انتصرت المقاومة وخسرت إسرائيل
تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT
يوما ما ستتوقف الحرب، لن تجد إسرائيل نفسها منتصرة من عدوانها على غزة، رغم المجازر التى ارتكبتها ضد الشعب الفلسطينى وصلت إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية من قتل آلاف الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير المستشفيات فوق رؤوس المرضى، العدوان على غزة أفقد الجيش الإسرائيلى الكثير من سمعته، وكبد إسرائيل خسائر عسكرية واقتصادية ونفسية، وأصبح العالم ينظر إلى إسرائيل نظرة مختلفة بعد أن خالفت أخلاق الحرب، وانتهكت القانون الدلى والإنسانى، والعالم بدأ يدرك مدى الجرائم التى ارتكبتها إسرائىل وحقيقة العدوان الوحشى الذى استهدف الفلسطينيين العزل والموظفين الدوليين، العدوان خلق حالة من التعاطف من شعوب العالم مع الشعب الفلسطينى، بخلاف تعاطف بعض حكومات الدول الكبرى التى تأكدت من بلطجة إسرائيل، وأصبح هناك تغيير كبير فى الموقف الدولى ليس فى صالح إسرائيل.
كشفت الحرب أن مكاسب المقاومة الفلسطينية تفوق الكثير رغم الدمار الذى شهده قطاع غزة، صمود الشعب الفلسطينى فى وجه العدوان الإسرائيلى أحبط مخططات الاحتلال الغاشم فى تهجير المدنيين من غزة رغم ما يرتكبه الاحتلال من مجازر، كما فشلت إسرائيل فى تحرير أسرى قوات الاحتلال بالقوة العسكرية، وأصرت المقاومة الفلسطينية على الإفراج عن أسرى الاحتلال مقابل هدنة انسانية وهو ما حدث بمساعدة مصرية.
أمام هذا الموقف، إذا كانت إسرائيل تريد أن تعيش فى استقرار فلابد أن توقف آلة الحرب أولا، وتخضع لمفاوضات الحل من أجل السلام، والحل هو اعادة حقوق الشعب الفلسطينى، فاستمرار القضية الفلسطينية بعد كل الخراب الذى حدث هو استمرار لنار الحرب التى تأكل كل الأطراف.
من جانبها تواصل مصر جهودها للوصول إلى حلول نهائية ومستدامة، تحقق العدالة وتفرض السلام وتضمن حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة وهو الاعتراف بالدولة الفلسطينية وادخالها الأمم المتحدة، استنفاد فكرة احياء مسار حل الدولتين على مدى 30 عاما.
رغم ما يحظى به مقترح «حل الدولتين» من شبه اجماع عام من طرف الكثير من الدول والمؤسسات الأممية والدولية غير الحكومية، فإن هذا المقترح مازال يواجه انقسامات حادة، حيث يوافق عليه بعض الأطراف، لكن وفق الصيغة التى تريدها هى، فيما أطراف أخرى لا تؤمن إلا بتأسيس دولة واحدة فقط، سواء من الفلسطينيين أم المستوطنين الصهايية.
وتعد أطروحة حل الدولتين، التى اقترحها الفيلسوف والمفكر الأمريكى نعوم تشومسكى، الحد الوحيد الذى يحظى بدعم وموافقة الكثير من دول العالم، التى تعد حلا سلميا مقبولا، بهدف ارساء الأمن والاستقرار والسلام فى فلسطين والشرق الأوسط والعالم بشكل عام. ويحظى هذا الاقتراح بتأييد الدول العربية والإسلامية التى دعت قوات الاحتلال الإسرائيلى بالانسحاب من الأراضى الفلسطينية التاريخية التى احتلتها بعد حرب يونيو حزيران عام 1967، حيث تدعو باستمرار إلى تراجع الاحتلال إلى ما وراء «الخط الأحمر» حتى تعيش الدولتان فى «أمن وسلام، جنبا إلى جنب».
كما أيدت الأمم المتحدة هذا الحل، حيث منحت دولة فلسطين صفة العضو المراقب، ونفس الشىء بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة الأمريكية، حيث ذكر وزير الخارجية الأمريكى السابق جون كيرى، بأن «حل الدولتين هو الحل الوحيد والممكن من أجل تحقيق السلام».
على النقيض تماما، تقف حركة حماس، أمام جميع الخطوات الساعية إلى تفتيت الأراضى الفلسطينية التاريخية، حسب تعبير الحركة فى أحد بياناتها الرسمية، حيث ترفض الحركة أى محاولة للاعتراف بدولة إسرائيل.
ورغم إعلان حركة حماس عام 2017، قبولها إعلان قيام دولة فلسطين، عاصمتها القدس الشريف على حدود 1967، فإنها رفضت الاعتراف بالكيان الإسرائيلى، حيث أكدت الحركة أنها تسعى إلى تحرير جميع أراضى فلسطين التاريخية.
فى المقابل، تبدى الكثير من الأحزاب السياسية والجماعات اليمينية المتطرفة داخل إسرائيل، رفضها لما يسمى «حل الدولتين» أو ترفض هذه الجمعيات أى محاولة للاعتراف بالحق الفلسطينى داخل «أرض الميعاد» وفق تعبيرها، وتدعو بشكل علنى إلى إبادة الفلسطينيين والعرب بشكل عام.
بقاء الوضع على ما هو عليه يدفع إلى حرب مستمرة، ويزداد العنف والتطرف والدمار والخراب والقتل والتشريد كما حدث حاليا، حل الدولة الواحدة يجبر هوية إسرائيل على استيعاب الهويات الوطنية المنافسة، وحل اللا دولة من شأنه أن يحرم الفلسطينيين من حقوقهم وكرامتهم وأرضهم، تدخل المجتمع الدولى أصبح ضرورة فى الوقت الحالى لإنقاذ ما يمكن انقاذه لعودة الاستقرار، ووقف العنف، والقيام بعمل دولى نصرا للسلام الذى سيكون نصرا للفلسطينيين والإسرائيليين، ونصرا للإنسانية، ونصرا للعالم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الكيان الإسرائيلي الاراضي الفلسطينية حكاية وطن الجيش الإسرائيلي الشعب الفلسطینى حل الدولتین الکثیر من
إقرأ أيضاً:
مليون شخص يغادرون إسرائيل.. ماذا يعني وما دلالته؟
مع الخسائر البشرية الكبيرة التي يتعمدها الاحتلال ضمن عدوانه على غزة، ثم توسيع ذلك إلى لبنان، مضافًا لذلك الدمار الكبير في كليهما تعود للسطح نقاشات حول جدوى المقاومة بشكلها الحالي، ويتجاوز البعض ذلك إلى الجزم بنتيجة المعركة ومآلاتها في دعوة ضمنية للاستسلام، وهو ما يكذبه التاريخ والواقع والتحليل.
المعركة مستمرةثمة مغالطتان منهجيتان في الطرح المذكور:
أولهما أن الخسائر البشرية على أهميتها ليست المعيار الوحيد ولا الرئيس لتقييم نتائج أي حرب. يصح ذلك في الحروب التقليدية بين الدول، فكيف بالمواجهة بين الاحتلال وحركات المقاومة المحكومة أصلًا باختلال موازين القوى؟
إذ لو كانت الخسائر هي الفيصل، لما انتصرت مقاومة ولا انسحب احتلال في التاريخ، ولا كان ثمة منطق أو جدوى لأي مقاومة.
والثانية أنه سعي لتقييم نتائج الحرب وتداعياتها قبل أن تضع أوزارها، بل ومفتوحة على عدة سيناريوهات.
فرغم ما يقرب من أربعة عشر شهرًا من العدوان المستمر والمجازر المتتالية في غزة، ثم لبنان، ما زالت المقاومة – المحاصَرة ضعيفة الإمكانات ابتداءً – حاضرة وقوية وفاعلة، وتكبِّدُ الاحتلال خسائر كبيرة نسبيًا رغم ما تعرضت له من ضربات وخسائر على المستويَين البشري والتسليحي. بل إن منطقة جباليا كبّدته خلال ما يقرب من شهرين ضمن حملة الحصار والتجويع والتدمير زهاء 30 جنديًا من مختلف الرتب، رغم أنه يحاصرها ويهاجمها للمرة الثالثة.
يقول لنا التاريخ بوضوح إنه يستحيل القضاء على مقاومة الاحتلال كفكرة، ويكاد يستحيل القضاء عليها كجسد وإطار وعنوان، لا سيما شكل المقاومة الحالي في فلسطين ولبنان، أي تلك النابتة من قلب الشعب والحاصلة على ثقته واحتضانه.
