واقع التفرقة بين النور والظلام في حديث نتنياهو
تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT
سليمان المجيني
tafaseel@gmail.com
يا له من شيء يثلج الصدر، أحبابنا في غزة، أبطالنا ومجاهدينا، الصورة التي عكستموها في أسراكم أصبحت أيقونة يتداولها الجميع، يتداولها الغربيون بل وحتى الإسرائيليون أنفسهم، فهم لم ينسوا تلكم العجائز اللاتي تم إطلاق سراحهن لأسباب إنسانية، ولن ينسوا منظر العجوز التي صافحت يد أحد أبناء المقاومة ولن ينسوا تلويحة يديها وهي في السيارة التي تقلها لمقر سكناها في إسرائيل.
لن ينسى العالم تلك المرأة مع الطفلين وهي تتحدث بكل صراحة عن معاملتكم الطيبة، ولن ننسى نحن قبل بضعة أيام كيف أن أهالي الأسرى الذين تم إطلاقهم يعلقون رايات فلسطين في إسرائيل، حدثٌ عظيم وتغييرٌ مهم جدا يجب استغلاله، هل يمكن بطريقة أو بأخرى إيصال منشورات عن المقاومة وطبيعة القتال الذي تشنه إسرائيل بكراهية على الفلسطينيين في مقابل دفاعهم عن حقوق دامت 75 عامًا ذهبت أدراج الرياح، منشورات تعكس المعاناة وتستشرف المستقبل لإمكانية استقبال الشعب اليهودي (وليس الصهيوني) في فلسطين، وحث الآخرين للهجرة (تفريغ إسرائيل)، منشورات كتلك المنشورات التي تنزل من السماء للفلسطينيين في غزة تحثهم على الرحيل من بلادهم وجذورهم.
أو بث رسائل من هذا النوع في وسائل التواصل التي ستبلغ كل بيت في إسرائيل، ستصل وسيتمعن بها كثيرون، رسائل مدروسة توضع من قبل علماء نفس واجتماع يثخنون فيهم هزيمة الجيش لا محالة، رسائل تنخرهم من الداخل، تهزهم وتذيقهم شر أفعالهم المخزية طوال السنين، يذكرونهم بأحداث السابع من أكتوبر الماضي.
في أحد خطاباته قال نتنياهو إنهم، أي دولة الاحتلال، "أهل النور"، والفلسطينيون (يقصد العرب أو المسلمين جميعًا) "أهل الظلام"، أما واقع أهل النور؛ فهم يقتّلون ويدمرون الحياة ويشيعون الظلام بقطع الكهرباء والماء والغذاء والأدوية وهدم البنية الأساسية من بيوت وطرق ومدارس ومساجد ومستشفيات ودور عِلْم وعمل، وأهل الظلام (كما وصفهم) يحاولون بعد زمن طويل مضى عاشوا به، وبما استطاعوا الدفاع عن أنفسهم للخروج من العتمة التي يفتعلها أهل النور طمعا في ملاقاة الحرية والنور.
هذا هو تعريف مبسط للظلام والنور الذي نراه، أما تعريفهم فليس له مصدر سوى التعالي وتعاليم بوهيمية مبعثها النبوءات التلمودية التي شكلت الذهنية والثقافة اليهودية الصهيونية، وهي مُحرَّفةٌ على أية حال.
ومع ذلك فقد أثبت أعضاء المقاومة في غزة أنهم أهل نور رغم الظلام الذي يُحاصَرون من خلاله، نرى ذلك جليا في طريقة تعاملهم الحضارية مع أسرى عدوهم، بينما من يطلقون على أنفسهم "أهل النور" هم في الحقيقة "أهل الظلام" ونرى ذلك في كل ما فعلوه وسيفعلونه بالبشر وبأسس الحياة ومن خلال الأسرى الفلسطينيين أيضا الذين أطلقوا صراحهم في عمليات تبادل الأسرى الأخيرة، حيث مصدر شرب أسرانا- كما ذكر أحدهم- من دورات المياه، إضافة إلى تعاملهم الوحشي، وغير الحضاري.
إن وجه المقارنة ظالم لا محالة، وسبل التعبير عنها أكبر من استيعابنا أو من التلفظ نحوها بعبارات هي أصلا لا يحملها قاموسنا الإسلامي، قاتمة كحياتهم، عابسة كوجوههم، مسودة كقلوبهم، متجهمة كصفاتهم، مظلمة كنظراتهم، كالحة كتعابيرهم، غامقة كحديثهم، مكفهرّة كروحهم، دامسة كلياليهم، وعصيبة كأفكارهم، بل لا تسعفني لغتي في وصف حالهم وسلوكهم هم أظلم من ذلك وأنكى حلكةً ووجوما.
