ما الفرق بين البدعة والسنة الحسنة؟ دار الإفتاء تجيب
تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (نرجو منكم بيان معنى البدعة، وهل هناك فرق بينها وبين السنة الحسنة؟
وقالت دار الإفتاء، في إجابتها على السؤال، بأنه قد تعدَّدت تعريفات البدعة وتنوعت لاختلاف أنظار العلماء في مفهومها ومدلولها، فمنهم من وسَّع مدلولها حتى أطلقها على كل مستحدث من الأشياء، ومنهم من ضيَّق ما تدلّ عليه، فتقلص بذلك ما يندرج تحتها من الأحكام.
وعرف أصحاب الاتجاه الأول البدعة بأنها فعل ما لم يعهد في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأطلقوها على كل حادث لم يوجد في الكتاب والسنة سواء أكان في العبادات أم العادات، وسواء أكان مذمومًا أم غير مذموم، وقسَّموها إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة مستدلين بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَه أجرُها وأجرُ مَن عملَ بِها إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» أخرجه مسلم.
وذكرت دار الإفتاء، أن من أمثلة البدعة الحسنة صلاة التراويح في جماعة حيث قال فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "نعمت البدعة هي" رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"، وإحداث المدارس والمستشفيات وكل أمر فيه مصلحة تعود على المجتمع بالنفع.
ومن أصحاب هذا الاتجاه الإمام الشافعي والعز بن عبد السلام والنووي والقرافي وابن عابدين وابن حزم، ووفقًا لهذا الاتجاه فلا فرق بين البدعة الحسنة والسنة الحسنة والتي يُقْصَدُ بها كل أمر حسن استُحْدث بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما هو مفهوم من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَه أجرُها وأجرُ مَن عملَ بِها إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» أخرجه مسلم.
وعرَّف أصحاب الاتجاه الثاني البدعة بأنها طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة، والبدعة عندهم دائمًا مذمومة سواء كانت حسنة أم سيئة في العبادات والعادات؛ مستدلين بحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الوارد في آخره: «فإنَّ كُلَّ مُحدثةٍ بِدْعَةٌ وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالةٌ» رواه ابن ماجه وأبو داود.
وعلى ذلك: فهناك فرق بين البدعة لدى أنصار هذا الاتجاه والسنة الحسنة، وهي عندهم المأخوذة عن الرسول والخلفاء الراشدين من بعده، ومن القائلين بهذا الاتجاه الإمام مالك والشاطبي وابن حجر العسقلاني وابن حجر الهيتمي وابن تيمية. "الموسوعة الفقهية" (8/ 21، وما بعدها، ط. دار السلاسل).
وفي حقيقة الأمر فإنه لا خلاف بين الاتجاهين؛ لأن أصحاب الاتجاه الأول لا يقصدون بالبدعة الحسنة ما يخالف الشريعة لا جملةً ولا تفصيلًا، وإنما هم يقصدون بها ما يوافق الشريعة سواء في إطار القواعد العامة الكلية أو القواعد الفرعية المأخوذة منها، حيث إنه إذا وجدت المصلحة فثّمَّ شرع الله، فالبدعة الحسنة لدى أنصار الاتجاه الأول هي نفسها السنة الحسنة المأخوذة عن الرسول والخلفاء الراشدين من بعده سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وعلى ذلك فلا فرق بين البدعة الحسنة والسنة الحسنة.
وتابعت: نحن مطالبون بتطبيق أفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما هي في مسائل العبادات كلما أمكن ذلك، وفي حدود الاستطاعة تنفيذًا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» رواه أصحاب السنن الأربعة، والإمام أحمد.
وأوضحت، أن التأسي بما كان يقرأه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة معينة لا مانع منه شرعًا فهو من قبيل السنة، ولكن هذا ليس بلازم، ولا يُعَدُّ مبتدعًا مَنْ يصلي نفس الصلاة بآيات أخرى، فالأمر على السَعة؛ للعموم الوارد في قوله تعالى: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ [المزمل: 20].
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء البدعة صلى الله علیه وآله وسلم ا إ ل ى ی و م ال ق ی ام ة دار الإفتاء
إقرأ أيضاً:
ما حكم حضور من لا يحتاج إليه في غسل الميت؟ .. الإفتاء تجيب
اجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما حكم حضور من لا يحتاج إليه في غسل الميت؟ فقد توفي رجلٌ، وعند تغسيله دخل عليه مَن يُغسِّله ومَن يُعِينُه على ذلك، ثم رَغِبَ بعضُ الناس في الدخول لمجرد حضور الغُسل، فهل يجوز حضورُ الغُسلِ لمَن لا يُحتاج إليه فيه؟.
