دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تتعرض الحياة البرية لتهديد غير مسبوق من النشاط البشري، لكن، تشير الأبحاث إلى أنه مع مراعاة المكان والزمان، حتى الأنواع الحيوانية والنباتية المهددة بالانقراض قد تعود مجددًا.

وكشف تقرير صادر في عام 2022، بتكليف من منظمة "Rewilding Europe" غير الربحية، عن أن العديد من أنواع الطيور والثدييات الأوروبية كانت تتكاثر مجددًا "ما يسلط الضوء على ميل الحياة البرية إلى الانتعاش والاستعمار عندما تتاح لها الفرصة".

وفي بعض الأحيان، يمكن أن تتمثل هذه الفرصة ببساطة بمغادرة البشر لمكان ما، الأمر الذي يسمح للطبيعة بغزوه.

تا بروهم، كمبوديا بُني معبد تا بروهم، الذي كان يُعرف أساسًا باسم راجافيهارا (المعبد الملكي)، تكريمًا لعائلة الملك جيافارمان السابع.Credit: https://edition.cnn.com/travel/abandoned-places-reclaimed-by-nature-scn-spc-c2e/index.html#:~:text=Alexander%20Arndt/Alamy%20Stock%20Photo

استُخدم هذا المعبد كخلفية بفيلم "لارا كروفت: تومب رايدر" للممثلة الأمريكية أنجلينا جولي في عام 2001. يقع شرق أنغكور توم، العاصمة القديمة لإمبراطورية الخمير.

وشُيّد في أواخر القرن الثاني عشر كدير بوذي وجامعة، وكان يعيش في محيطه أكثر من 12500 شخص يخدمون المعبد، بالإضافة إلى 80 ألف آخرين في القرى المجاورة. وتم التخلي عن المعبد والمناطق الحرجية المحيطة به بعد ثلاثة قرون، عندما نقل الملك عاصمة الإمبراطورية بعيدًا عن أنغكور.

منذ ذلك الحين، تُرك المعبد ما سمح للأشجار بالنمو في جميع أنحاء المجمع، وأكثرها شهرة على "إنستغرام"، أشجار التين العملاقة، والبانيان، والكابوك، التي تغلف جذورها جدران المعبد.

هوتووان، جزيرة شينغشان، الصين تستقبل هوتووان الواقعة في جزيرة شينغشان البعيدة، آلاف الزوار سنويًا، رغم أنّ الزمن توقف فيها.Credit: Johannes Eisele/AFP/Getty Images

فاق عدد سكان قرية الصيد هذه 3 آلاف نسمة سابقًا، غير أنّ موقعها البعيد على جزيرة شينغشان التي تشكل جزءًا من أرخبيل تشوشان، صعّب إمكانية التعلّم، والعمل، والحصول على الغذاء، ذلك أن الوصول إلى البر الرئيسي يحتاج إلى السفر لأكثر من خمس ساعات.

هذا الواقع حث الناس على النزوح في تسعينيات القرن الماضي، وبحلول عام 2002، أصبحت القرية مهجورة تمامًا.

وسمح ذلك للطبيعة باستعادة الأرض، حيث غطّت النباتات المتسلّقة الخضراء كل ما خلّفه الناس.

وادي مانغابوروا، نيوزيلندا "الجسر المؤدي إلى اللا مكان" في وادي مانغابوروا.Credit: agefotostock/Alamy Stock Photo

بعد الحرب العالمية الأولى، عُرضت الأرض الواقعة بوادي مانغابوروا في الجزيرة الشمالية لنيوزيلندا على الجنود العائدين من الخدمة العسكرية. افتتحت المستوطنة في عام 1919، واستوطنها 40 جنديًا مع عائلاتهم، وسعوا لمحاولة العيش على الأرض، غير أن بعد الوادي وضعف التربة الزراعية أدّى إلى هجره بالكامل بحلول منتصف أربعينيات القرن المنصرم، ما سمح للغابة بالنمو مجددًا وعودة الحيوانات المحلية.

