عربي21:
2025-03-12@19:51:29 GMT

ثلاث دول باتت عبئاً على أميركا

تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT

بعد أن كانت الولايات المتحدة تعتمد على قواعدها العسكرية لبسط نفوذها على العالم، في مختلف أرجائه، في الشرق والجنوب خاصة، وبعد أن لفظت حركات التحرر التي ظهرت على هامش الحرب الباردة معظم هذه القواعد العسكرية من بلادها، صارت أميركا تعتمد على ما يمكن وصفه بالدول العميلة وهي غير الدول الحليفة، ذلك أن الدول العميلة لها وظيفة محددة، وهي صد إمكانية أو احتمال دولة عظمى عن منافسة أو تهديد النفوذ الأميركي الخارجي، أو الحفاظ على ذلك النفوذ وتلك السيطرة من أي تهديد في المستقبل.



وفي هذا السياق، نحاول أن نستعرض ما آلت إليه أحوال العلاقة بين نماذج ثلاثة من الدول التي تعتبر مرتبطة تماماً بالولايات المتحدة، أو حتى أنها تقوم بمهمة رئيسة من أجلها، وليس من أجل شعبها أو مستقبلها أو حتى كيانها، وهذه الدول الثلاث هي: تايوان، أوكرانيا، وإسرائيل. ورغم أن الولايات المتحدة جربت مثل هذا النموذج خلال الحرب الباردة، ورغم أن بعض النماذج التي صنعتها قد نجح نسبياً وبعضها قد فشل تماماً، إلا أن الأهم هو أنها لم تتعلم الدرس، وأنها لم تدرك بعد أن عصرها الإمبريالي قد ولى، وأن تلك «الدول» التي ربطتها معها بحبل سري، قد صارت - بدلاً من أن تكون عوناً أو حتى عيناً لها - عبئاً عليها، بأكثر من معنى، اقتصادي، أمني، سياسي، وحتى شعبي وأخلاقي.
بعد انقلابات عدة ضد الأنظمة الشيوعية التي ظهرت في أميركا الجنوبية، نجحت أميركا في اغتيال وإسقاط نظام سلفادور الليندي في تشيلي، لكنها فشلت طوال عقود طويلة في إسقاط نظام فيدل كاسترو في كوبا، كذلك فشلت في شرق أوروبا إلى أن ظهر ليخ فاليسا زعيم نقابة التضامن البولندية، والذي تولى رئاسة بولندا بين عامَي 1990 - 1995 بعد أن أسقط نظامها الشيوعي، ما فتح الأبواب لسقوط كل الأنظمة الشيوعية في شرق أوروبا ثم في الاتحاد السوفياتي نفسه، والى تفكك الاتحاد السوفياتي واتحادات الدول الشيوعية، في يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا، وهذا ما شجع الولايات المتحدة، لاحقاً على الاعتقاد بأن زعامتها الأحادية للعالم، ستبقى إلى ما شاء الله.

وحقيقة الأمر، أن بعض النماذج من الدول التي تتبع أميركا باعتبارها زعيمة العالم الرأسمالي، وذلك إبان الحرب الباردة، كانت عبارة عن انقسامات لقوميات ما بين قطبَي عالم الحرب الباردة، هنا يبرز نموذج كوريا، الشمالية والجنوبية، والذي ما زال قائماً، ونموذج ألمانيا الشرقية والغربية الذي انهار مع انتهاء الحرب الباردة، وكان الجنوب الكوري والغرب الألماني اختارا النمط الرأسمالي، مقابل الدولة الشيوعية التي اختارها شقاهما الشمالي والشرقي، وكان هذا حتى حال اليمن العربي الذي كان منقسماً ما بين دولتَي الجنوب والشمال، وهكذا يمكن القول: إن هناك دولاً حليفة للولايات المتحدة، ليس على قاعدة اختيار نموذج الحياة الرأسمالي فقط، وإنما على قاعدة أمنية عسكرية، في مواجهة جار مختلف، أو أنهما في حالة حرب وصراع، يدفع الدول الحليفة للولايات المتحدة، لأن ترتمي في أحضانها تماماً، نظراً لكونها حاميتها العسكرية.

اليابان وألمانيا كانتا عدوتين للغرب الرأسمالي، رغم أنهما لم تختارا النظام الشيوعي، بل كانت الحرب بينهما وبين الغرب، على أساس التنافس في الهيمنة الإمبريالية، فاليابان كانت عملياً تحتل الصين، وألمانيا احتلت معظم الشرق الأوروبي بما في ذلك فرنسا، لكنهما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بهزيمتهما، منعتا من التسلح، فركزتا جهدهما على التمنية الاقتصادية، وهكذا تحولتا إلى عملاقين اقتصاديين، يتمتعان بدرجة ما من الاستقلال عن التبعية الأميركية الكاملة، فيما كانت كوريا الجنوبية، أكثر منهما نسبياً فيما يخص التبعية لأميركا، كونها رغم قوتها الاقتصادية، فإنها لم تجمع بين القوة العسكرية والاقتصادية، لذلك بقيت بحاجة إلى الحماية الأميركية في مواجهة قوة الشمال الكوري العسكرية.

ولأن الحماية الأميركية العسكرية ليست مجانية، فإن مقابلها يكون في الحفاظ على النفوذ الأميركي حتى في العلاقة مع أوروبا الغربية، أو أوروبا كلها بعد انتهاء الحرب الباردة، لذا بقي بعض الجيوب المتمردة على نظام أميركا العالمي، التي تعاجلها أو تستمر في التعامل معها وفق منطق «التعايش» إلى حين، كما يتعايش بعض مرضى السكر أو الضغط مثلاً، وهذا ينطبق على نموذج الكوريتين، أو فنزويلا وكوبا في أميركا الجنوبية، لكنه ليس كذلك فيما يخص تايوان وإسرائيل وأخيراً أوكرانيا.
العلاقة مع إسرائيل بقيت رغم أن إسرائيل أقيمت كقاعدة عسكرية متقدمة للغرب الإمبريالي للحفاظ على نفوذه في الشرق الأوسط النفطي، برعاية بريطانيا زعيمة ذلك الغرب ما بين الحربين العالميتين أولاً، وأميركا زعيمته منذ ما بعد الحرب الثانية، رغم توالي العصور، منذ الحرب العالمية الأولى حتى اليوم، وذلك يعود إلى أهمية الشرق الأوسط من جهة، وإلى عقدة الغرب فيما يخص المحرقة، فيما ازدادت أهمية تايوان، والتي كانت في طريقها للالتحاق بالصين، كما حدث مع هونغ كونغ من قبل، لولا تعاظم قوة الصين الاقتصادية، ومنافستها لأميركا نفسها في هذا المجال جامعة ما بين القوتين الاقتصادية والعسكرية، وانفتاح أبواب العالم أمام بضائعها أولاً ثم أمام مشاريعها ثانياً.

أما أوكرانيا فقد تم «اختراعها» كدولة عميلة، حديثاً، وذلك بعد أن تولى جو بايدن إدارة البيت الأبيض، لأنه اختار سياسة تحطيم الطموح الروسي بالخروج عن طوع أميركا، وفي الوقت الذي حاول فيه تحييد إيران، للاستفراد بالصين، زج بأوكرانيا في أتون حرب استنزاف لروسيا، لكن وحيث لم يسقط نظام بوتين، فإن استمرار الحرب في أوكرانيا منوط بأميركا، ذلك أن روسيا أخذت من أوكرانيا ما تريد، أي شرقها وجنوبها وضمته لها، وفقدت أوكرانيا معظم قوتها العسكرية وتعرضت مدنها للدمار ولتشريد الملايين من شعبها.

تحولت أوكرانيا بسبب الفشل في إلحاق الهزيمة بروسيا، إلى عبء مالي وسياسي على أميركا، فمن أصل نحو مائة مليار دولار منحت لأوكرانيا خلال الحرب، كان نصف هذا المبلغ من أميركا وحدها، وقد ظهر ذلك جلياً في موافقة الكونغرس على 46.6 مليار دولار من المساعدات العسكرية المباشرة لأوكرانيا، أما تايوان، فقد بدأت ميزانية الدفاع الأميركية تخصص مبلغاً صريحاً لتايوان، حيث أقر الكونغرس الأميركي في أواخر العام الماضي أن تتضمن ميزانية الدفاع مبلغ 10 مليارات دولار كمساعدات عسكرية ومبيعات أسلحة لتايوان.

أما الدعم الأميركي المالي والعسكري لإسرائيل فليس له مثيل، حيث تقدر المساعدات لإسرائيل بـ 55% من مجمل المساعدات الأميركية الخارجية، وتشير التقديرات إلى أن أميركا منحت إسرائيل منذ تأسيسها في العام 1948 نحو 270 مليار دولار، وأنها أقرت مساعدات لها خلال عشر سنوات ما بين عامَي 2019 - 2028 بقيمة 28 مليار دولار، وهذه المساعدات تشكل 18% من الميزانية العسكرية الإسرائيلية.

ولا يقتصر الأمر على منح أميركا إسرائيل القسط السنوي المتمثل بالتزامها خلال العشر سنوات المشار إليه، والذي بلغ العام 2020 (3.8) مليار دولار، فقد منحت أميركا إسرائيل خمسة مليارات أخرى في ذلك العام لتوطين المهاجرين الجدد في إسرائيل.

واليوم وبعد وقوع الحرب السادسة على قطاع غزة، وبعد تقديم أميركا كل ما احتاجته إسرائيل من ذخائر، عبر جسر جوي احتوى على مساعدات عسكرية تقدر بـ 8 مليارات دولار ألقتها على قطاع غزة، بما يعادل ثلاث قنابل نووية من مثل تلك التي ألقيت على هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين من قبل أميركا في الحرب العالمية الثانية، وذلك حسب تقديرات المراقبين، إضافة إلى كل ذلك، فإن إسرائيل طلبت مساعدات طارئة بقيمة 10 مليارات دولار، وكل هذه الأموال تصرف للإبقاء على النفوذ الإمبريالي الأميركي الذي ينهب ويسرق مقدرات شعوب العالم، وإضافة إلى ما صرفته أميركا في السنوات الأخيرة بالعراق وأفغانستان للغاية ذاتها، فإن كل تلك المبالغ كان يمكنها أن تمنح البشرية ما يسد رمق ملايين الجوعى، وما يمنح البشر السعادة والحياة الأفضل.
(الأيام الفلسطينية)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الولايات المتحدة غزة فلسطين الولايات المتحدة غزة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحرب الباردة ملیار دولار ما بین رغم أن بعد أن

إقرأ أيضاً:

رسوم أوروبية ردًا على الأميركية التي دخلت حيز التنفيذ

سرايا - أعلن الاتحاد الأوروبي عن فرض رسوم جمركية مضادة على سلع أميركية بقيمة 26 مليار يورو اعتبارًا من الشهر المقبل، ردًا على الرسوم الأميركية على الصلب والألمنيوم بحسب ما أعلنته المفوضية الأوروبية في بيان عبر موقعها الرسمي، اليوم الأربعاء.


ودخلت رسوم نسبتها 25%، التي فرضها الرئيس الاميركي دونالد ترمب على واردات الصلب والألمنيوم، حيز التنفيذ اليوم.


ومن المتوقع أن تؤدي هذه الرسوم إلى زيادة تكاليف الإنتاج في الولايات المتحدة، مما يهدد بارتفاع أسعار المستهلكين مستقبلاً.

 

 

إقرأ أيضاً : أول رد رسمي من العراق بشأن أعمال العنف ضد السوريينإقرأ أيضاً : اغتيال السفير السوري المنشق "نور الدين اللباد" وشقيقه في درعا .. فيديوإقرأ أيضاً : اجتماع خاص في مجلس الامن بشأن ايران



تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 1069  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 12-03-2025 10:56 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
"مفرمات لحم" لأمهات الجنود القتلى .. هذا ما حصل روسيا في يوم المرأة جريمة مروعة تهز المغرب .. جثة طفلة في حاوية قمامة سيدة مجهولة تركت بعد وفاتها 1.8 مليون دولار لأعمال الخير كسر الباب وخنقها بوحشية .. فتاة توثق لحظات اعتداء حبيبها عليها مشاجرة بين النائبين محمد الجراح وقاسم القباعي ..... النائب الجراح يكشف لـ"سرايا" تفاصيل شجاره... اغتيال السفير السوري المنشق "نور الدين... الحكم بسجن روان بن حسين 6 أشهر مع غرامة والإبعاد... العرموطي يعلن عبر سرايا إنهاء الخلاف بين النائبين... "يسيء لعائلتنا مقابل المال" .. رغد صدام...أول رد رسمي من العراق بشأن أعمال العنف ضد السورييناغتيال السفير السوري المنشق "نور الدين...اجتماع خاص في مجلس الامن بشأن ايران‏الأمن العراقي يلاحق مرتكبي أعمال عنف بحق عمال سوريينالبيت الأبيض:" ترامب هو المفاوض الرئيسي ووضع...البلعوس: سيتم تفعيل الأمن العام في السويداء بعناصر..."هآرتس": الجيش الإسرائيلي يعتزم بناء...ترمب يشتري سيارة "تسلا" ويعتبر الهجوم على... نقيب الفنانين السوريين: "النقابة كانت أشبه... أصالة نصري تحرج إبنتها وتحتفل بـعريسها القادم بشار إسماعيل يوجّه رسالة غاضبة: "قتلولي عائلتي... بعد أن اتهمها بالكذب .. لوسي ترد على حمادة هلال مسلسل فهد البطل الحلقة 11 .. أحمد العوضي يضرب... محمد صلاح يبكي متأثرًا بخسارة ليفربول أمام باريس سان جيرمان النشامى يواصل تدريباته .. ويستبعد علوان للإصابة ريال مدريد يتطلع لإنجاز مهمة بلوغ ربع النهائي في "متروبوليتانو" برشلونة يعبر بنفيكا بثلاثية ويبلغ ربع نهائي دوري أبطال أوروبا بدء محاكمة المتهمين في وفاة الأسطورة مارادونا خسوف وكسوف خلال آذار طفل 4 سنوات يستدعي الشرطة لاعتقال والدته .. والسبب مفاجئ! في تدخل طبي نادر .. جراحة دقيقة تنقذ بصر فتاة فلسطينية بالفيديو .. ماعز قرب حاويات النفايات: "كلو بياكل من الزبالة" صحيفة:"مقهيان في كييف يشطبان اسم ترامب من تسمياتهما" كسر الباب وخنقها بوحشية .. فتاة توثق لحظات اعتداء حبيبها عليها جزيرة "سرية" يذهب إليها الأثرياء لـ"العيش للأبد"! عثر على 25 ألف دولار .. جزائري يروي قصته مع صاحبها مليار دولار ضحية الاحتيال .. تاجر يخدع 40 شركة وهذا مصيره ترامب: سأشتري سيارة "تسلا" جديدة دعمًا لإيلون ماسك

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • خسائر بالمليارات.. كيف أثّر فوز ترامب على ثروات مليارديرات أميركا
  • رؤوس نووية وقبة حديدية في أميركا.. تعرف على أبرز خطط ترامب العسكرية
  • رسوم أوروبية ردًا على الأميركية التي دخلت حيز التنفيذ
  • فاينانشال تايمز ترصد الاقتصادات الصاعدة التي ولدت خلال الأزمة المالية
  • بالفيديو.. خبير صحة عالمية: التلوث البيئي يزداد في الدول التي تعاني من الحروب
  • “ميكي 17” يتصدر شباك التذاكر في أميركا الشمالية
  • ما المعطيات العسكرية التي أدت إلى اتفاق دمشق وقسد؟
  • لبنان في مركز مُتقدّم.. إليكم ترتيب الدول العربية التي لديها نساء متعلمات أكثر من رجالها
  • رمضان يخفف من قساوة التحديات التي يواجهها رواد الأعمال السودانيون
  • قفزة للواردات المصرية رغم قيود الإستيراد