لاشك أنه لا ينبغي الاستهانة والعزوف عن معرفة  بماذا يدعو الرسول قبل النوم والذي يعد من الوصايا النبوية الشريفة ، الواردة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكذلك من السُنن التي ثرت بها كتب السُنة الشريفة، كما أن بماذا يدعو الرسول قبل النوم أو بصيغة أخرى دعاء قبل النوم يعد من الأدعية التي حرص وداوم عليها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ، كما أن الإجابة عن  بماذا يدعو الرسول قبل النوم في مجموعه يُعرف باسم أذكار المساء، وقد يظن البعض أن الحث النبوي على دعاء قبل النوم سببه ذلك الفضل العظيم والثواب الكبير لذكر الله وترديد دعاء قبل النوم فقط، لكن الحقيقة أن هناك سببًا آخر قد لا يتنبه له الكثيرون وهو الحصول على الراحة والسكون والتخلص من أي شر، حيث إنه عندما يردد الإنسان دعاء قبل النوم ويلتزم بالسنة النبوية الشريفة فإنه يكون في معية الله سبحانه وتعالى وعنايته، فلا يصيبه مكروه في نومه.

بماذا يدعو الرسول قبل النوم

ورد أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم – داوم على دعاء قبل النوم وأذكار المساء، وأوصانا بالحرص على هذه الأدعية والكلمات المباركة كل مساء ، فالأذكار لها فضل عظيم على الإنسان في الدنيا والآخرة، وقد حرص رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عند النوم كل ليلة على الدعاء بهذه الكلمات، وترديد دعاء النوم ثلاث مرات، وهي « اللَّهمَّ قِني عذَابك يومَ تَجْمَعُ - أو تَبْعَثُ - عِبَادَك»، لما ورد في جامع الترمذي، عن حذيفة بن اليمان - رضي الله تعالى عنه -: أن رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْقُدَ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ رأسه، ثم َقَالَ : «اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَجْمَعُ - أو تَبْعَثُ - عِبَادَكَ» ثَلاثَ مَرَّاتٍ.

دعاء قبل النوم من القرآن

ورد في دعاء قبل النوم من القرآن الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة، حيث لم يقتصر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على دعاء قبل النوم مما فتح الله تعالى عليه، وإنما حرص كذلك على أن يكون دعاء قبل النوم من القرآن أي بقراءة آيات قرآنية، حيث كان من دعاء قبل النوم عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أن هناك خمسة عشر آية قرآنية كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يمسح بها جسده الشريف عند دعاء قبل النوم كل ليلة.

و ورد في دعاء قبل النوم من القرآن أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة يردد دعاء قبل النوم ويجمع كفيه وينفث فيهما ويقرأ سورة الإخلاص والفلق والناس ثلاث مرات، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، بدءًا من الرأس والوجه وما أقبل من جسده الشريف، لما ورد في صحيح البخاري، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها-: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ».

سنن قبل النوم

سنن قبل النوم وردت عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، حيث داوم عليها كل ليلة عند النوم، بل وأوصانا بها لما لها من فضل عظيم، حثنا على اغتنامه، ومنها:

• النوم على وضوء: فقد قـال النبي -صلى الله عليه وسلم- للبراء بن عازب رضي الله عنه : "إذا أتيت مضجعك ، فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الأيمن... الحديث" [ متفق عليه:6311-6882] أي أن يكون على طهارة ، الحديث ( إذا أتيت مضجعك فتوضأ) .

• أن ينفض الفراش ( إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه … فإنه لا يعلم ما خلفه بعده … ) رواه البخاري ومسلم .
• النوم على الشق الأيمن …( ثم اضطجع على شقك الأيمن … ) رواه البخاري ومسلم .

• وأن يضع يده اليمنى تحت خده الأيمن ( كـان إذا رقـد وضع يده اليمنى تحت خـده ) رواه أبو داود .

• قراءة سورة ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) ، ومن ثمرتها : ( أنها براءة من الشرك ) رواه أبو داود والترمذي وأحمد وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي وحسنه الحافظ وصححه الألباني .

