احاول ابسط المسألة
وقت جات الانقاذ فى ١٩٨٩ كانت من اهم مشاريعا حاجه اسمها اسلمة المجتمع ودا بيعنى تحويل المجتمع كفاعل اساسي وحامل للمشروع الاسلامى وقدمت اهم كوادرا على عثمان محمد طه الرجل الثانى فى الحركة وقائد كتلة المعارضة فى اخر برلمان قبل الانقلاب قدمته كوزير لوزارة للتخطيط الاجتماعى ودى كانت اهم وزارة ورأس الرمح فى المشروع الحركي.

..ومن اسمها واضح المطلوب منها اعادة هندسة المجتمع بما يتوافق مع المشروع الاسلامى وطبعا فشل فى المهمة كما فشل فى كل المهام الاخرى كالعادة لانه كان طامح للوزارات ذات البريق والاسم اللامع (لاحقا اصبح وزير خارجية ونائب للرئيس) واحدة من مطلوبات المجتمع كفكرة مركزية عرضا حسن الترابي كتير جدا كانت القيام بواجبات (الجند) باعتبار الاصل فى العسكرة الاسلامية انها حركة مجتمع بيقوموا بيها الناس بمختلف مهنهم مزارعين ورعاة وتجار وطلاب وغيرهم متى دعى داع الحرب ومتى انتهى واجب الحرب بيعودوا للوظائف الطبيعية حقتم فانت محتاج لمجتمع قادر على حمل السلاح تطوعا كواجب اجتماعى.. ودى بتخدم حاجتين الحاجة الاولى بتقلل من اعداد الجند الاحترافى فى مؤسسة الجيش وبتقلل من سطوة الجيش كمؤسسة لانهم كانوا واعين بالجيش المستخدم فى الفعل السياسي (انقلابات) فعاوزين يكسروا الهاجس دا .. فحصل تطهير لمؤسسة الجيش على مستوى القيادة واحلال وادخال للعناصر الاسلامية بداية من الدفعة ٣٩ وحتى اخر دفعة صبيحة سقوط الانقاذ يعنى طوال ٣٠ سنه ..
والفكرة انك محتاج ضباط اسلاميين للقيادة والسيطرة تقود بيهم مجتمع اسلامى متطوع قادر على تحقيق مطلوبات الحرب ..
فمن جهة بتسيطر على الفعل العسكرى بالكوادر الاسلاميه ومن جهة بتكسر المؤسسة كمهدد وبتستعيض عن الافراد (المشاة) بالجندى المقاتل المتطوع عشان كدا انتشرت معسكرات الدفاع الشعبي ولاحقا مشروع الخدمة الوطنية ما قبل الجامعة.. لا ككيان مساعد للجيش وانما كبديل حقيقي للجيش.. وعند الحرب كانت غالب الاستجابة من كوادر الاسلاميين.. بداية من متحركات صيف العبور فبتلاحظ فى مراحل مفصلية كانوا هم القوة الضاربة مثلا فى لواء القعقاع ١٩٩٥ كانوا اكثر من حداشر الف وفى ١٩٩٧ تم نقل المجاهدين من جنوب النيل الازرق جزء مشى الاستوائية (الميل اربعين) وجزء مشى الشرق (جنوب طوكر) للاستفادة من قدراتم القتالية الشاهد انه حركات السحب والتحويل والاعتماد كانت على الكوادر الحركية على حساب العسكرى الاصيل وبقى فى تدريب نوعى وتشوين نوعى بل ووحدات ومجموعات خاصة بالكامل من المجاهدين مجموعات اتدربت مدرعات ومظلات وعمل خاص سرايا الخضراء و(مجموعة ابو فاطمة والبرق الخاطف) وغيرهم.. حتى تحرير جنوب طوكر عقيق وعقيتاى كانت القوة الضاربة مجموعة (اولاد بورتسودان).. واتحول دعم الجيش لتدليل الضباط والسيطرة اكثر عبر الهيئة الخيرية لدعم القوات المسلحة الماسكنها كوادر الحركة الاسلامية..
فتدمير الجيش المؤسسة كان مقصود وفى نفس اللحظة الابقاء عليهم تحت السيطرة بما يناسب مطلوبات القيام بواجب الحرب المؤسس على المقاتل الحركى كان مقصود..
طبعا فشل تحويل المجتمع للقيام بالواجب الحركى وظل الاعتماد على المقاتل الاسلامى الى ان حدثت ازمة المفاصلة الاسلامية ١٩٩٩ وانقسام التنظيم وذهاب اغلب المقاتلين والشباب والطلاب الى جناح المؤتمر الشعبي عشان كدا بتلاحظ الاستنفارات بعد المفاصلة كانت اقل زخما واقل استجابة وحصل جمود وعدم تقدم فى محاور العمليات ودا (ربما) كان سبب اساسي للاتفاق مع الحركة الشعبية جنوب السودان على اتفاق السلام الشامل.. بل لاحقا اتضرب العمق الداخلى فى ابوكرشولا وابوجبيهة .. فحاولوا يستعوضوا بقوات جاهزة من ضمنها (الجنجويد) موسى هلال والسافنا ودقلو لاحقا وادخالم فى صراع دارفور عشان الجيش (ما قادر)..
بعد داك جات مخاوف صراع الاجنحة داخل الحركة وامكانية استخدام الجيش (القيادة) فتم وضع الجنجويد كمكافئ فى القوة قادر على المواجهة..
الخلاصة ان عملية تكسير الجيش كمؤسسة قتالية اصيلة كانت عملية مقصودة لخدمة مشروع الحركة الاسلامية فالأزمة مافى القيادة وانما فى المؤسسة نفسها كحامى للمشروع الاسلامى على مستوى الضباط وكمدمر من ذات المشروع الاسلامى على مستوى الجنود والانتشار.. الجيش الانسحب من القواعد والمعسكرات فى الحرب الاخيرة هو ذاته المنسحب من نمولى الى جوبا ومن قرورة الى طوكر ومن جنوب النيل الازرق ومن دارفور فى مواجهة الحركات..
هذه امكانياته وهذه قدراته التى صنعتها الحركة الاسلامية لتسيطر عليه على حساب الوطن.. الموضوع كان فلسفى ومقصود وليس خبط عشواء... وتحاول اليوم الاعتماد عليهم ضد الجنجويد الذين صنعتهم ايضا لمواجهة الجيش اذا تمرد عليهم فى يوم ما..
وبمشاريعهم الخاصة أفضوا بالوطن الى هذه المأساة بتلك الملهاة.  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

الجيش ليس للقتال فقط بل يشكّل الدول ويتحكم بمستقبل الإنسان

"لم يكن أحد يخطط لثورة في مجال استخدام الروبوتات في الأغراض العسكرية، لقد تعثر بها الجيش الأميركي مصادفة".

بول شاري، مدير الدراسات في مركز الأمن الأميركي الجديد

 

رغم أن تاريخ أول طائرة مسيّرة يعود لأكثر من قرن من الزمان، حين نجحت بريطانيا في إنتاج طائرة صغيرة يُتحكَّم بها عن بُعد في مارس/آذار 1917، فإن تلك الطائرة لم تُستَخدم عمليا أثناء أية حرب.

وفي حين أتاحت الحرب الكورية (عام 1950) المجال أمام استخدام الطائرات غير المأهولة من قِبَل الولايات المتحدة في الأغراض التدريبية، كما جرى الدفع بها لاحقا لأداء أدوار استخباراتية في حرب فيتنام، فإن انتشارها الفعلي تزامن مع تصاعد احتياجات الجيش الأميركي خلال غزو العراق، إذ استُخدمت هذه الأنظمة في تقييم أضرار ساحة المعركة ومهام المراقبة، خاصة في المجال الجوي عالي التهديد، إضافة إلى توظيفها في عمليات الاستطلاع والاستهداف.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ماذا تعرف عن إمبراطورية لوكهيد مارتن التي تُشعل ساحات الحروب بالعالم؟list 2 of 2ترويض الشبح.. هل تهدد "جيه-20" الصينية السماوات الأمريكية؟end of list

وبشكل موازٍ، أدركت واشنطن أن قيمة المسيّرات تتجاوز استخداماتها الجوية، وأن لها القدر ذاته من الأهمية على الأرض، حيث أثبتت الروبوتات الأرضية فعاليتها في عمليات التخلص من العبوات الناسفة، التي واجهها الجيش الأميركي في غزو العراق وأفغانستان.

إعلان

أدى ذلك إلى تصاعد حمّى تطوير الروبوتات العسكرية، وتسابق العديد من الدول نحو إنتاجها وتحسين مزاياها، أو اقتنائها على أقل تقدير، باعتبارها أداة لـ"ثورة عسكرية" جديدة.

وبحلول عام 2011، تضخم حجم الإنفاق السنوي على الأنظمة غير المأهولة إلى أكثر من 6 مليارات دولار، بعدما كان يحوم الإنفاق حول 300 مليون فقط في تسعينيات القرن الماضي، فيما يتوقع أن يبلغ هذا الرقم قرابة 17 مليار دولار خلال العام المقبل.

المسحوق الأسود يؤسس دولة

إذا ما كانت المصادفة، وفق رأي "بول شاري"، هي ما تقف وراء "ثورة" الروبوتات العسكرية، فإن التاريخ يشير إلى البارود، الذي تعثر به الصينيون أيضا مصادفة خلال القرن التاسع، باعتباره اكتشافا أدى إلى أول "ثورة عسكرية" في العصر الحديث، بما استتبعه ذلك من تغيير شكل الحرب برُمَّته.

وعادة ما يُشار إلى تغير أدوات الحرب وأساليبها في أوروبا خلال القرنين الـ16-17 بـ"الثورة العسكرية"، وهو المصطلح المستمد من محاضرة ألقاها المؤرخ البريطاني "مايكل روبرتس" عام 1955 أمام جامعة "كوينز" في مدينة "بلفاست" الأيرلندية، والتي زعم خلالها أن التطور التقني وما واكبه من مستجدات إستراتيجية عسكرية في أوروبا بين عامي 1560-1660 هو ما وفَّر الأساس لتشكيل الدولة الحديثة ورفع أوروبا الغربية إلى مركز قوة عالمي.

ظهور الأسلحة النارية المحمولة مثلت حاجة لتشكيل جيش نظامي مدرّب (بيكسلز)

تقوم نظرية "روبرتس" على سلسلة من الافتراضات، مفادها أن الابتكارات التقنية في هذه الفترة، التي تمثلت في استخدام الأسلحة النارية المحمولة، استدعت تدريبا مستمرا للقوات على تكتيكات حربية متجددة، وذلك لتعظيم الفائدة من هذه التقنيات.

وفقا لذلك، ظهرت حاجة الدولة إلى وجود قوة نظامية دائمة، لها متطلبات مالية وإدارية مختلفة عن مجموعات الفرسان والمرتزقة التي اعتُمد عليها في السابق، مما استوجب إنشاء مؤسسات حكومية تضمن إمداد الجيش بالأفراد وتدعمه ماديا بشكل منتظم عبر بيروقراطية ضريبية فعالة، كما تزامن ذلك مع ظهور مدارس وأكاديميات عسكرية تدريبية، ما يعني أن هذه التقنيات لم تؤثر فحسب على سلوك الحرب، وإنما شمل تأثيرها استحداث مؤسسات في الدولة وبالتالي إعادة تشكيلها، وبذلك صار مفهوم الدولة الحديثة ضرورة، وفق رأي "روبرتس".

