كشف المنسق السابق للحكومة اللبنانية مع القوات الدولية العاملة جنوب لبنان "اليونيفيل"، ورئيس المحكمة العسكرية سابقا، العميد الركن منير شحادة، أن إسرائيل جنّدت بعض عناصر اليونيفيل سابقا، وأنه خلال الفترة بين عامي 2010 و2011 تم اكتشاف تجسس عناصر باليونيفيل لصالح إسرائيل.

وفي مقابلة خاصة مع "عربي21"، أوضح شحادة أنه حينما كان منسقا لأعمال الحكومة اللبنانية مع «اليونيفيل» تحدث مع قادة «اليونيفيل» أن "هذا الموضوع ذو حساسية عالية، ويجعل المواطنين في جنوب لبنان يناصبون العداء لقوات (اليونيفيل)، خاصة عندما يكتشفون أنهم يتجسسون على الشعب اللبناني".



وأشار العميد شحادة إلى أن "إسرائيل تسعى دائما لخرق الساحة اللبنانية أمنيا بواسطة عملاء، أو بواسطة طائرات تجسس، ووصل بهم الأمر لوضع أجهزة تنصت على قمم الجبال اللبنانية، وقد كشف الجيش اللبناني أكثر من مرة عن وجود أجهزة تجسس على شكل صخور تشبه الصخور الموجودة في جبل لبنان، وهي أجهزة متقدمة لمراقبة الساحة اللبنانية".

وبسؤاله عن مآلات الأوضاع في حال اندلعت حرب شاملة بين حزب الله وإسرائيل، أجاب: "بحسب معلوماتي، فلدى المقاومة في لبنان القدرة على ضرب قواعد الطيران العسكري الإسرائيلي خلال يومين أو ثلاثة، وستجعل سلاح الجو الإسرائيلي خارج الخدمة، عدا عن ضرب المناطق الحيوية في إسرائيل مثل معامل الكهرباء، ومفاعل ديمونة، والمحطات الكيميائية، وهذا سيرجع إسرائيل إلى ما قبل العصر الحجري، وأنا أعرف جيدا ما هي إمكانيات المقاومة في لبنان".

فيما يلي نص المقابلة الخاصة التي أجريناها مع المنسق السابق للحكومة اللبنانية مع القوات الدولية العاملة جنوب لبنان "اليونيفيل" العميد الركن منير شحادة:

الجيش الإسرائيلي استهدف مؤخرا دورية لقوات «اليونيفيل» وأطلق النار على سيارة في جنوب لبنان.. فلماذا لم تصل هدنة غزة إلى لبنان حتى الآن؟

بداية لنتحدث عن سلوك إسرائيل تجاه ‏«اليونيفيل»؛ فإسرائيل لا تحترم أحدا، لا تحترم قوات الطوارئ الدولية، ولا تحترم أي قوانين دولية، وهذا حتى من قبل معركة غزة.

ما حدث بالأمس القريب هو تعرض قوات الطوارئ الدولية لعدة قذائف من الجهة الجنوبية (جهة إسرائيل) ولم توقع خسائر، ولكن تعودنا على أن إسرائيل تعتدي على قوات الطوارئ الدولية دون أي رادع، وهذا لا يعني خرق الهدنة في لبنان، فهذا سلوك إسرائيل الدائم.

عندما أُعلن عن هدنة في غزة أعلنت المقاومة في لبنان أنها مستعدة للالتزام بالهدنة في حال التزمت بها إسرائيل؛ لذا فإن اعتداء إسرائيل على القوات الدولية لا يعني أن هناك خرق للهدنة، بل هو خرق للقوانين والشرائع الدولية.

كيف تقرأ موقف «اليونيفيل» من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على جنوب لبنان؟

دور قوات «اليونيفيل» في لبنان هو تسجيل الخروقات وإرسالها إلى الأمم المتحدة، وليس هناك أي إجراءات عملية على الأرض لردع خروقات إسرائيل؛ فمنذ تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701 بعد حرب عام 2006 استمرت إسرائيل في اختراق الأجواء اللبنانية بحرا، وبرا، وجوا، وما كان دور هذه القوات إلا تسجيل هذه الخروقات، وإرسالها إلى الأمم المتحدة.

وخلال تلك الفترة كنت "منسق الحكومة لدى القوات الدولية"، وكنّا نعقد اجتماعا في بلدة الناقورة يسمى «الاجتماع الثلاثي» يتكون من ثلاثة أطراف: إسرائيل، ولبنان، وإشراف الأمم المتحدة، لمناقشة الخروقات، ومشاكل الحدود اللبنانية، ونعرض الخروقات التي تقوم بها إسرائيل، ودائما ما كنا نطلب من الأمم المتحدة أن تردع إسرائيل لوقف هذه الخروقات، ولكن إسرائيل لم تنفذ شيئا.

ما أبعاد التنسيق بين «اليونيفيل» والجيش اللبناني بخصوص العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان؟

التنسيق بين قوات الطوارئ الدولية، والجيش اللبناني منصوص عليه في بروتوكول قرار تمديد تواجد القوات الدولية في لبنان، والتنسيق بين الجانبين قبل أحداث غزة كان يجري على قدم وساق، ولكن بسبب المعارك الجارية، والاستهدافات المتبادلة بين المقاومة والعدو الصهيوني، فإن التنسيق بين الجيش اللبناني واليونيفيل ما زال قائما ولكن دون إحداث أي تغيير على الأرض، والكلمة الآن للميدان.

هل هناك أي تواجد إسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية سواء عبر الموساد أو غيره من الأجهزة الإسرائيلية؟

إسرائيل تسعى دائما لخرق الساحة اللبنانية أمنيا بواسطة عملاء، أو بواسطة طائرات تجسس، ووصل بهم الأمر لوضع أجهزة تنصت على قمم الجبال اللبنانية، وقد كشف الجيش اللبناني أكثر من مرة عن وجود أجهزة تجسس على شكل صخور تشبه الصخور الموجودة في جبل لبنان، وهي أجهزة متقدمة لمراقبة الساحة اللبنانية.

أما على صعيد شبكات التجسس، فقد استطاعت الأجهزة الأمنية اللبنانية أن تكشف عدة شبكات تجسس تتبع الموساد الإسرائيلي عبر دول مثل تركيا، ودول أوروبية لتجنيد عملاء لجلب المعلومات عن المقاومة في لبنان، وتجرى محاكمة هؤلاء العملاء.

هل حاولت إسرائيل تجنيد بعض العاملين ضمن قوات "اليونيفيل"؟

سأكشف لك سرا لأول مرة: في مرحلة ما، في الفترة بين عامي 2010 و2011 تم اكتشاف تعامل بين إسرائيل وبعض عناصر اليونيفيل.

أما اليوم وقبل شهرين من الآن، وعلى مدار الثلاث سنوات الماضية كنت منسقا لأعمال الحكومة وعلى علاقة مباشرة مع «اليونيفيل»، وقد تحدثت مع قادة «اليونيفيل» أن هذا الموضوع ذو حساسية عالية، ويجعل المواطنين في جنوب لبنان يناصبون العداء لقوات «اليونيفيل»، خاصة عندما يكتشفون أنهم يتجسسون على الشعب اللبناني.

وقد تحدثت مع القائد الجديد لقوات الطوارئ الدولية الجنرال «أرولدو لازارو» -وهو إسباني الجنسية- لوضع هذا الموضوع في درجة عالية من الاهتمام؛ حتى لا يتكرر ما حدث في الماضي، حين اكتشفنا أن بعض عناصر «اليونيفيل» كانت تتجسس لصالح إسرائيل.

