الأعاصير المدارية تزداد فتكاً بسبب تغير المناخ
تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT
تعدّ الأعاصير المدارية أحد أكبر الأخطار التي تهدد الإنسان، وتتسبب بأضرار مادية جسيمة في الأرواح والممتلكات. وتقدر المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الخسائر الناتجة عن نحو ألفي إعصار مداري بنحو 780 ألف حالة وفاة، وخسائر اقتصادية تتجاوز 1400 مليار دولار، وذلك على مدى العقود الخمسة الماضية، بما يعادل 43 حالة وفاة وأكثر من 78 مليون دولار يومياً.
وينشأ الإعصار المداري على شكل عاصفة سريعة الدوران فوق المحيطات المدارية (الأطلسي والهادي والهندي)، حيث يستمد من مياهها الدافئة -خاصة في فصلي الصيف والخريف- الطاقة اللازمة لتكوّنه. ويتراوح قطر الإعصار عادة بين 200 و500 كلم، ويتكون الإعصار من منطقة مركزية تسمى "العين" يكون فيها الضغط الجوي منخفضاً جداً والطقس هادئاً وخالياً من السحب، بينما يحاط مركز الإعصار بجدار ضخم من السحب الكثيفة التي تتصاعد بعنف حول عين الإعصار.
وتدور رياح الأعاصير المدارية حول المنطقة المركزية ذات الضغط الجوي المنخفض متأثرة بدوران الأرض حول محورها، وتتحرك تبعاً لذلك باتجاه عكس عقارب الساعة في نصف الكرة الشمالي وباتجاه عقارب الساعة في نصف الكرة الجنوبي.
مع استمرار وصول درجة حرارة المحيطات إلى مستويات قياسية غير مسبوقة بسبب تغير المناخ، تمتص مياه المحيطات جزءاً كبيراً من حرارة الأرض، وتتبخر بسبب ذلك كميات كبيرة من مياه المحيطات، وبالتالي تكتسب الأعاصير والعواصف المدارية المزيد من الطاقة من عملية تبخر مياه المحيط الدافئة.
وتعد المحيطات مصدر تغذية الأعاصير المدارية التي تزودها بالطاقة، وتتطور الأعاصير المدارية في المحيطات الاستوائية عند خط عرض 5 إلى 30 درجة على الأقل شمال أو جنوب خط الاستواء، حيث تبلغ درجة حرارة البحر 27 درجة مئوية على الأقل، وتعتبر الأعاصير المدارية مهمة على الأرض لنقل الحرارة والطاقة بين خط الاستواء والقطبين.
ووصل متوسط درجة حرارة المحيطات هذا العام إلى أعلى مستوى في درجات الحرارة المسجلة على الإطلاق عند 20.96 درجة مئوية، وذلك وفقاً لخدمة كوبرنيكوس المعنية بالمناخ في الاتحاد الأوروبي، إذ تمتص المحيطات جزءاً كبيراً من حرارة الأرض ولها دور فاعل في تحديد أنماط الطقس التي يشهدها العالم.
كما يمكن لظاهرة النينيو التي بدأت هذا العام، والتي تتطور في المناطق الاستوائية في المحيط الهادي، أن تؤثر على أنماط الطقس والعواصف في أجزاء مختلفة من العالم، ومن المرجح أن تؤدي إلى استمرار ارتفاع درجة الحرارة العالمية.
وظاهرة النينيو هي نمط مناخي طبيعي يرتبط بارتفاع في درجات حرارة سطح المحيط في وسط وشرق المحيط الهادي الاستوائي. ويحدث الاحترار عندما تضعف الرياح التجارية السائدة من الشرق إلى الغرب وتهبّ المياه الدافئة من غرب المحيط الهادي باتجاه الشرق، ويمكن لمياه النينيو الدافئة أن تغذي الأعاصير في وسط وشرق المحيط الهادي، بينما تعوق تكوّنها في حوض المحيط الأطلسي.
وعندما تسخن مياه البحار الاستوائية ترتفع درجة حرارة طبقة الهواء الملاصقة لها، ويرتفع الهواء الدافئ الرطب مسبباً انخفاض الضغط الجوي في المنطقة أدناه.
يندفع الهواء من المناطق المحيطة ذات الضغط الجوي المرتفع إلى منطقة الضغط المنخفض، ثم يصبح الهواء الجديد القادم دافئاً ورطباً ويرتفع أيضاً، ومع استمرار ارتفاع الهواء الدافئ يدور الهواء المحيط ليأخذ مكانه، وعندما يبرد الهواء الرطب الدافئ في الأعلى يشكل بخار الماء الموجود فيه سحباً ركامية كثيفة، ويدور نظام السحب والرياح بأكمله وينمو، ويتغذى من حرارة المحيط والمياه المتبخرة من السطح، وتتشكل بسبب ذلك العواصف المدارية شديدة السرعة التي تحمل كميات كبيرة من الهطولات المطرية المصاحبة لعواصف رعدية.