إعلان

لاحقا، قام مؤرخون بالإضافة إلى أطروحة "روبرتس" أو تعديلها، إذ وسّع بعضهم الفترة الزمنية المقترحة إلى أكثر من قرنين من الزمان، مثلما فعل مواطنه، المؤرخ وأستاذ التاريخ الأوروبي "جيوفري باركر"، الذي اعتقد أن ثمة 4 ابتكارات عسكرية رئيسية أتاحت تغيير شكل الحرب في أوروبا ووفرت الأساس لصعود الغرب، على رأسها: تطور تقنيات مجال التحصينات وحروب الحصار، بما في ذلك القلاع الإيطالية مثلثة المعاقل، واستخدام المدافع البرونزية التي أُنتجت بشكل ضخم خلال القرن الـ15، مما أدى إلى تحول شكل الحرب، من حرب تعتمد على عمالة مكثفة إلى أخرى تتطلب "رأس مال".

ثورة أم تطور؟

على جانب آخر، واجهت أطروحات روبرتس/باركر انتقادات متنوعة، أبرزها إشارة المؤرخ العسكري البريطاني "جيريمي بلاك" إلى أن تطور الدولة هو ما سمح بنمو الجيوش وليس العكس، نظرا لأن تكتيكات الحرب وإستراتيجياتها لم تتغير قط قبل الثورة الصناعية، وكانت التقنيات المرتبطة باستحداث آلات البخار وحدها هي ما غيَّرت شكل الحرب والمجتمع، فيما رأى "بلاك" أن أكبر طفرة عسكرية حدثت كانت في أعقاب عام 1660.

وخلافا لهذه الآراء، اعتقد أستاذ التاريخ الأميركي "كليفورد روجرز"، في ظهور ثورات عسكرية متعاقبة على مدى زمني طويل، بدءا من ثورة المشاة في القرن الـ14 ثم المدفعية في القرن الـ15، تليها ثورة التحصينات وصولا إلى ثورة القرن الـ17 التي اقترحها "روبرتس"، التي شهدت نمو الجيوش وظهور البيروقراطية العسكرية.

وعموما، لم يتعلق الجدل بوجود ارتباط بين تطور أدوات الحرب والتغيير الاجتماعي، قدر ما تعلق بسؤال: متى حدث ذلك؟ ولماذا؟ بمعنى أن تباين وجهات النظر يتركز أغلبه في تحديد الحقبة التي شهدت ثورة عسكرية.

دفع ذلك بعض المؤرخين إلى انتقاد استخدام مصطلح "ثورة" لتمييز التغير في سلوك الحرب، نظرا لأن المصطلح يشير إلى تغيير مفاجئ وجذري في طبيعة شيء ما خلال فترة وجيزة نسبيا، وإذا ما كان الجانب الزمني الذي حدده "روبرتس" يشمل مئة عام، أو أكثر من ذلك وفق أطروحة "باركر" و"روجرز" وغيرهما، فإن هذه ليست بالفترة القصيرة التي يمكن تعريفها بالثورة، ومن ثم يفضّل تفسيرها على أنها خطوة تطورية.

إعلان

وبشكل مقارب، قال آخرون إن تبلور الثورات العسكرية كان نتاجا لتطور تدريجي مشترك على مدى قرون، لكلٍّ من التقنيات والتكتيكات العسكرية والتنظيم السياسي، مما أدى -تحت ضغوط المنافسة العسكرية- إلى نشوء الدولة المالية العسكرية في القرن الـ18.

محاولات التفرقة بين طبيعة التغيرات العسكرية ونتائجها تشمل ما اقترحه المؤرخان الأميركيان، "وليمسون موراي" و"ماكجريجور نوكس"، للتفرقة بين مصطلحَيْ "الثورة العسكرية" و"الثورة في الشؤون العسكرية"، إذ يشير الأول، بحسب "موراي" و"نوكس"، إلى تغيرات جوهرية في إطار الحرب، تمتد لتشمل إعادة صياغة المجتمعات والدول بالإضافة إلى المنظمات العسكرية، بما يتماثل مع أطروحة "مايكل روبرتس".

أما "الثورة في الشؤون العسكرية" فهي ظاهرة محدودة وأقل تأثيرا، تشمل مجموعة من التغيرات التقنية أو التنظيمية التي تقتصر على المجال العسكري، دون امتداد تأثيرها إلى هيكل الدولة.

اختصار الزمن وتهميش البشر

وبغض النظر عن تباين التعريفات أو العراك الدائر حول تحديد مدى زمني للثورات العسكرية، فلا يمكن إنكار الدور الرئيسي للتقنيات في تغيير شكل الحرب، إضافة لما تفرضه من تأثيرات مجتمعية، وربما إعادة تشكيل هياكل الدول، وفق إشارة "ماركس" إلى التكنولوجيا بوصفها مؤثرة على البنية الاجتماعية وقوة دافعة وراء التاريخ.

يدفع ذلك العسكريين إلى مناقشة التقنيات الناشئة الحالية وما تتمتع به من إمكانيات، تؤهلها لإحداث ثورة عسكرية جديدة، حيث تتجه ساحة المعركة -كما هو معلوم- إلى الأتمتة عبر مُسيرات وروبوتات تنمو استقلاليتها يوما عن يوم، إضافة إلى أنظمة أخرى باتت تعتمد بشكلٍ تام على الذكاء الاصطناعي ولا تتطلب سوى مبرمجين في الخلف.

يتزامن ذلك مع اشتعال منافسات عسكرية فيما يخص سرعة الأسلحة وقدرتها على اختزال زمن الاستهداف، بما يسمح بإرباك الدفاعات المعادية ومن ثم تجاوزها، وأمثلة ذلك كثيرة، بدءا من الصواريخ الفرط صوتية وحتى مقاتلات الجيل الخامس الشبحية.

إعلان

ويؤكد "أوليفييه شميت"، أستاذ مركز دراسات الحرب في جامعة جنوب الدنمارك، أن التقنيات الناشئة التي تستهدف اختزال الزمن لديها القدرة على تغيير تصورنا للوقت بشكل جذري، وأن ذلك مُعرَّض للتزايد في الأعوام المقبلة، بما يدفعنا إلى التفكير في وتيرة العمليات العسكرية في الوقت الحالي مقارنة بما سوف تبلغه مستقبلا.

ويسوق "أوليفييه" الهجمات السيبرانية مثالا على ذلك، ففي حين تتميز هذه الهجمات بالفورية لكنها لا تزال رهينة للحضور البشري، نظرا لأن المُرسل إنسان، فيما سوف تتعزز هذه الفورية بصورة استثنائية إذا ما أوكلت هذه الهجمات مستقبلا إلى الذكاء الاصطناعي، الذي يتخذ قرارات أسرع بكثير من البشر.

ستزيد مخاطر الهجمات السيبرانية إذا ما أوكلت الهجمات للذكاء الاصطناعي (شترستوك)

تُبرهن على ذلك إحدى تجارب محاكاة القتال بين ذكاء اصطناعي يُدعى (ألفا) وطيار متمرس في أكتوبر/تشرين الأول 2015، حيث انتصر الذكاء الاصطناعي على خصمه البشري في كل جولة، وكان الطيار بعد هزيمته يعترف بعجزه واستسلامه في مواجهة خصمه الافتراضي، الذي أعطاه انطباعا بأنه "على علم مسبق بنِيّاته"، نظرا لقدرته على تحليل المواقف والتكتيكات ومن ثم الاستجابة للأحداث بشكل أسرع من خصمه البشري بـ250 مرة.