ما طبيعة علاقة إسرائيل بقوات «اليونيفيل» اليوم؟

إسرائيل لا تحترم أحدا، وسأعطي لك مثالا: عندما كان يطلب المسؤولون في قوات الطوارئ الدولية الاجتماع مع ممثلي الجيش الإسرائيلي للتنسيق في أمور تتعلق بالجانبين اللبناني والإسرائيلي كانوا يماطلون دائما، وفي بعض الأحيان لا يردون على الهاتف.

وأعطي مثالا آخر: عندما كانت تحدث مناوشات بين الجهتين (جنوب لبنان، وشمال الأراضي المحتلة) –قبل أحداث غزة الأخيرة- كان من المفترض أن يكون هناك تنسيقا بين «اليونيفيل» والإسرائيليين للتباحث حول بعض الإشكالات، فكان الإسرائيليون دائما يؤجلون الاجتماعات، وبالتالي كانت هناك معاناة لقوات الطوارئ الدولية مع الجانب الإسرائيلي من ناحية التعامل.

قلتم إن هناك ضغوطا تُمارس على الحكومة اللبنانية للضغط على حزب الله لعدم الانخراط في الحرب.. فمَن يقف خلف تلك الضغوط؟

لم تبقِ دولة أجنبية وخاصة الدول الفاعلة مثل أمريكا، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا.. إلا وقامت بالاتصال بالسلطات اللبنانية الرسمية المُتمثلة في رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، وكانوا يتحدثون بأسلوب الترهيب والترغيب، بمعنى: "أطلبوا من حزب الله ألا يتورط في الحرب مع إسرائيل؛ لأن هذا سيجلب الدمار على لبنان"، وكانت الرسائل تصل إلى المقاومة، ولكنها لم تلتزم، ولم تسمع  لهذه التهديدات، بل على الفور في 8 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أي بعد يوم واحد من عملية "طوفان الأقصى"، قامت المقاومة اللبنانية باستهداف دبابة ميركافا، وبدأت في استنزاف العدو الإسرائيلي على كافة جبهة الجنوب.

هل تعتقد أن حزب الله سينخرط في الحرب في حال تفاقمت الأوضاع؟

السيد حسن نصرالله صرّح بذلك في خطابيه السابقين، وقال: نحن نقوم بما هو لازم، وما نراه واجبا تجاه الحرب في غزة، والأمور تتصاعد يوما بعد يوم استنادا إلى ردة فعل الإسرائيليين على استهدافات حزب الله لإسرائيل، وقال أيضا: يجب أن تبقى العين على الميدان؛ فالميدان هو الذي يتكلم، وفي حال فُرضت علينا الحرب فإننا مستعدون لأن ننخرط مباشرة في حرب مع إسرائيل.

وماذا لو اندلعت مواجهة شاملة بين إسرائيل وحزب الله، كيف ستكون الأوضاع؟

إسرائيل هي مَن قالت: أنه في حال اندلعت حرب شاملة بين إسرائيل ولبنان (وتعني المقاومة في لبنان)، فإن لبنان تستطيع أن تطلق ألف صاروخ في اليوم على إسرائيل، وما يجب أن ننوّه عنه هو أن حزب الله يمتلك حاليا صواريخا ذكية، وصواريخا من العيار الثقيل يمكنها أن تُدمّر أحياءً كاملة في إسرائيل.

إسرائيل تعلم أنه في حال اندلعت الحرب بشكل مباشر بين المقاومة وإسرائيل فإن إسرائيل سوف تتكبد خسائر فادحة، وهذه المرة مختلفة تماما عن حرب 2006.

هل مفاعل ديمونة سيكون هدفا لحزب الله في حال وقوع حرب شاملة مع إسرائيل؟ وماذا لو حدث ذلك؟

كل متر مربع في فلسطين المحتلة تحت مرمى نيران المقاومة، بدءا من رفح جنوبا، وحتى شمال فلسطين المحتلة، بما في ذلك كل المناطق الحيوية في إسرائيل، سواء كانت مطارات، أو مفاعل ديمونة، أو مخازن الكيماويات في حيفا، وهذا ما صرّح به السيد حسن نصر الله في إحدى المرات.

البعض ينتقد تصرفات حزب الله ومواجهته غير المباشرة مع إسرائيل ويقولون إن لبنان لا علاقة له بحرب غزة.. ما تعقيبكم، وما مدى ارتباط القضية الفلسطينية بلبنان؟

بالفعل، هناك بعض الفرقاء اللبنانيين يرون أنه لا يجب أن تدخل لبنان في حرب غزة، ولا علاقة للبنان بهذه الحرب، لكن في الواقع فُرض على لبنان الانخراط في هذه الحرب؛ فلدينا في لبنان 500 ألف نازح فلسطيني، هؤلاء النازحون قدموا للبنان عندما بدأت إسرائيل باحتلال فلسطين، وقد استقبلنا قرابة 500 ألف فلسطيني في لبنان اعتبارا من عام 1948.

ولا يمكن أن ننسى الاجتياح الإسرائيلي للبنان لطرد ياسر عرفات من بيروت، والحرب التي قامت ضد لبنان بسبب وجود الفلسطينيين؛ فالذي أرسل الفلسطينيين إلى لبنان هو العدو الصهيوني.

وهناك نقطة مهمة يجب أن نشرحها للرأي العام ليعلم علاقة لبنان بهذه الحرب: في عام 1976 نشبت في لبنان حرب أهلية بين المسلمين والمسيحيين، لأن المسيحيين كانوا ضد تصرفات جبهة التحرير الفلسطينية في لبنان؛ لأنها كانت "مُسلحة" وتقوم بعمليات فدائية ضد إسرائيل؛ فالفريق المسيحي في لبنان رأى أن هذه التصرفات ضد السيادة اللبنانية، والفريق المُسلم كان مع القضية الفلسطينية ومع المقاومة أو الفدائيين الفلسطينيين الذين يقومون بأعمال عبر الحدود اللبنانية؛ فأدى ذلك إلى خلاف بين المسيحيين والمسلمين في لبنان، فنشبت الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما، وبعدها تدخلت قوات الردع العربية إلى لبنان وبقي الجيش السوري حتى عام 2005.

تداعيات الوجود الفلسطيني في لبنان ليس بيد اللبنانيين، والقضية الفلسطينية فرضت علينا كما فُرضت على الأردن، ونذكر الحرب التي قامت بين الفلسطينيين والملك حسين، وراح ضحيتها المئات من القتلى، والسبب في هذه الحرب هو احتلال العدو الصهيوني لأراضي الفلسطينيين، وطرد الفلسطينيون منها، وتوزيعهم في الدول العربية، والتي منها لبنان.

هدف إسرائيل من الحرب في غزة لم يعد فقط القضاء على حماس، بل يريدون ترحيل غزة إلى صحراء سيناء، وطرد الضفة الغربية إلى الأردن، وطرد الجليل الأعلى إلى لبنان، مما يعني القضاء على القضية الفلسطينية، وتوطين الفلسطينيين في لبنان، ويصبح عندنا مليون فلسطيني في لبنان، وهو أمر خطير، لذلك يجب علينا أن نكون منخرطين في هذه الحرب، حتى لا تُنسى القضية الفلسطينية، وأن يكون للفلسطينيين دولة ينتقل إليها المهجرين أو اللاجئين من الفلسطينيين.

كيف تقارن بين تسليح المقاومة الفلسطينية وتسليح حزب الله؟

نظرا للحصار المفروض على غزة -فحتى الهواء لم يكن يدخل إليها– وإغلاق معبر رفح أمام الفلسطينيين، حتى من أجل إدخال المواد الغذائية، اضطرت المقاومة الفلسطينية لاستيراد أو إدخال الأسلحة والذخائر إلى قطاع غزة بطرق التهريب.

أما لبنان فيختلف كليا عن غزة؛ لأن حدود لبنان مع سوريا كلها مفتوحة، والمقاومة تستطيع أن تؤمن دخول الأسلحة والصواريخ، وكل ما يلزم من سلاح المقاومة. لذلك، نرى أن المقاومة في لبنان لديها الكثير من الأسلحة، والكثير من الصواريخ، وحتى إسرائيل اعترفت بذلك، وذكرت لكم أن تقديرات إسرائيل في حال اندلاع الحرب: أن بإمكان المقاومة في لبنان أن تطلق يوميا ألف صاروخ، وهذا هو الفرق بين تسليح المقاومة في لبنان والمقاومة في فلسطين.

وزير الدفاع الإسرائيلي هدّد بإعادة لبنان إلى "العصر الحجري" في حال دخول حزب الله في حرب مباشرة مع الاحتلال.. كيف استقبلتم تلك التهديدات؟

هذه التصريحات لم تفاجئنا؛ فهي موجودة منذ زمن، والمسؤولون الإسرائيليون يصرّحون بمثل هذه التصريحات دوما، وسأجيب كل المسؤولين الإسرائيليين: فبحسب معلوماتي، وما أعلن عن المقاومة وقدراتها في حال اندلعت الحرب بين المقاومة في لبنان وإسرائيل.. فلدى المقاومة في لبنان -في الأيام الأولى من الحرب- القدرة على ضرب قواعد الطيران العسكري الإسرائيلي خلال يومين أو ثلاثة، وستجعل سلاح الجو الإسرائيلي خارج الخدمة، عدا عن ضرب المناطق الحيوية في إسرائيل مثل معامل الكهرباء، ومفاعل ديمونة، والمحطات الكيميائية، وهذا سيرجع إسرائيل إلى ما قبل "العصر الحجري".

ولا أقول ذلك من قبيل العواطف؛ فأنا أعرف جيدا ما هي إمكانيات المقاومة في لبنان، وقد رأينا مؤخرا ما قامت به المقاومة في لبنان باستخدام صاروخ "بركان" فقط، فقد دمّرت خمس قواعد إسرائيلية على الحدود اللبنانية تدميرا كاملا، أحد هذه القواعد هو مركز المخابرات المتقدمة، وإذا تحدثنا عن صاروخ البركان فهو أصغر صاروخ لدى المقاومة، وهو ليس بالصاروخ الذكي؛ فما بالك إذا تحدثنا عن الصواريخ الذكية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية مقابلات اللبنانية اليونيفيل إسرائيل حزب الله غزة لبنان إسرائيل غزة حزب الله اليونيفيل مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة المقاومة فی لبنان الساحة اللبنانیة الجیش اللبنانی القوات الدولیة الأمم المتحدة مع إسرائیل جنوب لبنان فی إسرائیل هذه الحرب إلى لبنان لا تحترم حزب الله یجب أن

إقرأ أيضاً:

أمّة المقاومة.. مقاومة الأمّة

 

ميزة الأمّة في المصطلح أنها عنوان جامع عابر للحدود الجغرافية والعرقية واللونية واللسانية، ولأنها أمّة فهي في ذاتها عصيّة على الزوال والاندثار والضعف؛ وما يبدو في بنيتها العامة من توزّع وانتشار واختلاف في المناطق والبلاد هو في الحقيقة عامل ديمومة وقوة وانتصار طالما أنه مشدود إلى الهدف نفسه والغاية نفسها، وأي هدف وغاية أوثق من المقاومة كخيار وثقافة ونهج وأسلوب ومسار!؟ هنا تكمن عناصر القضية.

بالأمس ودّعت أمّة المقاومة التي اجتمعت من جهات الأرض “قائداً تاريخياً استثنائياً.. وطنياً، عربياً، إسلامياً، وهو يُمثل قبلة الأحرار في العالم”؛ كما عبّر الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم خلال مراسم تشييع الأمينَينِ ‏العامَّينِ لحزب الله سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله وخليفته الشهيد الهاشميِّ ‏السيد هاشم صفي الدين. هذه الصفات الجوهرية التي لخّصها سماحة الشيخ قاسم في تعريف السيد الشهيد هي في الواقع تجسّد عناصر الأمّة التي قادها تحت عنوان المقاومة، والتي أرادها أن تتنكّب عبء المسؤولية في المبادرة والفعل لتصبح المقاومة في هذا المنحى عقيدة إيمانية أكثر منها خياراً تقتضيه ضرورة القيام لنيل الحرية والاستقلال.

أمّا مقتضى الرسوخ في ثقافة المقاومة، فهو يفترض إلى جانب العزم والإرادة والفعل وجود صلة تسمو فوق أصول المعرفة وقيود الاتصال والتواصل، وهو الحب، ولا تقف هذه القيمة الإنسانية السامية عند حدود الاقتناع بالفكرة والهدف أو الغاية والاتجاه بل تتجاوز أساسات القضية لتصل إلى التعلّق بالشخص – الرمز، وهي الميزة التي التصقت بسيّد شهداء الأمّة في تقويم أحاسيس ومشاعر الملايين الذين عشقوه دون أن يعرفوه أو يكون له أي صلة مادّية بهم، فتعلّقوا به وتبعوه وناصروه وأخلصوا له في حبّهم، فأتى من أتى في الحضور ومن لم يحضر شيّعه كأن القائد الشهيد حاضراً لديه، وهو بذلك “حبيب المجاهدين وحبيب الناس، حبيب الفقراء والمستضعفين، حبيب المعذبين ‏على الأرض، حبيب الفلسطينيين”.

هي الأمّة التي أيقظها السيد الشهيد من سباتها واستنهضها من ركود خلال ثلاثة عقود من المقاومة، وسارت معه قوافل ممتدّة من الشهداء والجرحى والأسرى، وخلفه اصطفت المجتمعات الصغيرة من الأسر الصابرة، ترعاها أمّهات ربّت أجيالها على حب المقاومة، وحجزت لنفسها مكاناً فاعلاً ومتفاعلاً في مراتب الأمّة، حتى غدت هذه المجتمعات في سيرورة متنامية فتحوّلت إلى مجتمعات كبيرة كسرت قيد الجغرافيا واللغة والانتماء العرقي والطائفي، وتعملق قرار المقاومة الذي أطلقه ليصبح خياراً ترفع لواءه الجموع التائقة إلى الانعتاق من أسر الاحتلال، واستطاع بحكمته وذكائه وشجاعته أن يؤسس للصلة التي يلتقي فيها المقاومون على هدف واحد، وهو تحرير فلسطين والمسجد الأقصى من الاحتلال الصهيوني.

اجتمعت الأمّة على خيار المقاومة، فأصبحت المقاومة دليلاً على الهوية وإليها، واستحالت سلاحاً في رحم الأحرار ومنهم، وهم الذين رأوا فيها القوّة التي ترفعهم من حضيض الاستكانة إلى قمّة التحرّك، ورأوا في السيد الشهيد الترجمة الفعلية للقيادة المؤهلة التي ستأخذ بأيديهم إلى تحقيق هدفهم الأسمى، فأضحى السيد نصر الله قبلة الأحرار في كل العالم، و”قاد المقاومة إلى الأمة وقاد الأمّة إلى المقاومة، فأصبحنا لا نميز بين مقاومةٍ وأمة..”، فكلّما كانت الأمّة ملتصقة بخيارها المقاوم ومخلصة في اتجاهاتها تحولّت إلى مقاومة يخوضها الأحرار، حيثما كانوا وأينما وجدوا، فتصبح أمّةُ المقاومة مقاومةَ الأمّة لا انفكاك في ذاتية كينونتها وعوامل قوتها، وتصبح الأمّة نفسها هي المقاومة التي تدافع عن الأمّة وتحميها وتقاتل من أجلها، موضع الروح من الجسد، فإذا انفصلت عن مقاومتها تحوّلت إلى كيان هشّ ضعيف لا حول له ولا قوة، وهذا لا يكون إلا بالتضحية والفداء وبذل الأنفس والأموال والأرزاق صبراً على ضيق إلى حين أوان الانتصار.

إنها الأمّة التي تحدث عنها سماحة الشيخ قاسم، والتي حضرت في مليونيتها السامية في تشييع سيد شهداء الأمة، وقد استشهد وجرح من أجلها عشرات آلاف المقاومين من القادة والمجاهدين في لبنان وفلسطين والعراق وسورية واليمن وإيران خلال معركتي “طوفان الأقصى” و”أولي البأس” حتى فرضت المقاومة حالاً من المراوحة الميدانية، ما اضطر العدو الصهيوني إلى طلب وقف إطلاق النار على غرار ما حصل في قطاع غزة، فوافقت القيادة على ذلك حرصاً على مصلحة المقاومة ولبنان باستمرار ‏القتال غير التناسبي وتحقيق الأضرار من دون أُفق سياسي ولا ميداني”، لتنتقل المقاومة إلى ‏مرحلة جديدة تختلف بأدواتها وأساليبها وكيفية التعامل معها”، وجوهر المرحلة هو أن المقاومة أنجزت ما عليها من ردع للعدوان، ومنعته من إسقاط الكيان اللبناني وإلحاقه بحظيرة الكيانات التابعة له، ويبقى على الدولة اللبنانية أن ‏تتحمل مسؤوليتها في الردع واستكمال التحرير.

حسم سماحة الشيخ قاسم في كلمته جملة من المحدّدات على المستويين السياسي والميداني، تشكّل بمجموعها برنامج عمل حزب الله في المرحلة المقبلة، وأعلن بداية حقبة جديدة في أداء الحزب والمقاومة على مستوى لبنان والمنطقة والعالم، كما أكد على جملة من الثوابت التي تلبّي طموحات الأمة وتطلعاتها، وأهمها:

– المقاومة حق وواجب ولا يمكن لأحد سلبنا إيّاه، وهي خيارنا الإيماني والسياسي ما دام الاحتلال وخطره موجوداً ‏نُمارس حقنا في المقاومة بحسب تقديرنا للمصلحة والظروف، ولا يُثنيها من يُعارضها، وتقتلع المُحتل ولو بعد ‏حين، والنصر النهائي حتميٌ ومطلق.

– أي هجوم تشنّه “إسرائيل” على لبنان لم يعد مجرد “خروقات” بل هو بمنزلة “احتلال وعدوان”، والمقاومة قوية عدداً وعدّة وشعباً ولا تزال مستمرة بِحضورها وجهوزيتها، وستمارس العمل المقاوم بالأساليب والطرق والتوقيت انسجاماً مع المرحلة وتقدير القيادة.

– لن نقبل باستمرار قتلنا واحتلالنا ونحن ‏نتفرج، ولا يُمكن لِأحد أن يطلب منا بأن ننكشف وأن نُقدم ما لدينا من قوة لِيتحكّم بِنا العدو.‏

– الرفض المطلق للمساعي الأمريكية للتحكم بلبنان، “لن يأخذوا بالسياسة الذي لم يأخذوه بالحرب”.

– المسؤولون في لبنان يعرفون توازن القوى، وسنتابع تحرك الدولة لِطرد الاحتلال ‏ديبلوماسياً، ونَبني بعد ذلك على النتائج. ونُناقش لاحقاً استفادة لبنان من قوته عند مناقشة الاستراتيجية ‏الدفاعية.‏

– المشاركة في بناء الدولة القوية والعادلة، والإسهام في نهضتها على قاعدة المساواة بين المواطنين في ‏الحقوق والواجبات وتحت سقف اتفاق الطائف..” لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه ونحن من أبنائه”.

– التأكيد على ثلاث ركائز أساسية في سياق بناء الدولة، وهي إخراج المحتل وإعادة الأسرى، وإعادة الإعمار والترميم والبنى التحتية كالتزام أساسي، وإقرار خطة الإنقاذ والنهضة الاقتصادية والمالية والإدارية والقضائية والاجتماعية.

– الحرص على مشاركة الجميع في بناء الدولة، وعلى الوحدة الوطنية والسلم الأهلي.

– فلسطين حق وهي بوصلتنا، ندعم تحريرها.. ونستمر على العهد.

ولعلّ البند الأهمّ في المحدّدات والثوابت التي أعلنها الأمين العام لحزب الله هي في تأكيد التحالف بين حزب الله وحركة أمل، والذي لا يقف عند وحدة المذهب الشيعي بقدر ما يتجسّد في تحالف شامل وتنسيق متكامل في المواقف ولا سيّما في الملفات الداخلية أولاً وثانياً في الاستحقاقات المقبلة التي تبدأ عند الانتخابات البلدية والاختيارية ولا تنتهي عند الانتخابات النيابية العام المقبل، فهذا “التحالف تعمّد بالدم والتضحية ‏والعطاءات والمقاومة والمواجهة، وإننا واحدٌ في الموقف وواحدٌ في الخيارات ‏وواحدٌ في السياسة”.

إن قراءة ملخّصات المواقف التي وردت في الكلمة المفصلية لسماحة الشيخ قاسم تفيد بأنها حملت رسالة واضحة وأكيدة لكل الأفرقاء في الداخل والخارج، وخصوصاً أولئك الذين راهنوا قبل العدوان الصهيوني وخلاله وبعده على سراب الوهم الأمريكي بهزيمة حزب الله، أن المقاومة باقية ومستمرة بقوتها وعزيمتها الراسخة في مواجهة المحتلّ وإحباط المخططات الأمريكية الرامية للهيمنة على لبنان وقراره وسيادته، وأن لا أحد قادراً على أن يضعف أو يلغي حضور حزب الله السياسي في تشكيل القرار الوطني، وأقوى دليل على ذلك إسهام الحزب في انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية وتسهيل تكليف نواف سلام لتشكيل الحكومة، وفرض الخيارات المناسبة في تسمية الوزراء الشيعة في هذه الحكومة. أما المظهر الأقوى يبقى للأحرار الذين تقاطروا من لبنان وخارجه وأثبتوا صدق وفائهم للمقاومة بحضورهم المليوني المبارك في مراسم تشييع السيدين الشهيدين، وأكّدوا أنهم أمّة المقاومة.

مقالات مشابهة

  • تهديدات باستئناف القتال.. إسرائيل تدق طبول الحرب قبل القمة العربية الطارئة
  • تحقيق عسكري إسرائيلي يكشف فشلًا استخباراتيًا في هجوم 7 أكتوبر
  • إصابة لبناني برصاص إسرائيلي في بلدة كفركلا الحدودية
  • ماندوليسي: اليونيفيل ملتزمة باستقرار جنوب لبنان
  • الرئيس عون من الرياض: فرصة للتأكيد على عمق العلاقات اللبنانية
  • أمّة المقاومة.. مقاومة الأمّة
  • وزير لبناني: البنك الدولي يعمل على تأسيس صندوق بقيمة مليار دولار للبنان ومهمتنا إنجاز الإصلاحات
  • زعيم الحوثيين: استئناف العدوان على غزة سيؤدي إلى تصعيد عسكري ضد إسرائيل
  • لقاء بين مفتي صور وقائد القطاع الغربي في اليونيفيل
  • إسرائيل تهدّد مجدداً... وسلام في الجنوب: ملتزمون اعادة الاعمار وتأمين العودة