لا إكراه في الحب.. فيلسوف مصر
تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT
لن تستطيع إقناع أحد بالبقاء معك، وحتى إن استطعت ذلك سيكون حضورًا باهتًا يضيع ما كان من ذكريات، وربما كان في الغياب فضيلة.. لكن عليك إبقاء شخص واحد.. قلب واحد يحبك ويراك كما تحب أن يراك.. شخص يكون الونس والبقاء بعد الفناء.
لعلك يا صديقي لا تعرف عبد الرحمن بدوي، فيلسوف الوجودية الذي مات وحيدًا، برغم ان ترتيبه الخامس عشر من بين 21 شقيقًا وشقيقة.
رسالة الماجستير كتبها بالفرنسية عن «مشكلة الموت في الفلسفة الوجودية» وكانت عرضًا لمذهبه في الفلسفة، فتناول مشكلة الموت في الفلسفة الوجودية وبخاصة عند مارتن هايدجر، وانتهي في الفصل الأخير منها إلي عرض مخطط لفلسفة تتخذ نقطة إشعاعها من واقعة الموت، ثم حصل على الدكتوراه من الجامعة نفسها بعنوان: «الزمان الوجودي»، التي علق عليها طه حسين أثناء مناقشته لها قائلا: «لأول مرة نشاهد فيلسوفًا مصريًا».
بلغت أعمال الدكتور عبد الرحمن بدوي سواء المنشورة أو غير المنشورة أكثر من 150 كتابًا، فضلًا عن مئات المقالات منها أعمال منشورة بالفرنسية والإسبانية والألمانية والإنجليزية.
توفي في مستشفي معهد ناصر 25 يوليو 2002 عن عمر يقارب 85 سنة، حيث كان قد عاد من فرنسا إلى مصر قبل وفاته بأربعة أشهر، بسبب إصابته بوعكة صحية حادة حيث سقط مغشيًا عليه في أحد شوارع باريس واتصل مسؤولو فندق لوتيسيا بالقنصلية المصرية بأن لديهم شخصًا مريضًا يقول إنه فيلسوف مصر.
لم ينل الاحتفاء اللائق بمسيرته ربما لأنه فعل كل شئ إلا أن يجعل له تلميذًا مثلما فعل أفلاطون مع أرسطو وفعل سقراط مع أفلاطون.
معادلة صعبة يا صديقي لخصها نيتشه في قوله: ذاتك تأكلك إذا كنت لوحدك، والناس يأكلونك إذا كنت بصحبتهم.
المصدر: البوابة نيوز
إقرأ أيضاً:
ليبراسيون تحقق في بقايا بيروقراطية الموت بسوريا
قالت صحيفة ليبراسيون إنها تمكنت من الاطلاع على أكثر من 8 آلاف وثيقة في 14 سجنا وفرعا للمخابرات منذ سقوط الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، وكلها تعكس الاستبداد البيروقراطي للنظام الذي حكم هذا البلد نحو نصف قرن من الزمن.
وبدأت الصحيفة قصتها -في تقرير مطول بقلم مراسلها الخاص في دمشق والسويداء آرثر سارادين- من مقر المخابرات العسكرية في السويداء، حيث يقول ممدوح (تم تغيير الاسم) إن الفصائل التي ينتمي إليها موجودة هناك لحماية الدوائر الحكومية، في ظل وجود محاولات لتدمير الوثائق الموجودة فيها.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2انتقادات لباكستان بسبب تعديل عقود الطاقةlist 2 of 2إيكونوميست: هل نجح ماكرون في إقناع ترامب؟end of list أمة تحت المراقبةوقال المراسل إن أسرار هذا النظام الذي طارد وسجن الآلاف من المعارضين، بدأت تنكشف تدريجيا منذ هروب عائلة الأسد، وذلك من خلال بقايا بيروقراطية الموت التي تسجل كل شيء على مدى عقود، وقد تركت آلاف الوثائق، من إشعارات وفاة مختلطة بأوامر نقل أو ملفات تحقيق، مما يكشف عن مصائر عشرات الآلاف من المفقودين والأدلة الدامغة على جرائم النظام.
وفي مدخل مقر المخابرات العسكرية، توجد هواتف قديمة مكسورة في غرفة تستخدم للتنصت على المكالمات الهاتفية، وفي الأرشيف، توجد أكوام من الرماد بدلا من أكوام الملفات القديمة، ويعلق ممدوح قائلا وهو يدوس على كومة من المجلدات الملونة المبعثرة على الأرض "لم يتمكنوا من حرق كل الأدلة"، فهناك مكالمات الهاتف وأوراقهم "السرية للغاية".
إعلانويقول ممدوح وهو يقلب وثيقة عمرها 18 عاما "انظروا. هذا شيخ يشكو لرئيس المخابرات من انخفاض قيمة الرشى، وأنه لم يُمنح سيارة هذا العام"، ويقرأ أحد المرافقين تقارير أسبوعية عن خطب المساجد، وإرسال عملاء استخبارات بشكل سري للتدريب في العراق بموافقة السلطات العراقية، وأوامر بمهاجمة مستخدمي الإنترنت "الذين يدعون إلى مظاهرات سلمية".
وتتضمن أكوام أخرى من الملفات "أنشطة مشبوهة" يقوم بها مئات السكان، "هذا تحقيق تم فتحه ضد شخص بسبب ممارسته لليوغا"، يصرخ ممدوح، قبل أن يستخرج دفترا يحتوي على عمود لا نهاية له من الأسماء، ويقول "هذه قائمة بأسماء المدنيين الذين تعاونوا مع النظام وسمح لهم بالمرور عبر الحواجز دون تفتيشهم. هذا أعرفه إنه جارنا."
