إبراهيم مشارة
“علم فريدريك دوغلاس أن معرفة القراءة والكتابة هي الطريق من العبودية إلى الحرية ،هناك أنواع عديدة من العبودية وأنواع كثيرة من الحرية ، لكن القراءة لا تزال هي الطريق “ كارل ساجان القراءة متعة وللنص لذته كما ارتأى بارت في مؤلفه المشهور،فهي تحررنا من آصار الواقع وقيود الضرورة وبقدر ما يمارسها المرء بقدر ما يمارس إنسانيته ويستشعر مضمونها.
يحررنا العلم من هيمنة الطبيعة ويمنحنا حرية ، فهو ييسر حياتنا ويحفنا بالرفاه ولكنه لا ينطلق بنا إلى آفاق عليا في دنيا التأمل وسماوات الروح حيث المعنى الحقيقي للإنسان وذاك ما يتيحه الكتاب، اللوحة، اللحن ،الشكل، نتحرر بكل هذا الإبداع من جاذبية المادة وكثافتها إلى رهافة الوجدان ودقة الشعور ونبالة الحس. وبقدر ما يقرأ الواحد منا ويقبل على مختلف أشكال الإبداع ويرهف السمع لمقطع موسيقي يراكم خبرات، يختزن أفكارا أخرى ومشاعر وكل ذلك يبني ذاته ليكون متفتحا قابلا للآخر المختلف لا المؤتلف فقط، إنه يصنع هويته فالهوية صناعة وليست شيئا ناجزا وكما كتب أمين معلوف فالهويات الناجزة المغلقة قاتلة. فهي تبنى ومواد بنائها الاختلاف،التعدد ، التناغم التسامح، قبول الرأي المضاد، روح السؤال والتحري، التواضع العلمي، لا التنميط والواحدية والجاهزية والقولبة والرتابة والسكون فكل ذلك موات في موات. فالرحلة في الكتاب وفي اللوحة وفي الشكل وفي اللحن ترينا صورتنا في مرآة الآخر فالآخر ليس إلا ما كنا سنكونه مثلما يرى هو صورته في مرآتنا، فتغدو المعارف والأحكام تتسم بطابع النسبية والتواضع المعرفي والاحترام لا منطق الإلغاء والإقصاء والتعالي ، ومن زمن كتب باشلار أن العلم ليس إلا سلسلة من الأخطاء والتقويمات ومن الندم بالمعنى الإبستمولوجي لا الأخلاقي ، وصدق كيليطو حين عنون أحد كتبه وهو يتناول سيرته الفكرية بــ”في جو من الندم الفكري” فبفعل القراءة ينحو المرء نحو التحول والسيرورة والصيرورة معا وتغدو المطلقات والأحكام الجاهزة والقبلية بتأثير المحيط والتربية والمناهج الدراسية والمواعظ الدينية أشياء قابلة للصرف والتحويل أمام منطق العصرنة والحداثة والنزعة الإنسانية، فمن لا يتجدد يتبدد وتلك سنة الطبيعة وناموس الكون المطرد. فالمطلقات ولى زمانها حتى في العلم الطبيعي فمنذ طلع على العالم أينشتين بنظرية النسبية وهايزنبرغ بمبدأ الارتياب انسحب ذلك على العلوم جميعها ، فإذا كان قدر العلوم الطبيعية هو النسبية لا الحتمية فلا جرم أن يشمل كذلك الدراسات الحديثة في علم الإناسة أو الأنثروبولوجيا فما كنا ندعوه ثقافة متوحشة وحضارة همجية لم يعد له في علم اليوم الحديث وجود فقد نص كلود ليفي ستروس على أن الحضارات بنيات مغلقة لا تتفاضل بينها، إنها معطى جغرافي وتاريخي وإناسي تغني وجود الإنسان على هذه الأرض، وإن كان هناك تفاضل فلن يكون إلا في الفكر العلمي وفعالية الحياة السياسية أما الثقافة فهي غير خاضعة لمنطق التفاضل. وفي مقدمة كتابه الرائع” ساعات بين الكتب” نص العقاد على أن الكتب تتفاضل فيما بينها فهي كالناس منها الوقور ومنها الخائن والجاهل، ولا ينبغي أن يقول الموجهون لمن يرغب في القراءة “اقرأ ما ينفعك بل انتفع مما تقرأ ” ، وحدها القراءة التي تزيد معارفنا وتثري تجاربنا وتعزز إنسانيتنا وتوصلنا بالآخر المختلف وفق جدلية الأخذ والعطاء وبذلك تتوسع حريتنا خارج المحلية ومنطق اللغة الواحدة والأفكار المكررة والمعرفة الجاهزة ومنطق التبجيل والتقديس وتستعيض عن ذلك كله بمنطق السؤال والشك والبحث . وبقدر ما تمتنع المجتمعات عن فعل القراءة مهما كانت الأسباب- موضوعية