السومرية نيوز – دوليات

حين يستغرب الغرب كرهنا للاحتلال الإسرائيلي ويتهمنا بأننا "أعداء السلام والحياة"، يكفي أن نسرد له قصة إسراء الجعابيص، التي تختصر كل القهر الذي يعيشه الفلسطيني منذ قيام ما يُعرف بـ"دولة إسرائيل".
فبعد 8 سنوات، أطلقت إسرائيل سراح الأسيرة الفلسطينية إسراء الجعابيص من سجونها، بعدما عاشت في ظروفٍ صحية صعبة -كانت أقرب إلى تعذيبٍ يومي- نتيجة إصابتها بحروقٍ بالغة منذ لحظة اعتقالها عام 2015، وتعمُّد الاحتلال إهمال علاجها.



وقد أُطلق سراح إسراء ضمن صفقة تبادل للأسرى بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، في فترة الهدنة الإنسانية التي تمّ الإفراج خلالها عن عشرات السيدات والأطفال والرجال الفلسطينيين.

فمن هي إسراء الجعابيص؟
وُلدت في 22 يوليو/تموز 1986، بمنطقة جبل المكبر في القدس، حيث عاشت وتربت وكبرت. أنجبت ابنها الوحيد معتصم، عندما كانت في الـ23 من عمرها، بعد زواجٍ بمحمد محيي الدين محمد الجعابيص انتهى في العام 2019 وهي داخل سجون الاحتلال.

كان زوج إسراء الجعابيص يحمل هوية فلسطينية لا تمكّنه من دخول القدس إلا بتصريحٍ خاص؛ ورغم محاولات إسراء العديدة تقديم طلبٍ للمّ شملهما، فإن دولة الاحتلال رفضت طلبها مراراً وتكراراً.

عام 2013، دخلت كلية التربية في الجامعة الأهلية ببلدة بيت حنينا-شمالي القدس، حيث تخصصت في مجال التربية الخاصة. وفي الوقت نفسه، كانت تعمل في دارٍ للمسنين وتشارك بفعالياتٍ ترفيهية خاصة بالأطفال والمسنين داخل المدارس والمؤسسات.

في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2015، وفي أثناء عودتها من منزل أهل زوجها بمدينة أريحا إلى القدس، تعطلت سيارتها قرب حاجز الزعيم. فأطلقت قوات الاحتلال النيران على السيارة، ما أدى لانفجار أسطوانة غازٍ كانت بداخلها، فأُصيبت بحروقٍ بالغة.

بيد أن سلطات الاحتلال اعتقلتها بتهمة محاولة قتل جندي إسرائيلي، وحكمت عليها بالسجن 11 عاماً، لا بل أكثر من ذلك. فقد منعتها من تلقي العلاج اللازم الذي تحتاجه، متعمدةً إهمالها، رغم حاجتها لـ8 عملياتٍ جراحية.

كذلك، فقد منعت عنها إدارة السجن المسكنات والأدوية التي تحتاجها، واكتفت بتوفير مرهمٍ وحيد لتبريد الحروق يُصرف لها كل 3 أيام، ولا تزيد سعته على 20 ملم. وهي كمية قليلة جداً، ولا تكفي بالتأكيد لتغطية مناطق الحروق جميعها في جسدها.

وعلى مدى سنوات اعتقالها، حاولت عائلة إسراء الجعابيص الحصول على إذنٍ إنساني من أجل إدخال طبيبٍ لمعالجة ابنتهم متكفلين بكافة المصاريف، إلا أن إدارة السجن الإسرائيلية رفضت الأمر مراراً وتكراراً، رغم جميع الحملات التي طالبت بذلك.

تراوحت حروق إسراء بين الدرجتين الأولى والثالثة، وقد أصابت أكثر من نصف جسدها، كما تسببت بتشوّهٍ في وجهها وظهرها وأدّت إلى التصاق أذنيها برأسها. إضافةً إلى ذلك، بُترت كافة أصابع يديها ولم تعد تقوى على رفعهما عالياً، بسبب التصاق الجلد تحت إبطيها.

قبعت إسراء الجعابيص في سجن دامون-شمالي الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولم تُحاكم إلا بعد سنتين من اعتقالها. وفي العام 2018، ظهرت في شريطٍ مصوّر خلال محاكمتها هزّ الشارع العربي كلّه، بعدما تغيّرت ملامح وجهها بالكامل.

خلال الفيديو، يحاول عدد من الصحفيين التحدث إلى إسراء والاستفسار عن وضعها الصحي، لتجيب: "فيه أكتر من هيك وجع؟ الوجع مرئي، باين عليّ"، ثم رفعت يديها بعدما قالت "فش أصابع".

تنكيلٌ حتى آخر لحظة قبل الإفراج
خلال الهدنة الإنسانية عقب حرب الإبادة الجماعية التي شنّتها حكومة نتنياهو على قطاع غزة، رداً على هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلنت قطر التوصل إلى صفقة تبادل أسرى بين حماس وإسرائيل، وكان اسم إسراء الجعابيص مدرجاً فيها.

كانت إسراء واحدة من بين 6 أسيرات شملهنّ اتفاق تبادل الأسرى، ضمن ما عُرف بـ"الدفعة الثانية"، وقد تمّ إطلاق سراحها فجر يوم الأحد في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 .

حتى آخر لحظة من اعتقالها، ظلت قوات الاحتلال الإسرائيلي تنغص على الأسيرة إسراء الجعابيص وعائلتها. فبعدما منعت العائلة من الاحتفال بإطلاق سراح ابنتها، أو استقبال المهنئين في المنزل -كما فعلت مع جميع عائلات الأسرى- عرقلت وصول إسراء لساعات.

فبعدما جهزت عائلة إسراء منزل شقيقها في بلدة سلوان-جنوبي المسجد الأقصى لاستقبالها فيه، لكن مخابرات الاحتلال الإسرائيلي داهمت المنزل وأجبرت العائلة على الانتقال إلى منزل جبل مكبر، رغم أن طريق الوصول إليه صعب على الوالدين.

لم يكتفِ الاحتلال بذلك، بل إن قوات كبيرة مما يُعرف بـ"حرس الحدود" اقتحمت منزل العائلة في جبل المكبر بعد الانتقال إليه، واشترطوا إخراج كل الصحفيين والأهل من المنزل حتى إطلاق سراحها.

وعندما رفض الجميع المغادرة، أخرجتهم بالقوة وأبعدتهم عن منزل العائلة، كما ظهر على الهواء مباشرةً، مستكثرين على العائلة الشعور بالفرح. لكن وفي وقتٍ لاحق، تمّ إطلاق سراح الأسيرة إسراء الجعابيص.

وفي أول تصريحٍ لها إلى قناة "الجزيرة"، قالت إسراء بعد تحريرها: "نخجل أن نفرح وفلسطين كلها جريحة"، ثم أضافت: "هناك كثير من الجرحى داخل سجون الاحتلال، ويجب العمل على تحرير كل الأسرى".

حتى اللحظة، لا يُعرف بعد ما إذا كانت الأسيرة المحررة تنوي معالجة حروقها وإجراء العمليات الجراحية اللازمة. لكن في اليوم التالي على إطلاق سراحها، أعلن الطبيب الأردني بسام عبد الله الزعبي تكفله بعلاج إسراء الجعابيص.

أعلن عن ذلك الناشط حذيفة عزام من خلال حسابه عبر منصة "إكس"، قائلاً: "رسالة وصلتني من فضيلة الدكتور بسام الزعبي وهو من القائمين على مستشفى الحنان، يتكفل فيها مشكوراً باسمه واسم المستشفى بعلاج الأسيرة المحررة بإذن الله إسراء الجعابيص".

وأكمل عزام مشيراً إلى الرسالة التي وصلته: "‏بخصوص الأخت المناضلة إسراء، والعمليات التي تحتاجها، فنحن كمستشفى الحنان العام -الواقع في عمان شارع الإذاعة والتلفزيون- مستعدون كاملاً لعلاجها لوجه الله.. ونوفر لها السكن في بيتي الخاص.. وهي شقة منفصلة لحين الشفاء". 