السفينة البخارية يونغالا، أستراليا يُعد حطام سفينة SS Yongala موطنًا لمئات أنواع الكائنات البحرية المختلفة. Credit: Blue Planet Archive/Alamy Stock Photo

بعد غرق سفينة "يونغالا SS" قبل أكثر من قرن في قاع البحر، أصبحت أكبر حطام لسفينة في أستراليا وأكثرها سلامة، نظامًا بيئيًا يوفر موطنًا لبعض أروع الكائنات في المحيط.

في عام 1911، قبل عام واحد من إبحار سفينة "تايتانيك"، أغرق إعصار ياسي السفينة في المنتزه البحري للحاجز المرجاني العظيم، ما تسبّب بفقدان جميع الركاب وأفراد الطاقم البالغ عددهم 122 شخصًا في البحر. لقد كانت واحدة من أكثر الكوارث البحرية مأساوية بتاريخ أستراليا، وبعد البحث الأولي الذي دام سبعة أيام تبيّن أنها فارغة. ولم تُكتشف السفينة حتى تم التعرف عليها في عام 1958.

يبلغ طول بقايا الحطام 109 أمتار، ويغطيها السجاد المرجاني ذات الألوان الزاهية، وتشكل موطنًا لمئات الأنواع المختلفة، من السلاحف ضخمة الرأس، والشفنينيات الرخامية، وأسماك القرش الثور، وثعابين موراي.

إلها دا كويمادا غراندي، البرازيل جزيرة كويمادا غراندي، المعروفة أيضًا باسم جزيرة الثعبان، هي موطن لثعبان Golden Lancehead شديد السمية، وهو نوع من أفعى الحفرة التي تطورت لتصبح أقصر وأكثر رشاقة من نظيراتها في البر الرئيسي.Credit: Leo Francini/Alamy Stock Photo

تقع قبالة ساحل ساو باولو في جنوب شرق البرازيل، وهي جزيرة تحيط بها المنحدرات وتغطيها الغابات الاستوائية المنخفضة والمراعي. لكن إذا كنت تعتقد أنها وجهة مثالية لقضاء العطلات، فقد تغير الحياة البرية المحلية رأيك.

ورغم صغر حجمها، إلا أن إلها دا كويمادا غراندي تُعتبر موطن أكبر عدد من الثعابين الذهبية في العالم التي يقدر عددها بحوالي 2000، ما أكسبها لقب جزيرة الثعابين. وبصرف النظر عن الثعابين، تشمل حيوانات الجزيرة الخفافيش، والسحالي، ونوعين من طيور الجواثم المقيمة (طائرا النمنمة والموز)، بالإضافة إلى العديد من الطيور المهاجرة والطيور البحرية، مثل طائر الأطيش البني الذي يزور الجزيرة.

وقال مارسيو مارتينز، أستاذ علم البيئة بجامعة ساو باولو، لـCNN إن الجزيرة كانت ذات يوم جزءًا من الجرف القاري البرازيلي، لكن انخفاض منسوب سطح البحر وارتفاعه تسبب بعزلها تمامًا بمياه البحر منذ حوالي 11000 عام.

المنطقة منزوعة السلاح في كوريا وقد سمح عدم التدخل البشري للحيوانات، ضمنًا ثعالب الماء والسحالي والغزلان، بالتكاثر في المنطقة المجردة من السلاح.Credit: Google Arts & Culture

بعد مرور 70 عاماً على نهاية الحرب الكورية، ظلّت المنطقة منزوعة السلاح التي يبلغ طولها 160 ميلاً (257 كيلومتراً)، وتفصل بين كوريا الشمالية والجنوبية، منطقة محظورة.

كانت هذه المنطقة ذات يوم مركزًا للصراع، ولا تزال القرى السابقة موجودة والمعدات العسكرية، وقد سمح عدم التدخل البشري للأرض بأن تصبح ببطء ملاذاً للحياة البرية.

تُعد المنطقة الآن موطنًا مزدهرًا لأكثر من 6000 نوع من النباتات والحيوانات. وبين 267 نوعًا مهددًا بالانقراض في كوريا، يعيش 38% منها في المنطقة المجردة من السلاح، وفقًا لما ذكره المعهد الوطني للبيئة. وتشمل، السحلية المنغولية التي تعيش على ضفاف الرمال وتحت الصخور، وثعالب الماء التي تسبح على طول النهر الذي يمتد بين كوريا الشمالية والجنوبية، وغزال المسك المهدد بالانقراض، وأسماك السلمون المرقط المنشوري.

قرية المدام، الإمارات العربية المتحدة أصبحت منازل قرية المدام مهجورة بالكامل.. ما سمح لرمال الصحراء بابتلاعها.Credit: Giuseppe Cacace/AFP/Getty Images

عندما تتخيل أن الطبيعة تسيطر عليك، فيحتمل أن يتبادر إلى ذهنك اللون الأخضر. لكن في قرية المدام تتبدّى لك الطبيعة باللون الأصفر.

تبعد قرية المدام 70 كيلومترًا (43 ميلًا) عن مدينة دبي في دولة الإمارات، وهي عبارة عن "مدينة أشباح صغيرة" أصبحت في السنوات الأخيرة منطقة جذب سياحي.

تتميز القرية بصفين من المنازل المفروشة، ومسجد أنيق، ويبدو أنّ الناس تخلّوا عنها على عجل، وخلفوا مستوطنات تستعيدها الصحراء الآن.

ليس هناك من إجابة محدّدة حول سبب هجر القرية، لكنّ يشير الباحثون إلى ظهور مدن مثل دبي والشارقة، حيث ذهب الناس بحثًا عن فرص أفضل وظروف معيشية أسهل.

ستاك روك فورت، ويلز، المملكة المتحدة بُني حصن Stack Rock Fort قبل أكثر من 150 عامًا، ويُعد الآن موطنًا للطيور البحرية والفقمات.Credit: Graham Harries/Shutterstock

تقع قبالة ساحل بيمبروكشاير، غرب ويلز، وهي عبارة عن كبسولة زمنية على شكل حصن شُيّد على جزيرة، وهُجر منذ فترة طويلة.

بُني حصن "Stack Rock Fort" في خمسينيات القرن التاسع عشر للحماية من الغزو البحري. لكن استخدامه تراجع على مرّ السنين. 

منذ ما يقرب من 100 عام، تم استصلاح الحصن ببطء من قبل النباتات والحيوانات.

وقال نيكولاس مولر، الوصي الجديد على القلعة، ومدير شركة "Anoniiem" ذات المصلحة المجتمعية، التي اشترت الحصن وتخطط للحفاظ عليه لـCNN، إن نباتات البندق تنمو هناك، كما أن الطيور البحرية شائعة أيضًا، بينها ثلاثة أنواع من النوارس في الحد الأدنى، يتراوح عددها بين 300 و500.

وقال مولر إن طيور الغاق السوداء الكبيرة استعمرت الحصن، وغالبًا، يمكن رؤيتها وهي تجلس بأجنحتها الممتدة.

أسترالياالبرازيلالصينالمملكة المتحدةكوريا الجنوبيةكوريا الشماليةنيوزيلندارحلاتكمبوديانشر الثلاثاء، 28 نوفمبر / تشرين الثاني 2023تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتكوبونز CNN بالعربيةCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2023 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: المملكة المتحدة رحلات كمبوديا أکثر من موطن ا فی عام

إقرأ أيضاً:

لا حدود لمملكة الشرّ.. اغتصاب الكلاب في سجون الذئاب! (قصة قصيرة من وحي السجون)

كلّما تعرّضت مع إخواني في السجون لتنكيل من لون جديد، كان يدور في خلدي أنّه سيأتي يوم ويُفرج عنّي وأكتب للناس عن هذا التنكيل، حيث أزعم أنّي أملك قلما يستطيع بقدراته الأدبيّة المتواضعة أن يصوّر المشهد.. الناس في الخارج يسارع أحدهم إلى هاتفه الذكيّ ذي الكاميرات المتطوّرة، يمتشقه ويصوّبه تجاه المشهد ليكون التصوير صوتا وصورة وبأبعاده الثلاثية والرباعية جاهزا للبثّ خلال ثوان معدودة، لكن في السجن لا أملك سوى كاميرا القلم لتصوّر المشهد ما استطعت لذلك سبيلا.

