دولة العصابة في إسرائيل التي فضحت نفسها
تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT
آخر تحديث: 28 نونبر 2023 - 9:59 صبقلم:علي الصراف لكي يحتفل ضابط إسرائيلي بعيد ميلاد ابنته، فقد أهداها قصفا لمنزل فلسطيني من عدة طوابق في غزة. ونشر ذلك على واحدة من صفحات التواصل الاجتماعي. الاحتفال لم يكن ليكتمل دون أن يجري تخليد المشهد.حكاية الصراع بين “أبناء النور وأبناء الظلام” المأخوذة من “سفر أشعياء”، التي جعلها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عنوانا رسميا لحفلة الانتقام من غزة، كانت قد كرست المشهد على أوسع نطاق ممكن، بالقتل والدمار والتخريب.
وزير دفاعه يوآف غالانت بدأ الحفلة بقطع الماء والكهرباء والغذاء والدواء عن 2.3 مليون فلسطيني، هم أصلا في سجن كبير، على اعتبار أنهم ليسوا بشرا، مما يجيز قتلهم وترويعهم وتجويعهم.
ثم جاء قصف المستشفيات ومراكز الإيواء التي ترعاها وكالة الأونروا، ليقدم تأكيدا لا يرقى إليه الشك على أن إسرائيل تشن حملة إبادة جماعية. لا تقصد مواجهة مقاتلي “حماس”، بل تقصد المدنيين، منازلهم، ومصادر عيشهم، بما فيها المخابز.وهو ما لا يمكن اعتباره حربا، وفقا لأي مقياس من المقاييس. لا يوجد على سطح الأرض عسكري واحد يمكنه أن يُصنف ما فعلته إسرائيل في غزة على أنه “حرب”. فقط، شيء من همجية ما قبل التاريخ، إنما بأسلحة حديثة.“الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” صدمت الجميع بوحشيتها. ثبت بالدليل الملموس أنها مشروع داعشي آخر. مشروع تعصب ديني حقود، كاره وكريه، لا يتوافق حتى مع أعتى الافتراضات المنافقة للثقافة الغربية.
الغرب (المسيحي في النهاية) اكتشف شيئا جديدا. كان من الهيّن والمعقول أن يتعامل مع حفلة القهر والقمع والقتل اليومي للفلسطينيين على أنها “إجراءات أمنية” تتخذها إسرائيل لحماية نفسها، طالما أنها تجري على أقساط، ولكن ما كان لأحد أن يتصور هذا المستوى من أعمال القتل الجماعي والتدمير الشامل التي تتوجه، تحديدا وحصرا، إلى المدنيين.كل القيم والأعراف والقوانين التي تتعلق بحقوق الإنسان وجدت نفسها أمام امتحان عصيب، حتى لم يعد ستر الفضيحة ممكنا. النفاق نفسه سقط صريعا. ديمقراطية “أبناء النور” اتضح أنها تنتمي في ثقافتها إلى عصور الصراعات الهمجية السابقة على اكتشاف الإنسان في الإنسان. السابقة أيضا، على اكتشاف الفرد، كمعيار أساسي للحقوق المدنية. ومن ثم ليتضح أن إسرائيل ليست دولة، تنتظم مسالكها في إطار القانون، وإنما هي دولة عصابة، تؤمن بما كان يؤمن به نبي مزيف كتب إصحاحات حرب يعمها الحقد ونبوءات الثبور، في سياق صراع ليس بين اليهود والعماليق فحسب، وإنما في سياق صراع بين يهود ويهود أيضا. اكتشف الغرب أنه ظل يدعم كيانا ظلاميا، مثله مثل داعش تماما. يبرر أفعاله الوحشية بنصوص دينية خارجة عن السياق. ليخرج، من خلالها، عن السياق الإنساني المعاصر نفسه.ما يعانيه الغرب، في اضطراب موقفه من إسرائيل، وسط فضيحة سردياته السابقة عن “حق إسرائيل في الوجود”، هو أن هذه الإسرائيل تحولت إلى فضيحة لنفسها وللغرب في آن معا، على كل وجه، دفعة واحدة، وأسرع مما يمكن للنفاق أن يتحمله.قل ما شئت عن “حماس”، ولكن كان يكفي أن تتضمن صفقة التبادل للأسرى بين الطرفين نساء وأطفالا، لتكتشف أن دولة العصابة تعتقل نساء وأطفالا أيضا.حماس عصابة. لا بأس. لك أن تقول ذلك. ولكن كيف جاز لـ“دولة” إسرائيل أن تعتقل أطفالا؟ كيف جاز أن تجعل معايير القانون (المصنوعة غربا) مجرد مسخرة عندما يتعلق الأمر بتوجيه الاتهامات لأطفال ونساء، بدافع الإدانة المسبقة، وليس بقرينة البراءة المسبقة؟حماس العصابة، على أي حال، عاملت أسراها بحرص شديد. خرج بعض الأسرى ليشيد بالمعاملة التي تلقاها في الأسر، وليودّع سجانيه بإشارات التحية. بينما عصابة أشعياء الحاكمة في إسرائيل ظلت تعامل أسراها من الأطفال والنساء بالضرب والتجويع والتهديد بالاغتصاب.
