السوداني بين مطرقة الاطار وسندان الامريكان وصواريخ المقاومة
تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT
28 نوفمبر، 2023
بغداد/المسلة الحدث: د. سنان السعدي
يعلم الجميع ان اختيار رئيس الوزراء في العراق من الامور العسيرة جداً ، كونه يخضع لتوافقات داخلية واخرى خارجية اقليمية ودولية ، فداخليا يجب ان تتوفر فيه معايير مقنعة تنسجم وتوجهات القوى السياسية المسؤولة عن اختيار رئيس الوزراء والمتمثلة بالاطار التنسيقي الذي يمثل الكتلة السياسية الاكبر تحت قبة مجلس النواب المخرومة التي لا تقي من شمس الصيف ولا مطر الشتاء.
ان اهم ما يجذب الانتباه ان الاطار التنسيقي كان قد حرص في اختيار اخر اربع رؤساء وزراء ممن ليس لديهم ثقل حزبي وجماهيري ابتداءا من السيد حيدر العبادي مرورا بالسيد عادل عبد المهدي من ثم بالسيد مصطفى الكاظمي وانتهاءا بالسيد السوداني ، وذلك يؤمن للاطار التنسيقي سهولة السيطرة على رئيس الوزراء كونه لا يتمتع بغطاء حزبي ونيابي يكون مؤازرا له في الشارع وتحت قبة مجلس النواب ، فضلا عن ضمان عدم ترشحه لدورة رئاسية ثانية تمكنه من التغول والخروج عن السيطرة فيصبح من جماعة ( ما ننطيها )؟
اما فيما يتعلق بالتوافقات الخارجية فيجب ان يكون هناك توافقا دوليا حول من يتسنم منصب رئيس الوزراء ، وذلك التوافق محصور بين كل من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وايران ، مما يجعل المرشح لمنصب رئيس الوزراء طاولة مناسبة للتفاوض وتقديم التنازلات في اهم الامور العالقة بين هذه الدول الثلاثة ( تركيا خارج المفاوضات لأنها مختصه برئيس مجلس النواب ؟؟ ) على حساب العراق وشعبة .
جاء اختيار السوداني من جميع هذه الاطراف بسبب كونه شخصية مقبولة في الشارع العراقي الذي يحتاج الى تهدئة، فالسيد السوداني من ابناء الداخل ولم يسبق له ان عارض النظام السابق من خارج العراق او الداخل وعاش معاناة الشعب العراقي ابتداءا من الحرب العراقية الايرانية من ثم دخولنا الكويت وانتهاءا بالحصار الاقتصادي ( اي انه بطل خنادق وليس بطل فنادق ؟؟) ، فضلا عن ذلك فهو لا يملك مليشيا مسلحة وشخصية مسالمة غير مأزومه وهذه الصفات جعلته شخصية يمكن ان تكون مقنعة للشارع وبعض القوى السياسية المعارضة للاطار التنسيقي وعلى راسها التيار الصدري وقوى تشرين وبعض القوى المدنية .
لم ولن تكون مهمة السيد السوداني بالمهمة اليسيرة بسبب تضارب الرؤى بين القوى السياسية الداخلية والقوى الدولية الخارجية ، لاسيما وان الاطار التنسيقي معروف عنه سرعة انقلابه على مرشحة الذي يتولى منصب رئيس الوزراء في حال عجز عن تنفيذ الشروط التي وضعت عليه مقابل تسنمه المنصب بسبب ضغط الولايات المتحدة عليه من جانب ومتطلبات الجانب الايراني من جانب آخر، فضلا عن بريطانيا صاحبة الارث التاريخي في احتلال العراق .
فبالنسبة للاطار التنسيقي فهو يعتبر السيد السوداني ممثلهم في السلطة التنفيذية والمرهون بقائه بدعمهم له مقابل الطاعة وتنفيذ الشروط التي وضعت عليه ، الا ان تنفيذ هذه الشروط دائما ما يصطدم برفض القوى المعارضة التي سبق ذكرها والولايات المتحدة الامريكية ، فضلا عن الشركاء في العملية السياسية من السنة والاكراد .
