لماذا أعلنت الولايات المتحدة الحرب على غزة؟
تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT
بدا التدخل الأمريكي في الحرب الإسرائيلية على غزّة غريبا، ليس من حيث التدخل نفسه، ولكن من حيث درجته ومستواه الذي بلغ حد الانخراط المباشر، الأمر الذي جعل السؤال أكثر إلحاحا عن دوافع هذه الإدارة التي سحبت القوات الأمريكية من أفغانستان، والتي تُعدّ استمرارا لإدارة أوباما التي يُفترَض أنها امتلكت رؤية تصحيحية للأخطاء الكارثية لإدارة بوش، وتُضاف إلى ذلك التحديات الاستراتيجية التي تواجه مصالح الولايات المتحدة في العالم، بحيث يصير الدعم اللامحدود لعدوان الإبادة الإسرائيلي على غزة متعارضا بدرجة ما مع ضرورات تلك التحدّيات ومتطلباتها.
ينتمي هذا التحليل، الذي يستهجن هذا القدر من الانغماس المباشر في الحرب الإسرائيلية، للنظرية الواقعية التي روّج لها بإلحاح أمثال جون ميرشايمر وستيفين والت، وهما اللذان ألّفا كتاب "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية" (THE ISRAEL LOBBY AND U.S. FOREIGN POLICY). فقد عارض ميرشايمر الحرب على العراق، وحذر من الصدام مع روسيا من خلال أوكرانيا وانتقد باستمرار الدعم الأمريكي شبه المطلق لـ"إسرائيل"، وذلك باختصار لأنّ هذه السياسات تناقض المصالح الأمنية للولايات المتحدة الأمريكية بتعظيم المخاطر وتكثير الأعداء، وبكلمة أخرى تتعارض سياسات الولايات المتحدة مع متطلّبات الأمن والبقاء.
بقطع النظر عن أي اعتبارات أيديولوجية، متصلة برؤية الذات البيضاء الواحدة، أو بالجذور الثقافية والدينية، أو بالمسار الاستعماري التاريخي الغربي، فإنّه يمكن القول إنّ الهرم الإمبراطوري لا بدّ له من مركز، ثمّ تراتبية تالية في المركز، بحيث لا تتساوى دول من مثل اليابان وكوريا الجنوبية بدول من مثل أستراليا وبريطانيا و"إسرائيل" بل تأتي في مرتبة تالية بعدها، ومن ثمّ فإنّ دولا دون اليابان وكوريا الجنوبية، مهما ارتبطت بمصالح عميقة مع الولايات المتحدة، كدول الخليج العربي مثلا أو مصر، فإنها بالضرورة دون "إسرائيل" في مراتب الهرم الإمبراطوري
يُقدّم كلينتون فريندايز، ضابط الاستخبارات الأسترالي السابق، والذي يعمل حاليا أستاذا للدراسات الدولية والسياسية في جامعة نيو ساوث ويلز؛ أطروحة مختلفة لتفسير سياسات الولايات المتحدة وحلفائها، في كتابه "القوّة الإمبراطورية الفرعية: أستراليا على الساحة الدولية" (Sub-imperial Power: Australia in the International Arena)، تقوم على كون الدول الأكثر قربا من مركز السياسة الأمريكية في العالم، كالمملكة المتحدة وأستراليا وكندا و"إسرائيل"، امتدادات بالوكالة للمركز الإمبراطوري، أو قوى فرعية للإمبراطورية، لديها مساحة فعل وهيمنة واسعة في مجالها الحيوي. فمثلا إذا كنّا نتحدث عن "إسرائيل"، فهي جزء من الإمبراطورية الأمريكية، وهي بهذا الاعتبار ليست دولة عميلة، بقدر ما هي وكيل إمبراطوري بصلاحيات واسعة في مجال حيوي ضخم، هو، والحالة هذه، المنطقة المسماة في الخطاب الاستعماري الغربي "الشرق الأوسط"، وبهذا فإنّ الاستفادة متبادلة، من جهة تحفظ فيها الإمبراطورية هيمنتها في هذا المجال الحيوي، ومن جهة أخرى يُعظّم فيها الوكيل الإمبراطوري ("إسرائيل" في هذه الحالة) مكاسبه من المركز الإمبراطوري.
قد يُقال، إنّ هذا التخادم يصلح لتفسير علاقات التابع المحض، أو العميل المطلق، لأي مركز قوّة آخر، فما الذي يجعل علاقة الولايات المتحدة مختلفة مع هذه الدول دون غيرها؟
بقطع النظر عن أي اعتبارات أيديولوجية، متصلة برؤية الذات البيضاء الواحدة، أو بالجذور الثقافية والدينية، أو بالمسار الاستعماري التاريخي الغربي، فإنّه يمكن القول إنّ الهرم الإمبراطوري لا بدّ له من مركز، ثمّ تراتبية تالية في المركز، بحيث لا تتساوى دول من مثل اليابان وكوريا الجنوبية بدول من مثل أستراليا وبريطانيا و"إسرائيل" بل تأتي في مرتبة تالية بعدها، ومن ثمّ فإنّ دولا دون اليابان وكوريا الجنوبية، مهما ارتبطت بمصالح عميقة مع الولايات المتحدة، كدول الخليج العربي مثلا أو مصر، فإنها بالضرورة دون "إسرائيل" في مراتب الهرم الإمبراطوري. وهذا الفارق في الرتبة، هو الفرق بين الوكيل الإمبراطوري (أو القوة الإمبراطورية الفرعية) وبين التابع المطلق، بحيث لا بدّ من ضمان هيمنة الوكيل الإمبراطوري على مجاله الحيوي، بضمان تفوقه.
وهذا، على أية حال، فيما تعلّق بـ"إسرائيل" مُعلن في الخطابين الأمريكي والإسرائيلي تجاه سياسات التسلّح في المنطقة، إذ إنّ شرطها الجوهري هو عدم الإخلال بالتوازن، الذي يُقصد به التميز العسكري النوعي لـ"إسرائيل"، ولم يكن التلكؤ الأمريكي الواضح في إنفاذ صفقة طائرات F35 مع الإمارات إلا في هذا السياق، مما يعني أنه لا يمكن استنساخ "إسرائيل" أخرى من خلال وكيل إمبراطوري إضافي في المجال الحيوي نفسه، فكلّ وكيل جديد في المجال نفسه هو في مرتبة دنيا من "إسرائيل"، وهذا في جانب ما يُفسّر الحالة العربية المزرية إزاء العدوان الإسرائيلي على غزّة، لأنّ الأمر هو محض مراتب، بين تابع ووكيل إمبراطوري.
الدول التابعة، والتي هي في الرتبة دون الوكيل الإمبراطوري؛ قد تحظى بحماية المركز الإمبراطوري، لكنها دائما في موضع الاستغلال والابتزاز، والفائدة المرجوّة من تبعيتها للمركز الإمبراطوري مقتصرة على نخبها الحاكمة، بينما تدفع الثمن من مجتمعاتها وعلى حساب استقلالها في تطوير سياسات خاصة ببلادها وتنمية مواردها. وفي المنطقة العربية؛ لا بدّ وأن يُدفع الثمن أيضا من الكيس الفلسطيني
فالدول التابعة، والتي هي في الرتبة دون الوكيل الإمبراطوري؛ قد تحظى بحماية المركز الإمبراطوري، لكنها دائما في موضع الاستغلال والابتزاز، والفائدة المرجوّة من تبعيتها للمركز الإمبراطوري مقتصرة على نخبها الحاكمة، بينما تدفع الثمن من مجتمعاتها وعلى حساب استقلالها في تطوير سياسات خاصة ببلادها وتنمية مواردها. وفي المنطقة العربية؛ لا بدّ وأن يُدفع الثمن أيضا من الكيس الفلسطيني، ومن ثمّ فأحسن تفسير لسياسات الدول العربية بخصوص فلسطين؛ هو موقعها من هذا الهرم الإمبراطوري الذي تأتي فيه في آخر الذيل، وفي مرتبة تابعة للوكيل الإمبراطوري، والذي هو، وللمفارقة، عدوّ الأمّة!
يبقى لماذا تغامر الإمبراطورية بأمنها لصالح سياسات الهيمنة؟ والجواب المباشر لأنّها إمبراطورية، ثمّ وفي الحالة الأمريكية، ينبغي النظر في المكون الاقتصادي والاجتماعي الذي يرفع بدوره النخب السياسية، إذ سوف يتضح تماما أن الثروات في الولايات المتحدة مركّزة في يد أقلية صغيرة للغاية، فبحسب تقرير نشرته في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر إدارة أبحاث "ستاتيستا" (وهي شركة ألمانية متخصصة في بيانات السوق والمستهلكين)، فإن 69 في المئة من إجمالي الثروة في الولايات المتحدة في الربع الثاني من العام 2023 مملوك لأعلى 10 في المئة من أصحاب الدخل، وفي المقابل فإنّ أقلّ 50 في المئة من أصحاب الدخل يملكون فقط 2.5 في المئة من إجمالي الثروة.
إنّ هذه النخبة الاقتصادية تدفع الإمبراطورية لتكريس سياسات الهيمنة على حساب سياسات الأمن التي تقتضيها النظرية الواقعية، وهو ما يميّز مراكمة القوّة لأجل الأمن كما تفعل الصين، ومراكمتها لأجل هيمنة النخب الاقتصادية العليا كما تفعل الولايات المتحدة، وإذا أخذنا بعين الاعتبار التأثير السيكولوجي للثراء الفاحش والشعور الرهيب بالتفوق، فإنّ العجرفة هي السمة الأساسية في تأثير النخبة الاقتصادية على الطبقة السياسية، وبعد ذلك السمة الأساسية للسياسات الإمبراطورية الخارجية.
وإذا كان ذلك يستدعي التذكير بكون "شركة الهند الشرقية" هي التي بدأت في نهب ثروات الهند لتستدعي تاليا القوّة الإمبراطورية البريطانية لإخماد التمرد حماية لسياسات نهب الثروات تلك، فربما لا تجوز الغفلة عن كون وزير الدفاع الأمريكي الحالي لويد أوستن؛ بعد تقاعده من منصبه قائدا للقيادة المركزية الأمريكية؛ انضمّ إلى مجلس إدارة شركة RTX (Raytheon Technologies سابقا)، وهي واحدة من أكبر شركات الطيران والفضاء والدفاع وتقديم الخدمات الاستخباراتية في العالم من حيث الإيرادات والقيمة السوقية، وتحصل على الجزء الأكبر من إيراداتها من الحكومة الأمريكية. وهو ما يعني أنّ وزير الدفاع الحالي هو أحد ممثلي المجمع الصناعي العسكري في قلب الحكومة الأمريكية (في تقرير لها نشرته في تموز/ يوليو 2020 قالت الشركة إن لديها تراكما من الطلبات المعلّقة مع الحكومة الأمريكية بلغ 73 مليار دولار!)، وقد جمع أوستن إلى ذلك شراكته في شركة استثمارية تتعاقد مع المورّدين العسكريين، وحظي بإدارة شركات في قطاعات خاصّة أخرى.
ولم يكن أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي الحالي، بعيدا عن هذا النوع من الأعمال في القطاع الخاصّ، وهو ما يوفّر الفرصة المناسبة لتخيّل حجم التأثير على رئيس ثمّة تشكيك دائم، ويبدو محقّا، في قدراته الذهنية!
