريك رحلته الذي وارى جسده الثرى بعد فترة من المرض، ولكنها لم تكن آلم الحزن والفقد الوحيدة التي اختبرها حسين فهمي في حياته، حيث ودع الكثير من الأحباب واحدا تلو الآخر.
محمود باشا فهمي الأب والرمز والقدوة في حياة حسين فهمي، كانت الكسرة الأولى في حياة الفنان الشاب في ذلك الوقت الذي كان يختبر النجومية للمرة الأولى، ليرحل الأب بعد ما شاهد نجله في بداية مشواره الفني، ولكن القدر لم يمهله الكثير من الوقت حتى يستوعب تلك الفاجعة التي لاحقتها فاجعة آخرى أشد قسوة.
حسين فهمي يفقد والدته بعد شهرين من وفاة والدهبعد شهر أو اثنين من رحيل محمود باشا فهمي، يختبر حسين فهمي وأشقاءه آلم الفقد مرة أخرى برحيل والدتهما التي لم تستطيع تحمل فكرة رحيل زوجها ورفيق رحلتها في الحياة لتلحق به على الفور، وذلك وفقا لما رواه حسين فهمي في لقاء مع الإعلامية وفاء الكيلاني في حلقة من برنامجها «السيرة».
3 أشقاء.. كانت تلك الثروة التي تركها محمود باشا فهمي وزوجته الراحلة، الابن الأكبر حسن، والأوسط حسين والأصغر مصطفى، يقفون في ظهر بعضهما البعض سندا في مواجهة الزمن، وكان للشقيق الأكبر حسن طريق مختلف عن شقيقاه اللذان جذبتهما نداهة الفن.
حسين فهمي عن أشقاءه: أصحاب قريبين من بعضكان حسن فهمي الذي يعمل سفيرا في وزارة الخارجية يتواجد في مدينة فرانكفورات الألمانية عندما تلقى حسين ومصطفى فهمي خبر رحيله، بعد إصابته بما يعرف طبيا بـ «الأمفزيما» أو انتفاخ الرئة، التي تؤدي إلى تلف الحويصلات الهوائية في الرئتين بسبب التدخين، إذ كان الراحل مدخن شره، وفقا للفنان حسين فهمي، الذي أكد أن العلاقة بينه وبين أشقاءه لم تكن علاقة أخوة فقط ولكنها كانت أعمق من ذلك بكثير، «كنا احنا التلاتة قريبين جدا لبعض وأصدقاء أكتر من كوننا أخوات».
وبعد رحيل حسن، لم يتبقى سوى حسين ومصطفى فهمي في مواجهة الحياة معا، فكان يعتبر العلاقة بينهما نادرة وقوية، قائلا: «مصطفى ده رغم أنه أخويا الصغير، لكنه بعتبره أخويا الكبير، أول واحد بفكر فيه وبلجأ له لما يحصلي مشكلة، ودائما واقف جنبي وفي ضهري».
وذلك قبل أن يغيب الموت الشقيق الأصغر يوم الأربعاء الماضي بعد فترة من قضاها في مواجهة السرطان ليرحل عن عمر 77 عاما، ويعود حسين فهمي ليختبر آلم الفقد مرة أخرى برحيل شقيقه الأصغر وأعز أصدقاءه وأقربهم إلى قلبه.