حماس العصابة، حيث كان السجناء والسجانون يتشاركون الطعام على مائدة واحدة (ربما على الأرض)، أقنعت نفسها بالقول الكريم “ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا”، بينما عصابة أشعياء ظلت تعطي (حسب شهادات عدة أسيرات) ما يساوي عشر وجبات لثمانين أسيرة.دولة العصابة، خشيت حتى أن تجري مقابلات علنية مع أسراها الذين تم إطلاق سراحهم. خافت أن يقولوا الحقيقة عن الطريقة التي عوملوا بها. نسجت صورة لحماس على أنها “داعش”، ولم تسمح بأن تتكشف المقارنات التي تُظهر أنها، في الواقع، هي “داعش”، وأن داعشيتها أقدم بنحو ألفي عام (من التحضر الإنساني، ومن دينين تاليين) وتجرؤ على النظر إلى البشر على أنهم حيوانات. الثقافة في الغرب لا تستسيغ حتى قتل الحيوانات بالطريقة التي تقتل بها إسرائيل البشر، الأطفال والنساء منهم على وجه الخصوص.خسرت إسرائيل الحرب في يومها الأول. وكل ما بقي هو الانتقام للهزيمة. المسلحون الفلسطينيون هاجموا معسكرات للجيش بالدرجة الأولى يوم 7 أكتوبر. كان يمكن للعملية أن تنتهي في هذه المعسكرات بالذات، بين قاتل ومقتول، كغيرها من الهجمات. إلا أن الهزيمة اتسعت، وفتحت الطريق أمام المسلحين للوصول إلى مستوطنات الغلاف. فكبرت العملية، واتسعت دائرة الأسر. حتى ليمكن القول: دون قصد مسبق.قالت هذه العملية شيئا واحدا، هو أن “رابع أقوى جيش في العالم” هو واحد من أضعفها على الإطلاق. هش وهزيل، ويعتمد على تفوقه الجوي والتكنولوجي. فإذا أمكن تحييد هذا التفوق، فإن الطريق سيكون مفتوحا لتذهب إلى أينما شئت. وستقوم الطائرات الإسرائيلية بقصف الجميع، بمن فيهم مواطنوها أنفسهم.التفوق الجوي هو نفسه ليس قوة “عسكرية” بالمعنى المألوف في إسرائيل. إنه قوة تدمير للمباني وترويع للمدنيين. لا شيء آخر. وعندما أراد غالانت أن يهدد “حزب الله”، فقد كان واضحا بما يكفي للقول إن قواته سوف تحوّل بيروت إلى غزة أخرى. و“الحرب” إذا كانت سوف تجري في جنوب لبنان، فلماذا تهديد بيروت؟ ولكن ماذا يملك جيش، يحمل هزيمته معه، أن يفعل غير التدمير؟
وعلى حين غرة، تعطل كل شيء آخر في إسرائيل. اقتصادها أصيب بالشلل، بسبب الحاجة إلى استدعاء نحو 450 ألف عسكري احتياط، بسحبهم من سوق العمل. ثم ازدحمت المطارات بالراغبين بالرحيل.خسائر الاقتصاد الإسرائيلي ليست كبيرة على الداعمين. ولا تنقصهم القدرة على استيعاب الراغبين بالرحيل عن إسرائيل.ما لا يمكن تعويضه هو الفضيحة الثقافية والعسكرية التي جعلت الاقتصاد وفرص العيش على كف عفريت.إسرائيليون كثر انساقوا وراء ثقافة العصابة (الداعشية الأشعيائية) وتعايشوا مع “دولتها”، طالما أنها ظلت تفوز.الفضيحة الأكبر: كيف لو أنها لا تفوز؟ ماذا سنفعل في ذلك الحين؟المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: فی إسرائیل على أن
إقرأ أيضاً:
كاتب إسرائيلي: قرار الجنائية الدولية يثبت تحول إسرائيل إلى دولة منبوذة
تناول مقال للكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي "ميرون رابوبورت" إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال ضد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت.
وأكد أن القرار الأخير للمحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات توقيف ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت يشكل لحظة فارقة بالنسبة لصورة إسرائيل وشرعيتها الدولية.
وأضاف أن مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية تثبت أن إسرائيل تتتحول سريعا إلى "دولة منبوذة".
وأوضح أن "رد إسرائيل كان أخرقاً، ولكن الجمهور الذي يظن أن جيشه لا يرتكب الفظاعات بدأ يصحو وإن ببطء".
وفيما يلي نص المقال:
أطلقت المذكرات موجات اهتزازية في أرجاء المجتمع الإسرائيلي والمؤسسة السياسية.
كان رد فعل السياسيين عدم المبالاة. اتهم نتنياهو المحكمة الجنائية الدولية بمعاداة السامية، وعلى نهجه سار بقية تيار اليمين داخل إسرائيل.
أما يسار الوسط فلم يتهم المحكمة بمعاداة السامية، ولكنه وافق على أن القرار لم يكن مقبولاً، وكان جائراً، ولم يكن له سند قانوني، لأنه عامل إسرائيل وحماس كمتساويين في ارتكاب الجرائم أثناء الحرب.
جاءت ردود الفعل لتكون استمراراً مباشراً لعدم اعتراف إسرائيل بما يجري في غزة.
حتى لو كان هناك أقلية صغيرة جداً في إسرائيل تقر بأن جرائم قد ارتكبت من قبل جيشها في غزة، إلا أن الجمهور الإسرائيلي العام مازال في حالة من الإنكار التام. يزعمون بأن حماس وحدها هي التي ترتكب جرائم الحرب، وليس إسرائيل، وأن ما تفعله إسرائيل في غزة ما هو إلا دفاع عن النفس.
في عيون معظم الإسرائيليين، إسرائيل لا تقتل الفلسطينيين الأبرياء بلا سبب، وإذا كان هناك مجاعة في غزة، فإنما هي نتيجة قيام حماس بسرقة المساعدات الإنسانية – وهي مقولة يتكرر ترديدها المرة تلو الأخرى من قبل الجيش الإسرائيلي ومن قبل القنوات الرسمية الأخرى.
كان رد الفعل هذا متوقعاً، وإن كان الوضع في إسرائيل أكثر تعقيداً. لا ريب أن إصدار مذكرات التوقيف ضد رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق حدث بارز ولحظة فارقة في علاقات إسرائيل بالمجتمع الدولي وبالقانون الدولي.
تأسست إسرائيل بموجب قرار صادر عن الأمم المتحدة. جل التطورات في القانون الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية، مثل حماية اللاجئين أو تجريم الإبادة الجماعية، كانت رداً على المحرقة، ولقد ساندت إسرائيل تلك التطورات.
إلا أن هجوم إسرائيل على المحكمة الجنائية الدولية يجعل البلد يبدو عدواً للقانون الدولي، ودولة تسعى إلى تقويض القانون الدولي وجميع مؤسساته. لا شك أن هذا تغير دراماتيكي في السلوك.
ولا ينتهي الأمر عند المحكمة الجنائية الدولية. فمحكمة العدل الدولية تنظر الآن في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا أمامها متهمة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية.
لا يوجد صلة مباشرة بين المؤسستين وبين الإجراءين القانونيين. ولكن من المعقول الظن بأن إصدار مذكرات التوقيف من قبل المحكمة الجنائية الدولية سوف يؤثر كذلك على المداولات داخل محكمة العدل العليا حول الإبادة الجماعية.
صدرت المذكرات ضد نتنياهو وغالانت شخصياً، ولكنها وإلى حد بعيد تشير إلى أن إسرائيل، كدولة، ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
لم يرتكب نتنياهو وغالانت هذه الجرائم المزعومة بأنفسهما، بل الجيش بأسره وكل أجهزة الدولة كانت ضالعة.
على المدى القصير، يمكن لقرار المحكمة الجنائية الدولية أن يردع القادة العسكريين من أصحاب الرتب المتوسطة والعليا في إسرائيل، مثل قادة الفرق وقادة الألوية.
على سبيل المثال، قال كبار ضباط الجيش الإسرائيلي علانية إنهم منعوا المساعدات الإنسانية من الوصول إلى شمال غزة بعد بدء عملية الجيش العسكرية هناك في مطلع شهر أكتوبر (تشرين الأول). وقالوا أيضاً إن الغاية من هذه العملية كانت تهجير من بقي من السكان جنوباً عبر محور نتساريم.
والآن، أما وقد صدرت الأوامر، سوف يفكر ضباط الجيش الإسرائيلي مرتين قبل أن يطلقوا مثل هذه التصريحات، لأنهم قد يخشون أن يُلقى القبض عليهم خلال رحلتهم القادمة إلى أوروبا. كما قد يمتنع الجندي عن تنفيذ الأوامر التي قد تؤدي إلى التجويع، نظراً لأن ذلك ورد ذكره بوضوح في مذكرات المحكمة الجنائية الدولية كجريمة باعتباره جريمة محتملة ضد الإنسانية.
"الرفض الرمادي"
على المدى القصير أو المتوسط، يمكن لقرار المحكمة الجنائية الدولية أن يوفر الإجابة لأولئك الإسرائيليين الذين يتساءلون عما إذا كانت إسرائيل ترتكب جرائم في غزة.
بغض النظر عن الأقلية الصغيرة من منتسبي تيار اليسار الذين لديهم قناعة بأن إسرائيل ترتكب جرائم، هناك مجموعة أوسع من اليهود في يسار الوسط ممن بدأت تساورهم الشكوك حول أفعال إسرائيل في غزة، رغم أنهم مازالوا حتى الآن يدعمون الحرب.
مؤخراً، دعا كل من تومر بيرسيكو، وهو أستاذ جامعي ليبرالي من يسار الوسط، وإيران إتزيون، نائب رئيس مجلس الأمن القومي السابق، الاحتياط إلى رفض الخدمة في عملية التطهير العرقي التي تمارس في شمال غزة.
لا ندري كم عدد اليهود الذين يفكرون بهذه الطريقة، فوسائل الإعلام التقليدية لا تمنح هذه الأصوات حيزاً لتعبر عن قناعاتها، ولكن قد تصل نسبتهم إلى 10 أو 15 بالمائة من السكان اليهود.
سوف يمنح قرار المحكمة الجنائية الدولية شرعية لتلك الآراء في إسرائيل. ولسوف يتمكن أصحاب هذه الآراء من القول: "هذا هو ظن العالم بنا."
من شأن التغير في الرأي داخل معسكر اليسار الصهيوني أن يفضي إلى زيادة في رفض الخدمة في الحرب. منذ بداية الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، كانت هناك حالات قليلة جداً من رفض الخدمة، بينما في حرب لبنان الأولى وفي الانتفاضة الثانية كانت هناك مئات الحالات.
إننا نرى الآن في إسرائيل ظاهرة "الرفض الرمادي" – والمتمثلة في استنكاف الإسرائيليين عن الحضور عندما تتم دعوة الاحتياط.
في بداية الحرب، كل الذين تمت دعوتهم لبوا النداء، أم اليوم فقد تراجع المعدل إلى 65 بالمائة. هذا "الرفض الرمادي" لا يكون في العادة لأسباب أخلاقية، بل يتعلق بشكل رئيسي بمشاكل اقتصادية أو عائلية. ومع ذلك، من الوارد أن يزداد مثل هذا الرفض بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية.
