عُمان.. شموخ وطن وكرامة إنسان
تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT
د. حميد بن مسلم السعيدي
يتمتع العُمانيون بشخصية مُتميزة ومشرفة تنبع من تاريخهم العريق وجغرافيتهم الفريدة، فهم يرتقون بعزة وكرامة إلى قمم الجبال الشاهقة التي تطل على مضيق هرمز في شمال عُمان، وهم يثابرون بصبر وصمود؛ كصمود جبال ظفار المطلة على سواحل المحيط الهندي، وأمام هذا الشموخ وعلى مدى التاريخ، استند العُمانيون على إرثهم الحضاري والثقافي الغني، الذي انبثق من تفاعلهم المُستمر مع الشعوب والحضارات المختلفة، والذي أتاح لهم تحقيق إنجازات وانتصارات عديدة في مجالات العلم والفن والتجارة والدفاع والدبلوماسية.
لم يكن العُمانيون راضين بالدفاع عن وطنهم ضد الاستعمار والغزو وحسب؛ بل خرجوا بأسطولهم البحري القوي إلى المحيطات والبحار، وأقاموا علاقات تجارية وسياسية مع الدول الأوروبية والآسيوية والأفريقية، وساعدوا في تحرير الشعوب المُستضعفة والمظلومة من الظلم والاستبداد في سواحل المحيط الهندي وشرق أفريقيا. فعندما تعرضت جزيرة سُقطرى للقمع والاضطهاد من قبل الغزاة، ناشدت الزهراء السقطرية، الإمام الصلت بن مالك، بقصيدة مؤثرة تطلب منه النصرة والمساعدة: "يا للرجال أغيثوا كل مسلمةٍ // ولو حبوتم على الأذقانٍ والرُكبِ"، وكان جواب الأمام بإرسال جيش من رجال عُمان، تمكنوا من طرد الغزاة، وتحرير سقطرى. وهذه البصرة تستنجد بالأسطول العُماني، فكانت الأشرعة العُمانية ترسو في شط العرب وتؤدي دورًا فاعلًا في مواجهة الغزاة، وتساهم في تحرير المدينة. وظهر شبابنا قادة في بناء الدول والحضارات؛ فهذا الشاب ناصر بن مرشد مؤسس دولة اليعاربة استل سيفه من أجل طرد البرتغاليين. وعندما سيطر الفرس على سواحل عُمان، ظهر الشاب أحمد بن سعيد مؤسس دولة البوسعيد، والذي تمكَّن من قيادة زمام الدولة نحو دولة عصرية حديثة، وهذه الإنجازات التاريخية هي ثمار الوحدة الوطنية، والتعاون الوثيق بين الشعب والحكومة، والتي ما زالت تمثل قيمًا أساسية للمجتمع العُماني، الذي يفخر بماضيه، ويتطلع إلى مستقبله، ويسعى إلى المحافظة على سلامه وازدهاره.
العُماني يفخر بعزته وكرامته، يرفع رأسه في حريته وولائه لوطنه، يستلهم العزائم السامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- يتطلع بعيون الصمود والتفاؤل إلى المستقبل، يسير دون انكسار أو انحياز في مواجهة القضايا الوطنية والعربية، ينصر المظلومين ويقف في صف الحق ضد الظالمين وينطق بكلمة الصدق دون خوف أو تردد، فعُمان دولة تقود لا تُقاد.
عُمان تستمد قوتها من مبادئها السياسية الراشدة وشعبها الوفي الذي يقف صلبًا ومؤيدًا لقيادته الحكيمة في كل قراراتها الخارجية، ومنها نستمد تلك القوة التي تشكل أحد أركان الوحدة الوطنية العُمانية، التي لا يمكن لأي دخيل أو شيطان متصهين أن يحاول النيل منها، أو التأثير في عقول شبابنا من خلال الهجمات الإعلامية المغرضة التي نتعرض لها اليوم، والتي تهدف إلى تشويه صورة عُمان وتقويض مكانتها ودورها في المنطقة والعالم. لكننا نثق في قدرتنا على التصدي لهذه الهجمات بالحق والعلم والوعي والتكاتف، ونؤكد على مواصلة مسيرتنا الناجحة في بناء عُمان الحديثة والمزدهرة والمتقدمة.
فعُمان بسياستها الخارجية المستقلة والمتوازنة، تسعى إلى تعزيز السلام والأمن في المنطقة والعالم. وتؤكد دائمًا على دعمها للقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وترفض عُمان أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية أو في شؤون الدول الأخرى، وقد أكد جلالة السلطان المعظم- أعزه الله- في خطابه السامي في افتتاح دروة الانعقاد السنوي لمجلس عُمان على دعم القضية الفلسطينية: "إننا إذ نُتابعُ بِكُل أسى ما يتعرضُ له الأشقاءُ في فلسطينَ المحتلةِ، من عدوانٍ إسرائيليٍّ غاشمٍ، وحصارٍ جائرٍ؛ لَنُؤكّدُ على مبادئِنا الثابتةِ لإقامةِ الدولةِ الفلسطينيةِ وعاصِمَتُها القُدسُ الشرقيةُ، ومؤكدين على ضرورةِ تَحَمُّلِ المجتمعِ الدوليِّ مسؤولياتِه والتزاماتِه تجاهَ القضيةِ الفلسطينيةِ، والمسارعةِ في إيجادِ حلولٍ جذريةٍ لتحقيقِ آمالِ الشعبِ الفلسطيني في إقامةِ دولتِه المستقلةِ، وبذلك يَعُمُّ السلامُ في منطقتِنا ويَنعمُ العالمُ أجمعُ بالأمنِ والأمان".
لا شك أن عُمان تواجه هجمات إعلامية متعمدة تنطلق من بعض المؤسسات الإعلامية التي تنحاز للكيان الإسرائيلي في عدوانه الوحشي على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، وعلينا أن نعي جيدًا أن هذا الأمر يزيد من ترابط الشعب العُماني وولائه لقيادته الحكيمة، فالقضية الفلسطينية هي من الثوابت الوطنية العُمانية التي لا تتزعزع إلّا بمنح الفلسطينيين حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحقهم الشرعي في إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وهذا ما تؤكده الحكومة العُمانية والشعب العُماني، لذا وقف شيخنا الجليل أحمد بن حمد بن سليمان الخليلي، مفتي عام سلطنة عُمان، على منبر الحق مع الفلسطينيين وحثهم على مقاومة الإسرائيليين. وأضاف شيخنا الجليل أن عُمان تدين بشدة الانتهاكات الإسرائيلية للمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وتدعو المجتمع الدولي إلى التدخل الفوري لوقف العنف والاحتلال والتهجير القسري للفلسطينيين. وأكد شيخنا الجليل أن عُمان تقف إلى جانب الفلسطينيين في كفاحهم المشروع ضد الظلم والاستبداد، وتدعم جهود السلام العادل والشامل الذي يُحقق تطلعات الشعب الفلسطيني وينهي الصراع العربي الإسرائيلي.
نحن نواجه اليوم إعلامًا مغرضًا يسعى إلى زعزعة الوحدة الوطنية والتأثير على توجهات شبابنا، وعلينا أن نقف جميعًا في مواجهته إعلاميًا عبر المنصات الرقمية، فلا يجوز الصمت على أي شيطان متصهين، وهذا ما يتطلب منَّا الدفاع عن وطننا والوقوف إلى جوار القيادة الحكيمة لجلالة السلطان الذي أكد أن عُمان دولة ذات سيادة تسعى إلى تحقيق الأمن والاستقرار: "ونَودُّ هنا أن نؤكدَ على ثوابتِنا السياسيةِ المبنيةِ على مبادئِ حُسنِ الجِوار، وعدمِ التدخلِ في الشؤونِ الداخليةِ للآخرين، وعلى إرساءِ نظامٍ عادلٍ لتبادلِ المنافعِ والمصالح، وعلى إقامةِ أسسِ الاستقرارِ والسلامِ والإسهامِ فيها بإيجابية". لذا علينا مواجهة الإعلام المغرض والموجه ضد عُمان، من خلال توخي المصداقية والموضوعية في تلقي ونقل المعلومات، والتحقق من المصادر والأدلة قبل نشرها أو تداولها، والابتعاد عن الشائعات والأخبار الكاذبة والمضللة، والتصدي لها بالحجة والبرهان، والتعبير عن الرأي بحرية ومسؤولية، والاحترام الآراء المختلفة، والتمسك بالقيم الوطنية والدينية والأخلاقية، والمشاركة في الحوارات الإعلامية البناءة والهادفة، والتعاون مع المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة في نشر الوعي والثقافة والتنوير بين أفراد المجتمع.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ما الدول التي يواجه فيها نتنياهو وغالانت خطر الاعتقال وما تبعات القرار الأخرى؟
أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي أوامر اعتقال ضد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بينامين نتنياهو، ووزير الحرب السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة، وذلك يعني أن أكثر من 120 دولة موقعة على معاهدة روما ملزمة باعتقالهما على أراضيها.
وجاء في تقرير لصحيفة "معاريف" أن أكثر من 120 دولة موقعة على معاهدة روما ملزمة باعتقال رئيس نتنياهو غالانت، في حال دخولهما أراضيها، ويأتي القرار في ظل الشبهات حول ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة.
وتشمل قائمة الدول الموقعة في أوروبا 39 دولة، بينها قوى كبرى مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، بالإضافة إلى ذلك، فإن الدول المجاورة لـ"إسرائيل" مثل قبرص واليونان، التي تعتبر وجهات مفضلة للشخصيات الإسرائيلية الرفيعة، ملزمة أيضًا بالمعاهدة.
وفي أفريقيا، وقعت 30 دولة على المعاهدة، بما في ذلك دول هامة مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا وكينيا، في قارة أمريكا، انضمت 24 دولة إلى المعاهدة، من بينها قوى إقليمية مثل البرازيل وكندا والمكسيك، بينما تغيب عن المعاهدة الولايات المتحدة التي لم توقع عليها.
في آسيا، وقعت ثماني دول فقط على المعاهدة، من بينها اليابان وكوريا الجنوبية والأردن، في أوقيانوسيا، انضمت ثماني دول إلى المعاهدة، بما في ذلك أستراليا ونيوزيلندا.
وأكد التقرير أن "توقيع الدول على المعاهدة يلزمها بالتعاون مع المحكمة الدولية وتنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة عنها، ومعنى هذا القرار هو أن نتنياهو وغالانت قد يجدان نفسيهما محدودين بشكل كبير في حركتهما الدولية، خصوصًا في الدول الغربية المتقدمة".
وأشار إلى أن هذا الوضع قد يؤثر على قدرتهما على عقد لقاءات دبلوماسية وتمثيل "إسرائيل" على الساحة الدولية، وحتى الآن، أكد وزير الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أن "أوامر الاعتقال ليست سياسية ويجب تنفيذها".
من جانبه، انضم وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، إلى دعوة احترام وتنفيذ قرار المحكمة، مضيفًا أن الفلسطينيين يستحقون العدالة بعد جرائم الحرب التي ارتكبتها "إسرائيل" في غزة.
في الوقت نفسه، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية أن رد فعل بلاده على أوامر الاعتقال سيكون وفقًا لأنظمة المحكمة، وهو انضمام مهم آخر من الدول التي تعترف بسلطة المحكمة في لاهاي.
وفي تقرير آخر للصحيفة، أكد الخبير في القانون الدولي وقوانين التسليم من كلية الحقوق في كلية الإدارة، يارون زامر، أنه "من الناحية العملية، يمكننا القول الآن أنه من المحتمل ألا يتمكّنوا من الوصول إلى أي من الدول الأعضاء في المحكمة، وهذا يشمل حوالي 124 دولة. ولحسن الحظ، أو ربما لحظنا، الولايات المتحدة ليست واحدة منها".
وفقًا للمحامي زامر، يحمل القرار تبعات أخرى: "في الأساس، يفتح هذا المجال لمحاكمة مستقبلية لأشخاص في رتب أدنى، السبب هو أن المحكمة تبعث برسالة من عدم الثقة في النظام القضائي الإسرائيلي، والتبعات التي قد نشعر بها فعلا، هي أن الدول ستسعى لتجنب العلاقات مع إسرائيل".
وأضاف "تخيلوا وجود دولة ديمقراطية تريد الآن التجارة بالأسلحة مع إسرائيل أو تقديم مساعدات أمنية لإسرائيل في الوقت الذي يكون فيه زعيم الدولة مطلوبًا من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب".
ووفقًا لبيان المحكمة، فإن نتنياهو وغالانت "يتحملان المسؤولية الجنائية عن الجرائم التالية كمشاركين في تنفيذ الأفعال مع آخرين وهي: جريمة الحرب باستخدام المجاعة كوسيلة حرب؛ وجرائم ضد الإنسانية من قتل واضطهاد وأفعال غير إنسانية أخرى".
وكانت هولندا، التي تستضيف المحكمة في لاهاي، أول دولة تعلن أنها ستلتزم بأوامر الاعتقال، وفيما يتعلق بإمكانية إصدار أوامر اعتقال إضافية، يعتقد زامر: "من الصعب أن أصدق أن المحكمة ستقوم فعلاً بمحاكمة الأشخاص في أعلى المناصب، ليس عبثًا تم إصدار الأوامر ضد رئيس الحكومة ووزير الدفاع، أشك في أنه تم إصدار أوامر ضد شخصيات أخرى، لكن من الناحية النظرية، قد يكون هناك وضع استثنائي".
وأوضح أنه "من الناحية النظرية، قد يكون هناك وضع استثنائي، لكن أعتقد أن المحكمة ستوجه اهتمامها بشكل رئيسي إلى الأشخاص في المناصب العليا، في النهاية، التوجه العام للمحكمة هو محاكمة كبار المسؤولين الذين يتحملون المسؤولية الأكبر عن القرارات السياسية والعسكرية".
وذكر زامر أنه على الرغم من التحديات التي قد يواجهها القادة الإسرائيليون في السفر إلى دول أخرى بسبب أوامر الاعتقال، فإن "إسرائيل" قد تتخذ خطوات دبلوماسية لمواجهة هذه التحديات، لكن ذلك قد يتطلب تضافر الجهود على المستوى الدولي لتخفيف الضغط، وفي الوقت نفسه، أشار إلى أن بعض الدول قد تلتزم بالأوامر بينما أخرى قد تحاول تجنب ذلك لأسباب سياسية أو أمنية.
وفيما يخص تأثير هذه الأوامر على العلاقات الدولية لـ"إسرائيل"، أكد زامر إن الدول ستتردد في التعامل مع إسرائيل بشكل طبيعي إذا كانت تواجه ضغوطًا من المحكمة الجنائية الدولية، قد يؤدي ذلك إلى عواقب كبيرة على مستوى التجارة، التعاون الأمني، والعلاقات الدبلوماسية مع العديد من الدول حول العالم.
وختم أن هذه التطورات ستكون بمثابة نقطة تحول في كيفية تعامل "إسرائيل" مع العالم الخارجي، حيث ستواجه تحديات إضافية على صعيد العلاقات الدولية والشرعية القانونية.