في مقابل النور الذي يشع من أعضاء المقاومة كما رأيناه في تصرفاتهم، وفي آرائهم وفي إحصائياتهم، وفي تصويبهم، وفي صبرهم، وفي حسن ظنهم، وفي ألفاظهم، وفي عيونهم من خلال أبو عبيدة الذي يلخص لنا من هم، وما هو منبتهم.
ما فعلته المقاومة قلب الرأي العام الشعبي العالمي، صدق المبتغى جعل معظم الأحرار في العالم يتوقفون حول مسألة النأي بالنفس والشكر وعدم الجزع عند الموت والاستعداد له في سبيل القضية الأساسية، هذا الأمر جعل العقل الغربي يعمل بشكل إيجابي مع ما تقدمه دولة الاحتلال من شناعة لا مثيل لها، ومع ما تسوقه من أكاذيب باطلة تم كشفها للرأي العام.
وطبعا لا تقوم دولة الاحتلال بما يمليه عليها أي اتفاق، فهي لا تقيم حدا لعنجهيتها وتكبرها، بل لا بد لها من خرقه وتسويفه، وآخر ذلك كما قال أحد قياديي حماس أن إسرائيل ارتكبت بعض الخروقات في أول يوم للهدنة ثم في ثاني يوم أيضًا، وهكذا دواليك..، أما رد إسرائيل فكان تهديدا ووعيدا همجيا باستئناف العمليات البرية فيما لو لم تفرج المقاومة عن بقية الأسرى، ولم تلتفت لخروقاتها التي تمنع استمرار الاتفاق على النحو الذي يسجيه واقع الحال عند معبر رفح.
الحقيقة بين قطبي القضية، دولة الاحتلال وفلسطين الأبية، وبالتالي كل احتلال مصيره إلى مزابل التاريخ، عليه أن يتراجع اليوم قبل أن يعتمل الغضب في صدور الشعوب المقهورة فيحرق الأخضر واليابس، على العقول التي أرخت سدولها، وقوضت كل مسعى للتفاوض وحل الدولتين أن تفكر مليّاً من الآن وصاعدا في سبيل التخلص من الورطة التاريخية التي زرعوها فأهملوا تربيتها وطمسوا النور عن أعين أصحابها، هذه النبتة لن تعيش في هذا الظلام المحدق بها، وكيف للزرع أن ينتعش بدون شمس الوضوح والدفء والطمأنينة.
كيف يمكن أن تبقى صامدة مع كل هذا الحق الواضح لأصحاب المكان؟، أصحاب التاريخ الحقيقيين، مع الفلسطينيين، وعدم نكران اليهود، اليهود الذين يعيشون هنا تحت حكم المسلمين منذ أمد بعيد، الدولة والحكم لأصحاب المقاومة وليس لما يسمى اسرائيل، هي نبتة بدأت في الذبول لأنها تروى بالدم فيرجع صداه عليها ظلما وعدوانا، ونورا ساطعا على فلسطين؛ فدماء الشهداء لن تذهب هباء، ولن ينسى أهلها كل تلك المذابح بدءا من عام 1937 وماقبله إلى اليوم، ستلاحقكم أرواحهم أينما ذهبتم، وستندمون أشد الندم.
كل أعضاء حكومتكم يُحاسبون على هزائمهم النكراء، بدءًا من بن حوريون مرورًا بليفي إشكول، وجولدا مائير، ورابين، وبيجن، ثم شامير وبيريز، وانتهاءً بباراك ونتنياهو، هذا شعور الواثق الذي لا يجد بُدًا من ذلك؛ فالواقع المرير لهذه الدولة سينكعس على كل شيء، ليتحول إلى دمار وهبوط حاد في مستوى الصورة التي كونتها الشعوب سابقا عن دولة الاحتلال الهمجي.
الحقيقة أن النور والظلام أمران مرهونان بالواقع هو يَسِير بهما ويُسيِّرْهما، هو اللوحة التي يرى من خلالها الناظر لمجرياته وتشكلاته، النور والظلام ليستا كلمتان للوصف المجرد إنما هي أفعال، وأفعالكم الواضحة للجميع لا نستذكر منها إلا العاقبة السيئة، وظلام في حقيقته لا في تخيلاته، قتل الأبرياء لا يوصل إلى "حماس" كما تعلمون جيدًا؛ الأمر هنا وسيلة ضغط لا أكثر، مع أنكم تدركون ما تعنيه الشهادة للمسلم لكن النفس الإنسانية لا تعنيكم، وعيش وحياة هؤلاء البشر لا تمثل سوى ثقلًا كئيبًا على قلوبكم، الشناعة والفظاعة القائمة على الفتك بالأبرياء ليس لها إلا عنوان واحد هو الظلام، ظلام القلب فلا ينبض للإنسانية، ظلام العين فلا ترى سوى الخراب، ظلام العقل فلا يفهم سوى لغة القتل والتدمير.