يمكن تلخيص ذلك بأنّ "إسرائيل" وكيل إمبراطوري لديه مكانة خاصة لدى المركز الإمبراطوري. هذا الوكيل تعرّض لضربة هزّت توازنه بما استدعى تدخل المركز مباشرة، وذلك في حين أنّ المجمع الصناعي العسكري سيكون مهتمّا ببيع أسلحته لـ"إسرائيل" بواسطة تمويل الحكومة الأمريكية، وكذلك تجريب هذه الأسلحة وآخر تقنياتها على لحم الفلسطينيين الحيّ، لكن لا ينبغي في ختام هذه الرؤية، أن نغفل عن كون الهيبة الإمبراطورية لم يكن لها إلا أن تنتفض بهذا النحو الهائج بعد ضربة حماس لـ"إسرائيل"، بعدما تهشّمت الهيبة الإمبراطورية بانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان على يد هذه الإدارة نفسها، وتعثرها في مواجهة روسيا في الحرب الأوكرانية.
يكن تدخل المركز إسنادا للوكيل الإمبراطوري المترنح فحسب، ولكن أيضا دفاعا عن الهيبة الآخذة في التآكل، ويمكن الاستعانة بمقولة للمتحدث باسم وزارة الدفاع الوطني الصينية ووتشيان، تلخّص ذلك كلّه، إذ يقول: "الولايات المتحدة مدمنة على الحرب"
في سياق الهيبة، تحدث رأس الإمبراطورية بايدن؛ عن كون ضربة حماس استهدفت درة تاج المشروع التطبيعي الممثل في الصفقة السعودية/ الإسرائيلية بتدبير من المركز الإمبراطوري، أي تطبيع وظيفة الوكيل الإمبراطوري الذي يتسم بطبيعة خاصة من جهة افتقاده للكيانية الطبيعية في بيئة معادية، واستهدفت (أي ضربة حماس) بحسب بايدن؛ مشروع الخط التجاري الذي يبدأ بالهند ويمرّ بالإمارات والسعودية والأردن وينتهي برّيّا بالوكيل الإمبراطوري "إسرائيل" قبل أن تنطلق السفن من موانئه إلى أوروبا، وقد صار من نافلة القول إنّه مشروع أمريكي، يضمّ في جملة أهدافه حصار الصين اقتصاديّا وجيوسياسيّا، وتثبيت الهيمنة الأمريكية في "الشرق الأوسط" من خلال الوكيل الإمبراطوري "إسرائيل"، في بيئة أكثر قبولا وتبعية لهذا الوكيل من قبل، وبنحو يؤبّد هذه التبعية، وبما يقتضي تصفية القضية الفلسطينية.
بدرجة ما، لم يكن تدخل المركز إسنادا للوكيل الإمبراطوري المترنح فحسب، ولكن أيضا دفاعا عن الهيبة الآخذة في التآكل، ويمكن الاستعانة بمقولة للمتحدث باسم وزارة الدفاع الوطني الصينية ووتشيان، تلخّص ذلك كلّه، إذ يقول: "الولايات المتحدة مدمنة على الحرب".
twitter.com/sariorabi
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلية الدعم غزة حماس إسرائيل امريكا حماس غزة دعم مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الیابان وکوریا الجنوبیة الحکومة الأمریکیة الولایات المتحدة ة الإمبراطوریة فی المئة فی مرتبة الذی ی من مثل
إقرأ أيضاً:
لماذا زجّ ترامب بالصومال في حديثه عن جماعة الحوثي؟
أصدر الرئيس الأمريكي تحذيراً جديداً "صارماً" لجماعة الحوثيين في اليمن، وفق وصف وسائل الإعلام الأمريكية، وذلك بعدما كتب منشوراً عبر موقع تروث سوشال مساء الأحد، قال فيه "سندعم الشعب الصومالي، الذي يجب ألا يسمح للحوثيين بالتغلغل بينهم، وهو ما يحاول الحوثيون فعله، سنعمل للقضاء على الإرهاب وتحقيق الرخاء لبلادهم (للصومال)".