وردت دار الإفتاء أنه يستحب عند تغسيل الميت سترُ الموضِع الذي يُغسَّل فيه، لأنَّ حرمة جسد الميت كحرمته حيًّا، وسترَه وعدمَ إفشاء حالِه مِن الواجبات على المُغسِّل، ويستحب أن يقتصر الأمر على الغاسل ومن يُعِينُه إن احتاج إلى ذلك، وإن لم يحتجْ إلى أحدٍ يعينه فذاك أَوْلَى، ولذلك فيُكرَه حضور مَن لا تستدعي الحاجة حضوره، باستثناء وليِّ الميت فيجوز حضورُه ولو لم يكن لحاجة.
حكم تغسيل الميت وتكفينه وستره أثناء الغسل
من صور تكريم الله سبحانه وتعالى للميت أن جعل حُرمَته كحُرمَةِ الحَيِّ، فأوجب له حقوقًا وواجباتٍ حال حياته، وكذا بعد موته، ومن أول هذه الحقوق بعد الموت: تغسيلُه.
وورد في السُّنَّة النبوية المشرَّفة ما يدُل على مشروعية غُسل الميت، منها: ما جاء في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: خَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَعِيرِهِ، فَوُقِصَ فَمَاتَ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» أخرجه الشيخان.
وأجمع الفقهاء على أنَّ غُسل الميت من فروض الكفاية، إن قام به البعضُ رُفِعَ الحَرَجُ عن الباقين.
قال الإمام النَّوَوِي في "المجموع" (5/ 128، ط. دار الفكر): [وغُسلُ الميِّتِ فرض كفايةٍ بإجماعِ المسلمين] اهـ.
وجعل الشرعُ الشريفُ تغسيلَ الميت وسترَه وعدمَ إفشاء حالِه مِن موجبات رحمة الله تعالى وسببًا لمغفرة الذنوب، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، فَأَدَّى فِيهِ الْأَمَانَةَ، وَلَمْ يُفْشِ عَلَيْهِ مَا يَكُونُ مِنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» أخرجه الإمام أحمد.
قال الإمام زين الدين المُنَاوِي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (2/ 432، ط. مكتبة الإمام الشافعي): [«مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَسَتَرَهُ» أي: ستر عورته، أو ستر ما بَدَا منه مِن علامةٍ رديئةٍ «سَتَرَهُ اللهُ مِنَ الذُّنُوبِ» أي: لا يفضحه بإظهارها يوم القيامة... فيه: أنه يندب للغاسل أنه إذا رأى ما يكره ألَّا يُحَدِّثَ به] اهـ.
وبما أن الإسلام قد دعا إلى ستر الميت وعدم إفشاء سرِّه، ورتَّب على ذلك الأجر العظيم، فمن باب ذلك نصَّ الفقهاء على استحباب ستر الموضع الذي يُغَسَّلُ فيه الميت، مبالغة منه في كمال سترهِ وصون حرمته؛ لأن الميت يتم تجريده عند الغسل فربما يظهر منه ما كان يكره أن يطَّلِع عليه أحدٌ حال حياته.
قال الإمام النَّوَوِي الشافعي في "المجموع" (5/ 159): [ويستحب نقله إلى موضع خالٍ وستره عن العيون، وهذا لا خلاف فيه] اهـ.
حكم حضور من لا يحتاج إليه في غسل الميتلَمَّا كان مقصد الشرع الحنيف ستر الميت ما أمكن، خاصةً عند تجريده وتغسيله وتكفينه؛ لأنَّ في هذه المواضع مظنة انكشاف عورته أو ظهور عيب كان يكتمه حال حياته -فإنه يستحب الاقتصار عند غسله على وجود الغاسل ومَن يُعِينه إذا احتاج إليه، وإن استغنى الغاسل عن أن يُعِينه أحدٌ فذاك أَوْلَى، ويُكره حضورُ مَن لا تستدعي الحاجةُ حضورَه، كما هي عادة الناس في بعض الأماكن من الوقوف على غسل الميت دون الحاجة إليهم.
ويُستحب للغَاسِلِ ومن يُعِينُهُ غضُّ أبصارهم عن الميت إلا من حاجة، فلا يجوز الاطلاع على جسده إلا بقدر ما يُحتاج إليه في الغُسْلِ، وهو ما نصَّ عليه فقهاء المذاهب الفقهية الأربعة.