تعجبكم لغة التجسيد، لكنكم أخطأتم هذه المرة؛ بل وفي كل مرة، تجسيدكم كان من أجل الإيمان برسالة سيدنا موسى، ثم فشلتم رغم إيمانكم به لأنه لا يضمر الشر لأحد، ثم لم تستوعبوا التجريد في ديننا، كان كبيرًا على عقولكم التي أمعنت في الطلبات الموصلة لديكم للإيمان، الطلبات التي استمرأتم فيها حتى يومنا هذا ولن تفتح قلوبكم للنور مهما حاولتكم، الحل الوحيد هو استيعاب رسالة الدين الإسلامي فقط، ونقول لنتنياهو أنظر إلى الشباب الأمريكي الذي اعتنق الإسلام منذ بدء طوفان الأقصى، وإلى مجموعات الشباب منهم في وسائل التواصل التي بدأت في قراءة القرآن لتدارسه وفهم ما يتضمنه من آيات شاهدة لما يحدث في غزة، وأنظر إلى الأسرى المحررين ومدى امتنانهم لـ"حماس"، وحاول استيعاب أن هناك عيون ترى النور ليس كما تراه، وقلوب تنبض بالحق ليس كما ينبضه قلبك، ودموع ليس بها لبس على نور الحقيقة الذي دخل أفئدتهم.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
العقبات التي تواجه اعتقال نتنياهو وغالانت
في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، متهمة إياهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الفترة من 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حتى 20 مايو/ أيار 2024.
تشمل التهم الموجهة إليهما استخدام التجويع كوسيلة حرب، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، مثل: القتل والاضطهاد وأعمال غير إنسانية أخرى، بالإضافة إلى توجيه هجمات ضد المدنيين.
أولًا: خلفية القضيةجاءت هذه الخطوة بعد تحقيقات مكثفة أجرتها المحكمة، حيث وجدت أدلة كافية تشير إلى مسؤولية نتنياهو وغالانت عن هذه الجرائم. ورغم أن إسرائيل ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، فإن المحكمة استندت إلى عضوية فلسطين في نظام روما الأساسي لممارسة اختصاصها الجغرافي والموضوعي.
تعود الولاية القضائية للمحكمة على فلسطين إلى العام 2014، وقد زار مدعي عام المحكمة كريم خان معبر رفح قبل نحو خمسة أشهر، مما يعكس جدية التحقيقات.
ثانيًا: ردود الفعل على مذكرات الاعتقالانتقدت إسرائيل بشدة هذه المذكرات، حيث وصف وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر المحكمة بأنها "فقدت كل مشروعيتها". في المقابل، رحَّبت حركة حماس بهذه الخطوة، داعية المحكمة إلى توسيع دائرة المحاسبة لتشمل جميع قادة الاحتلال الإسرائيلي. كما عقد نتنياهو اجتماعات طارئة مع وزراء ومستشارين؛ لبحث تبعات هذا القرار، وطلب من ألمانيا، وفرنسا التدخل للضغط على المحكمة لعدم إصدار المذكرات.
أثار قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت ردود فعل دولية متباينة. أعربت الولايات المتحدة عن رفضها الشديد للقرار، وأبدت قلقها بشأن سرعة إصداره، بينما دعا الاتحاد الأوروبي ودول مثل هولندا، وأيرلندا إلى احترام استقلال المحكمة وتنفيذ قراراتها. من جانبها، أبدت فرنسا وإيطاليا تحفظات قانونية وأكدتا دراسة الموقف بالتنسيق مع الحلفاء. أما أيرلندا، فقد اعتبرت الخطوة مهمة، ودعت إلى دعم المحكمة في تحقيق العدالة.
ثالثًا: التداعيات على إسرائيل وقادتهاإذا صدرت هذه المذكرات، فإنها ستشكل إدانة معنوية كبيرة لأولئك الذين تشملهم. ستصبح إسرائيل في قفص الاتهام مرة أخرى، مما سيؤثر على صورتها الدولية ويجعل قادتها غير قادرين على السفر بحرية. كما ستؤثر هذه المذكرات على الاقتصاد الإسرائيلي، خاصة في مجالات الطيران والسياحة والاستثمار في التكنولوجيا العالية وتجارة الأسلحة.
رغم أنه قد لا يكون من السهل رؤية هؤلاء القادة المتهمين في قفص الاتهام قريبًا، فإن إدانتهم كمطلوبين دوليًا تحمل أثرًا كبيرًا. سيتحول خوف القادة المتهمين إلى رفيق دائم يحاصرهم في كل خطوة، ولن يتمكنوا من السفر بحرية سوى إلى عدد محدود من العواصم التي ترفض التعاون مع الإرادة الدولية الحرة.
أما دولة الاحتلال، فقد وُصمت اليوم بالإرهاب والإبادة الجماعية في نظر الشعوب ومعظم دول العالم. كما أن احترام الدول الأوروبية الرسمية لقرار المحكمة، كونها إحدى المؤسسات القضائية التي ساهمت أوروبا في إنشائها، يُعدّ مؤشرًا على قبول هذا التطور القانوني.
رابعًا: الجنائية الدولية بين الشكوك والمصداقيةتعرضت المحكمة الجنائية الدولية لانتقادات حادة؛ بسبب تأخرها في فتح تحقيقات فعالة وإصدار مذكرات اعتقال بحق قادة متهمين بارتكاب جرائم حرب. ومع ذلك، فإن إصدار مذكرات اعتقال بحق قادة إسرائيليين سيكون خطوة مهمة نحو تعزيز مصداقية المحكمة وإثبات جديتها في محاسبة المسؤولين عن الجرائم الدولية بغض النظر عن جنسياتهم أو مناصبهم.
يُعد إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت تطورًا مهمًا في مسار العدالة الدولية، ويعكس التزام المحكمة بمحاسبة المسؤولين عن الجرائم الخطيرة. إن نجاح المحكمة في إصدار هذه المذكرات، سيعزز من موقفها كهيئة قضائية دولية محترمة، وسترسل رسالة قوية بأنه لا أحد فوق القانون.
على الرغم من التباطؤ الذي شاب عمل المحكمة سابقًا، والاستهداف المباشر الذي واجهته عبر العقوبات والتهديدات، كما حدث في فترة المدعية العامة السابقة فاتو بنسودة، فإن المحكمة أقدمت على هذه الخطوة الجريئة. ورغم الصعوبات، أثبتت المحكمة اليوم قدرتها على اتخاذ قرارات تاريخية تعيد لها مصداقيتها ودورها المبرر كجهة قضائية دولية محايدة.
لقد حاولت بعض القوى الغربية، منذ نشأة المحكمة، توجيهها لتكون أداة لمعاقبة أفراد من دول العالم الثالث أو خصوم سياسيين، مثل: القادة الأفارقة، أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما وصفها دبلوماسي أوروبي في حديث مع المدعي العام. ومع ذلك، يعد إدراج قادة الاحتلال في قائمة المطلوبين بمثابة خطوة مفصلية تُظهر إمكانية المحكمة في تجاوز التسييس والانتصار للعدالة الدولية.
خامسًا: خطوات وتحديات تنفيذ مذكرات الاعتقالتشكل مذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت اختبارًا حقيقيًا لالتزام العالم بالعدالة الدولية، حيث تُلزم المادة 89 من نظام روما الأساسي الدول الأطراف بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في تنفيذ أوامر الاعتقال.
هذا الإجراء ليس فقط انتصارًا للعدالة، بل أيضًا رسالة حاسمة لإنهاء الإفلات من العقاب، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني. العدالة ليست شعارات تُرفع، بل هي أفعال تتطلب التزامًا حقيقيًا من المجتمع الدولي.
بعد إصدار المذكرات، تُحال إلى الدول الأطراف في نظام روما الأساسي، البالغ عددها 124 دولة، لتنفيذها. يتطلب ذلك اعتقال الأشخاص المطلوبين حال وجودهم على أراضيها وتسليمهم إلى المحكمة.
يبدأ بعدها مسار الإجراءات القانونية أمام المحكمة الجنائية الدولية لضمان محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة. هذه الخطوات تمثل مرحلة حاسمة نحو تحقيق العدالة الدولية. ويعتمد تنفيذ هذه الخطوات بشكل كبير على تعاون الدول الأطراف والتزامها بالعدالة الدولية.
سادسًا: دروس من أفغانستانشهدت المحكمة الجنائية الدولية في تحقيقها المتعلق بالجرائم المرتكبة في أفغانستان ضغوطًا أميركية مكثفة، تجلّت في عدة أشكال أثّرت على مسار التحقيقات، وأبرزت التحديات التي تواجهها المحكمة في تحقيق العدالة الدولية. ومن الممكن أن تنطبق هذه السيناريوهات على أي تحقيقات مشابهة تشمل قادة إسرائيليين.
الضغوط السياسية والدبلوماسية: مارست الولايات المتحدة، خاصة خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب، ضغوطًا سياسية ودبلوماسية كبيرة على المحكمة الجنائية الدولية لثنيها عن التحقيق في الجرائم التي ارتكبتها القوات الأميركية ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA) في أفغانستان. تضمنت هذه الضغوط تهديدات مباشرة بفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة إذا استمروا في التحقيقات، مما عكس تصميمًا على حماية مصالحها وقادتها من أي ملاحقة قانونية دولية. العقوبات الاقتصادية: في سابقة خطيرة، فرضت إدارة ترامب عقوبات اقتصادية على المدعية العامة السابقة للمحكمة، فاتو بنسودة، ومسؤولين آخرين في المحكمة. تضمنت العقوبات تجميد أصولهم وحظر سفرهم إلى الولايات المتحدة. هذا التصعيد أثار انتقادات دولية واسعة لكونه استهدافًا لهيئة قضائية دولية مستقلة، وشكّل ضغطًا يهدف إلى ترهيب مسؤولي المحكمة ومنعهم من متابعة التحقيقات. تضييق نطاق التحقيق: في تحول لافت، قرر المدعي العام الحالي للمحكمة، كريم خان، تضييق نطاق التحقيق في الجرائم المرتكبة بأفغانستان ليشمل فقط تلك التي ارتكبتها حركة طالبان وتنظيم الدولة الإسلامية، مستبعدًا بذلك الجرائم التي ارتكبتها القوات الأميركية. أثار هذا القرار استياءً واسعًا من منظمات حقوق الإنسان، التي اعتبرت الخطوة بمثابة محاولة لإفلات الولايات المتحدة من المساءلة.إن الضغوط التي مورست على المحكمة في ملف أفغانستان تقدم نموذجًا لما قد يحدث في حال استهدفت المحكمة قادة إسرائيليين بمذكرات اعتقال. من المحتمل أن تستخدم الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل الكبرى، الأدوات نفسها التي استخدمتها في الماضي، مثل: تهديد مسؤولي المحكمة بعقوبات مشابهة، وإجراءات دبلوماسية تهدف إلى تحييد أو تعطيل عمل المحكمة، والتأثير على نطاق التحقيقات لتجنب استهداف قادة إسرائيليين.
تثير هذه الممارسات تساؤلات حول قدرة المحكمة الجنائية الدولية على الحفاظ على استقلاليتها وتحقيق العدالة بشكل حيادي. كما أنها تسلط الضوء على التحدي الكبير الذي تواجهه المحكمة عندما يتعلق الأمر بمساءلة قادة الدول الكبرى أو حلفائها. ومع ذلك، فإن نجاح المحكمة في تجاوز هذه الضغوط، قد يعيد الثقة الدولية في فاعليتها كمؤسسة عدلية عالمية قادرة على تطبيق مبدأ "لا أحد فوق القانون".
التجربة مع ملف أفغانستان تُظهر بوضوح أن الطريق إلى العدالة الدولية مليء بالعقبات السياسية.
سابعًا: خطوة تاريخية نحو العدالة الدوليةصدور القرار اليوم يعتبر تحولًا تاريخيًا في عمل المحكمة الجنائية الدولية، ويمثل نقطة تحول غير مسبوقة في مسار العدالة الدولية. أن يكون قادة الاحتلال، الذين لطالما تمتعت أفعالهم بحصانة غير معلنة ودعم سياسي وعسكري وإعلامي دولي، في موقع المتهمين المطلوبين للمساءلة أمام القضاء الدولي، يعدّ إنجازًا كبيرًا ومؤشرًا على بداية محاسبة المسؤولين عن الجرائم الخطيرة.
هذا القرار يمثل الخطوة الأولى في طريق طويل يتطلب عملًا مشتركًا مع جميع القوى الحرة حول العالم لتحقيق العدالة الكاملة لضحايا الشعب الفلسطيني. لا يزال هناك الكثير من العمل لضمان مثول جميع المسؤولين عن الجرائم، من القادة السياسيين والعسكريين والأمنيين، أمام العدالة الدولية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية