د. أسعد بن حمود المقيمي
الشبهة التي يثيرها الصهاينة أنّ أرض فلسطين المباركة هي أرض إسرائيل التاريخية التي عاش فيها أجدادهم وآباؤهم العبرانيون والإسرائيليون، وأنّ هذه الأرض ليست لشعب من الشعوب سواهم، وأن العرب الفلسطينيين أغراب عنها، وبهذا فهم يملكون حق العودة إليها وإقامة دولة عليها، وفي النصوص الدينية عهد الله لإبراهيم "في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقًا قائلًا لتسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات" ( تكوين 25: 18) (عصام الدين حنفي، اليهودية في العقيدة والتاريخ، 2022، بريطانيا: هنداوي، ص 104)ـ ويُردّ على هذه الشبهة القديمة المتجددة بالآتي:
تعتمد الروايات اليهودية على التوراة المحرفة التي لا يمكن الوثوق فيها، وقد نص المؤرخون على هذا التحريف ونصت دائرة المعارف الأمريكية على التحريف.حتى يُحكم لشعب ما بأحقيته بالوطن لا بُد من توافر شرطين فيه؛ وهما أولًا: الأسبقية في السكن، والثاني: الاستقرار المتواصل دون انقطاع، وهذان الشرطان غير متوفرين في اليهود في فلسطين، وينطبقان على العرب الفلسطينيين. يُثبت التاريخ أن السكان الأصليين الذين سكنوا فلسطين المعروفة باسم أرض كنعان بحسب تسمية التوراة المُحرّفة هم الكنعانيون، وأن دخول اليهود كان عارضًا في صورة غزاة وقد قاومهم أهل الأرض، ولم يثبت أن الأرض بعد الغزو اليهودي صفت لليهود وخرج منها أهلها. على تقدير أن عهد الله لإبراهيم بأن فلسطين له ولذريته فلماذا تقتصر على ذرية إسحاق دون إسماعيل لا سيما أن النصوص اليهودية في التوراة المُحرّفة تصف إسماعيل بالابن كما تصف إسحاق ولو كان إسماعيل من جاريته. استمرت فترة الكنعانيين من 3000 ق.م إلى 997 ق.م، وهي فترة متقدمة على وجود اليهود الذي تحدده التوراة المُحرّفة ببدء التاريخ العَبرَاني بهجرة إبراهيم من العراق إلى فلسطين، وإقامته قرب الخليل، ثم أقام يعقوب حفيد إبراهيم عددًا من السنين وأصبح زعيمًا لبني إسرائيل بعد أن أطلق على نفسه اسم إسرائيل، وكان انتقال إبراهيم 1850 ق.م. تذكر بعض المصادر التاريخية أن أصول العَبرَانيين قبائل بدوية صحراوية رحالة طلبَا للكلأ والماء، وجاءت جماعة منهم سنة 2000 ق.م أو سنة 1850 ق.م، أي بعد مئات السنين من وجود الكنعانيين. في سفر التكوين نقرأ أن إبراهيم ليس من فلسطين وإنما من العراق، ثم انتقل إلى أرض كنعان، وفي هذا دلالة على أسبقية الكنعانيين في فلسطين وأنهم أهل الأرض، وفي سفر التكوين "وتغرّب إبراهيم في أرض فلسطين أيامًا كثيرة" وفي وصف يعقوب بأنه مغترب في فلسطين "وسكن يعقوب في أرض غربة أبيه في أرض كنعان"، وعندما توفيت سارة زوجة إبراهيم لم يكن له مكان ليدفنها فيه فطلبه بالشراء "أنا غريب ونزيل عندكم أعطوني ملك قبر معكم لأدفن ميتي من أمامي". كما أن روايات سفر الملوك الثاني أن نبوخذ نصر الثاني ملك بابل استولى على أورشليم (القدس) في القرن السادس، وسبى من فيها من اليهود إلى بابل، بمن فييها ملكهم "ولم يبق أحد إلا ساكني شعب الأرض". لم يستقل تاريخيًا اليهود بحكم في فلسطين إلّا 74 سنة في عهد داود وابنه سليمان (1004-923 ق.م). موسى الذي تبتدئ به اليهودية لم يُولد في فلسطين ولم يعش فيها ومات ولم تطأ قدمه أرضها بحسب سفر التثنية، وقد أراد موسى تخليص اليهود مما أصابهم من المصريين من ذل، بأخذهم إلى فلسطين؛ مما يعني أنهم لم يكونوا في فلسطين بحسب سفر الخروج.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
إبراهيم الهدهد: الاختلاف سنة ومشكلتنا افتقاد الحوار الرشيد
أكد الدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، أن الإسلام يكرس منهجًا رشيدًا للحوار، وهو المنهج الذي التزمه الأنبياء في تواصلهم مع أقوامهم.
وأوضح رئيس جامعة الأزهر الأسبق، خلال حلقة برنامج "هدايات الأنبياء"، المذاع على قناة الناس، اليوم الجمعة، أن فقداننا للحوار الرشيد في حياتنا المعاصرة يُعد من أبرز التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية، رغم أننا أمة واحدة، لافتا إلى أننا نفتقد إلى أسلوب الحوار الرشيد في أوقات الاختلاف، رغم أن الاختلاف هو سنة كونية وطبيعة إنسانية.
المفتي: الخوف من الله يحرك قلبي نحو البحث عن حكم شرعي متوازن المفتي: الأخلاق بلا دين لا يمكن أن تكون بديلاً حقيقياوأشار الدكتور الهدهد إلى أن الإسلام ينظر إلى الاختلاف ليس كتضاد أو تعارض، بل كتنوع وتعدد، مؤكدًا أن الاختلاف بين البشر لا يجب أن يؤدي إلى التنازع أو العداء. وفي هذا السياق، استشهد بما ذكره الإمام السيوطي في "القاعده الإلهية في الأشباه والنظائر"، حيث قال: "لا ينكر المختلف فيه، وإنما ينكر المجمع عليه"، لافتا إلى أن هذا التوجيه، يعكس فهمًا عميقًا لكيفية إدارة الاختلافات داخل الأمة الإسلامية.
وأضاف أن الاختلاف بين البشر هو سمة طبيعية في الحياة، والشرائع السماوية تحتمل هذا الاختلاف وتعتبره توسعة على الأمة، لأن الأدلة الشرعية قابلة لعدة تفسيرات وتوجيهات، ما يفتح المجال للتنوع في الفهم والرأي.
وأكد الدكتور الهدهد أن الهداية التي نقلها الأنبياء للأمة هي نور يضيء الطريق، ويجب أن يتمسك بها المسلمون في تعاملاتهم اليومية وفي حواراتهم مع بعضهم البعض، لاسيما في هذا العصر الذي يواجه تحديات كبيرة في مجال التفاهم والتعايش السلمي.
وكانت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، قد أطلقت قناة الناس في شكلها الجديد، باستعراض مجموعة برامجها وخريطتها الجديدة التي تبث على شاشتها خلال 2023.
وتبث قناة الناس عبر تردد 12054رأسي، عدة برامج للمرأة والطفل وبرامج دينية وشبابية وثقافية وتغطي كل مجالات الحياة
المفتي: الخوف من الله يحرك قلبي نحو البحث عن حكم شرعي متوازن
أكد الدكتور نظر عياد، مفتي الديار المصرية، أن الفتوى يجب أن تستند إلى معايير أخلاقية راسخة، باعتبار أن الفتوى ليست مجرد حكم شرعي بل هي أداة تؤثر في حياة الأفراد والمجتمع بشكل مباشر، مؤكدا أن الخوف من الله تعالى هو الأساس الذي يجب أن يحرك قلب المفتي ويحثه على البحث عن حكم شرعي متوازن، بعيد عن الهوى، ومراعٍ لمصلحة الناس.
وأشار مفتي الديار المصرية، خلال حوار تليفزيوني على قناة الناس، اليوم الجمعة، إلى أن أي فتوى لا تقوم على أساس أخلاقي ستكون بعيدة عن الصواب وستفتقر إلى الفاعلية، حيث إن الهدف الأساسي من الدين هو غرس القيم الأخلاقية التي تنعكس على سلوك الأفراد والمجتمع، مستشهدا بما ورد في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان يتحلى بأخلاق عظيمة في فتاويه، ومنها حادثة تحديد وقت صلاة العصر في غزوة بني قريظة، والتي أظهر فيها النبي صلى الله عليه وسلم مبدأ قبول الاختلاف الفكري وعدم الزجر على الآراء المختلفة، رغم أن بعض الصحابة صلوا في الطريق والبعض الآخر في المدينة.
وتابع: "الفتوى لا تكون مؤثرة ونافعة إلا إذا كانت متأصلة في القيم الأخلاقية التي تحترم العلاقة بين العبد وربه، وبين العبد ونفسه، وبين العبد والمجتمع"، موضحا أن الفتوى يجب أن تؤسس على ميثاق أخلاقي يضمن عدم المساس بالكرامة الإنسانية أو السمعة أو مصالح الأفراد والمجتمع.
وفي سياقٍ متصل، أشار إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجل الذي استفتاه بشأن ولادة ابنه الأسود، حيث تعامل معه برفق ولم يعنفه، وطرح عليه سؤالًا حكيمًا حول لون الجمل الذي يملكه، ليُبرز له أن الاختلاف ليس بالأمر الغريب أو السيئ، بل هو من صميم الطبيعة التي خلقها الله.
وأكد أن الفتوى التي لا تعتمد على هذه الأسس الأخلاقية ستكون قاصرة وغير قادرة على تحقيق أهداف الشريعة، بل قد تساهم في هدم قيم المجتمع، موضحا أن العلماء القدامى كان لديهم وعي عميق بأهمية الجانب الأخلاقي في الفتوى، حتى أنهم وضعوا ضوابط أخلاقية للمفتي في كتبهم الفقهية، مثلما فعل الإمام السبكي في "معيد النعم" و"ميد النقب"، حيث كانوا يحرصون على أن تكون الفتوى متوافقة مع مراد الله تعالى وتحقيق مصالح العباد دون المساس بأخلاقياتهم أو سمعتهم.
وأشار إلى أن الفتوى التي لا تراعي هذه الضوابط الأخلاقية تُعتبر "عقيمّة"، لأنها لا تحقق الهدف الشرعي ولا تسهم في بناء مجتمع سليم.