رضا الاطار التنسيقي من عدمه عن اداء السيد السوداني غالبا ما يكون مرهون بمواقف السوداني ، ومثال ذلك كان لكلمة السيد السوداني المشرفة فيما يتعلق بالإبادة الصهيونية للشعب الفلسطيني في قمة القاهرة للسلام الاثر الايجابي والوقع الجيد على مسامع قوى الاطار التنسيقي ، الا ان موقف الاطار انقلب كليا بعد عودة السيد السوداني الى العراق وتصريحه بعدم السماح لأي جماعة مسلحة بقصف القواعد الامريكية ، اذ اعتبر الاطار والفصائل التابعة لبعض قوى الاطار ان تصريحات السيد السوداني هي انبطاح للولايات المتحدة وان السوداني قد بدأ يميل حيث تميل الريح ؟ كما لا يفوتنا ان نذكر ان السيد السوداني لم يتخلص من (ازلام النظام الكاظمي) اذ كان ذلك الشرط من اهم شروط الاطار التنسيقي عليه ،لاسيما في جهاز المخابرات وبعض الاجهزة الامنية ؟ .
اما الجانب الامريكي فهو لأول مره بعد عام 2003 يرفض استقبال رئيس وزراء العراق في البيت الابيض فذلك لم يحدث مع سابقية ممن تسنم منصب رئيس الوزراء ، ويأتي هذا السلوكي الامريكي كرسالة عدم رضا تجاه سياسة السيد السوداني الذي عجز عن تنفيذ الشروط الامريكية المعروفة لدى اغلب المهتمين والمتابعين للشأن السياسي العراقي ، مما زاد الطين بله انعكاسات ملحمة طوفان الاقصى على الساحة العراقية ، اذ اعطت فصائل المقاومة الضوء الاخضر لنفسها لضرب القواعد الامريكية في العراق متجاهله تنديدات وتهديدات السيد السوداني ، الامر الذي ادى الى تعقيد العلاقة بين الولايات المتحدة والسيد السوداني الذي يقف مكتوف الايدي في حيرة من امره فلا حل لديه ولا لدى الستون مستشار الذي يحيطون به . ان هذا المشهد المعقد يأخذنا الى اكثر من تساؤل :
كم سيصمد السيد السوداني وسط هذه الدوامة ؟
وهل سيعمل حلفائه على الاطاحة به بعد مضي اكثر من عام على تشكيل الحكومة ؟
وهل سيتخلى عنه الامريكان الذين وافقوا على تسمنه منصب رئيس الوزراء رغم تحفظهم على كابينته الوزارية ؟
ام سينجح السيد السوداني بأنهاء دروته بسلام (وهذا حتى الان امرا مستبعد ) رغم الظروف الداخلية الصعبة التي تحيط به ، فضلا عن التطورات الخارجية وانعكاساتها على الساحة السياسية العراقية . هناك اكثر من سيناريو ؟ لكن رغم ذلك يبقى هو الافضل حتى الآن .
سياسي مستقل
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: منصب رئیس الوزراء الاطار التنسیقی السید السودانی فضلا عن
إقرأ أيضاً:
لومومبا رمز المقاومة وبطل الكونغو الذي قُتل في ذروة شبابه
في غوما، جمهورية الكونغو الديمقراطية، قبل ظهر الخميس في يونيو/حزيران 1960، صعد باتريس لومومبا، البالغ من العمر 34 عاما، إلى المنصة في قصر الأمة في ليوبولدفيل (التي تسمى اليوم كينشاسا) وهو يحمل حلما لتوحيد بلاده التي نالت استقلالها حديثا.
أمام كبار الشخصيات والسياسيين، بمن فيهم الملك بودوان ملك بلجيكا، التي كانت جمهورية الكونغو آنذاك قد نالت استقلالها منها للتو، ألقى أول رئيس وزراء على الإطلاق خطابا مثيرا ومفاجئا إلى حد ما، أثار استياء الأوروبيين.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هآرتس: حظر الأونروا.. مخطط إسرائيلي لضم القدس الشرقيةlist 2 of 2واشنطن بوست: العفو الذي أصدره بايدن وترامب تقويض لسيادة القانونend of listقال لومومبا "لن يستطيع أي كونغولي جدير بالاسم أن ينسى أبدا أنه بفضل النضال تم تحقيق استقلالنا".