أو مختلقة – بقدر ما ينمو لديها ورم التعصب ومنطق الجزم واليقين والتعالي والإلغاء فيتسطح الوجود وتشح الخبرات ، وليست العبرة بالرفاه ولا بالكماليات وعالم الأشياء كما يدعوه الأستاذ مالك بن نبي فتلك حضارة “نصف إنسان” لا حضارة الإنسان . تبقى الرحلة بين الصفحات من أمتع الرحلات فبفضلها ينسلخ المرء مؤقتا عن محيطه ويتحرر من قيود الواقع وآصار الحس وقيود المحلية والعرف والتقاليد ليندغم في تجربة فريدة ،إنه يبتعد عن محيطه وناسه ليزداد معرفة صحيحة بهم أقرب إلى الموضوعية والصحة حين يرى الصورة في مرآة الآخر ويرى ما عند الآخر المختلف من خبرة ومعرفة وثراء ومن زمن كتب صلاح عبد الصبور لناس وطنه: وحين يغور نجم الشرق في بيت السما الأزرق إلى بتي لأرقد في سماواتي وحيدا ..في سماواتي وأحلم بالرجوع إليكم طلقا وممتلئا بأنغامي وأبياتي أجافيكم لأعرفكم فهذا البعد بالمعنى المجازي وليس شرطا أن يكون غربة مكانية بل هو ترحال بين المعارف والشعوب والثقافات يتيح مزيدا من المعرفة الصحيحة والنسبية والموضوعية ومشاعر الاحتفاء بالآخر باعتبار ذاك المنجز إنسانيا.
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
الأوقاف تطلق مسابقة القراءة الحرة لجميع فئات المجتمع
(أ ش أ):
تطلق وزارة الأوقاف مسابقة القراءة الحرة المفتوحة لجميع فئات المجتمع من الجنسين خلال أسبوعين، وذلك في إطار سعيها الدؤوب للارتقاء بالمستوى العلمي والثقافي، وتعزيز التميز في مختلف المجالات، لاسيما المجال الديني، ودعم ثقافة الاطلاع والمعرفة.
وتستهدف الوزارة - وفق بيان اليوم /الأحد/ - تنمية المواهب، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وترسيخ الفكر الوسطي المستنير، والتأكيد على سماحة ويسر الإسلام، ونشر مكارم الأخلاق والقيم الإنسانية، وتعزيز أسس التعايش السلمي بين الناس كافة.
وخصصت الوزارة فرعين للمسابقة، حيث خُصص الفرع الأول للأئمة والخطباء والواعظات وأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم، ويتضمن كتاب "جامع العلوم والحكم" لابن رجب الحنبلي، وكتاب "الفقه الواضح - المجلد الأول" للدكتور محمد بكر إسماعيل.
وأشارت إلى أن الفرع الثاني تم تخصيصه للأطباء والمهندسين والمعلمين والطلاب وغيرهم من سائر فئات المجتمع، وحددت له وزارة الأوقاف كتاب "الفقه الميسر - قسم العبادات" للدكتور محمد سيد طنطاوي، وكتاب "فضائل مصر ومزايا أهلها" للدكتور محمد موسى الشريف.
ورصدت الوزارة جوائز مالية قيمة للفائزين في كلا الفرعين، حيث تبلغ قيمة الجائزة الأولى 35 ألف جنيه، تُمنح لمن يحصل على نسبة 75% فأكثر في مجموع الاختبارين التحريري والشفهي.. بينما تصل الجائزة الثانية إلى 20 ألف جنيه لمن يحقق 70% فأكثر، وتُمنح عشرون جائزة إضافية بقيمة 10 آلاف جنيه لكل فائز بشرط الحصول على 60% فأكثر.
ودعت "الأوقاف" الراغبين في المشاركة إلى ملء النموذج المرفق خلال مدة أقصاها أسبوعان من تاريخ الإعلان على موقعها الرسمي "أوقاف أونلاين"، مع التأكيد على أن الاختبارات الأولية ستبدأ خلال شهر يوليو 2025.. وللاشتراك في المسابقة عبر الرابط التالي:اضغط هنا
هذا المحتوى من
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
وزارة الأوقاف مسابقة القراءة الحرةتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقةإعلان
هَلَّ هِلاَلُهُ
المزيدإعلان
"الأوقاف" تطلق مسابقة القراءة الحرة لجميع فئات المجتمع
© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى
القاهرة - مصر
27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك