رئيس الإنجيلية: مشاركة المواطن الإيجابية تُعد مفتاحا لبناء مجتمع قوي ومستدام
تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT
رحب الدكتور القس أندرية زكي، رئيس الطائفة الإنجيلية ورئيس الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، بالدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي، قائلا: أعرب عن تقديري لحضورها معنا اليوم، وحرصها المستمر على مشاركتنا في أهم الفعاليات، كما أشيد بدورها الفعال وعملها المخلِص المبني على أسس علمية، وخبرة عملية ثَرِيَّة؛ فهي باحثة متخصصة في مجال المجتمع المدني، وشاركت في الكثير من المبادرات وتعاونت مع العديد من الجهات والمؤسسات في العمل المجتمعي مُتَبَنِّيةً قضايا إنسانية واجتماعية ووطنية؛ مثل قضايا تمكين المرأة المصرية، وقضايا ذوي الإعاقة، وتقديم الدعم والتنمية للقرى والأسر الأكثر احتياجًا.
كما رحب الدكتور القس أندرية زكي خلال الكلمة التي ألقاها منذ قليل في افتتاح لقاء “معا نحو المستقبل: المشاركة والعمل” بالدكتور عبد المنعم سعيد، عضو مجلس الشيوخ والخبير في الشؤون السياسية، وهو أستاذ أكاديمي كبير، له العديد من المؤلفات والمقالات المهمة في الشأن السياسي.
والفاضل الإعلامي القدير حمدي رزق، وهو إعلاميٌّ رائدٌ، ذو فكر مستنير، وكاتب مبدع، وهو يقود مناقشة اليوم. خالص الشكر والتقدير.
كما أرحب بحضراتكم جميعًا في هذا اللقاء الذي ينظمه منتدى حوار الثقافات بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية "معًا نحوَ المستَقبَلِ: المشاركةُ والعَمَلُ".
وأشاد “زكي” بالجهود المبذولة من الدولة المصرية خلال السنوات الماضية لتدعيم مفهوم المواطنة، وترسيخ دعائمها، لحفظ التماسك الاجتماعي ودعم دور المواطنة الفاعلة وتعزيز المشاركة الإيجابية للمواطنين في كل ما يختص بشؤون بلادهم؛ لأن الوطنَ وطنُنا جميعًا ومسؤوليَّتُنا جميعًا.
وأضاف رئيس الطائفة الإنجيلية، أن المتابع الجيد للظروف الإقليمية والدولية يمكنه أن يدرك بسهولة عِظَم حجم التحديات والصراعات والنزاعات الجيوسياسية، التي تحيط ببلادنا، وبالإضافة إلى هذا، فقد أكدت التحدِّيات والظروف الراهنة أيضًا على أهمية الوعي المجتمعي لدى المواطنين، مما يعزز بدوره التكاتف والتعاون بين المواطنين، ويدعم قيمة الحوار وتعزيز الثقة بين الأفراد والمؤسسات، ويشجع على المشاركة الإيجابية المبنية على إدراك قوي لحجم المسؤوليات الفردية والمجتمعية.
وأكد “زكي” أن الحديث عن المشاركة الإيجابية للمواطن يتطلب أولًا معرفةً جيدةً وشاملة لمفهوم المواطنة؛ فلا يمكن حصر المواطنة في معنًى سياسيٍّ فقط؛ لذا يمكننا تعريفُ المواطنة باعتبارها “عمليةً شاملةً تتجاوزُ المساواةَ لتصلَ إلى العدالةِ بواسطةِ ربطِ الحقوقِ السياسيةِ بالحقوقِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ والثقافيةِ”، وبأنها تفاعلٌ بينَ الناس والجغرافيا، تتعلقُ بحقوق المواطنين وتتصلُ بالمكانِ المقيمين عليه، وتعززُ من شرعيَّةِ كلٍّ من المفهومِ الإقليميِّ والوطنيِّ.
تابع الدكتور أندريه زكي: هذا المفهوم الشامل للمواطنة يؤكد على تأثير مشاركة المواطن الإيجابية، باعتباره جزءًا من قضايا الوطن وطرفًا فاعلًا ومؤثرًا في تقرير مصير بلاده. ومن خلال الأرضية المشتركة، يسعى الجميع للعمل معًا في تكاتف مجتمعي يسهم في تحقيق التنمية وتعزيز الهوية الوطنية وحفظ أمن المجتمع واستقراره، في سبيل تحقيق مجتمع المتانة والمرونة.
لهذا فإن بناء المستقبل والحضارة يعتمد على الإنجازات المادية والإنشائية -فهي شديدة الأهمية وذات فاعلية أكيدة- ويعتمد أيضًا على ما استطاعت هذه الحضارات أن ترسخه من قيم ومبادئ تسهم في جعل المجتمع مستوعبًا للجميع، ومحفزًا للإبداع والتطوير والإنجاز. فمن خلال العمل على عقل الفرد وقابليته للتغيير ينتعش العقل الجمعي في مفهوم حضاري متكامل الأركان.
ومن هذا المنطلق، فإن مشاركة المواطن الإيجابية تُعَد مفتاحًا لبناء مجتمعٍ قويٍّ ومستدامٍ؛ إذ يفهم الفرد دوره في المجتمع ويتحمَّل المسؤولية تجاهه، وتصبح لديه القدرة على تغيير الحاضر وتشكيل مستقبل أفضل؛ لأن تفعيل الإمكانيات الفردية في إطار جماعي يعزز التضامن ويؤسس لمستقبل يعتمد على التفاعل الإيجابي بين أفراد المجتمع. ويتطلب هذا اتباع استراتيجيات متعددة لبناء القدرات الاجتماعية للمواطن، لترسيخ الثقة بأهمية المشاركة باعتبارها مسؤوليةً وواجبًا، وحقًّا في الوقت ذاته. وتسهم المشاركة أيضًا بدور فعال في تنمية الشعور بالانتماء والولاء للمجتمع.
وعلى صعيدٍ آخر، تأتي المواطنة نتاجًا للتفاعل بين المجتمع المدني والديمقراطية، فتصير أداة اتزان يمكن أن تسهم في تطوير العلاقة بين المواطنين والدولة. فتعمل المنظمات غير الحكومية بين الجماهير والجماعات الفقيرة، وتعلم السكان كيف يتعاملون بشكل إيجابي مع مؤسسات الدولة لكي يحصلوا على خدماتهم ومصالحهم المستحقين لها. وتدعم أيضًا مفاهيم المشاركة الإيجابية السياسية والمجتمعية.
وثمن رئيس الطائفة الإنجيلية، دور الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، التي عملت منذ تأسيسها على تنمية الوعي واهتمت بقضايا التنمية والحوار، اهتمامًا بالغًا، كما ساهم منتدى حوار الثقافات عبر تاريخه في رسم نموذج إيجابي لقيمة المشاركة المجتمعية ودور المواطن والمجتمع المدني، من خلال ترسيخ مفاهيم المواطنة والعيش المشترك والتماسك المجتمعي والحوار والتعددية وقبول الآخر.
وتستثمر الهيئة القبطية الإنجيلية كل ما لديها من آليات وإمكانات في الخروج بهذه الأفكار من قاعات اللقاءات، فتهتم بالعمل والشراكة مع كافة الجهات الحكومية والتنفيذية، وعلى رأسها وزارة التضامن الاجتماعي، والمشاركة معها في المبادرات التنموية، والتي تعكس إيمانها بأن التنمية محور رئيسي من محاور تنمية المواطنة وتعزيز تماسك المجتمع، كما تتبنى الهيئة شراكات مع منظمات مجتمع مدني أخرى، لأجل تعظيم الفائدة من المجهودات المبذولة في تصميم وتنفيذ مبادرات مجتمعية تستهدف الفئات الفقيرة والمهمشة ثقافيًّا، واستخدام مُدخلات متنوعة تشمل الفنون وجلسات الحوار وتبادل الخبرات ليتلامس الحوار مع أرض الواقع والوصول للقاعدة الجماهيرية.
واختتم الدكتور القس أندرية زكي رئيس الطائفة الإنجيلية، وأخيرًا، فإن الانطلاق نحو المستقبل ينبغي أن يبدأ من استلهام الماضي، وتأسيس الحاضر، بتحديد الأهداف، ودراسة القضايا والتحديات بدقةٍ، وإدراك الفرص المتاحة، للتوصُّل إلى قرارات سليمة.
وأؤكد أن هذه ليست مسؤولية الدولة فقط، بل هي مسؤوليةٌ متعددةُ الأطراف، وواحد من أهم أطرافها هو المواطن، ودائمًا وأبدًا، نصلي لأجل بلادنا وقادتها، لأجل أمانها وسلامها وتقدمها وازدهارها، ونشارك في العمل لخدمة وطننا الغالي وبناء مستقبله المشرِق.
adeaf8a7-a403-45da-85b1-9d5415fa00bf 72b275c7-2a63-47f2-a8b2-df5d6d0587be 461a9b5c-94d2-4249-b6ba-40d48b0d24dc 872e0610-7887-460d-a15e-8823e81e6d19 f47fffef-61ee-4029-88cd-8ab6960b0880المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الدكتور القس أندرية زكي الدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي الدولة المصرية المواطنة الهیئة القبطیة الإنجیلیة المشارکة الإیجابیة رئیس الطائفة
إقرأ أيضاً:
د. عبدالله الغذامي يكتب: المواطنة العالمية
في مقابلة مع طالبات يدرسن في ألمانيا، وهن من بيئات آسيوية، وصفت إحداهن نفسها بأنها مواطنةٌ عالمية، وحيث ما وجدت البحث العلمي ذهبت إليه وانتسبت لمكانه، وهذه الطالبة تدرس الذكاء الاصطناعي وتشارك فرقاً بحثية تعمل على مشروعات في هذا المجال (دي دبليو 15 نوفمبر 2024)،
هنا يحضر مصطلح برتراند راسل عن المواطن العالمي، ويقصد فيه الفيلسوف الذي منحه راسل صفات تجعله متميزاً عن سائر البشر من حيث معاني المثالية المتعالية، ولكن مصطلح راسل سيتصادم مع فكرة الفيلسوف الواقعي الذي من شأنه أن يعمل مع عقول الآخرين من عموم البشر، وهي عقول متعددة تعدداً يبلغ حدود التناقض حتى بين الفلاسفة أنفسهم، ولا يتعامل مع عقل واحد كلي في ذاته وفرداني في جوهره، ومن ثم هو عقل متعدد ومتغير بالضرورة، وله لغات لا تحصى وله انشقاقات ذاتية أهمها أنه إنساني تمسه كل سمات وصفات الإنسانية، لأنه يقوم على المنطق والاجتهاد والاحتمالية على نقيض الذكاء الاصطناعي، الذي هو عقل واحد كلي وقطعي وله إجابة واحدة يشترك فيها البشر مع تنوع وحيد هو تنوع اللغة لكن النتيجة واحدة.
وإن كان تعبير الطالبة ذا قيمة علمية وبحثية من حيث الانتماء للبحث، إلا أن عالميتها هنا هي إلغاء للعالمية لأن الحاصل في حال الطالبة هو تهشيم الفروق، فإن تنوعت ذكاءات البشر فإن الاصطناعي واحدٌ، وإن كان كلياً عالمياً فهذه سمات تعتمد التماثل، وأي عمل في وادي سيليكون مثلاً سيتكرر بكامل عناصره في كل بقعة من العالم بمجرد شراء البرنامج وتطبيقه أو ترجمته لأي لغة حية.
هنا نحن أمام فارق جوهري، فالطالبة الهندية لم تعد هندية إلا بلونها ولهجتها لكن نظامها التفكيري سيسير وفق الذكاء الاصطناعي وليس الذكاء البشري، وستتصنع مع الاصطناعي كما أي طالب ألماني أو غيره، بينما عالمية راسل أخذت منظومة صفات أخلاقية هي صفات مطلوبة إنسانياً وهي مثالية وتنوعها يأتي عبر تنزيلها العملي وهل سيتمثلها البشر أم ستظل حلماً فلسفياً مثالياً يعبر عن أمنية، كانّها قصيدة شعرية تبعث على الدهشة ولكنها تقف عند حد الاندهاش، مقابل واقع بشري مختلف تماماً، وهذا ما جعل راسل يخص ذلك بالفيلسوف أي بنفسه تحديداً لأن غيره سيقول غير ذلك.
ويقابل هذا التنوع ما يطرحه الذكاء الاصطناعي من صيغة بشرية واحدة قد تئد إبداعية العقل البشري وتخضعه لنظام من الثقافة الرقمية التي لا تتسع للاجتهاد ولا للأخطاء، في حين أن الأخطاء هي أعمق سمات التفكير البشري لأنها مفاتيح الكشف والابتكار وكأن الذكاء الاصطناعي يسير ضد فكرة الإبداع التي هي فردانية وليست جمعية.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض