الموقف التركي من غزة وخيبة الأمل!
تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT
صالح البلوشي
لم يكن صخب معركة الانتخابات الرئاسية التركية في مايو الماضي، والتي كان طرفاها الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان وممثل المعارضة كمال قلجدار أوغلو، مقتصرًا على الداخل التركي فقط؛ بل امتدَّ إلى عدد لا بأس به من المنتمين للشعوب العربية بدرجة لا تقل عن صخب المعركة في الداخل التركي، وكأن القادم إلى القصر الرئاسي التركي في أنقرة سيُحدد مصيرهم ومستقبلهم وليس مستقبل تركيا فقط طوال السنوات الست القادمة!
فمثلًا، تطرَفَ البعضُ، مثل المدعو صابر مشهور على قناته في "اليوتيوب"، وزعم أنَّه في حال خسارة أردوغان بهذه الانتخابات فإنَّ المسلمين سيرجعون كفارًا يضرب بعضهم رقاب بعض، فيما زعم آخرون بأن الانتخابات التركية هي حرب بين الإسلام والكفر وأنها ستُحدد ليس فقط مستقبل الإسلام في تركيا وإنما في العالم الإسلامي أيضًا.
ولم تمض أيام قليلة على فوز أردوغان بالرئاسة، حتى تفاجأ الجميع بطرد آلاف اللاجئين السوريين من تركيا وتبع ذلك حملة على المحلات التي ترفع لافتات باللغة العربية لتحل محلها اللافتات باللغة التركية، بينما تداولت وسائل التواصل الاجتماعي أخبارًا عن حملة عنصرية ضد السُيَّاح العرب خاصة الخليجيين منهم، واعترف الرئيس أردوغان بوجود هذه الحملة وطالب بوقفها، لكن لم يحدث ذلك، مما أدى إلى ظهور حملات مضادة في بعض وسائل التواصل الاجتماعي تُطالب بمقاطعة السياحة في تركيا والذهاب إلى دول أخرى أكثر أمنًا.
ثم جاءت عملية "طوفان الأقصى" التي هزّت المنطقة والعالم، واتجهت أبصار كثير من العرب والمسلمين إلى تركيا آملين أن تمارس ضغطًا على الكيان الصهيوني من أجل وقف العدوان الغاشم أو على الأقل السماح بدخول المساعدات الإنسانية وهذا "أضعف الإيمان". وقد كانت هذه الحالة نتيجة لـ"البروباجندا" التي زرعها الإسلاميون في الوطن العربي وتركيا حول شخصية أردوغان، وكذلك بسبب العلاقات القوية التي تربط بلاده بالكيان المحتل والدعايات التركية بأنها تعود "لمصلحة القضية الفلسطينية".
وبسبب هذه الدعاية التركية حول "مصلحة القضية الفلسطينية"، تعامى الكثيرون عمَّا شهدته الأشهر الأخيرة من تقارب تركي إسرائيلي كبير؛ حيث قرر البلدان في 17 أغسطس 2022، رفع العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى مستوى سفير، مع تصريح تركي بالأمل في تطوير العلاقات الثنائية مع إسرائيل في جميع المجالات من خلال مواصلة المسار عبر الاتصالات المتبادلة". وفي سبتمبر الماضي، التقى الرئيس أردوغان نتنياهو في الأمم المتحدة ونقلت وسائل إعلام تركية تصريحات للرئيس التركي بأنَّ بلاده وإسرائيل ستتخذان قريبًا خطوات مشتركة في مجال التنقيب عن الطاقة، مضيفًا أن البلدين سيعملان أيضًا على تشغيل شبكات طاقة إلى أوروبا عبر تركيا.
كما ذكر موقع "ترك برس" أن تركيا صدَّرت بضائع إلى كيان الاحتلال بنحو 3.8 مليار دولار في الفترة بين يناير إلى أغسطس 2023، بينما بلغت وارداتها من الاحتلال في الفترة ذاتها 1.2 مليار دولار. ليس ذلك فحسب؛ بل أشار الموقع إلى أن تركيا تعد أيضًا موقعًا مهمًا لقضاء الإجازات للسياح الإسرائيليين؛ حيث حطم عددهم رقمًا قياسيًا بـ570 ألفًا عام 2019، كما اقترب عدد السياح الإسرائيليين القادمين إلى تركيا من 700 ألف وذلك مع إعادة فتح الحدود بعد الجائحة في عام 2022.
ومع تطلع الكثيرين إلى موقف تركي قوي من الأحداث الراهنة في غزة يتناسب مع حجم الدعاية الإعلامية التركية القوية التي رافقت الانتخابات التركية وما قبلها على أنها البلد الداعم للإسلام والمسلمين، جاءت الوقائع لتكشف زيف هذه الشعارات ومخالفتها للواقع؛ فالجميع يعلم أن تركيا تتدخل عسكريًا في حال توافق ذلك مع مصالحها كما فعلت في قبرص وسوريا وليبيا وأذربيجان، بينما في القضية الفلسطينية فإنَّ مصالحها أولًا مع الكيان الصهيوني، لذلك خلا الخطاب التركي الرسمي خلال الأيام الأولى من الحرب من أي إدانة واضحة وصريحة للكيان الصهيوني، وساوى بين الضحية والجلاد؛ إذ اكتفى بالتنديد بالقتل من الطرفين والتأكيد على أهمية إنهاء الصراع بين جميع الأطراف.
وبعدما أمعن الاحتلال في العدوان بأن قام بقصف المستشفيات والمدارس والبنايات السكنية، لم تقرر تركيا قطع العلاقات مع إسرائيل، واكتفى أردوغان بالقول إنه لن يتحدث مع نتنياهو لأنه "لم يعد شخصًا يمكن التحدث معه"، ولم تقم تركيا بخطوة مؤثرة مثل طرد السفير الصهيوني من أنقرة؛ بل اكتفت بخطوة متأخرة جدًا وهي استدعاء السفير التركي في تل أبيب بتاريخ 4 نوفمبر الجاري، أي بعد شهر تقريبًا من العدوان الغاشم على غزة.
وفي ظل المواقف التركية المرتكزة على تغليب مصلحتها أولًا، يجب على من يعانون من التغييب الإعلامي، أن يتحلوا بقليل من الحكمة والواقعية!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أبرز مواقف وزير الخارجية الأمريكي الجديد تجاه تركيا
أنقرة (زمان التركية) – أعلن الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، أن السيناتور فلوريدا، ماركو روبيو، المعروف بآرائه “المتشددة”سيكون على رأس الدبلوماسية الأمريكية.
ويُعرف روبيو، الذي سيكون أول وزير خارجية لاتيني يتولى منصبه إذا وافق عليه مجلس الشيوخ، بخطابه القاسي خاصة ضد الدول التي تعتبرها الولايات المتحدة “خصومًا”مثل: الصين وإيران وكوبا.
روبيو، الذي كان في مجلس الشيوخ منذ عام 2011 وعمل أيضًا في لجنة العلاقات الخارجية، هو سياسي يتابع عن كثب التطورات في تركيا والمنطقة، كما استخدم روبيو لغة انتقادية في أغلب الأوقات ضد حكومات الرئيس رجب طيب أردوغان في الماضي.
العمليات العسكرية بشمال سوريا
شهد عام 2019 أكبر عدد من التصريحات من روبيو بشأن تركيا، حيث استنكر روبيو إطلاق تركيا لعملية نبع السلام في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، كما انتقد أيضا إدارة ترامب لسحبها القوات الأمريكية من المنطقة قبل العملية.
وزعم روبيو آنذاك أن أردوغان أطلق عملية نبع السلام لجعله ينسى “فشله” في الانتخابات المحلية لعام 2019، حيث خسر آنذاك الحزب الحاكم بلديتي أنقرةً وإسطنبول.
وانتقد روبيو مرارًا وتكرارًا تصرفات تركيا ضد قوات سوريا الديمقراطية (SDF) التي تقاتل داعش في شمال سوريا، وجادل روبيو بأنه لا توجد دولة أو مجموعة باستثناء قوات سوريا الديمقراطية ستقاتل داعش.
وتشكل وحدات حماية الشعب (YPG)، الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) في سوريا العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية.
وترى أنقرة إن وحدات حماية الشعب هي جزء لا يتجزأ من تنظيم العمال الكردستاني.
ومع استمرار التوترات بين تركيا والولايات المتحدة، تم التصويت على قانون بالكونغرس الأمريكي يعترف بأحداث عام 1915 على أنها “إبادة جماعية للأرمن” في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2019. وكان روبيو من بين أعضاء مجلس الشيوخ الذين أيدوا مشروع القانون.
الانسحاب الأمريكي من سوريا
عارض روبيو تصريح ترامب بأن الوجود العسكري في شمال سوريا سيتم سحبه في نهاية عام 2018 ولعب دورًا في عدم إكمال هذه العملية. وفي بيان مكتوب في ذلك الوقت، زعم روبيو أن سحب القوات سيكون خطأ كبيرا مفيدا أن قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب ستنهي القتال ضد داعش، ونتيجة لذلك، ستزيد إيران من أنشطتها في المنطقة.
من المتوقع أن تكون هذه القضية على جدول الأعمال خلال ولاية ترامب الثانية كرئيس وسط تساؤلات حول موقف روبيو من الأمر هذه المرة.
الانتخابات البلدية التركية 2019
تابع روبيو الانتخابات البلدية لعام 2019 في تركيا. وانتقد إلغاء نتائج انتخابات بلدية إسطنبول الكبرى التي فاز بها مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو، ونشر تغريدة ذكر خلالها “أن السلطوية تتحدى الديمقراطية في كل مكان”، وقال روبيو آنذاك: “في تركيا، يقوض الرئيس أردوغان سيادة القانون والنظام الديمقراطي من خلال إلغاء الانتخابات البلدية في إسطنبول التي خسرها حزبه من خلال المسؤولين الموالين واتخاذ قرار بإعادتها”.
منظومة الدفاع الروسية اس 400
إن موقف وزير الخارجية الأمريكي الجديد الصارم من روسيا معروف جيداً، كان روبيو من بين أعضاء مجلس الشيوخ الذين عارضوا شراء تركيا لأنظمة الدفاع الجوي S-400 من روسيا في عام 2019 على الرغم من كونها عضوًا في الناتو، كما لعب دورًا نشطًا في عملية فرض العقوبات على تركيا.
وصرح روبيو أن إتجاه إدارة ترامب لتخفيف العقوبات على تركيا سيكون خاطئًا وأبلغ ترامب بموقفه هذا خلال لقائه معه بالبيت الأبيض.
العلاقة بين أردوغان ومادورو
انتقد روبيو المولود في كوبا مرارًا وتكرارًا تعاون تركيا مع فنزويلا تحت قيادة نيكولاس مادورو على مدى العقد الماضي. واستنكر روبيو زيادة تجارة الذهب بين تركيا وفنزويلا في عامي 2018 و 2019، كما اتهم مادورو وأردوغان بوضع “خطة جريمة”.
واتهم روبيو مادورو بسرقة الذهب الفنزويلي وبيعه لتركيا للحصول على الطعام والضروريات الأخرى، ودعا إدارة ترامب إلى تثبيط الحكومة التركية عن القيام بذلك.
لقاء بأنس كانتر
في يناير/ كانون الثاني من عام 2019، التقى روبيو بلاعب الدوري الاميركي للمحترفين أنس كانتر، الذي كان ينتقد بشدة حكومة الرئيس أردوغان في ذلك الوقت.
ومن المعروف علاقة كانتر الوثيقة مع فتح الله كولن، الذي طلبت تركيا تسليمه من الولايات المتحدة بزعم أنه المسؤول عن محاولة الانقلاب في 15 يوليو/تموز.
وشارك كانتر وجهات نظره حول تركيا وتجارب عائلته خلال لقائه مع روبيو. وأشاد روبيو، الذي نشر جزءًا قصيرًا من المقابلة على موقع يوتيوب، بكانتر على “شجاعته وصراحته” بينما انتقد ممارسات تركيا في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية.
السجناء السياسيون
شارك روبيو في العديد من الحركات في مجلس الشيوخ التي أخذت في الاعتبار انتهاكات حقوق الإنسان في تركيا ووقع على الرسائل التي كتبها مع زملائه للتوقيع عليها وطالب خلال رسالة وقعها أكثر من 50 عضوًا في مجلس الشيوخ مع السناتور الديمقراطي رون وايدن في فبراير/ شباط عام 2021 الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى اتخاذ إجراءات بشأن “سجل الحكومة التركية المتدهور في مجال حقوق الإنسان”.
في عام 2019، قدم روبيو، مع مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ، مشروع قانون يتضمن عقوبات ردا على اعتقال تركيا لسركان جولج، وهو مواطن أمريكي تركي، بالإضافة إلى اثنين من الموظفين الأتراك العاملين في البعثات الدبلوماسية الأمريكية.
وفي رسالة قبل زيارة الرئيس أردوغان للبيت الأبيض مع ترامب في مايو/أيار 2017، دعا روبيو الولايات المتحدة إلى إثارة انتهاكات حقوق الإنسان لتركيا، حليفة الناتو، بقوة أكبر، وكرر هذه الدعوة في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه.
وصرح روبيو أن “السجناء السياسيين” تعرضوا للتعذيب في تركيا في عهد الرئيس أردوغان.
Tags: أنس كانترالانتهاكات الحقوقية بالسجون التركيةالخارجية الأمريكيةدونالد ترامبرجب طيب أردوغانفتح الله كولنماركو روبيو