• يجمع كفيه ثم ينفث فيهما فيقرأ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات )، رواه البخاري .

• قراءة آية الكرسي « اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ» رواه البخاري .
• قراءة آخر آيتين من سورة البقرة ، من قوله تعالى « آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ».
• التكبير والتسبيح عند المنام : فعن علي رضي الله عنه ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال حين طلبت منه فاطمة -رضي الله عنها- خادمًا: "ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم ؟ إذا أويتما إلى فراشكما ، أو أخذتما مضاجعكما ، فكبرا أربعًا وثلاثين ، وسبحا ثلاثًا وثلاثين ، واحمدا ثلاثًا وثلاثين. فهذا خير لكما من خادم" [متفق عليه: 6318 – 6915].

• ترديد أدعية النوم ومنها: « باسمك اللهم أموت وأحيا » رواه البخاري ،«باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظهـا بما تحفظ بـه عبـادك الصـالحين » رواه البخاري ومسلم ، و« اللهم إنك خلقت نفسي وأنت توفاها ، لك مماتها ومحياها إن أحييتها فاحفظها ، وإن أمتها فاغفر لها ، اللهم إني أسألك العافية » رواه مسلم ، و«اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك » ثلاث مرات رواه أبو داود والترمذي ، ويقوله إذا وضع يده اليمنى تحت خده و« اللهم أسلمت نفسي إليك ، وفوضت أمري إليك ، ووجهت وجهي إليك ، وألجأت ظهري إليك ، رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت » رواه البخاري ومسلم و «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا ، فكم ممن لا كافي له ولا مأوي » رواه مسلم، و «اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى ، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان ، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته ، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، إقض عنا الدين وأغننا من الفقر » رواه مسلم، و «اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السموات والأرض ، رب كل شيء ومليكه ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه ، وأن أقترف على نفسي سوءًا أو أجره إلى مسلم » رواه أبو داود والترمذي .

• الدعاء حين الاستيقاظ أثناء النوم : فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله ، وسبحان الله ، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا ، استُجيب له ، فإنْ توضأ وصلى قُبِلت صلاته" [ رواه البخاري: 1154].
• الدعاء عند الاستيقاظ من النوم بالدعاء الوارد : "الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا ، وإليه النشور" [ رواه البخاري من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه : 6312 ] .

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: دعاء قبل النوم دعاء قبل النوم رضی الله عنه ثلاث مرات من جسده کل لیلة کل شیء

إقرأ أيضاً:

الدروس المُسْتَفادة من الهجرة النبويّة

الدروس المُسْتَفادة من الهجرة النبويّة

#ماجد_دودين

لقد أذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلّم وأصحابه رضوان الله عليهم بالهجرة لما ضاقت عليهم الأرض، ومنعتهم قريش من إقامة دين الله. إن الهجرة بالمعنى الشرعي ليست مجرد الانتقال من بلد إلى آخر فحسب، بل هي هجرة عامة عنْ كل ما نهى عنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، حتى يكون الدين كله لله.

هجرة من الذنوب والسيئات … هجرة من الشهوات والشبهات … هجرة من مجالس المنكرات.. هجرة من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.

مقالات ذات صلة الجمعية الأردنية لمتقاعدي الضمان الإجتماعي… (مكانك سر) 2024/07/06

الهجرة منهج للتغيير والإصلاح – إننا في حاجه ماسة اليوم إلى تحقيق هذه الهجرة في حياتنا، هجرة إلى الله ورسوله بفعل الطاعات وترك المنكرات، هجرة من الشر والرذيلة إلى الخير والفضيلة، هجرة من الفرقة إلى الوحدة، هجرة من السلبية إلى الإيجابية لتغيير الواقع المؤلم الذي تعيشه الأمة بل وتعيشه كل البشريّة التي تحتاج إلى رسالة الإسلام رسالة الحب والخير والنور والوسطية والعدل والسلام.