وأرفق ترامب مقطع فيديو لضربة جوية أمريكية على مجموعة من الأشخاص على الأرض، دون أن يوضح موقع الضربة ومن المستهدف منها، لكن موقع فوكس نيوز الأمريكي قال إن مقطع الفيديو يعود لضربات أمريكية سابقة على جماعة الحوثي.
وأعلنت واشنطن في 15 مارس/آذار عملية عسكرية ضد الحوثيين من أجل وقف هجماتهم على السفن في البحر الأحمر، التي تقول عنها الجماعة إنها تأتي دعماً للفلسطينيين خلال الحرب الدائرة في غزة.
بدا حديث ترامب مساء الأحد بالتزامن مع الغارات الأمريكية على اليمن لافتاً، حول العلاقة التي تربط الصومال بما يجري في اليمن، وما السبب من تلك الدعوة الموجهة للصوماليين بالحذر من الحوثيين؟
ما علاقة الصومال؟
تقع الصومال على الجانب الآخر من خليج عدن قبالة اليمن، ما يجعل البلاد تحظى بموقع هام للولايات المتحدة التي صعّدت إدارتها الحملة عسكرية ضد جماعة الحوثي.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير قبل أيام قليلة عن قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا قوله "إن الجيش يرصد مؤشرات على تواطؤ بين حركة الشباب الصومالية وجماعة الحوثي"، وفق شهادة أدلى بها أمام الكونغرس الأمريكي الأسبوع الماضي.
تأتي تلك الشهادة متطابقة مع ما نشرته شبكة سي إن إن الأمريكية في تقرير خاص عام 2024، من أن المخابرات الأمريكية علمت بوجود مناقشات بين جماعة الحوثي وحركة الشباب الصومالية، من أجل توفير أسلحة لهم، ما وصفه ثلاثة مسؤولين أمريكيين للشبكة بأنه تطور مثير للقلق ويهدد الاستقرار في المنطقة.
وقالت سي إن إن حينها، إن المعلومات الاستخبارية تثير القلق لأن "زواج المصلحة هذا قد يجعل الأمور أسوأ في كل من الصومال والبحر الأحمر وخليج عدن" حيث تشن جماعة الحوثي هجماتها على سفن وأصول أمريكية في المنطقة، منذ بدء حرب غزة، وفق ما نقلت الشبكة.
ولم يصدر عن جماعة الحوثي أي مواقف أو بيانات بخصوص حركة الشباب الصومالية، الجماعة الإسلامية المتشددة من ضمن الجماعات المسلحة التي تقاتل في الصومال، ويعتقد أن لها علاقة بتنظيم القاعدة.
موقع جغرافي وخطابات ودية
لكنْ بعيداً عن حركة الشباب الصومالية، فهناك أيضاً الموقع الجغرافي للصومال، الذي يقع على الساحل الشرقي لقارة أفريقيا، وهو جزء مما يُعرف بالقرن الأفريقي، يحدّه من الشمال خليج عدن اليمني وجيبوتي، ومن الغرب إثيوبيا، والمحيط الهندي شرقاً، وكينيا جنوباً.
وبين الصومال واليمن ممرٌ مائي لطالما قطعه اللاجئون اليمنيون والصوماليون بزوارقهم خلال رحلات لجوئهم من اليمن للصومال وبالعكس.
تقول صحيفة نيويورك تايمز حول هذا الموقع في تقريرها الذي نشر مؤخراً :" للولايات المتحدة حالياً قاعدة في جيبوتي المجاورة، إلى جانب عمليات عسكرية صينية وأوروبية".
تنقل الصحيفة عن مسؤولين في أرض الصومال قولهم "إن أرض الصومال ستكون خياراً أقل ازدحاماً لمراقبة الممر المائي وشن ضربات محتملة ضد أهداف الحوثيين في اليمن".
في داخل الصومال، تقع جمهورية أرض الصومال الانفصالية، وهي الجزء الشمالي الذي كان خاضعاً للاستعمار البريطاني سابقاً، وأعلن الاستقلال عن الصومال من جانب واحد، لتنشأ جمهورية "صوماليلاند" أو أرض الصومال. ولم تحظَ الجمهورية باعتراف أي دولة أو منظمة دولية، لكنها تقع على الساحل الجنوبي لخليج عدن.
وفق صحف عالمية، فإن ممثلين عن الصومال وعن أرض الصومال أرسلوا رسائل إلى ترامب خلال الفترة الماضية، يعرضون عليه فرصاً للاستثمار العسكري والاستراتيجي مقابل تمتين علاقات الولايات المتحدة معهما.
" يمتد مهبط الطائرات، الذي يعود إلى حقبة الحرب الباردة، وأرضه اللامعة تحت أشعة الشمس، باتجاه ساحل القرن الأفريقي. وعلى بُعد أميال قليلة، كان عمال الموانئ يُفرّغون حمولاتهم في ميناء على خليج عدن، وهو طريق ملاحي عالمي حيوي يتعرض باستمرار لهجمات المتمردين الحوثيين من اليمن"، هكذا افتتح صحفيان في النيويورك تايمز تقريراً نشر في 13 من أبريل/نيسان، حول الفرص التي تحاول أرض الصومال منحها للولايات المتحدة.
يقول التقرير إن الميناء ومهبط الطائرات ينتميان لمدينة بربرة في أرض الصومال، ويرى سكان تلك المنطقة المرفقين "كمفتاح لتحقيق طموح دام لعقود من الزمن: ألا وهو الاعتراف الدولي".
"وتسعى أرض الصومال إلى إبرام صفقة مع ترامب يتم بموجبها استئجار الولايات المتحدة للميناء ومهبط الطائرات مقابل حصولها على الاعتراف باستقلالها الذي طال انتظاره".
فيما تذهب نيويورك تايمز إلى أن هجمات الحوثيين"وتعطيل حركة الشحن الدولي" إلى جانب احتدام الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، قد يدفعان الإدارة الأمريكية للتفكير "في وجود جديد في القارة".
وتتضمن الصفقة التي يفكر بها المسؤولون في أرض الصومال، وفق ما تنقل صحيفة نيويورك تايمز، إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية على طول ساحل الإقليم الممتد لـ500 ميل، والمطل على خليج عدن، ومن شأن هذا الوصول "أن يمنح الولايات المتحدة حضوراً حيوياً على طريق ملاحي رئيسي، ونقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة الصراعات في المنطقة، بحسبها".
لكن، على الجهة الأخرى، قالت وكالة "آسوشيتد برس" مطلع الشهر الجاري، إن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمد بعث رسالة لترامب يعرض فيها الوصول الحصري إلى القواعد الجوية والموانئ البحرية، ما جدد التوترات بين الحكومة الصومالية وأرض الصومال، وفق الوكالة، ذلك أن أحد الموانئ تقع في مدينة رئيسية في أرض الصومال.
وفي الرسالة، عرضت الصومال على الولايات المتحدة السيطرة على قاعدتي بربرة وباليدوجلي الجوّيتين، ومينائي بربرة وبوساسو، "لتعزيز المشاركة الأمريكية في المنطقة"، وقد ساعدت الولايات المتحدة لسنوات القوات الصومالية بغارات جوية ضد جماعة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال.
فيما قالت قناة فوكس نيوز إنها تواصلت مع وزارة الخارجية الأمريكية للاستيضاح عن تصريح ترامب حول علاقة الصومال بجماعة الحوثيين، ولا تزال تنتظر الرد.
يذكر أن أول عمل عسكري قام به ترامب بعد توليه منصبه كرئيس للولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي، كان شن غارات جوية قال إنها تستهدف "إرهابيين" يتبعون لتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، وفق ما نقل موقع أكسيوس الأمريكي.