وجدت دراسة نُشرت في 19 أكتوبر/تشرين الأول في مجلة "ساينتيفيك ريبورتس"، أن الأعاصير الأطلسية "الهاريكين" التي تحدث في البحر الكاريبي وخليج المكسيك وشمال المحيط الأطلسي وشرق ووسط شمال المحيط الهادي، أصبحت أقوى بشكل أسرع مما كانت عليه قبل 40 عاماً، وأن احتمالية اشتداد قوة الإعصار الضعيف ليصبح إعصاراً كبيراً في غضون 24 ساعة تضاعفت في العقود الأخيرة، ومن المرجح أيضاً أن تزداد قوتها بسرعة أكبر على طول الساحل الشرقي للولايات المتحدة.
ووفقاً لمقياس سافير سمبسون المستخدم لتصنيف قوة أعاصير الهاريكين، تصنف هذه الأعاصير المدارية إلى خمس فئات، تبدأ الأولى منها عندما تتراوح السرعة القصوى المستمرة لرياح الأعاصير بين 119 و153 كيلومترا في الساعة، وتصل إلى الفئة الخامسة عندما تتجاوز هذه السرعة 249 كيلومترا في الساعة.
تقول أندرا غارنر المشاركة في إعداد الدراسة وعالمة المناخ من جامعة روان بولاية نيوجيرسي الأميركية: إن المحيطات امتصت نحو 90% من الاحترار الزائد الذي حدث في العقود الأخيرة بسبب تغير المناخ الذي يسببه النشاط البشري.
ونظرت دراسة غارنر في 830 إعصاراً مدارياً في المحيط الأطلسي بين عامي 1970 و2020، وحللت كيفية تغير سرعة الرياح على مدار عمر كل إعصار، حيث قُسمت العواصف إلى ثلاث فترات زمنية: الأولى 1970 إلى 1990، والثانية 1986 إلى 2005، والثالثة 2001 إلى 2020.
ووجدت الدراسة أن احتمال اشتداد قوة الإعصار الضعيف ليصبح إعصاراً شديداً خلال 24 ساعة قد ازدادت من 3.23% في الفترة الأولى إلى 8.12% في الفترة الثالثة. ويجب أن يترافق الإعصار مع رياح تبلغ سرعتها 178 كيلومترا في الساعة على الأقل حتى يصنف إعصاراً كبيراً.
وتتوافق نتائج الدراسة بحسب غارنر مع العواصف التي شهدناها هذا العام، مثل إعصار "إداليا" وإعصار "لي"، إذ اشتدت قوتهما بسرعة نتيجة لمياه المحيط الدافئة وظروف مواتية أخرى، لذا يمكن أن نتوقع استمرار هذا الاتجاه إذا استمرت مياه المحيط في الدفء.
وتحوّل إعصار "لي" الذي ضرب السواحل الأطلسية لكندا والولايات المتحدة في سبتمبر/ أيلول الماضي، من إعصار من الفئة الأولى إلى أقوى إعصار من الفئة الخامسة برياح عاتية بلغت سرعتها 249 كيلومتراً في الساعة خلال 24 ساعة، كما انتقل إعصار ماريا الذي دمر أرخبيل بورتوريكو شمال شرق البحر الكاريبي عام 2017، من عاصفة من الفئة الأولى إلى عاصفة هائلة مع رياح تبلغ سرعتها 257 كيلومتراً في الساعة في غضون 15 ساعة فقط.
قوة تدميريةوترتبط الأعاصير المدارية بمجموعة متنوعة من المخاطر، وقد تصل سرعة الرياح المدمرة المصاحبة لها إلى ما يزيد على 300 كيلومتر في الساعة، ويمكن أن يؤدي الجمع بين الأمواج التي تحركها الرياح والضغط المنخفض للأعاصير المدارية إلى حدوث عاصفة ساحلية تدفع بكميات هائلة من المياه إلى الشواطئ بسرعة عالية وبقوة هائلة تجرف كل ما تجده في طريقها وتسبب أضراراً كبيرة للبيئة الساحلية، وتؤدي الأمطار الغزيرة المرتبطة بالأعاصير المدارية إلى حدوث فيضانات مفاجئة وسيول وانهيارات أرضية وانجرافات طينية محتملة.
ويطلق على الإعصار المداري اسم "منخفض مداري" عندما تكون السرعة القصوى المستمرة للرياح أقل من 63 كيلومترا في الساعة، وينتقل بعد هذه السرعة إلى عاصفة مدارية قبل أن يصل إلى مرحلة الإعصار عندما تتجاوز السرعة القصوى للرياح 119 كيلومترا في الساعة ويسمى في هذه الحالة الهاريكين أو التيفون أو السيكلون المداري وذلك بحسب موقعه الجغرافي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: کیلومترا فی الساعة الأعاصیر المداریة المحیط الهادی الضغط الجوی تغیر المناخ میاه المحیط درجة حرارة هذا العام
إقرأ أيضاً:
ارتفاع درجات الحرارة يهدد قاعدة شبكة الغذاء في المحيطات
يعيش البشر في عالم من العوالق. تنتشر هذه الكائنات الدقيقة عبر المحيطات، وتغطي ما يقرب من 3 أرباع الكوكب، وهي من بين أكثر أشكال الحياة وفرة على وجه الأرض، لكن ارتفاع درجة حرارة العالم يؤدي إلى فوضى في العوالق البحرية ويهدد سلسلة الغذاء البحرية بأكملها التي تعتمد عليها.
وأطلقت وكالة ناسا قبل عام القمر الصناعي الذي قدم حتى الآن أدق صورة لتنوع وتوزيع العوالق النباتية. ومن المتوقع أن تساعد هذه الصورة العلماء على فهم الديناميكيات المتغيرة للحياة في المحيط.
وكانت الأبحاث في الماضي تُجرى من السفن، وتقتصر على التقاط صور محدودة في الوقت المناسب، ولا تقدم سوى لمحات عن المحيطات المتغيرة باستمرار. وقد أدى ظهور الأقمار الصناعية إلى تقديم صورة أكثر اكتمالا.
وتقول إيفونا سيتينيك، عالمة المحيطات في وكالة ناسا: "أنت تعلم أنها حديقة، وتعرف أنها جميلة، وتعرف أنها نباتات، لكنك لا تعرف أي نباتات"، مضيفة أن القمر الصناعي "بايس" يزيل الفلتر بفعالية ويكشف في النهاية عن جميع ألوان الحديقة، إنه مثل رؤية جميع أزهار المحيط".
وهذه الأزهار عبارة عن عوالق نباتية، وهي عبارة عن طحالب مائية صغيرة وبكتيريا تقوم بعملية التمثيل الضوئي لتعيش مباشرة على طاقة الشمس. وتتغذى عليها العوالق الحيوانية، وهي أصغر الحيوانات في المحيط، والتي بدورها تتغذى على الأسماك والكائنات الأكبر حجما.
إعلانويبدو أن العوالق النباتية في المحيط المفتوح تتضاءل. وفي أوائل العقد الأول من القرن الـ21، اكتشف العلماء أن مناطق هائلة من المحيط ذات مغذيات أقل وعوالق نباتية أقل، تُعرف باسم صحاري المحيط، آخذة في التوسع.
في الوقت نفسه، نمت أزهار العوالق النباتية الساحلية، وخاصة في خطوط العرض الأعلى، وأصبحت أكثر تواترا، وفقا لدراسة أجريت عام 2023. ووجد الباحثون أن درجات حرارة سطح البحر الأكثر دفئا تحفز نموها، كما تحدث أيضا عملية التزهير في وقت مبكر من العام، وهذا يؤدي إلى تعطيل مصايد الأسماك الساحلية وسبل عيش الناس.
وبينما تعتمد الحياة البحرية على العوالق النباتية، فإنها قد تتسبب أحيانا في ظهور أزهار ضارة، وقد يساعد فهم أنواع العوالق النباتية التي توجد في المناطق الساحلية؛ سكانَ المناطق الساحلية على حماية أنفسهم.
وتنمو بعض أنواع العوالق النباتية بشكل كبير وسريع، وعندما تتحلل في النهاية، فإنها تستنفد الأكسجين في المياه المحيطة، وهذا يخلق "مناطق ميتة"؛ حيث لا يمكن لأي شيء آخر أن يعيش. وتنتج بعض العوالق النباتية سموما يمكن أن تسبب أمراضا وتقتل الأسماك والطيور والثدييات، بما في ذلك البشر.
ويقدر الباحثون، بشكل متحفظ، أن هذه الأزهار الضارة تكلف الاقتصاد الأميركي نحو 50 مليون دولار سنويا بسبب الأضرار التي تلحق بالصحة العامة ومصائد الأسماك والترفيه الساحلي.
وكان خليج مين (على الساحل الشرقي لأميركا الشمالية) تاريخيا أرضا غنية للتغذية الصيفية للحيتان، ولكن في عام 2010، بدأت موجة حرارة بحرية تتشكل في هذا النظام البيئي البارد عادة، حيث تغيّرت حال التيارات المحيطية الدافئة والباردة. ثم في عام 2012، شهدت نيو إنغلند أيضا درجات حرارة منخفضة بشكل غير عادي، وفجأة أصبح عدد الأسماك البالغة الأكبر حجما والغنية بالدهون أقل في أواخر الصيف والخريف.
إعلانويقول الدكتور جيفري رونج إنه "يمكن للمرء أن يربط بين الزيادة المستمرة في ثاني أكسيد الكربون وما يحدث للحيتان الصحيحة الآن. وما يحدث لكالانوس"، "إنها واحدة من هذه الآليات المعقدة حقا لكيفية تأثير زيادة ثاني أكسيد الكربون والاحترار الناتج عن ذلك، على النظم البيئية في العالم".