ولكنّي وجدت نفسي أمام مشهد ارتعبت له كاميرا هذا القلم، أحجمتْ ورجعت للخلف بدل أن تُقدم كعادتها، تلكّأتْ وتلعثمت، بل ولّت هاربة دون أن تعقّب، قلت لها:

- أقبلي ولا تخافي، لم أعهدك جبانة ولا عاجزة ولا خوّارة.

- قالت: لست خائفة ولا جبانة، إنه الحياء والخشية من المساس بحرمة بواسل هذا الشعب والذين دوما يشكّلون عنفوانه وروحه العالية وطلائعه العظيمة الرائدة.

قلت لها مشجّعا:

- لقد صوّرت أيتها الكاميرا الفذّة لهذا القلم المتواضع الجميل كثيرا من الصور، برعت في مواطن كثيرة وعلى أوقات مديدة من عمر هذه الفترة الشديدة القاسية، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر (حيث فتح المحتلّ على الشعب الفلسطيني كلّ الجبهات وكان أشدها جبهتين: جبهة غزّة وجبهة السجون) وأنت تصوّرين من فظائع ما يجري في سجونهم السوداء.

لقد صوّرت أيتها الكاميرا ذات الرأس المدبّب المزروع في مقدّمة قلم الرصاص الأسرى وهم يُسامون سوء العذاب:

- صوّرت وكائنات القمع المتوحّشة تقتحم أسرابها القسم بحقد أسود وروح انتقامية لم يعرف البشر لها مثيلا، ذئاب بشرية مفترسة تتقدّمها كلاب متوحّشة، تبدأ الحفلة بموسيقى صاخبة مثل ما تفعل القبائل المتوحّشة من آكلي لحوم البشر فيضربون الطبل لتنتشي رؤوسهم وتثمل برائحة دماء الضحيّة، يصبّون جام غضب جرار الغاز لتملأ الزنازين بسحب الموت، ثم يطلقون الرصاص المطّاطي على أجساد أنهكها الغاز، ثم يكبّلون ويسحلون ثم يُفعّلون شتى أنواع العصيّ: الحديدية والكهربائية، لتجعل من أجساد الاسرى مساحة للسحق والطحن والتكسير المريع.

- صوّرت أيتها الكاميرا الرصاصية الصغيرة وهم يضربون ثائر أبو عصب بعصيّهم السوداء الغليظة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة نفسا نفسا، ومع كلّ نفس ترسل عيناه الجميلتان عشقا وأملا وقُبلة لكل أحبابه الذين ينتظرون حريّته على أحرّ من الجمر، التقطت عيون الكاميرا بريق عينيه ولسانه يعزف لحن الشهادة ويطلق لها العنان.

- صوّرت أيتها الكاميرا لحظات عمر ضراغمة الأخيرة وروحه تتفلّت من بين جنبيه، وعيون الممرّض الشامت يمنع عنه دواءه، قُتل عمدا مع سبق الإصرار ولم يعد مجرّد إهمال طبيّ، بل هو أن يتجرّع المريض كأس الموت الزؤام قطرة قطرة دون أن يرفّ لسجّانه اللئيم أيّ جفن.

- صوّرت الأسير المفكّر وليد دقّة في لحظاته الأخيرة بعد أن نهش السجن والسرطان والحقد وروح الانتقام الشريرة لأسوأ البشر؛ جسده المنهك وبعد أن وصلت عنصريتهم أبعد مدى لها على مدار ثمان وثلاثين سنة من السجن، وأبت أن يختم حياته بملامسة أنامل طفلته أو أن يطبع على جبينها قبلة. نجحت أيتها الكاميرا بالتقاط بارقة أمل سريعة تسع الدنيا والمستقبل المشرق لهذه القضية التي قضى نحبه خادما أمينا لها.