قال الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله: الهجرة هجرتان: هجرة الأوطان، وهجرة الإثم والعدوان، وأفضلها هجرة الإثم والعدوان؛ لما فيها من إرضاء للرحمن وإرغام النفس والشيطان.

وقال الإمام العلّامة ابن القيم رحمه الله: الهجرة فرض عين على كل أحد في كل وقت، وأنه لا انفكاك لأحد من وجوبها ، وهي مطلوب الله ومراده من عباده ، إذ الهجرة هجرتان : هجرة بالجسم من بلد إلى بلد… والهجرة الثانية: الهجرة بالقلب إلى الله ورسوله ، وهذه الهجرة الحقيقية ، وهي الأصل و هجرة الجسد تابعة لها، وهي هجرة تتضمن ( من ) و ( إلى ) فيهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته ، ومن عبودية غيره إلى عبوديته ، ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه إلى خوف الله ورجائه والتوكل عليه ، ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذل والاستكانة له إلى دعائه وسؤاله والخضوع له والذل والاستكانة له.

فأول مراحل الهجرة ترك المعاصي، والبُعْد عن مواطن الشبهات، ولن ينصر الدين رجل غرق في شهواته، والمعروف أن ترك المعاصي مقدم على فعل فضائل الأعمال، والإنسان قد يُعذر في ترك قيام أو صيام نفل أو صدقة تطوع، لكنه لا يُعذر في فعل معصية.

وذلك كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ”؛ رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ولذلك عرَّف الرسول صلى الله عليه وسلم المهاجر الحقيقي بتعريف عميق من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، فقال فيما رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: “إِنَّ الْمُهَاجِرَ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ“.

في يوم الهجرة أهديكم *** أشواقا حرّى كالجمر

قد هلّت أنسامٌ نشوى*** أشواقُ القلب بها تسري

والكون تراقص مبتسما *** والزهر تبسّم للزهر

في يوم الهجرة أشواق *** تُنبي عن مكنون السرّ

تُنبي عن حبٍ مكنون *** نهر الأشواق به يجري

خطوات خطّت أمجادا *** تمتد إلى يوم النشر

خطوات باركها المولى *** غرّاء تبشر بالنصر

في يوم الهجرة موعظةٌ *** ودروس شعّت كالدر

تحكي عن إيمانٍ يسمو *** بالنفس فتغدو في طُهر

عن تخطيطٍ عن أفكارٍ *** وحكايا عن صبرٍ مرّ

تحكي عن نصرٍ موعود *** عن فجر يزهو مفْتَر

إن طال ظلام الليل بنا *** والتف بنا قيد القهـــــــر

فالشمس ستسطع مشرقةً *** وستشرق أنوار الفجر.

لا شك أن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، حملت دروسًا لا تُحصى ولا تُعد، ومن هذه الدروس:

الأخذ بالأسباب: لقد بذل رسول الله وصاحبه أبوبكر الصّدّيق كل ما في طاقتهما لإنجاح عملية الهجرة، وهذا هو الإعداد المطلوب من المؤمنين، أن يُعِدُّوا ما يستطيعون، وما فوق الاستطاعة ليس مطلوبًا منهم. الاعتماد على الله: لم يعتمد الرسول على الأسباب وترك رب الأسباب، حاشا لله، إنما كان يعلم أن الأسباب لا تأتي بنتائجها إلا إذا أراد الله، ولذلك فبعد أن بذل أسبابه كاملة تحلَّى بيقين عظيم في أنَّ ما أراده الله سيكون، ظهر ذلك في كلمته الرائعة: “مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟”. الأمل والثقة في النصر: لم يفقد رسول الله روح الأمل في أي لحظة من لحظات حياته، حتى في هذه الرحلة الخطرة، وهو يخرج من مكّة بهذه الطريقة، وهو مطلوب الرأس، لا يأمن على حياته ولا على حياة أصحابه، إذا به يبشر سراقة ليس فقط بظهور الإسلام على قريش أو على العرب، بل وبسقوط عرش كسرى، وأَخْذ كنوز كسرى غنيمة، “كَأَنِّي بِكَ يَا سُرَاقَةُ تَلْبَسُ سِوارَيْ كِسْرَى”. حرص رسول الله على الصحبة: رأينا حرص رسول الله في كل مراحل حياته، وفي كل خطوات دعوته على مسألة الصحبة، عاش حياته في مكّة بصحبة، وخرج إلى الطائف بصحبة، وقابل الوفود بصحبة، وعقد البيعة التي بنيت عليها دولة الإسلام بصحبة، وها هو يسأل جبريل عن صاحبه في الهجرة، كل هذا، وهو من هو، هو رسول الله، ولكن كل الناس يحتاج إلى صحبة، وهو يعلمنا أن نبحث دائمًا عن الصحبة الصالحة، لقد سطَّر رسول الله قاعدة إسلاميّة أصيلة: “الشَّيْطَانُ مِعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ”. رسول الله.. القائد القدوة: وضح لنا في هذه الرحلة كيف أن القائد العظيم كان يعيش معاناة شعبه، يهاجر كما يهاجرون، يُطارد كما يُطَاردون، يتعب كما يتعبون، يحزن كما يحزنون، يعيش معهم حياتهم بكل ما فيها من آلام وتضحيات. الدعوة في كل مكان وزمان: رأينا كيف أن الدعوة في دمّ رسول الله، لا يضيع فرصة، ولا يرتبط بظرف، يدعو كل من يستطيع، وواجب الدعوة إلى الله ليس له وقت محدد كالصلاة والصيام، فالدعوة واجب كل وقت، وهي شاغل المؤمن وهمّه في كل حين، وهذا الدرس نتعلمه من النبي صلى الله عليه وسلم وهو في طريقه إلى المدنية، حيث لقى بريدة الأسلمي فدعاه فاسلم بريدة هو ومن معه. استعداد الصّدّيق للعمل لله تحت أي ظرف: رأينا في هذه الرحلة استعداد الصّدّيق للعمل لله تحت أي ظرف، وفي كل زمان ومكان، القضية في منتهى الوضوح عند الصّدّيق، أهم شيء في حياة الصّدّيق هو أن يرضي الله ورسوله. حب الصّدّيق لرسول الله: رأينا كيف يحب الصّدّيق رسول الله، وكيف لا ينتظر أمرًا ولا طلبًا، إنما يجتهد في إتقان حبِّه لرسول الله، يجهز له راحلة، يبكي من الفرح لصحبته، ينظف له الغار، يسير أمامه وخلفه حماية له، وغير ذلك من المواقف التي ذكرنا بعضها ولم نذكر أكثرها. بذل وعطاء الصّدّيق للدعوة: رأينا بذل الصّدّيق وعطاء الصّدّيق وإنفاق الصّدّيق، يأخذ خمسة آلاف درهم، هي كل ما يمتلك لينفقها على دعوته، وقبلها أنفق خمسة وثلاثين ألف درهم في سبيل الله. جهد الداعية مع أهل بيته وعشيرته: شاهدنا في قصة الهجرة أمرًا لا بد أن نقف معه وقفة، أرأيتم كيف استعمل الصّدّيق عائلته كلها في سبيل الله؟ أرأيتم كيف استعمل عبد الله ابنه في نقل الأخبار؟ وكيف استعمل أسماء ابنته في نقل الطعام والشراب؟ وكيف استعمل عامر بن فهيرة مولاه في إخفاء آثار الأقدام؟ الصبر واليقين طريق النصر والتمكين: فبعد سنوات من الاضطهاد والابتلاء قضاها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة يهيأ الله تعالى لهم طيبة الطيبة، ويقذف الإيمان في قلوب الأنصار، ليبدأ مسلسل النصر والتمكين لأهل الصبر واليقين {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51]. إن طريق الدعوة إلى الله شاق محفوف بالمكاره والأذى. لكن من صبر ظفر.. ومن ثبت انتصر.. {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.

12.               درس في التوكل على الله والاعتصام بحبل الله: لقد كانت رحلة الهجرة مغامرة محفوفة بالمخاطر التي تطير لها الرؤوس. فالسيوف تحاصره عليه الصلاة والسلام في بيته وليس بينه وبينها إلا الباب.. والمطاردون يقفون أمامه على مدخل الغار.. وسراقة الفارس المدجج بالسلاح يدنو منه حتى يسمع قراءته.. والرسول صلى الله عليه وسلم في ظل هذه الظروف العصيبة متوكل على ربه واثق من نصره. فمهما اشتدت الكروب ومهما ادلهمّت الخطوب يبقى المؤمن متوكلاً على ربه واثقاً بنصره لأوليائه.

         فالزم يديك بحبل الله معتصماً *** فإنه الركن إن خانتك أركان

13.               درس في المعجزات الإلهية: هل رأيتم رجلاً أعزلاً محاصراً يخرج إلى المجرمين ويخترق صفوفهم فلا يرونه ويذر التراب على رؤوسهم ويمضي.. هل رأيتم عنكبوتاً تنسج خيوطها على باب الغار في ساعات معدودة.. هل رأيتم فريقاً من المجرمين يصعدون الجبل ويقفون على الباب فلا يطأطئ أحدهم رأسه لينظر في الغار.. هل رأيتم فرس سراقة تمشي في أرض صلبه فتسيخ قدماها في الأرض وكأنما هي تسير في الطين.. هل رأيتم شاة أم معبد الهزيلة يتفجر ضرعها باللبن. إن هذه المعجزات لهي من أعظم دلائل قدرة الله تعالى، وإذا أراد الله نصر المؤمنين خرق القوانين، وقلب الموازين {إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون}.

14.                درس في الحب: وقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم:” لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين”.  إن هذا الحب هو الذي أبكى أبا بكر فرحاً بصحبته صلى الله عليه وسلم . . . إن هذا الحب هو الذي جعل أبا بكر يقاوم السم وهو يسري في جسده يوم أن لدغ في الغار لأن الحبيب ينام على رجله. إن هذا الحب هو الذي أرخص عند أبي بكر كل ماله ليؤثر به الحبيب صلى الله عليه وسلم على أهله ونفسه. إن هذا الحب هو الذي أخرج الأنصار من المدينة كل يوم في أيام حارة ينتظرون قدومه صلى الله عليه وسلم على أحر من الجمر. فأين هذا ممن يخالف أمر الحبيب صلى الله عليه وسلم ويهجر سنته ثم يزعم أنه يحبه!!!

15.               درس في التضحية والفداء: لقد سطر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صفحات مشرقة من التضحية، والمغامرة بالأنفس والأموال لنصرة هذا الدين.. لقد هاجروا لله ولم يتعللوا بالعيال ولا بقلة المال فلم يكن للدنيا بأسرها أدنى قيمة عندهم في مقابل أمر الله وأمر ورسوله صلى الله عليه وسلم. فيوم أن بات علي في فراشه صلى الله عليه وسلم وغطى رأسه كان يعلم أن سيوف الحاقدين تتبادر إلى ضرب صاحب الفراش، ويوم أن قام آل أبي بكر عبدالله وأسماء وعائشة ومولاه عامر بهذه الأدوار البطولية كانوا يعلمون أن مجرد اكتشافهم قد يودي بحياتهم. هكذا كان شباب الصحابة فأين شبابنا.. أين شبابنا الذين يضعون رؤوسهم على فرشهم ولا يضحون بدقائق يصلون فيها الفجر مع الجماعة. نعم.. لقد نام شبابنا عن الصلاة يوم أن نام عليّ مضحياً بروحه في سبيل الله، فشتان بين النومتين. أين شبابنا الذين كلّت أناملهم من تقليب أجهزة القنوات ومواقع الشبكات. أين هذه الأنامل من أنامل أسماء وهي تشق نطاقها لتربط به سفرة النبي عليه الصلاة والسلام. ويوم القيامة ستشهد الأنامل على تضحية أسماء، وستشهد على الظالمين بما كانوا يعملون.