وأضاف قائلا، بينما كان الملك يراقب وهو في حالة صدمة، "لقد فُرضت علينا العبودية بالقوة. نحن نتذكر الضربات التي كنا نضطر لتحملها صباحا ومساء لأننا كنا زنوجا".
وأعلن أنه مع الاستقلال، أصبح مستقبل البلاد أخيرا في أيدي شعبها، مضيفا: "سوف نُظهر للعالم ما يمكن أن يفعله الرجل الأسود عندما يعمل وهو حر، وسنجعل الكونغو فخر أفريقيا".
ولكن لم يتحقق هذا الوعد، فبعد 6 أشهر فقط قُتل القائد الشاب.
لسنوات طويلة، أحاط الغموض بتفاصيل مقتله، ولكن من المعروف الآن أن رجالا كونغوليين مسلحين قتلوا لومومبا يوم 17 يناير/كانون الثاني 1961، بمساعدة البلجيكيين وبموافقة ضمنية من الولايات المتحدة.
إعلانوبعد مرور 64 عاما، لا يزال لومومبا رمزا للمقاومة الأفريقية، بينما لا يزال عديد من الكونغوليين يحملون عبء إرثه غير المكتمل، سواء أكانوا يؤيدون أفكاره أم لا.
سيارات جيب تحمل جنودا كونغوليين تمر بينما ينظر الناس على جانب الطريق في السابع من ديسمبر/كانون الأول 1960 بعد اعتقال لومومبا (أسوشيتد برس) "لقد آلمني موته"قال كاسيريكا لوكومبولا (85 عاما) الذي يعيش حاليا في حي فيرونغا في مدينة غوما بشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية: "عندما علمت بموت لومومبا، صُدمت".
لقد تم بناء منزله، الذي يتسم باللون الذهبي والطراز الغربي، وهو أمر غير مألوف في هذه المنطقة، خلال الحقبة الاستعمارية ويعد تذكيرا ببقايا ما يقارب 80 عاما من الحكم البلجيكي.
وقال لوكومبولا إنه وُلِد خلال الحرب العالمية الثانية، مضيفا "في ذلك الوقت، كان الرجل الأسود في أفريقيا لا يستطيع معارضة المستوطنين البيض لأسباب معينة، بما في ذلك لون بشرته وحقيقة أنه كان مستعبدا. أولئك الذين تجرؤوا على تحدي البيض كانوا إما يُسجنون أو يُضربون أو يُقتلون".
كان لوكومبولا في الـ20 من عمره عندما قُتل لومومبا، وقال "أتذكر أنني كنت في قريتي في بنغي عندما سمعت الخبر. شعرت بالندم، فقد أحزنني موته. وفي ذلك اليوم، لم أتناول الطعام، كنت أعاني من الأرق"، مضيفا أنه لا يزال يتذكر ذلك كما لو كان بالأمس.
ويتهم لوكومبولا الـ"وازونغو"، وهي كلمة تعني "الأجانب"، ولكنها تستخدم عادة للإشارة إلى المستعمرين البلجيكيين بأنهم كانوا وراء اغتيال لومومبا.
وقال "كان البلجيكيون يمارسون التفرقة العنصرية في الكونغو، وكان لومومبا يصرخ ضد ذلك. لقد شجعنا على القتال بكل قوتنا للتخلص من المستعمرين".
وتابع "لقد اكتشف بعض المؤامرات التي كان يحيكها المستعمرون ضدنا، نحن الشعب الكونغولي. وكانوا يريدون أن يستمروا في فرض العبودية علينا إلى الأبد. عندها بدأ البلجيكيون يطورون كراهية تجاهه، مما أدى إلى اغتياله".
ويعتقد لوكومبولا أنه لو لم يُقتل "لومومبا"، لكان قد حوّل البلاد إلى جنة على الأرض لملايين الكونغوليين، استنادا إلى الرؤية التي كان يحملها لشعبه وللقارة بأسرها.
