خط أحمر جديد وضعه الرئيس عبدالفتاح السيسى يصل بين نقطتين؛ الأولى: رفض مصر مخطط تهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية، والثانية: تمسك الفلسطينيين أنفسهم بالأرض، وصمودهم فى مواجهة العدو المحتل، والخط بهذه الصورة وثيق الصلة بالأمن القومى المصرى، والأمن القومى العربى أيضاً.
خط السيسى الأحمر ليس وهمياً أو غير مرئى كما يتصوره قصار النظر، أو من ينتظرون مفردات (حنجورية) من المحتمل أن ترضيهم، ولكن المؤكد أنها لا تخدم جوهر القضية.
هذا الخط -دون شك- هو الآن محل دراسة دوائر صنع القرار فى عواصم صنع القرار فى العالم، ومراكز البحث والتحليل المرتبطة بأجهزة الاستخبارات المعنية بالصراع العربى - الإسرائيلى.
انتبهت مصر منذ بداية الأزمة فى قطاع غزة، عقب عملية «طوفان الأقصى» فى 7 أكتوبر الماضى، لاستغلال إسرائيل للحدث فى دفع سكان غزة إلى مغادرة أراضيهم لبدء التنفيذ الفعلى لمخطط تصفية القضية، وأكد الرئيس السيسى -فى أكثر من مناسبة- رفضه الحاسم لمخططات تهجير الفلسطينيين سواء من غزة لمصر، أو من الضفة الغربية للأردن.. ومؤخراً وضع الخط الأحمر لقطع الطريق على مسارات التفاوض أو المساومة لتنفيذ المخطط.
والرئيس السيسى لم يضع خطه الأحمر لدغدغة مشاعر المنحازين للجانب الفلسطينى، أو كتهديد لفظى للعدو دون مقتضى، وعلينا أن نتذكر يوم تفقده لإجراءات تفتيش حرب الفرقة الرابعة المدرعة بالجيش الثالث الميدانى (25 أكتوبر الماضى)؛ للتأكد من جاهزية قواتها من أفراد ومعدات، والتأكد من الاستعداد القتالى ودقة الخطط لتنفيذ أى مهام، والدخول فى أى معركة عسكرية طارئة مهما كانت قوتها.
فى ذلك اليوم قال الرئيس السيسى إن الأمن القومى المصرى خط أحمر، والحفاظ عليه هو دور أصيل، وإن الجيش المصرى يملك قوة رشيدة، وهذا يعد سمة من سمات الجيش فى مصر؛ وهى البناء والحماية وعدم الاعتداء.
وقال «السيسى» أيضاً إنه فى ظل الظروف التى تمر بها المنطقة من المهم عندما تمتلك القوة والقدرة يجب أن تستخدمها بتعقل ورشد وحكمة، فلا تطغى ولا تكون عندك أوهام بقوتك، لكى تدافع عن نفسك وتحمى بلدك وتتعامل مع الظروف بعقل ورشد وأيضاً بصبر، ولا تدع الغضب والحماس يجعلك تفكر بشكل تتجاوز فيه.. وعلينا الانتباه من أن أوهام القوة قد تدفع إلى اتخاذ قرار أو إجراء غير مدروس بدعوى أنه كان ناتجاً عن غضب أو حماسة زائدة عن اللازم.
الخط الأحمر المصرى هنا مدعوم بجيش قوى، لكنه رشيد، والأهم أن «السيسى» لم يخطه عن غضب أو حماسة زائدة، وينطبق عليه قول الشاعر: «قَدِّرْ لرِجلك قبل الخطو موضعها».
ترقبت ردود الفعل (المحلية والإقليمية والدولية) على هذا الخط الأحمر الأخير وكلها إيجابية لأقصى الحدود، ومن أبرزها -على سبيل المثال وليس الحصر- فى الداخل قال سيد عبدالعال، رئيس حزب التجمع، واصفاً الرئيس السيسى: فارس أمين على الأمن القومى المصرى، ووقف وحيداً فى مواجهة العالم، دفاعاً عن القضية الفلسطينية، وعربياً؛ علَّق الملك عبدالله، عاهل الأردن: «الموقف الذى عبّر عنه اليوم أخى الرئيس عبدالفتاح السيسى بتأكيده رفض مصر تهجير الأشقاء الفلسطينيين عن أرضهم باعتباره خطاً أحمر يجسّد موقفنا المشترك وسيخلده التاريخ فى سجل مواقف مصر العروبة»، وأكد الرئيس الأمريكى جو بايدن، خلال اتصاله بالرئيس السيسى، دعمه لموقف مصر الرافض لتهجير الفلسطينيين قسرياً لسيناء.