- وصوّرت الكاميرا الأسيرات وذهبت إلى أبعد نقطة لا تتخيّلها عقول صانعة أفلام الرعب والإجرام، ومع هذا لم تستطع بعد تصوير آلام أمّ حذيفة جرّار التي قطعت قدميها وهي في بوسطة الاعتقال وما رأت من حجم الألم لهذه المرأة في غرفة عمليّاتهم؛ تُبتر القدمان بينما اليدان مكبّلتان بسرير العمليّات الجراحيّة وأسلحة السجّان مصوّبة على رأسها، يخافون منها ويغلقون منافذ الهرب رغم أنّهم أمام امرأة أضحت بسببهم بلا قدمين.

- وتجرأت هذه الكاميرا على التقاط مشهد الاغتصاب لأسيرتين، تردّدتْ كثيرا ولكنّها حسمت الأمر على تصوير المشهد بعيدا عن تفاصيله التي لا تطيقها قلوب الأحياء من البشر، نعم الأحياء لأن هناك بشرا ماتت قلوبهم ويمرّون على مثل هذه الصور مرور اللئام، دون أيّ اعتبار أو كلام لأنّ هذه المغتصبة من وطن اغتصبه شرّ خلق الله.

ولكنّك أيتها الكاميرا الصغيرة تحجمين هذه المرّة ولا تطلقين لحريّتك العنان، رغم أنّك حرّة لقلم حرّ، ما لك وما الذي جرى لهمّتك العالية وإرادتك الصّادقة؟

قالت الكاميرا بحزن وألم:

- أرجو أن تعفيني فالأمر صعب ومآلاته مريعة وعواقبه وخيمة، أنا أمام مشهد ترتجف له الكاميرا وتكلّ عن إرسال ضوئها وترجع البصر مرّات كثيرة، أتُفصح عمّا رأت وفي ذلك ضرر وصاعقة وقنبلة، كي لا تخدش حياء خير من عرفهم البشر. ولكن في المقابل، هذا المجرم الذي أوصله خياله المريض المتوحّش الذي سيطرت عليه كلّ مشاعر الشّذوذ التي عرفها ولم يعرفها البشر، أيجوز أن نتستّر على جرائمه بحجة أن لا نسيء إلى الضحيّة؟ وهل هذا بالفعل يسيء إليها أم أنّها هي الشاهدة والشهيدة، وهي الحجة الدامغة على من أعادوا الهولوكوست من جديد وأخرجوا للناس نسخة متطوّرة؟ لا عليكِ أيتها الكاميرا، صوّري وافضحي هذا القاع الانحطاطي الذي لم يصل إليه أحد.

- حسنا، إذا فإليكِ هذه الصورة بكل دقّة وبعيدا عن أيّ خيال لن يصل اليه كاتب لأن خيالهم الاجرامي لا يصل إليه أحد وسترى وتحكم.

نعقت سمّاعة القسم وزعقت بتشفّ مقيت وسخرية عالية:

- يا حيوانات، يا مساجين، يا حشرات يا صراصير، لقد قرّرت فرقة "كتر" أن تدعوكم لحضور فيلم ممتع وفي غاية الروعة، انظروا إلى الساحة، لقد بدأ الفيلم.. فُتح باب الساحة التي تحتضن اثنتي عشرة زنزانة على طابقين، كل ست منها في طابق. تجمهر الأسرى على البوّابات والنافذة التي تقف على يسار الباب، دفعت مجموعة من تلك الذئاب المسلّحة بكلّ أدوات القمع، كانوا قرابة العشرين يدفعون أمامهم أسيرا عاريا من كلّ شيء سوى عصبة تشدّ وثاقها على عينيه، وقيد يربط بين معصمي يديه وثان في قدمي رجليه، وثالث يربط ما بين القيدين. عرفه الأسرى وتهامسوا باسمه، كان من الأسرى القدامى الذين تجاوزا الثلاثين سنة في سجنهم والستين من عمرهم. بدا عليه الإنهاك وأخذ الألم كلّ صوره فرسم على وجهه أسوأ صورة للبؤس والشقاء لا يمكن أن يتخيّلها من يتقنون فنّ الخيال، سوى بريق في عينيه ساطع خارق واضح من معين تاريخ كان فيه بطلا أوجع عدوّه كثيرا وهو في ميدان فروسيّة الرجال، بينما هم هنا في ميدان الأسر يظهرون فروسيّتهم الشوهاء الجبانة على أسير مقيّد في ساحة أسر لا في ساحة الفرسان.