إعلان قتلته قوى غربيةويعتقد تومسيفو أكرم، الباحث الكونغولي المقيم في غوما، أن لومومبا قُتل بأوامر من بعض القوى الغربية التي أرادت الاحتفاظ بثروات الكونغو الطبيعية.
وقال تومسيفو أكرم للجزيرة "إن قرار تصفية أول رئيس وزراء كونغولي اتخذه مسؤولون أميركيون وآخرون على أعلى المستويات".
وقال أكرم "على الرغم من أن لومومبا كان له أصدقاء داخل وخارج البلاد، فإن أصدقاءه، رغم كثرتهم، لم يكونوا بالعزيمة نفسها التي كان عليها أعداؤه الذين كانوا مصممين ومنظمين للقضاء عليه. لقد دعمه أصدقاؤه بالكلمات أكثر من الأفعال".
لم يتبقَّ سوى سن واحدةبعد أيام قليلة من إلقاء لومومبا خطابه في يوم الاستقلال في 30 يونيو/حزيران 1960، بدأ البلد في الانهيار. ووقع تمرد مسلح، ثم انفصلت مقاطعة كاتانغا الغنية بالمعادن في يوليو/تموز. وأرسلت بلجيكا قوات إلى كاتانغا، ثم طلبت الكونغو المساعدة من الأمم المتحدة، وعلى الرغم من إرسالها قوات حفظ السلام، فإنها لم تنشرها في كاتانغا. لذلك، لجأ لومومبا إلى الاتحاد السوفياتي للمساعدة، وهو ما أثار قلق بلجيكا والولايات المتحدة.
وفي سبتمبر/أيلول، قام الرئيس جوزيف كاسافوبو بعزل لومومبا من الحكومة، وهو ما تجاهله لومومبا. وبعد فترة قصيرة، قام انقلاب عسكري بقيادة العقيد الكونغولي جوزيف موبوتو (الذي عُرف لاحقا باسم الدكتاتور موبوتو سيسي سيكو) بإزاحته تماما من السلطة. ووُضع لومومبا رهن الإقامة الجبرية، التي هرب منها، لكنه تم القبض عليه لاحقا من قبل قوات موبوتو في ديسمبر/كانون الأول.
ويوم 17 يناير/كانون الثاني 1961، تم نقل لومومبا واثنين من مساعديه، جوزيف أوكيتو وموريس مبولو، إلى كاتانغا بالطائرة، حيث قام الجنود بضربهم وتعذيبهم في أثناء الرحلة وفي وجهتهم.
وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، أُعدم الثلاثة في كاتانغا رميا بالرصاص تحت إشراف بلجيكي.
إعلانوفي البداية تم دفن أجسادهم في قبور ضحلة، ولكن لاحقا تم استخراجها وتهشيمها إلى قطع، ثم أذيبت البقايا في الحمض.
في النهاية، لم يتبق سوى سن واحد من أسنان لومومبا، سرقه شرطي بلجيكي ولم يعده إلى أقارب لومومبا إلا في عام 2022.
وعلى مر السنين منذ اغتياله، اعترفت بلجيكا بأنها "مسؤولة أخلاقيا عن الظروف التي أدت إلى وفاته". وفي الوقت نفسه، ظهرت معلومات تكشف تورط وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في مؤامرة قتل لومومبا.
"خطأ جسيم؟"وفي منزله في غوما، استعاد لوكومبولا ذكرياته عن جميع "اللحظات الأولى" التي عاشها خلال تاريخ بلاده المعقد، بما في ذلك مشاركته في أول انتخابات بلدية عام 1957، حين صوّت لحزب الحركة الوطنية الكونغولية بقيادة لومومبا، قائلا "لأنني كنت مقتنعا بأن الحزب يحمل رؤية عظيمة لبلدنا. وكان ذلك بدافع من الشعور بالفخر".
وروى أنه كان موجودا في أثناء أعمال الشغب التي وقعت في الرابع من يناير/كانون الثاني 1959، وإعلان استقلال الكونغو في 30 يونيو/حزيران 1960، وانفصال كاتانغا وكاساي الجنوبية بين يوليو/تموز وأغسطس/آب 1960، وأفراح زائير الاقتصادية والسياسية منتصف الستينيات.
وبعد أن عاش في ظل حكم جميع رؤساء الكونغو الخمسة، يدرك لوكومبولا "لغز" جمهورية الكونغو الديمقراطية وشهد مدى التغيرات التي يمكن أن تطرأ عليها.
وقال إن ندمه الوحيد هو أن عديدا من الأحداث التاريخية وقعت بعد رحيل لومومبا، مضيفا "لو كان حيا، لأعاد إلينا المجد والعظمة".
لومومبا يوقع قانون استقلال الكونغو في يونيو/حزيران 1960 وعلى يمينه غاستون إيسكينز، رئيس الوزراء البلجيكي الذي وقع القانون نيابة عن بلجيكا (أسوشيتد برس) ليس الجميع متعاطفين معهومع ذلك، لا ينظر الجميع إلى إرث لومومبا بمثل هذه الرهبة والعطف.
ويعتقد غريس باهاتي (45 عاما)، وهو أب لـ5 أطفال، أن لومومبا هو السبب في بعض المصائب التي حلت بجمهورية الكونغو الديمقراطية والتي لا تزال البلاد تعاني منها.
إعلانفوفقا له، كان رئيس الوزراء الأول متسرعا للغاية في السعي إلى تحقيق الاستقلال الفوري للكونغو، في حين كانت البلاد تفتقر إلى ما يكفي من المثقفين القادرين على قيادتها بعد رحيل البلجيكيين.
قال باهاتي للجزيرة: "كان لومومبا في عجلة من أمره للمطالبة بالاستقلال. لقد وجدت أن عديدا من قادتنا لم يكونوا مستعدين لقيادة هذا البلد، وهذا أمر مؤسف. في رأيي، كان ذلك خطأ كبيرا من جانب لومومبا".
لا يتفق داني كاييه، وهو مؤرخ في غوما، مع هذا الرأي، فهو يعتقد أن لومومبا أدرك مبكرا أن الاستقلال كان هو الحل الوحيد، نظرا لأن البلجيكيين كانوا يستغلون البلاد منذ ما يقرب من 80 عاما وكان الكونغوليون هم الذين يعانون.
وأشار كاييه أيضا إلى أن "لومومبا لم يكن أول من طالب بالاستقلال الفوري للبلاد. فقد كان الجنود الذين عادوا من الحرب العالمية الثانية، بعد أن قاتلوا إلى جانب المستعمرين، هم أول من فعل ذلك".
وقال المؤرخ إن لومومبا أصبح هدفا للغرب بعد ما تم اعتباره "متطرفا"، عندما بدأ في بناء علاقات مع الاتحاد السوفياتي، إذ اعتبرته القوى الغربية تهديدا لمصالحها خلال فترة الحرب الباردة الحاسمة. وقد تم استخدام الكونغوليون، مثل موبوتو سيسي سيكو، في المناورات ضده.
وأوضح كايي أن "الكونغو كانت محل حسد لفترة طويلة بسبب مواردها الطبيعية. ولم يرغب البلجيكيون في مغادرة البلاد، والطريقة الوحيدة لمواصلة استغلالها كانت من خلال تفكيكها وقتل الوطنيين"، وأضاف: "في هذا السياق، قُتل لومومبا وأصدقاؤه موريس مبولو، رئيس مجلس الشيوخ آنذاك، وجوزيف أوكيتو، وزير الشباب آنذاك".
حارب من أجل العدالةجان جاك لومومبا هو ابن شقيق باتريس لومومبا وناشط ملتزم بمحاربة الفساد في البلاد.
نشأ ابن الشقيق البالغ من العمر 38 عاما في كينشاسا، حيث ترعرع على يد والدة لومومبا وأخيه الأصغر، لكنه اضطر إلى المنفى عام 2016 بعد أن كشف عن الفساد في محيط الرئيس الكونغولي السابق جوزيف كابيلا.
إعلانبالنسبة له، يبقى عمه رمزا للكونغو العادلة والأفضل، وهو شخص يستلهم منه في نشاطه السياسي.
وقال جان جاك للجزيرة: "أخبرني أفراد عائلتي أنه كان شخصية غير تقليدية. فقد كان صريحا ومباشرا للغاية. وكان لديه إحساس بالشرف والبحث عن الحقيقة منذ نعومة أظفاره وصولا إلى نضاله السياسي".
وتابع: "لقد ناضل من أجل العدالة والإنصاف. هو نفسه رفض الفساد"، واصفا الفساد بأنه "أحد الأوبئة التي تميز البلدان النامية".
وأضاف: "باتريس لومومبا كان يريد التنمية والرفاهية لشعبه.. وهذا مصدر إلهام في النضال الذي أواصل خوضه من أجل صعود القارة الأفريقية".
ويشعر جان جاك أن لومومبا لم يعد ينتمي إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية وأفريقيا فحسب، بل إلى جميع أولئك الذين يرغبون في الحرية والكرامة في جميع أنحاء العالم.
وعلى الرغم من أنه لم يلتقِ عمه قط، فإنه يشعر بالسرور لأن ذاكرته وإرثه لا يزالان حيين.
وعلى الرغم من أنه لقي نهاية مأساوية ومدمرة، فإن وفاة لومومبا بالنسبة لجان جاك هي أيضا شيء خلّد اسمه والمعارك التي خاضها.
وقال لومومبا الصغير إنه يجب على القادة الأفارقة تكريم ذكرى أشخاص مثله وآخرين ممن قدموا حياتهم من أجل بناء "أفريقيا متطورة ومشرقة ومزدهرة، مستعدة للتأكيد على مكانتها في محفل الأمم".
محتجون يحملون لافتات مناهضة للبلجيكيين ومؤيدة للومومبا في شارع ويست 51 في نيويورك خارج مبنى أسوشيتد برس في 11 فبراير/شباط 1961 قبل نشر مقتل لومومبا (أسوشيتد برس) إرث لومومبا الخالِدبعد مرور أكثر من 6 عقود على مقتل لومومبا، تعاني جمهورية الكونغو الديمقراطية من أزمات متعددة، سواء من التمرد المسلح إلى استخراج الموارد والفقر.
وعلى الرغم من أن الكونغو دولة تتمتع بثروات طبيعية هائلة، فإنها لم تجد طريقها إلى غالبية الشعب الكونغولي، وهو ما يعزوه عديد في البلاد إلى الاستغلال المستمر من القوى الداخلية والخارجية.
إعلانويعتقد دانيال ماكاسي، المقيم في غوما، أن الاستعمار الذي كان لومومبا مصمما على محاربته لا يزال مستمرا، رغم أنه يظهر بطرق مختلفة اليوم.
وقال للجزيرة: "اليوم، هناك عدة أشكال من الاستعمار لا تزال مستمرة من خلال الشركات متعددة الجنسيات التي تستغل الموارد في جمهورية الكونغو الديمقراطية ولا تفيد المواطنين العاديين".
وأضاف أن الأفارقة بحاجة إلى توجيه روح لومومبا لوقف هذا الاستعمار الجديد بقدر الإمكان، حتى يتمكنوا من التمتع بكامل ثرواتهم الطبيعية.
وقال ماكاسي إن لومومبا كان قادرا على تحويل البلاد في فترة زمنية قصيرة، مما جعل الكونغوليين "أكثر فخرا"، وهذا يجعله "خالدا"، داعيا الناس إلى الاقتداء به.
ويوافق آخرون على أن الأجيال القادمة مدينة للومومبا "بديْنٍ لا يُقاس" لما بدأه.
وقال مويس كوميومبي، أحد سكان مدينة غوما: "بالنسبة لي، يُعد باتريس إيميري لومومبا رمزا للمقاومة ضد القوى الإمبريالية"، مذكرا بخطاب يوم الاستقلال في يونيو/حزيران 1960 الذي اعتبره البلجيكيون "هجوما شرسا"، لكنه لا يزال يُلهم عديدا من الأفارقة حتى يومنا هذا.
وقال كوميومبي "لقد ألهمنا أن نبقى وطنيين وحماية وطننا ضد جميع أشكال الاستعمار"، مذكرا نفسه بأن عمل لومومبا لم ينتهِ بعد.