تغطية صحفية: "بعد 8 سنوات من الاعتقال.. لحظة وصول الأســيـرة المــحـرَّرة إسـراء الجـعـابـيـص إلى منزلها في القدس المحتلَّة". pic.twitter.com/k1Poegt7BH

— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) November 26, 2023

المصدر: السومرية العراقية

كلمات دلالية: إسراء الجعابیص إطلاق سراح

إقرأ أيضاً:

كيف رمضان بدون الأقصى؟ سؤال ينكأ جراح فلسطينيي الضفة

انتصف شهر رمضان المبارك، ومرت الجمعة الثانية في المسجد الأقصى بحضور 80 ألف مصل فقط، في انخفاض واضح مقارنة بالسنوات الماضية، حيث سجلّت الجمعة الثانية عام 2023 حضور 250 ألف مصل، وذلك بفعل تضييقات الاحتلال غير المسبوقة للعام الثاني على التوالي على دخول فلسطينيي الضفة الغربية المدينة الفلسطينية المقدسة المحتلة.

ورغم أن الدخول لم يكن متاحا وسهلا قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإنه لم يكن بهذه الصعوبة، حيث حصر الاحتلال دخول فلسطينيي الضفة إلى القدس في رمضان بيوم الجمعة، وحدد عدد المسموح لهم أسبوعيا بـ10 آلاف فقط.

كما اشترط توفر تصريح دخول وبطاقة ممغنطة (بطاقة ذكية تصدرها سلطات الاحتلال) سارية المفعول، ومغادرة القدس قبل حلول المساء، وحدد أعمار الداخلين بمن تجاوزت أعمارهم 55 عاما للرجال و50 عاما للنساء وأقل من 12 عاما للأطفال، مما يعني حظرا تاما لدخول عنصر الشباب، وانتقاء 10 آلاف من أصل  نحو 3 ملايين و400 ألف نسمة هم سكان الضفة المحتلة.

#صابرون: اعتقال 11 شاباً من عمال الضفة الغربية غرب القدس المحتلة بحجة الدخول دون تصاريح. pic.twitter.com/76DgBkCn72

— صابرون (@SabronPS) February 25, 2025

إعلان من صعب إلى أصعب

خلال السنوات الماضية، كان السبيل أمام الممنوعين من دخول القدس عدة طرق للوصول إلى الأقصى: القفز من فوق جدار الفصل العنصري ، أو المرور من ثغرة فيه، أو دفع مبالغ كبيرة والاختباء داخل مركبة تمر من الحاجز العسكري وسط مخاطر عالية قد تصل حد الاعتقال والسجن أو الأذى الجسدي.

وحتى تلك الطرق الخطيرة لم تعد متاحة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث شدد الاحتلال إجراءاته على الحواجز ومحيطها، وصاعد من تنكيله بحق من يتم القبض عليهم خلال محاولتهم دخول القدس أو بعد نجاحهم في الدخول.

كما عمدت شرطة الاحتلال -في انتهاك غير مسبوق- إلى اقتحام المسجد الأقصى ومصلياته خلال ساعات الفجر أو صلاة القيام، والبحث بدقة عن أي مصل من الضفة يحمل الهوية الفلسطينية، الأمر الذي أنهى حالة الأمان التي كان يعيشها الفلسطيني داخل المسجد ممن استطاع الوصول بشق الأنفس.

شذى حسن: أكثر ما أشتاق إليه وأفتقده جدا هو اعتكاف العشر الأواخر بالمسجد الأقصى (الجزيرة) "خسرنا الفرصة الذهبية"

وفي ظل ذلك المنع والتقييد، سألت الجزيرة نت بعضا من فلسطينيي الضفة الذين اعتادوا الاعتكاف في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، وحرموا هذا العام. فأجابوا أن رمضان كان على الدوام فرصة ذهبية لوصال الأقصى الشريف، وسط تخوفات أن يصبح هذا المنع أمرا واقعا بسبب تمريره للعام الثاني، مستذكرين أهالي قطاع غزة الذين يحظرون تماما عن المسجد الأقصى.

"يوميا أشاهد الصور ومقاطع الفيديو التي كنت التقطتها في الأقصى، وأعيش على ذكرياتها، وأبكي شوقا" هذا ما قالته شذى حسن من مدينة رام الله شمال القدس، مضيفة أنها تنتظر رمضان سنويا بفارغ الصبر "لأنه كان الأمل الوحيد لدخول المسجد".

وتصف المواطنة رمضان الحالي والماضي بـ"الموحش" مضيفة أن المسجد الأقصى هو الدواء لقلبها. وأكملت "أكثر ما أشتاق إليه وأفتقده جدا هو اعتكاف العشر الأواخر، وبالرغم من كل التحديات التي كانت تواجهنا آنذاك إلا أن لتلك الأيام والليالي سعادة خاصة".

نحو 80 ألف مصل أدوا صلاة الجمعة الثانية في رمضان هذا العام بالمسجد الأقصى (الجزيرة) أول رمضان بدون الأقصى

أما إباء شريدة من مدينة نابلس شمال الضفة، فقالت إنها تذهب إلى المسجد الأقصى برفقة عائلتها منذ عمر السادسة، ومنذ ذلك الحين حتى عمر الـ23 لم تقطع الصلاة في المسجد الأقصى في رمضان أبدا.

إعلان

وأضافت بتأثر "بالنسبة لي رمضان هو المسجد الأقصى، والمسجد الأقصى هو رمضان، أنا بدون المسجد الأقصى حرفيا كالسمكة بدون ماء، وهذا أول رمضان يمر عليّ بدون الأقصى".

واختنقت العبرات في عيني براءة وأثرت على صوتها الذي ارتجف قائلا "أحاول أن أتناسى، وألا أشاهد أي مقطع متعلق بالأقصى.. لقد كان رمضان يشحننا لسنة كاملة، فوجودنا في الأقصى المبارك كان يشعرنا بقيمة الرباط ، كنا نُذل في الطريق ونتعب كثيرا لكن ذلك كان يزول بمجرد رؤية القبة الذهبية".

#شاهد | مسن فلسطيني يتحدث بحرقة عن منع الاحتلال دخوله إلى القدس للصلاة في المسجد الأقصى في الجمعة الثانية من رمضان pic.twitter.com/BE1ONss4jz

— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) March 14, 2025

الأقصى حياة كاملة

يستذكر محمد النتشة من مدينة الخليل (جنوب الضفة) رفقاءه في الاعتكاف وشد الرحال إلى الأقصى والذين غيّبتهم سجون الاحتلال أو استشهدوا برصاصه خلال الأشهر الماضية، ويقول "لم تكن الطريق يوما معبّدة إلى الأقصى، ومهما ضاعفوا العقبات سنحاول بعون الله ونأمل أن نصله ونعتكف فيه، كلما ذهبنا إلى الأقصى ازداد الشوق.. إنه حياة كاملة".

وفور أن سألنا "ب ش" التي فضلت عدم نشر اسمها: ماذا يعني رمضان بدون الأقصى؟ وانهمرت دموعها ودعت "يارب لا تحرمنا، يا رب رُدّنا إليه وأكرمنا" وكان التأثر واضحا على الشابة وهي ترى المستوطنين من جميع أنحاء الضفة يقتحمون المسجد الأقصى بكل سهولة، بينما تمنع هي بشكل كامل منذ عامين.

وقد وصفت صعوبة الوصول قائلة" كنا نتعرض لأعلى درجات القهر والذل والإهانة أثناء محاولتنا الوصول إلى المسجد الأقصى سابقا، وكنا ندفع مبالغ مالية وصلت إلى 140 دولارا على الفرد لقطع مسافة قصيرة نحو القدس".

وختمت قائلة "الأقصى بوصلة الأمة، فإذا ضاعت البوصلة ضاعت الأمة، كل الطوفان قام لأجل الأقصى، ووفاء للدماء النازفة يجب أن نحافظ عليه، وكلنا يقين بأن الله سيردنا إلى المسجد الشريف قائمين معتكفين بصحبة إخواننا في غزة".

إعلان

مقالات مشابهة

  • انتهاك الطفولة في القدس.. من أحدث الضحايا؟
  • 60 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
  • راشيل كوري: الناشطة الأمريكية التي ضحت بحياتها دفاعا عن منزل فلسطيني
  • إسرائيل تعتقل 2 من فلسطينيي الداخل بزعم تخطيطهما لإطلاق نار بالقدس
  • إسرائيل تعلن إحباط هجوم في القدس خلال شهر رمضان
  • عشرات المستوطنين يقتحمون الأقصى
  • كيف رمضان بدون الأقصى؟ سؤال ينكأ جراح فلسطينيي الضفة
  • تركيا الأولى عالميا ضمن الدول التي يصعب فيها امتلاك منزل!
  • 90 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
  • عاجل . البنك المركزي اليمني يكشف عن نقل مراكز البنوك التي كانت بصنعاء الى إلى عدن. ضربة موجعة للمليشيا الحوثية