كما أن من الوارد أن يميز بعض ضباط وجنود الاحتياط بين غزة ولبنان.
لم تعد للحرب في غزة شعبية لدى الجمهور الإسرائيلي، مقارنة بالحرب في لبنان، التي مازالت تتمتع بإجماع واسع. ونظراً لأن حكومة نتنياهو تبدو قد تخلت عن الرهائن المائة وواحد في غزة، فقد يصب ذلك في صالح المعارضة.
دولة منبوذة
على المدى البعيد، وبطريقة ذات دلالة أكبر، تقطع مذكرات المحكمة الجنائية الدولية إسرائيل عن المجتمع الدولي بطريقة حادة جداً.
فهذه لم تعد مجرد مظاهرات حاشدة ضد الحرب تنظم في لندن أو داخل الجامعات عبر الولايات المتحدة. بل هذا قرار صادر عن محكمة يقبل بها معظم العالم الغربي. بفضل مذكرات التوقيف هذه، تنتقل إسرائيل أكثر فأكثر إلى هوامش المجتمع الدولي.
من المحتمل أن تكون إدارة ترامب الجديدة في الولايات المتحدة أكثر عدوانية تجاه المحكمة الجنائية الدولية، وأن تحاول إخراج إسرائيل من هذه العزلة، ومعها دول مثل المجر، وجمهورية التشيك، والأرجنتين، وأعضاء آخرون في ائتلاف اليمين المتطرف حول العالم.
ولكن هذا الرد الأمريكي، والذي لا يمكن ضمان أثره (فقد فرض ترامب عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية في فترة رئاسته الأولى ولم يكن لذلك كبير أثر على المحكمة)، لا يمكنه تغيير الحقيقة الأساسية، ألا وهي أن إسرائيل تتحول سريعاً إلى دولة منبوذة.
ما تتعرض له إسرائيل من عزلة ونزع للشرعية قد يكون له آثار عملية ومباشرة، مثل تشجيع فرض العقوبات العسكرية وغيرها على إسرائيل.
لا يقتصر الأمر على أن نتنياهو سيجد صعوبة في السفر إلى الخارج، بل سوف يجد الزعماء الأجانب صعوبة كذلك في السفر إلى إسرائيل للاجتماع برجل "مطلوب للعدالة". بل يمكن أن تتلقى كل علاقات إسرائيل الدبلوماسية ضربة كبيرة.
يمكن القول إن إسرائيل تمر بعملية بطيئة كتلك التي شهدتها جنوب أفريقيا قبل إلغاء نظام الأبارتايد (الفصل العنصري).
يمكن لأنصار الحقوق الفلسطينية حول العالم القول إن إسرائيل ارتكبت جرائم أخطر بكثير في غزة مما هي متهمة به، وأنها لم تتعرض بعد لنفس العقوبات الشديدة التي فرضت على روسيا وإيران. ثمة عدالة في هذا الزعم.
ولكن يجب أن يؤخذ بالحسبان أن إسرائيل جزء لا يتجزأ من الغرب، وهي الحليف الأقرب إلى الولايات المتحدة. كثيرون في أوروبا يرون أن دعم إسرائيل هو نوع من التعويض عن المحرقة. وفي أعين الغربيين، لم تقف إسرائيل أبداً حيث وقفت بلدان مثل إيران وسوريا أو روسيا.
ولذلك فإن تهميش إسرائيل حدث كبير نسبياً بالمقارنة مع كان عليه وضعها يوم السادس من أكتوبر 2023.
من المبكر جداً القول ما إذا كان إصدار مذكرات التوقيف ضد نتنياهو وغالانت سوف يؤدي إلى إضعاف حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل. بل قد ينجم عن ذلك زيادة الدعم الذي تحظى بها، كما يزعم نتنياهو وشركاه من أن "العالم بأسره يقف ضدنا."
ولكن يمكن القول إن شيئاً عميقاً قد تصدع في شرعية إسرائيل كدولة ضمن المجتمع الدولي، وأن إسرائيل سوف تجد صعوبة في إصلاح ذلك دون إحداث تغيير كامل في الطريقة التي تعامل بها الفلسطينيين. وهذا ما يجعل قرار المحكمة الجنائية الدولية حدثاً ذا دلالات هائلة.