ومن الملاحظ أن القدرة على اختزال الوقت واستهداف الخصوم بشكل أسرع هي إحدى المزايا التي حققتها كل تقنية ارتبطت بثورة عسكرية (أو ثورة في الشؤون العسكرية)، ففي هذا الصدد تفوَّق البارود على السيف، قبل ظهور الطائرات النفاثة والقاذفات، ثم الأسلحة النووية والصواريخ البالستية والمقاتلات الشبحية، مما يعني أن تعزيز عنصر الفورية كان عاملا مشتركا بين تقنيات تلك الثورات. وإذا ما كان التاريخ -في أحيان- إحدى أدوات التنبؤ بالمستقبل، فإن ما تقترحه التقنيات الناشئة على مستوى عنصر السرعة قد يكون مؤشرا على ثورة عسكرية غير مسبوقة.

 

«ولدنا في زمان السيف والمزمار.. بين التين والصبار.. كان الموت أبطأ.. كان أوضح… أما الآن، فالزر الإلكتروني يعمل وحده.. لا قاتل يصغي إلى قتلى ولا يتلو وصيته شهيد».

الشاعر الفلسطيني محمود درويش

من جهة أخرى، يربط "أوليفييه شميت" بين أتمتة اتخاذ القرارات العسكرية وإزالة العاطفة من الحرب، مشيرا إلى أن استخدام القوة يتطلب قدرا من التفكير، الذي يتشكّل بدوره من خلال عواطفنا، لكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في هذه القرارات سوف يُشكِّل سابقة تاريخية، حيث يزيل عنصر العاطفة تماما من الحروب للمرة الأولى.

إعلان

لقد تألفت الحرب في صورها البدائية من فضاء رباعي الأبعاد يمكن إدراكه بالحواس البشرية، وحتى مع التطورات الثورية الناجمة عن اختراع البارود، ظل بالإمكان رؤية الأعداء وسماعهم رغم اقتران ذلك بازدياد المسافة بين المتحاربين، لكن ظهور تقنيات ثورية أخرى، مثل الإلكترونيات والرادار والمقاتلات الجوية، دفع الحرب إلى الخروج عن نطاق الحواس البشرية وحوّلها إلى شاشة ثنائية الأبعاد.

وفق ذلك، تقترن التقنيات العسكرية "الثورية" بغياب تدريجي للعنصر البشري عن ساحة المعركة الفعلية، وهو ما يمكن رصده أيضا في النقلات الثورية داخل تاريخ الحرب، التي تحولت من مبارزة إلى بندقية ومدفعية بعيدة المدى، ثم إلى طائرات تسقط حمولتها ولا تبالي، وصواريخ عابرة للقارات وهجمات سيبرانية، وهو ما يعبّر عنه "هابلز جراي"، محاضر العلوم الإنسانية في كلية كراون الأميركية، بقوله: "إن الدور المركزي الذي تلعبه أجساد البشر في الحرب بات يتضاءل أمام الأهمية المتزايدة للآلات".

أدى هذا التهميش البشري إلى تعزيز مشاعر الانفصال عن مسؤولية القتل عبر ابتعاد القاتل عن مشهد احتضار الضحية. وإذا ما كانت التقنيات الناشئة الخاضعة للأتمتة المستقلة تعِد بغياب كلّي للإنسان عن ساحة الحرب الفعلية، ففي الإمكان وضع ذلك مؤشرا آخر على بداية ثورة عسكرية.

حرب رأس المال

على خلفية ذلك يبرز موقفان متعارضان إزاء الأتمتة الكاملة للعمليات الحربية. يرى أولهما ميزة في اختفاء القرار البشري عن ساحة الحرب، نظرا لأن المعارك في هذه الحالة سوف تُدار بتقييم أفضل وسرعة فائقة يضمنان النصر.

يبني هذا الفريق قراره وفقا لما يقدمه الذكاء الاصطناعي من مغريات، ففي إمكانه إمداد القادة بخطط وتكتيكات أفضل بناء على تحليل أدق لمواقع القوات المعادية وتجهيزاتها، كما يمكن أن تُستخدم العلوم الإنسانية مستقبلا في تغذية الخوارزميات، بما يعطي تصورا عن أسلوب تفكير العدو ويتنبأ بقرارات قياداته، فضلا عما يمكن أن يؤديه في الحروب النفسية.