16.               درس في العبقرية والتخطيط واتخاذ الأسباب: لقد كان صلى الله عليه وسلم متوكلاً على ربه واثقاً بنصره يعلم أن الله كافيه وحسبه، ومع هذا كله لم يكن صلى الله عليه وسلم بالمتهاون المتواكل الذي يأتي الأمور على غير وجهها. بل إنه أعد خطة محكمة ثم قام بتنفيذها بكل سرية وإتقان. فالقائد: محمد، والمساعد: أبو بكر، والفدائي: علي، والتموين: أسماء، والاستخبارات: عبدالله، والتغطية وتعمية العدو: عامر، ودليل الرحلة: عبدالله بن أريقط، والمكان المؤقت: غار ثور، وموعد الانطلاق: بعد ثلاثة أيام، وخط السير: الطريق الساحلي. وهذا كله شاهد على عبقريته وحكمته صلى الله عليه وسلم، وفيه دعوة للأمة إلى أن تحذو حذوه في حسن التخطيط والتدبير وإتقان العمل واتخاذ أفضل الأسباب مع الاعتماد على الله مسبب الأسباب أولاً وآخراً.

17.               درس في الإخلاص: ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” إنه ليس أحدٌ أمنُّ علي في نفسه وماله من أبي بكر ” فقد كان أبو بكر} الذي يؤتي ماله يتزكى {ينفق أمواله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الدعوة إلى دين الله).  لكن السؤال هنا هو لماذا رفض صلى الله عليه وسلم أخذ الراحلة من أبي بكر إلا بالثمن؟ قال بعض العلماء: إن الهجرة عمل تعبدي فأراد عليه الصلاة والسلام أن يحقق الإخلاص بأن تكون نفقة هجرته خالصة من ماله دون غيره. وهذا معنى حسن، وهو درس في الإخلاص وتكميل أعمال القرب التي تفتقر إلى النفقة (كنفقة الحج، وزكاة الفطر، وغيرها من الأعمال) فإن الأولى أن تكون نفقتها من مال المسلم خاصة.

درس في التأريخ الهجري: التأريخ بالهجرة النبوية مظهر من مظاهر تميز الأمة المسلمة وعزتها. ويعود أصل هذا التأريخ إلى عهد عمر رضي الله عنه. فلما ألهم الله الفاروق الملهم أن يجعل للأمة تأريخاً يميزها عن غيرها من الأمم استشار الصحابة فيما يبدأ به التأريخ، هل يؤرخون من مولده عليه الصلاة والسلام؟ أم مبعثه؟ أم هجرته؟ أم وفاته؟. وكانت الهجرة أنسب الخيارات. أما مولده وبعثته فمختلف فيهما، وأما وفاته فمدعاة للأسف والحزن عليه. فهدى الله تعالى الصحابة إلى اختيار الهجرة منطلقاً للتأريخ الإسلامي.

مقالات مشابهة

  • الدروس المُسْتَفادة من الهجرة النبويّة
  • عمر هاشم: الهجرة النبوية الشريفة فرّقت بين الحق والباطل
  • ذكرى الهجرة.. مولد دولة وبناء أمة.. مركز عمليات تحت قيادة النبي.. المعجزات الربانية تحيط الرسول من مكة إلى المدينة.. و4 أفلام سينمائية تناولت الرحلة
  • 6 أعمال احرص على فعلها قبل صلاة الفجر.. تغفر ذنوبك وتوسع رزقك
  • سر كلمات أوصى بها النبي.. «حياتك هتتغير لو حرصت عليها»
  • دعاء دخول المسجد كما ورد عن النبي.. «اللهم افتح لي أبواب رحمتك»
  • دروس على أعتاب السنة الهجرية الجديدة
  • فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
  • الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم..آداب يوم الجمعة
  • دعاء يوم الجمعة من السنة النبوية