تقدّم أحدهم ففكّ العصبة عن عينيه، ثم تقدّم آخر مع كلب ضخم من كلابهم المدرّبة على شذوذهم الأفّاك، أطلق الحبل ليهجم الكلب بدوره في مسرحية تبادلت أدوارها ذئاب بشرية شاذة وكلاب مدرّبة على هذا الشذوذ، قفز الكلب على جسد الأسير المكبّل ليمارس ساديّة أسياده وليصنعوا مشهدا هوليوديّا جنسيّا تعجز عنه هذه الهوليود لو أرادت إخراج هذا المشهد الفظيع الشاذّ. حاول فارسنا دفع هذا الكلب الهائج بكل ما لديه من قوّة، رفع الأسرى عقيرتهم بكلّ قوة، ارتعد لها المكان بصيحات الله أكبر. يعرفون من سابق ما جرى ثمن هذا التكبير، أسوأ أشكال التنكيل والتكسير بانتظارهم ومع هذا علت صيحات التكبير.

وبدأت الحفلة الجماعية على موسيقى الرخّ النازية بنكهة صهيونية عتيدة، كالمعتاد هذه الأيام: هجمت عليهم عشرات الذئاب، تبدأ بضخ الغاز القاتل لتملأ بسحبها السوداء الزنازين ثم تكبيل الأسرى من تحت ركام سحب الغاز وسحلهم إلى الساحة، ثم تلعب العصيّ الحديدية على رؤوسهم وعظامهم ثم ّتطوف عليهم الكلاب بوجوهها التي تلبس الشبك الحديدي ومخالبها القاتلة، ثم يعادون إلى زنازينهم وهم على شفا الموت، لا يفصل بين موتهم وحياتهم إلا خيط رفيع يكاد أن يقطع في أية لحظة ولا يحسبون لذلك أيّ حساب. يخرجون من الحفلة وقد ضُربت كل مساحات الألم في نفوسهم وأجسادهم سوى بريق عيون تسكنها الإرادة الحرّة والأمل بالتحرير والخلاص من أسوأ شرذمة عرفتها البشريّة.

وتساءل القلم بعد أن رسم ما رسم:

- هل هناك كاميرا قد تصل إلى حدود مملكة الشرّ في هذه الصهيونازيّة العتيدة؟!

مقالات مشابهة

  • «بأرخص الأسعار».. 4 أماكن لشراء ديكورات المنزل في القاهرة
  • روسيا تمارس ضغوطا على أمريكا في أربعة أماكن حول العالم
  • ماذا وجد مصور داخل قرية مهجورة في السعودية؟
  • لا حدود لمملكة الشرّ.. اغتصاب الكلاب في سجون الذئاب! (قصة قصيرة من وحي السجون)
  • «أرواحٌ ملتهبة».. مقاربة سينمائية للنار والماء والأسطورة
  • العثور على أكثر من 200 مليون طن متري من المعادن النادرة في جزيرة نائية في اليابان
  • لأول مرة في العالم.. دولة أوروبية تعلن تطعيم البشر ضد إنفلونزا الطيور
  • تعرف على أول منصة في العالم تربط بين البشر والذكاء الاصطناعي
  • تعرف إلى أول منصة في العالم تربط بين البشر والذكاء الاصطناعي
  • سالم الصوافي: طبيعة الإمارات ملهمة لعدسات المصورين