لقد فوّت العدو، عن عمد وتصور، فرصًا لاحت مسبقًا لوقف الحرب وادعاء النصر فيها، مثل اغتيال رئيسَي المكتب السياسي لحركة حماس، هنية ثم السنوار، أو اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، ويبدو أنه متجه لحرب طويلة الأمد، وربما احتلال مستجدّ لكل من غزة وجنوب لبنان، ما يفتح المشهد على سيناريو الاستنزاف الطويل، ويجعل أي كلام عن نتائج نهائية أو حتمية للحرب ضربًا من التخمين غير المنضبط بمنهجيات التحليل العلمي.
المكاسب والخسائريتبدى قصور هذا التقييم من حيث المنطق في أحادية نظرته للحرب من زاويتَين: أحادية النظر لخسائر المقاومة دون النظر للمكاسب التي حققتها حتى الآن، وعلى المدى البعيد، وأحادية النظر لخسائرها – ومن خلفها الفلسطينيون واللبنانيون – دون خسائر عدوّها.
في المقام الأوّل، تكبدت المقاومة خسائر كبيرة على صعيد القيادات والمقاتلين والإمكانات، واستطاع الاحتلال التقدم والتموضع في أغلب مناطق غزة ومساحات معينة في الجنوب اللبناني، كما ارتقى عشرات الآلاف من الشهداء، وأكثر من ضعفهم من المصابين، فضلًا عن الدمار الشامل للأبنية والبنى التحتية وكل المرافق الحيوية.
كل ذلك صحيح ومهمّ في المعادلة وفادح وصعب على النفس، لكنه ليس المشهد بكامله وبالتالي لا يُقيّم على أساسه وحده.
في مقابل ذلك، فقد حققت عملية "طوفان الأقصى" في يومها الأول مكتسبات إستراتيجية، عزَّزها استمرار المقاومة حتى يومنا هذا، وتوسّع المعركة لتشمل لبنان. هذه المكاسب الإستراتيجية، التي لم تغيّر منها حرب الإبادة والتدمير الشامل المقصودة لذاتها الكثير، تمسّ بشكل مباشر وعميق الأسس التي قامت عليها دولة الاحتلال، وبالتالي مستقبلها.
فاليوم، لم تعد "إسرائيل" موطن الرفاهية الذي وُعد به يهود العالم، حيث غادرها منذ بداية الحرب وحتى شهر أغسطس/ آب الماضي وَفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" زهاء مليون شخص، وهو رقْم ضخم نسبة لعدد السكان.
كما أظهر استطلاع رأي أن 40% من "الإسرائيليين" يفكّرون في الهجرة المعاكسة، وأن 59% منهم فكّروا في التوجّه للسفارات لتقديم طلب أو الاستفسار عن الحصول على جنسية أجنبية، وأن 78% من العائلات دعمت فكرة سفر أبنائها للخارج.
جزء مهم من أسباب هذا التوجه هو الشعور بفقدان الأمن، وتراجع الثقة بالمؤسّسة العسكرية والأمنية "الإسرائيلية"، التي أثبتت عملية الطوفان قصورها وفشلها في توقّعها، ثم في حماية الداخل منها، مجتمعًا وجنودًا.
ولعلَّ أحد أهم دوافع المجازر المستمرة بشكل غير مفهوم كجدوى إستراتيجية أحيانًا هو محاولة استعادة الثقة بوتيرة الدماء المسفوكة، فضلًا عن الانتقام من هذا الأثر الإستراتيجي.
لقد تآكلت نظرية الردع "الإٍسرائيلية"، وما زالت تأثيرات ذلك تتفاعل مع استمرار استهداف دولة الاحتلال من لبنان، واليمن، والعراق وجولات الاستهداف المتبادل مع إيران، فضلًا عن صمود المقاومة في المعارك البرية في كل من غزة، ولبنان.
ومن المكاسب بعيدة المدى التي لا ينبغي التهوين منها خسارة الاحتلال معركة الرواية والصورة، بحيث لم تعد السردية "الإسرائيلية" الوحيدة الموجودة في الغرب، بل تتحداها اليوم الرواية الفلسطينية الحقيقية حول الإبادة والتهجير القسري والتطهير العرقي (التي حدثت في 1948 وتكررت في هذه الحرب) على ألسنة غربية وليست فقط فلسطينية.
في استطلاع رأي أجري بين اليهود الأميركيين ونشرته "يديعوت أحرونوت"، انتقد 42% منهم دولة الاحتلال، وأيد 37% من مراهقيهم حركة حماس (وليس فقط فلسطين)، وهي نسبة ارتفعت إلى 60% عند احتساب عمر الـ 14، وهي أرقام واضحة الدلالة حول الصورة الذهنية المتغيرة عنها عالميًا.
كما أن من خسائر الاحتلال الكبيرة القرار الابتدائي لمحكمة العدل الدولية بأن ما يفعله الاحتلال في غزة قد يرقى لتوصيف الإبادة الجماعية، واستمرار المحاكمة على هذا الأساس، ثم قرار المحكمة الجنائية الدولية بأوامر توقيف كل من نتنياهو وغالانت، بحيث يدعم ذلك الحق الفلسطيني من حيث المبدأ ويُعدُّ على المستوى العملي الواقعي ملاحقة وسُبّةً، سيلازمان "إسرائيل" دولةً وقادة لسنوات طويلة قادمة، ويهددان الأسس التي قامت عليها، وأهمها المظلومية وحصرية الإبادة.
خسائر الاحتلالدأبت "إسرائيل" في كل حروبها ومواجهاتها السابقة مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية على إخفاء خسائرها الحقيقية والتقليل منها خلال الحرب، ثم الإعلان عنها بعد انتهائها، وأحيانًا بعد سنوات طويلة.
ورغم ذلك، فإن ما أعلنه الاحتلال حتى اللحظة من خسائر له في هذه الحرب يمثل رقمًا كبيرًا بالنظر لعدد السكان، ثم عدد أفراد الجيش، ثم قدرته على تحمل الخسائر، رغم أنها ارتفعت لحد كبير في هذه الحرب.
تتحدث الأوساط الرسمية "الإسرائيلية" عما يقرب من 2000 قتيل، منهم 794 جنديًا منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، 370 منهم في المواجهات البرية في غزة وحدها، وعن إصابة 5346 جنديًا غالبيتهم الساحقة في غزة كذلك.
وبينما تشير بعض التقارير إلى استقبال أقسام الطوارئ في المستشفيات زهاء 12 ألف جندي، تؤكد مصادر جيش الاحتلال وجود نقص يقدر بـ 7500 جندي، فضلًا عن التعبير العلني عن حالات التعب والتمرد ورفض الخدمة العسكرية أو العودة لها.
هذه الخسائر المرشحة للارتفاع بشكل دائم وأحيانًا متسارع، في ظل استمرار العمليات البرية في غزة وجنوب لبنان، والبسالة الواضحة في أداء المقاومتين، تؤكد أن النظر لخسائرهما دون وضع خسائر الاحتلال المعلنة والحقيقية، فضلًا عن المتوقعة مستقبلًا، نظرة أحادية الجانب لا توصل لنتائج موضوعية ولا يبنى عليها تقييم سليم.
في الختام، مثلت الحرب الحالية كسرًا لكثير من المفاهيم المتعلقة بحروب دولة الاحتلال، مثل عدم القدرة على تحمل الحروب الطويلة والخسائر الكبيرة وعدد الأسرى المرتفع، لكنها حرب ستتوقف يومًا ما لتنكشف معظم أو كل جوانبها، وتنجلي الآثار المترتبة عليها على المديين القريب والبعيد، وستتضح حينها أكثر التداعيات الإستراتيجية على دولة الاحتلال، رغم الثمن الباهظ الذي دفعه شعبنا في كل من فلسطين ثم لبنان.
إن استمرار خطط الاحتلال بخصوص كل من غزة ولبنان يشير إلى حالة استنزاف مستمرة، وإلى أن الحسم بكسر شوكة المقاومة وبالتالي انتصار الاحتلال غير مرجح، ما يبقي الصمود واستنزاف الاحتلال الخيارَ الأمثل والأقل ضررًا، مقارنة مع الاستسلام وإطلاق يده بالكامل ضد فلسطين ولبنان (وربما المنطقة) أرضًا وشعبًا ومقاومة ومستقبلًا.
وعليه، قد يصل أكثر المتشائمين الآن يومًا ما إلى قناعة مفادها أن طوفان الأقصى كانت فعلًا إحدى محطات التحرير، وربما المحطة الأولى الحقيقية في مسار إنهاء الاحتلال.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية