أثير- مكتب أثير في تونس
إعداد: محمد الهادي الجزيري

حتّى لا أضيّع البوصلة ..وأكون عند وعدي وعهدي الذي قطعته على نفسي ..وهو أن أكتب عن فلسطين في ما تبقّى من حياتي ولو لماما ، لأعوّضها عن اعتنائي بغيرها من نساء ومدن وعواصم ..لعلّها تغفر لي ، أقول هذا مع الالتفات من حين إلى آخر إلى مواضيع أخرى ومسائل هامة لأكون وفيّا للحياة والله المستعان …


اليوم أحتفي بالكاتب الفلسطيني محمود شقير فهو من مواليد جبل المكبّر، القدس، 1941.

يكتب القصة والرواية للكبار وللفتيات والفتيان، أصدر خمسة وأربعين كتابا، وكتب ستة مسلسلات تلفزيونية طويلة، وأربع مسرحيات، تُرجم العديد من قصصه إلى اللغات الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، الصينية، المنغولية، والتشيكية، شغل مواقع قيادية في رابطة الكتاب الأردنيين وفي الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين..، تنقل بين بيروت وعمّان وبراغ، ويقيم في مدينة القدس…


حاز جوائز عدّة، من بينها جائزة محمود درويش للحرّية والإبداع (2011)، وجائزة القدس للثقافة والإبداع (2015)، وجائزة دولة فلسطين في الآداب (2019)، كما وصلت روايته «مديح لنساء العائلة» إلى القائمة القصيرة لجائزة بوكر العربية عام 2016.

 

يقرّب لك الكاتبُ الصحفيّ معن البياري صورة الأديب محمود شقير من خلال هذه الكلمة المعبّرة المأخوذة من دراسة واسعة عنه ..ففي كلمات يضعك وجها لوجه مع الراحل المحتفى به ..يقول :
” مشكلتان، وربما أكثر، تُربكانك إذا أردتَ الكتابة عن محمود شقير ليس منهما أنه شيخ القصّاصين الفلسطينيين، وأن حضوره كاتبا ومثقفا وناشطا يمتد إلى نحو ستة عقود، ما قد “يورّطك” في متاهةٍ تحيّرك أي زوايا في عالمه تقترب منها. أولاهما، أن الكاتب الفلسطيني المعروف نثر في سبعة كتب (سيعقبها باثنين) من بين أزيد من 60 كتابا أصدرها، سيرته وحياته وأسفاره وذاكرته وتجربته ذاتها في الكتابة، وبسَط كل ما قد تنشدُّ إلى إضاءته في شأن مساراته في إنتاج أدبه، وفي محطّات حياته، مناضلا وأسيرا في سجون الاحتلال ومبعدا عن فلسطين (ثم عائدا) ونقابيا وفاعلا في العمل الثقافي العام، وقبل ذلك كله وبعده خياراتِه كاتب أدبٍ، منذ بواكير تقليديةٍ كلاسيكيةٍ، مرورا باختباراتٍ جماليةٍ وبنائية، عبورا إلى ألوانٍ من السرد والقصّ، لا تزيّد في الزعم إن محمود شقير كان صانع التجديد الأبرع فيها، في متن القصة الفلسطينية، فساهم بذلك في رفد القصة القصيرة العربية بأمزجةٍ خاصة ”
في حوار له مع هيثم حسين في موقع الجزيرة بتاريخ 4 / 3 / 2016 تطرّق محمود شقير إلى مسائل عديدة وقال في خصوص رواية ” مديح لنساء العائلة ” :
” كنت مَعنياً وأنا أكتب هذه الرواية بإضاءة منطقة في التجربة الفلسطينية كانت طوال الوقت في الظل، هي حياة البدو واشتباكهم مع الحداثة والغزاة في آن واحد، وضمن هذا السياق كانت المحافظة على ذاكرة المكان واحدة من ركائز هذه الرواية، باعتبار الهيمنة على المكان تشكل جوهر الصراع مع الغزوة الصهيونية..، وأثناء ذلك، تعرضت الهوية الفلسطينية لمحاولات التبديد والتذويب، إلا أن تمسك الفلسطينيين بأرضهم، وبانتمائهم لوطنهم، أسهم في إبقاء الهوية عصية على كل المحاولات، بل إنها ازدادت غنى بالنظر إلى انفتاحها على ثقافات الشعوب من دون تعصب أو انغلاق “


ما دمنا نتطرّق إلى سيرة حياة محمود شقير..شيخ القصاصين الفلسطينيين ..فلا بدّ أن نوّشح هذه المقالة بنزر قليل من مسودّته القصصية ..، وسنكتفي بجزء من قصته “صمت النوافذ”:
” فتحت باب الغرفة، رأته ممدداً في الصالة كعادته منذ ليالٍ، من حوله كومة الصحف، وفي متناول يده المذياع. إنه يترقب أولى الإذاعات في قلق ولهفة. رمى في اتجاهها نظرة، حمّلها شحنة من عدم الاكتراث كي يقطع عليها سؤالاً ثقيلاً: ألم تنم بعد؟ فعلت ذلك في بداية الأمر عدة مرات، ثم كفّت عنه حينما انتبهت إلى أنه لا معنى لهذا السؤال.
اتجهت إلى المطبخ، فتحت صنبور المياه، سمعت فحيح الهواء، كادت تيأس لولا أن الماء اندلق من الصنبور بعد لحظة انتظار، ارتاحت نفسها، فالماء منقطع منذ أيام. هل تزفّ إليه البشرى؟ تراجعت، إذ ما قيمة ذلك؟ فهو لن يكترث، ثم إنه بالتأكيد سمع صوت الماء “


عن شعوره بالرضى عن إبداعه الأدبي طوال هذه العقود المنهكة ، يكتب: «حين أنظر إلى السنوات الطويلة التي أمضيتها في كتابة القصص والنصوص، فإنني لا أشعر بالتقصير مع ذلك، أرى من واجبي أن أنجز مزيداً من الكتابة الإبداعية بالنظر إلى ما يتهددني شخصياً ويتهدد أسرتي وأبناء شعبي، ويتهدد فلسطين بشكل عام والقدس بشكل خاص من مخاطر مبعثها العدوان الصهيوني المستمر على بلادنا وعلى أبناء شعبنا أجمعين “

أحضر له صديقان من خلف الخط الأخضر حجرا من بيت ولد فيه محمود درويش، وذلك في يوم ذكرى وفاته، وقد كتب عنه ما يلي :
” منذ شهر ونيف يقيم معنا في البيت حجر البروة الذي “وقعت سماء ما عليه وأدمته شقائق النعمان”، الحجر من بقايا البيت الذي ولد فيه درويش، وهو يقيم معنا في صمت أبلغ من كل كلام، يذكرني كل صباح بالقرية التي أنجبت شاعرا عظيما، حجر البروة يقيم معنا منذ شهر ونيف، وسيبقى معنا ما حيينا، وهو يستقر الآن في مكانه المرموق في البيت، يذكرني كل صباح بهموم الوطن الذي يتطلع إلى الحرية والاستقلال، وبمعاناة القدس التي يهددها خطر التهويد صباحا مساء..”

هذا القليل والقليل من قامة مقدسية كرّستْ ثمانين عام للكتابة والدفاع عن معاني الحياة ومن ضمنها طبعا : فلسطين ..الوطن المسلوب النازف المقاوم ..، وأرجو أن يراه حرّا وهو على قيد الحياة ..، ويكفيه فخرا أنّه أخلص وكتب عنه ونشره قصصا وروايات ومقالات في العالم الذي التفتّ إليه خاصة مع صراخ غزّة المجيدة …….

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

تركيا ومشروع “العثمانية الجديدة”

تركيا ومشروع “العثمانية الجديدة”

مقالات مشابهة

  • سياسيون لـ”الوحدة”: العدوان الصهيوني لن يخيف اليمنيين ويثنيهم عن نصرة فلسطين
  • شاهد بالفيديو.. بعد وصوله لمليون متابع.. الممثلة السودانية الحسناء “هديل” تهدي زوجها “كابوكي” المقطع الذي يحبه
  • شاهد الفيديو الذي حظي بأعلى نسبة مشاهدات وتداول.. المئات من المواطنين بمدينة أم درمان يخرجون في مسيرات لاستقبال “متحرك” للجيش على أنغام الموسيقى الصاخبة
  • مجدداً.. القوات المسلحة اليمنية تدك يافا المحتلة بصاروخ “فلسطين 2” الفرط صوتي
  • الأمم المتحدة تطلب رأي “العدل الدولية” في التزامات الكيان الصهيوني في فلسطين
  • شقير: ليشكل الميلاد ولادة لبنان الجديد
  • محافظ جدة يطلع على برامج “قمم الشبابية”
  • استشاري: “الحمام المغربي” يضر البشرة.. ويجب الابتعاد عن الصابون الذي يقتل 99% من الجراثيم
  • شقير بحث مع مجلس رجال الأعمال اللبناني الكويتي تنمية العلاقات الإقتصادية
  • تركيا ومشروع “العثمانية الجديدة”