قال الإمام أبو بكر الحَدَّادِي الحنفي في "الجوهرة النيرة" (1/ 102، ط. المطبعة الخيرية): [ويستحب أن يستر الموضع الذي يغسل فيه الميت، فلا يراه إلا غاسِلُه أو مَن يُعِينُه، ويَغُضُّون أبصارهم إلا فيما لا يُمكِن؛ لأنَّه قد يكون فيه عيبٌ يكتُمُه] اهـ. فأفاد ذلك استحبابَ قصر حضور الغُسل على الغاسِل ومَن يُعِينُه.
وقال الإمام الخَرَشِي المالكي في "شرح مختصر خليل" (2/ 125، ط. دار الفكر): [ومما يستحب عدم حضور غير معين للغاسل لصَبٍّ أو تقليب، بل يكره حضوره، وكلام المؤلف لا يفهم منه الكراهة، لكن مخالفة المندوب تصدق بخلاف الأولى كما تصدق بالكراهة المرادة هنا، فلو قال: "وكره حضور غير مُعِين" لَأَفَادَ المراد] اهـ.
قال العلامة العَدَوِي مُحشِّيًا عليه: [لا ينبغي أن يكون الغاسل إلا ثقةً أمينًا صالحًا يُخفي ما يراه من عيب، وإن استغنى عن أن يكون معه أحٌد كان أحسن] اهـ.
وقال الإمام العِمْرَانِي الشافعي في "البيان" (3/ 26، ط. دار المنهاج): [ويستحب ألَّا يكون مع الغاسل إلا مَن لا بد له من معونته] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (2/ 339، ط. مكتبة القاهرة): [(ولا يَحضُرُهُ إلا من يُعِينُ في أمرِهِ ما دام يُغَسَّل)... وإنَّما كُره أن يَحضُرَهُ مَن لا يُعِينُ في أمره؛ لأنه يكره النظر إلى الميت إلا لحاجة، ويستحب للحاضرين غض أبصارهم عنه إلا مِن حاجة، وسبب ذلك: أنَّه ربما كان بالميت عيبٌ يكتُمُه] اهـ.
واستثنى الشافعيةُ والإمامان القاضي أبو يَعْلَى وابنُ عَقِيل من الحنابلة وليَّ الميت، حيث أجازوا حضوره وإن لم يُحتَج إليه؛ لحرصه على مصلحة الميت، واستدلوا على ذلك بما رُوي عن الشَّعْبِيِّ قال: «غُسِّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَالْعَبَّاسُ قَاعِدٌ، وَالْفَضْلُ مُحْتَضِنُهُ، وَعَلِيٌّ يُغَسِّلُهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ، وَأُسَامَةُ يَخْتَلِفُ» أخرجه الإمام ابن سعد في "الطبقات الكبرى".
فإنَّ العباس رضي الله عنه كان عمَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان حاضرًا عند غسله، ولم يَلِ من غسله شيئًا على ما جاء في هذه الرواية، وكان ابنُه الفَضْلُ وابنُ أخيه عَلِيٌّ رضي الله عنهما يغسِّلان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأسامة رضي الله عنه يناوِل الماء، والعباس رضي الله عنه يدخل عليهم ويخرج، كما في "تحفة المحتاج" لشيخ الإسلام ابن حَجَرٍ الهَيْتَمِي (3/ 100، ط. المكتبة التجارية الكبرى).
قال الإمام النَّوَوِي الشافعي في "المجموع" (5/ 160): [قال أصحابنا: وللولي أن يدخل وإن لم يُغَسِّل ولم يُعِن] اهـ.
وقال الإمام علاء الدين المَرْدَاوِي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 486، ط. دار إحياء التراث العربي) عند كلامه عن حضور مَن لا حاجه إليه عند غُسل الميت: [وقال القاضي وابن عقيل: لِوَلِيِّهِ الدخولُ عليه كيف شاء، وما هو ببعيد] اهـ.
والمقصود بوليِّ الميت هو الوارث، وعند الشافعية هو أقرب الورثة. يُنظر: "إعانة الطالبين" للإمام البَكْرِي الدِّمْيَاطِي (2/ 125، ط. دار الفكر)، و"كشاف القناع" للإمام أبي السعادات البُهُوتِي (2/ 98، ط. دار الكتب العلمية).
الخلاصة
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فيستحب عند تغسيل الميت سترُ الموضِع الذي يُغسَّل فيه، وأن يقتصر الأمر على الغاسل ومن يُعِينُه إن احتاج إلى ذلك، وإن لم يحتجْ إلى أحدٍ يعينه فذاك أَوْلَى، ومِن ثَمَّ فيُكرَه حضور مَن لا تستدعي الحاجة حضوره، باستثناء وليِّ الميت فيجوز حضورُه ولو لم يكن لحاجة.