فى حديث تليفزيونى، فى أعقاب ثورة 30 يونيو، قال الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل، عن الرئيس السيسى، إن إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما اعتبرته «عضمة ناشفة»، وقال «هيكل» بالحرف: «ولما ماعرفوش يزيحوا السيسى قالوا كفاية إنه مايعديش الخطوط الحمراء».
الرئيس السيسى فعلياً «مابيعديش» الخطوط الحمراء، لكنه الآن هو من يضعها، وبمواصفات مصرية خالصة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل الرئیس السیسى
إقرأ أيضاً:
العيش والملح!
«العيش» هو العنصر الأساسى فى غذاء المصريين، وربما كانوا وحدهم دوناً عن شعوب الأرض الذى يقسمون به، والسعى نحو الرزق يسمونه «أكل عيش»، ويرى علماء المصريات أن «الساندويتش» عادة فرعونية، حيث اعتاد المصرى القديم على وضع الطعام بين شطيرتى الخبز وانتقلت هذه الثقافة إلى العالم.
المصريون هم الشعب الوحيد فى العالم الذى يستخدم لفظ «العيش» للدلالة على الخبز، فى إشارة واضحة للحياة كما كان لقدماء المصريين ملك عرف باسم «عنخ» أى حياة.
فى عام 2005 اكتشفت بعثة أثرية أقدم مخبز وجدت داخله أوانى وأدوات كانت تستخدم فى إعداد العجين، وكان ينتج نوعاً من الخبز يسمى «الخبز الشمسى»، الذى ما زال يستخدم حتى الآن فى بعض قرى صعيد مصر.
وعرف الخبز فى الدولة القديمة بعلامة هيروغليفية تمثل نصف رغيف دائرى لشكل يشبه العيش البلدى فى شكله الحالى، وقد عرف المصرى القديم أربعة عشر نوعاً من الخبز، وما زال بعضها منتشراً فى القرى مثل «البتاو» و«العيش الشمسى»، وكان القائمون على بناة الأهرام يقومون بإعداد الخبز وتوزيعه على العمل مع الثوم والبصل.
الأهمية الكبيرة للخبز، جعلت المصرى القديم يكتب على المعابد كلمة «عيش»، اعتبرت من القرابين والنقوش الكثيرة التى تركها المصرى القديم على جدران المعابد والمقابر، مما يجعلنا ندرك مدى الأهمية الكبيرة للخبز، أو العيش، كما يطلق عليه العامة فى مصر اليوم، وأصبح على قمة الطعام اليومى لقدماء المصريين، ويقدم على قمة الطعام اليومى لقدماء المصريين، ويوضع على قوائم الطعام التى يأخذها الموتى معهم، والقرابين التى تقدم للآلهة فى المعابد.
وتحت شعار «العيش والملح» كتب الشاعر الكبير صلاح جاهين قائلا: «العيش والملح مش لقمة بناكلها سوا، ولا فسحة نخرجها مع بعض ولا ضحكة على مزحة ولا كلمة بحبك.. العيش والملح موقف وشدة واحتياج ولحظة ضعف ودموع واحتواء، العيش والملح تقدير وسماح وتقبل القضية وردة الفعل، العيش والملح أنك تصون وتفتكر الحلو قبل الوحش، والمر، العيش والملح إننا نستحمل بعض ونتعشم فى بعض بالحب مش بالغصب».
فى السابق ولندرة العيش وقلة الملح كان العيش والملح لهما الأثر العظيم والرمز الأمثل والوحيد فى تثبيت العهود والإخلاص والمعاهدة، وكان من لديه عيش ويقاسمك إياه مع مسحوق الملح، يكون كمن شاركك حياته كلها بأعز ما يملك، وما زال يتردد صدى هاتين الكلمتين فى المجتمع المصرى على اعتبارهما رمز الوفاء بالعهود والإخلاص.
ربنا يديم العيش والملح بين كل المصريين ويبعد عنهم الشامتين ومروجى الشائعات من أهل الشر ويوحد كلمة الأمة ويمدهم برغد من العيش والسلام.