ومع أن فروع الاستخبارات المختلفة ضمت نحو 65 ألف عميل -كما يقول المراسل- فإن عدد المخبرين المدنيين بلغ مئات الآلاف، حتى إن التقديرات تشير إلى أن هناك مخبرا بين كل 158 مواطنا، في واحدة من أعلى النسب في العالم.
ملايين الأدلة
أما في سجن السويداء المركزي فتلقاك آلاف الأوراق المتناثرة في فنائه، ومعظم الوثائق فيه لا تزال سليمة رغم إحراق أحد المباني، وقرب زنازين الحبس الانفرادي هناك مكتب ما زال يحمل راية حزب البعث، وعلى أرضه أدوات التعذيب، إطار وقضيب حديدي يسمونه "الأخضر"، كان يستخدم لضرب المعتقلين.
التقديرات تشير إلى أن هناك مخبرا بين كل 158 مواطنا، في واحدة من أعلى النسب في العالم
في هذا المكتب توجد سجلات سميكة تحتوي على أسماء "الإرهابيين" -كما يقول المراسل- كما توجد كتيبات صغيرة ذات لون أصفر فاتح، كتب على كل واحد منها "ملف شخصي للسجين"، وهو يتضمن نسب السجين بالتفصيل، ووصفًا دقيقا، للون حاجبيه وشكل ذقنه وكل تفاصيل "سمعته في الحي الذي يقيم فيه" وصداقاته في السجن.
وبالقرب من أدوات التعذيب، توجد أوراق تشهد أن السجناء أقسموا أنهم هم من آذوا أنفسهم، في إحداها "أنا الموقع أدناه، محمد إبراهيم ك. أعلن بكامل قواي العقلية ودون قيد أو شرط، أنني تعرضت لصعقة كهربائية عندما لمست السلك الكهربائي لسخان المياه، وأنني اضطررت إلى الضرب عدة مرات بقطعة خشب لتجنب الصعق الكهربائي. لا أرغب في اتخاذ أي إجراء قانوني ضد أي شخص لأنه لا أحد مسؤول عن إصابتي".
إعلانوفي ورقة أخرى "كان أحد زملائي من السجناء هو الذي أجبرني على التوقيع على ورقة اعترفت فيها بأنني أردت قتل جنود".
وفي داريا بضواحي دمشق يروي شاب قصته قائلا "في يناير/كانون الثاني 2012، تم القبض علي. رفضت تقبيل حذاء جندي أراد إذلالي"، وقد نقل الشاب إلى وحدة استخبارات القوات الجوية بالمزة، حيث تعرض للتعذيب مدة عام لملء وثيقة -كما يقول- "تتطلب كذبة لإدانتي أمام القاضي"، وعلق المراسل بأن البيروقراطية في هذه المراكز مصممة للسحق دون ترك ندوب، وتكمن قوتها في الإذلال وإزالة الإنسانية.
الاستبداد الإداري
وفي هذه الآلة لتصنيع المجرمين -كما يقول المراسل- تمكنت من الاطلاع على عشرات النصوص المسجلة لعمليات التنصت على هواتف وكلاء الدولة أنفسهم، وقد فتح ملف تحقيق مع الجنرال أ. بسبب محادثة تعود إلى سبتمبر/أيلول 2011، حين اتصل به عقيد قائلا "صنع المتظاهرون علما روسيا طوله 300 متر، وهم يدوسون عليه ويريدون إحراقه"، فأجاب "ماذا يجب أن أفعل؟ إرسال الجيش؟ سوف ينتهي الأمر بمذبحة. دع الخمس دقائق تفعل ما تريد"، ليتم استخدام الجملة الأخيرة ضده.
وفي العديد من عمليات التنصت الأخرى، يتم الضغط على الجنود أيضا للإبلاغ عن أشخاص مجهولين، مما يعرضهم لخطر الاشتباه في خيانتهم، "قل في تقريرك إنهم من أصحاب السمعة السيئة وإنهم يثيرون غضب الناس ويخلقون الفوضى"، كما ينصح أحد المسؤولين ضابطا إقليميا.
وكما هو الحال مع إي مسؤول مشتبه به، تنسخ محادثته بدقة، ويسلط عليها الضوء باللون الأصفر عند كل تلميح إلى انتمائه المعارض، ثم ترسل إلى فروع أخرى من الاستخبارات في "ملفات معلومات سرية للغاية". جميعها تحمل الأمر نفسه "يرجى الفحص واتخاذ الإجراءات اللازمة".
وكان أبو البراء أحد هؤلاء الجنود المتهمين بالخيانة، وهو يعمل في قسم المخابرات في "فرع فلسطين"، يقول "كنت أشعر بالاشمئزاز عندما أرى هؤلاء الذين يقتلون لأنهم يهتفون "حرية". حاولت مساعدتهم من خلال محو إشعارات المطلوبين، واعتراض الملفات التي تتهمهم".
إعلانولكنه اكتُشف وتعرض للتعذيب في الحبس الانفرادي لمدة عامين وكسرت يداه، "وعندما خرجت انضممت إلى الجيش الحر. كنت جزءا من الكتائب التي حررت دمشق وهذا السجن".
ويخلص المراسل إلى أن المشاركين في عملية العدالة الانتقالية لديهم مهمة هائلة، لأنه يبدو من المستحيل جمع وقراءة ملايين الوثائق المنتشرة في جميع أنحاء أرخبيل السجون السورية، خاصة مع نقص الموظفين والموارد والعقوبات الدولية على سوريا، مما يبطئ جمع وحماية الآلاف من الشهود الصامتين على جرائم الحرب التي ارتكبها النظام.