إعلان

مقابل ذلك يتخوف الفريق الآخر من تطوير الأعداء تدابير مضادة تؤدي إلى فقدان السيطرة على الآلات، لأن الحرب التي تعتمد كليا على آلة يمكن أن تنتهي إلى هزيمة في حالة تعطل أصغر ترس، لذلك يقترح هذا الفريق الحفاظ على دور الإنسان في حلقة القرار/الفعل، أي وجود حد أدنى من التدخل البشري. وعلى كل الأحوال، فإن النتيجة الأولى لنمو هذه التقنيات ستكون انخفاض أعداد المقاتلين من البشر.

يعيدنا ذلك إلى نقطة محددة في أطروحة "جيوفري باركر" للثورات العسكرية، وهي المتعلقة بالتحول من حرب العمالة الكثيفة إلى حرب تتطلب رأس المال، تزامنا مع استحداث تقنية المدافع البرونزية في حروب الحصار أثناء القرن الـ15.

ومن الملاحظ أننا بصدد تكرار الأمر، ففي حين تؤدي التقنيات الناشئة إلى انخفاض أعداد المقاتلين، يرتفع حجم الإنفاق الدفاعي، ويبرز هنا مثال الصين رغم امتلاكها أكبر كتلة سكانية، حيث تنمو استثمارات البحث والتطوير في بكين بنسبة 20% سنويا منذ عام 1999، إلى الحد الذي باتت تنفق فيه سنويا 233 مليار دولار بما يمثل 20% من الإنفاق العالمي على البحث والتطوير.

وتحدد التقارير 3 تقنيات رئيسية تهتم بها الصين أكثر من غيرها، وهي: أشباه الموصلات، والحوسبة الكمومية، والذكاء الاصطناعي. وفي عام 2017، شكَّلت الصين 48% من إجمالي تمويل مشاريع الذكاء الاصطناعي، فيما تهدف حكومتها إلى أن تكون مركز الابتكار العالمي في هذا المجال بحلول عام 2030.

ومن البديهي أن يتزامن ذلك مع مقاومة من أفراد في المؤسسات العسكرية، نظرا لأن هذه التقنيات سوف تؤدي إلى تغيير الوضع الاجتماعي داخل القوات المسلحة، وكما هو الحال في تاريخ سلاح الفرسان الذي تمتع بمكانة مرموقة داخل معظم الجيوش وقاوم إدخال الدبابات إلى المكونات الحربية، يقاوم طيارو المقاتلات توغل الطائرات بدون طيار أكثر في العمليات الحربية لأنها تتحدى هيبتهم داخل القوات الجوية.

إعلان التكيف وإعادة الهيكلة

ومع ذلك، يكشف التاريخ أن تطور التقنيات لم يكفل دائما تغييرا ثوريا، ذلك لأن التكنولوجيا ليست خالية من تعقيدات ومشكلات ترافق التطور، وتعوقه في أحيان، وعلى سبيل المثال، كان لدى العثمانيين أسلحة مدفعية تحت تصرفهم خلال القرن الـ14 كما هو الحال مع شعوب في آسيا، لكنها لم تمنحهم غلبة كاملة على أوروبا في ذلك الوقت، نظرا لما فرضته هذه التقنيات من ضغوط على الخدمات اللوجستية، وهو ما يشير إليه محلل السياسة الدفاعية "أندرو كريبينفيتش"، بقوله: "إن التكنولوجيا في حد ذاتها ليست محركا للتغيير العسكري، بل كيفية تكييف الجيوش لهذه التكنولوجيا في التكتيكات والتنظيمات بما يحدد قيمة فعاليتها العسكرية".

وبالمثل، ناقش "مايكل روبرتس" إستراتيجيات أمراء السويد وهولندا في حروب القرن الـ16، مبرهنا على أن تكيف تنظيم الجيش وتكتيكاته مع الأسلحة النارية المحمولة مكَّنهم من الاستفادة الشاملة من تأثير البنادق من خلال تبنّي تشكيلات خطية، سمحت للخطوط المتعاقبة بإعادة التحميل وكانت مصحوبة بحراب من سلاح الفرسان للحماية ودعم القتال القريب.

ومع تغييرات ساحة المعركة المستقبلية، بما يفرضه ذلك من تكوين نظام معقد ومترابط بين المجالين المادي والافتراضي، والانخراط في القتال دون اللجوء إلى الوسائل الحركية، فإن ثمة مجالات رئيسية سوف تتطلب مزيدا من التكيف، وعلى رأسها مجالات الاستطلاع والاتصالات، نظرا لما سوف تمثله قوة المعلومات وطريقة تحليلها وربطها للقوات العسكرية من ميزة، وهو ما يفتح بدوره الأبواب أمام مجالات أخرى مثل الفضاء بوصفه حقلا للعمل العسكري، وذلك ضمن محاولات الوصول إلى قدرات استطلاعية أكبر وتعزيز وسائل الاتصال.

كما من المتوقع أن تعتمد القوات العسكرية مناهج تصنيعية مختلفة بحسب قدرتها على التكيف، مثالا على ذلك، تركيز بعض الدول على التطور التكنولوجي للمسيرات والروبوتات المؤتمتة، فيما تعتمد أخرى على إنتاج أعداد ضخمة منها تمنحها القدرة على إرباك الأنظمة الدفاعية المعادية وفقا لمبدأ التشبع، وتركز فئة ثالثة على استكشاف تقنيات دفاعية حاسمة تحد من استخدام هذه الوسائل ضدها.

إعلان

وبخلاف التكيف العملياتي، يفرض التسابق التكنولوجي ازدياد الحاجة إلى القطاع المدني، نظرا لأن ارتفاع معدلات الاستهلاك في الأسواق المدنية دفع بها في وقت ما إلى الابتكار في المجال المعلوماتي بشكلٍ تجاوز نظيره العسكري. ونتيجة ذلك، تولَّى مقدمو التكنولوجيا المدنية زمام مبادرة ثورة المعلومات، واعتمدت القوة العسكرية على مجموعة المعرفة التقنية داخل الاقتصاد الأوسع، مما يؤشر على حاجة إلى تجاوز الحدود بين المجالين (المدني والعسكري).

في هذا تبرز الصين، نظرا لتمتعها بمرونة صناعية بسبب إشراف الحكومة على مؤسسات الدولة كافة، بما يمكّنها من دمج العناصر المدنية والصناعات التجارية واستخدامها في بنية التصنيع العسكري، وهو ما يثير قلق الغرب وفي مقدمتهم واشنطن، التي تبحث عن شكل أكثر مرونة للتوفيق بين المجالين المدني والعسكري على غرار بكين، بما قد يُوجب نوعا من إعادة الهيكلة للمؤسسات ويمتد تأثيره إلى البنية الاجتماعية، في نقلة ربما تكون ثورية وتتماشى مجددا وأطروحة "مايكل روبرتس".

مقالات مشابهة

  • الجيش اللبناني يتمركز في بلدة جنوب البلاد
  • الجيش الوطني يكسر هجوما للمليشيات الحوثية جنوب
  • الجيش ليس للقتال فقط بل يشكّل الدول ويتحكم بمستقبل الإنسان
  • السوداني يترأس اجتماعًا خاصًّا بمشروع جنوب البصرة للطاقة
  • وزير الإسكان ومحافظ جنوب سيناء يتفقدان مشروع ازدواج طريق مطار سانت كاترين
  • الجيش الإسرائيلي يطرد موظفين حكوميين في جنوب سوريا
  • الجيش الأوكراني يسقط 21 طائرة مسيّرة روسية
  • إسرائيل تستبدل عمال البناء الفلسطينيين بالهنود
  • «شارة قيادة» مانشستر يونايتد تعود إلى المدافع
  • رئيس اتحاد بلديات جبل عامل تابع أعمال ملفّ التعافي من آثار الحرب