الصراع الدولي والإقليمي في البحر الأحمر وباب المندب بعد ظهور الكيان الصهيوني 3-2
تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT
مقـــــــــــدمة :
تكمن الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر في موقعه الجغرافي الذي يربط بين ثلاث قارات: أفريقيا وآسيا وأوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، مروراً بقناة السويس المصرية، فهو يعتبر ممراً ملاحياً مهماً في مجال الجغرافيا السياسية والاستراتيجية.
تتداخل هذه الأهمية وتتفاوت بالنسبة الدول المشاطئة والقوى الإقليمية والدولية، ما بين أهميته الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولكن تبقى الأهمية الاقتصادية والأهمية العسكرية والأمنية هما أكبر الدوافع للتنافس الإقليمي والدولي على البحر الأحمر والتخوم المجاورة له.
هذه الأهمية جعلت الدول والقوى الكبرى، قديماً وحديثاً، تحاول الهيمنة على البحر الأحمر وباب المندب، وتسعى بشتى السبل لأن يكون لها موضع قدم على شواطئ البحر الأحمر بشكل عام وعلى مضيق باب المندب بشكل خاص، وكانت شواطئ الدول المطلة عليه سبباً في استعمارها .
صراع النفوذ والهيمنة على البحر الأحمر يأخذ ثلاثة مستويات متداخلة: محلية، إقليمية، دولية، وهو مستمر بأشكال مختلفة، وفي هذه الورقة، سنحاول معرفة القوى الدولية والإقليمية المؤثرة في الصراع مع التركيز لمعرفة الدور الإسرائيلي. ونبحث عن إجابة للسؤال: هل يصبح البحر الأحمر منطقة نفوذ غربية إسرائيلية خالصة في ظل الأحادية القطبية؟ وأين تقف القوى الشرقية الممثلة بالصين وروسيا وإيران وتركيا في هذه المواجهة ؟.
كما سنقف على واقع الدول المطلة على ضفتي البحر الأحمر وباب المندب ومدى تأثرها بفعل الأطماع والصراع، و نحاول معرفة لماذا تغيب الدولة الصومالية منذ ثلاثه عقود، وعلاقة الحرب على اليمن بالبحر الأحمر الأحمر وباب المندب ؟.
الثورة / عباس عبدالله السيد
ثالثاً : القوى المؤثرة في الصراع على النفوذ في منطقة البحر الأحمر وأهدافها
يمكن توزيع القوى المؤثرة في الصراع على النفوذ، وفقاً لتحالفاتها أو ترابط مصالحها وتوجهاتها، في أربع مجموعات .
ألف ـ القوى الغربية : أمريكا وأوروبا
تضم الولايات المتحدة والدول الأوروبية ممثلة في الناتو، وتعمل الولايات المتحدة الأمريكية كدفة قيادة للقوى الغربية في المياه الدولية، ومنها البحر الأحمر وخليج عدن، وتحظى دولة الكيان الإسرائيلي برعاية ودعم أمريكي أوروبي غير محدود، وتستند القوى الغربية إلى موروث استعماري في المنطقة يمتد إلى القرن السادس عشر الميلادي .
وتسعى القوى الغربية وفي المقدمة أمريكا، من تواجدها في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، إلى ما يلي :
1 ـ ضمان حركة أساطيلها وسفنها العسكرية في مياه البحر الأحمر التي تربط البحر المتوسط بالمحيط الهندي، كأداة لاستراتيجيتها العسكرية والأمنية والسياسية في العالم.
2 ـ استمرار تدفق النفط إلى الغرب، وخصوصاً الدول الأوروبية التي يمر 60 % من احتياجاتها النفطية عبر باب المندب والبحر الأحمر. وقد عبر السيناتور الأمريكي « أوين بروستر « عن هذه الأهمية عام 1947م وقال: من يقعد على صمام النفط في منطقة الخليج الفارسي يستطيع التحكم بمصير أوروبا .
3 ـ ضمان حركة التجارة من وإلى الأسواق الغربية، إذ تمثل نسبة الحركة التجارية المارة عبر البحر الأحمر نحو 15 % من التجارة العالمية.
4 ـ حرص القوى الغربية الدائم على النفوذ في هذه المجال، يندرج في إطار التنافس بين قوى الشرق والغرب على الممرات الملاحية حول العالم .
وتعتبر الصين وروسيا وإيران وتركيا، أبرز القوى الشرقية المستهدفة من قبل الغرب في معركة السيطرة على البحر الأحمر وباب المندب .
ب – القوى الشرقية : الصين وروسيا
على الرغم من وجود دول كبيرة ذات وزن اقتصادي وعسكري كبير في القارة الآسيوية، كالهند واليابان وماليزيا والباكستان وغيرها، إلا أن تأثيرها محدود في التنافس والتأثير في التنافس على النفوذ في منطقة البحر الأحمر، ولذلك، اختزلنا القوى الدولية الشرقية في الصين وروسيا باعتبارهما قوتين دوليتين كبريين ولهما تاريخ في الصراع والتنافس مع الغرب، كما أن الصين بدأت تبرز كمنافس كبير للولايات المتحدة الأمريكية، القطب الدولي الأوحد بعد سقوط الاتحاد السوفيتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، وسنبدأ هنا في معرفة الاهتمام الصيني بمنطقة البحر الأحمر وأهدافها:
1 ـ الصين .. ترقب وحذر
يرتبط اهتمام الصين بالبحر الأحمر بالدرجة الأولى باعتباره خطاً أساسياً من مشروع طريق الحرير الجديد، المشروع الصيني الضخم لإعادة رسم خريطة التجارة العالمية، وباستراتيجيتها للسـيطرة عبـر شـركاتها عـلى موانئ البحر الأبيض المتوسط لتأمين تجارتها إلى أوروبا، حيث تمر 80 % من الصادرات الصينية عبر البحر الأحمر .
ولعل مبادرة الحزام والطريق التي أعلنها الرئيس شي جين بينج في العام 2013م هي أكثر البرامج الجيوسياسية والاقتصادية طموحاً منذ خطة مارشال التي نفذت في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية بل تتفوق عليها في النطاق والتكاليف، وستكون للموارد خاصة الطاقة (النفط والغاز) والموقع الاستراتيجي والمعابر والموانئ في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي أهمية كبرى في هذا الصدد.
سيبقى باب المندب بمثابة مضيق استراتيجي أساسي للتجارة والتدفق الحر لناقلات النفط والغاز، وفي الوقت نفسه، يشكل عقدة سلطوية لنجاحات الصين في الشرق الأوسط وأفريقيا. علاوة على ذلك، ستواصل دول شبه الجزيرة العربية النظر باتجاه الشرق، إلى الصين وغيرها من القوى الصاعدة في أوراسيا، من أجل الشراكة الاقتصادية والحصول على الدعم(18).
في أغسطس 2018م قامت الصين بافتتاح قاعدتها اللوجستية في جيبوتي مقابل باب المندب، وهي أول قاعدة بحرية خارجية لها، تضم 10 آلاف جندي، الكبيرة، وتعلن الصين أن القاعدة ضرورية للمساعدة على الوفاء بالتزاماتها الدولية ولا علاقة لها بالتوسع العسكري وأنها مصممة على سلوك نهج التنمية السلمية وأن تكون لديها سياسة دفاعية غير هجومية .
وتتعامل الصين مع التطورات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، أو غرب آسيا بحذر، فهي تسعى للتركيز على توسيع استثماراتها المالية وزيادة تدخلها في مجال المبادرات الخاصة بالبنى التحتية، ولا تظهر الصين دلائل بشأن مطامع استراتيجية صينية في المنطقة لجهة الإبقاء على تواجد عسكري للصين بشكل دائم في البحر الأحمر والمتوسط، إلا أن هذه السياسة لا تنفي احتمال حدوث تحول في الموقف الصيني العام مستقبلاً، وهو ما قد يضع عندها الدول الأوروبية والولايات المتحدة في حال مواجهة وحرج كبير إذا قررت الصين الإبقاء على قوات عسكرية وقواعد ضخمة لها في المنطقة كجزء من استراتيجيتها العالمية، وفي المنافسة بينها وبين الولايات المتحدة التي تبدي قلقاً متزايداً من النفوذ والتمدد الصيني في المنطقة.
2 ـ روسيا.. أولويات أخرى
لم يترك الاتحاد السوفيتي ميراثاً من النفوذ للدولة الروسية، فجميع الأنظمة التي كانت متحالفة مع الاتحاد السوفيتي السابق سقطت أو انتهت بسقوطه، بما في ذلك حلفاؤه في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي ـ الصومال واليمن الجنوبي ـ حيث دخل الحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يحكم الجنوب اليمني في وحدة اندماجية مع الشمال، كما حدث في ألمانيا الغربية والشرقية، وسقط نظام الرئيس الصومالي محمد سياد بري في عام 1991م .
وبعكس الصين، لا تبدي روسيا اهتماماً كبيراً بالبحر الأحمر وباب المندب لأسباب عديدة، منها :
ـ اعتماد روسيا على مضيقي البوسفور والدردنيل اللذين يمران عبر الأراضي التركية ويربطان الطريق الملاحي بين البحر الأسود غرب روسيا والبحر الأبيض المتوسط.
ـ انشغال روسيا بمواجهة التغلغل الغربي في الدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي القريبة من حدودها .
ومع ذلك، لا يزال ينظر إلى الدولة الروسية كوريثة للقوى العظمى « الاتحاد السوفيتي « الذي كان له دور في إحداث توازن دولي مع الولايات المتحدة خلال سبعة عقود، وقبل ذلك كان لروسيا القيصرية دور مؤثر في التنافس مع القوى الغربية في العالم، ما يعني أن الدولة الروسية لديها من المقومات التاريخية والاقتصادية والعسكرية ما يؤهلها لأن تلعب دوراً مؤثراً في العالم، وأن تعمل على استعادة نفوذ الشيوعيين والقياصرة .
ج ـ القوى الإقليمية
1 : إيران وتركيا
تعد كل من إيران وتركيا أكثر الدول الإسلامية تأثيراً في الأحداث التي تمر بها منطقة غرب آسيا، هذا الدور ليس طارئاً على الدولتين اللتين تعدا امتداداً للإمبراطوريتين، العثمانية والفارسية، وكلاهما كانتا ضمن القوى الدولية التي تتنازع السيطرة على البحر الأحمر وباب المندب في مراحل تاريخية مختلفة .
وخلال العقود الثلاثة الأخيرة، سعت الدولتان إلى تعزيز استراتيجياتها السياسة وحماية مصالحهما في منطقة البحر الأحمر من خلال تعزيز علاقاتهما بعدد من الدول المطلة على البحر الأحمر ودول القرن الأفريقي، لكن التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة بالإضافة إلى الكيان الصهيوني وحلفائهم في المنطقة وجدوا في التواجد التركي والإيراني خطراً على مشروعهم في المنطقة، والذي يعد السيطرة على البحر الأحمر وباب المندب أهم أركانه. (19)
في مقال له في صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية في يناير 2018م، قال الكاتب الإسرائيلي زفي مازل : « إن فكرة تشكيل تحالف خليجي ضد طهران أصبحت في مهب الريح بعد التحالف بين قطر وتركيا. وقد بات التواجد التركي الكثيف في البحر الأحمر تهديداً لمصر وإسرائيل على السواء « .
وكانت إيران عززت وجودها في البحر الأحمر بإنشاء قاعدة عسكرية على الساحل الإريتري، وإنشاء مركز لتموين السفن الإيرانية التي تجوب البحر الأحمر، كما تمكنت من الحصول على تواجد وتسهيلات في جيبوتي حيث وقعت معها اتفاقية تعاون مشترك خلال زيارة الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد لجيبوتي في فبراير 2009م، كما كانت لها علاقات متميزة مع السودان، قبل أن ينخرط النظام السوداني في إطار تحالف الحرب على اليمن الذي تقوده السعودية، وشارك أكثر من 30 ألفاً من الجيش والمرتزقة السودانيين في الحرب على اليمن المستمرة منذ 2015م.
تركيا هي الأخرى، حصلت على مكاسب عديدة من تحالفها مع نظام الرئيس السابق عمر البشير، بامتلاكها منصة جديدة في البحر الأحمر، بعد حصولها على حق إعادة تأهيل جزيرة سواكن السودانية التي كانت ميناء للدولة العثمانية في الفترة من القرن الخامس عشر حتى القرن التاسع عشر، بالإضافة إلى تواجدها في الصومال، وزيادة استثماراتها الاقتصادية في عدد من دول القارة الأفريقية.
تحاول تركيا جاهدة عقد صلات مع السلطة الانتقالية الجديدة في السودان بعد أن كانت أحد أبرز الداعمين لنظام الرئيس المعزول عمر البشير، ويشكل فقدان تركيا لنفوذها في السودان ضربة موجعة لطموحاتها وانفتاحها في المنطقة وفي القارة الأفريقية (20)
وعلى الرغم من أن إيران وتركيا تواجهان تحالفاً إقليمياً ودولياً موحداً في البحر الأحمر، إلا أن الدولتين تعملان بشكل منفرد، واستمرار غياب التنسيق والتعاون بين الدولتين سيؤدي إلى تلاشي حضورهما وتأثيرهما في منطقة البحر الأحمر تماماً .
في عام 2018م أعلنت إيران أنه لا يوجد مانع لديها من التنسيق مع تركيا في هذا الصدد، حيث ذكرت إيران على لسان القائد العام للجيش الإيراني للشؤون التنسيقية، الأدميرال حبيب الله يساري، أنه في حال قررت الحكومة التركية التواجد لضمان الأمن في خليج عدن فإننا مستعدون للتعاون معها . (21)
فهل يشعر الأتراك بالحاجة إلى تنسيق جهود مشتركة مع الإيرانيين، وخصوصاً بعد أن خسروا كثيراً من المكاسب التي كانت قد تحققت لهم في البحر الأحمر قبل سقوط الرئيس السوداني عمر البشير ؟
2 : السعودية ودولة الكيان الصهيوني
تحاول السعودية و دولة الكيان الإسرائيلي أن يظهرا كقوى إقليمية مؤثرة في المنطقة، لكنهما في الحقيقة لا يمتلكان المقومات الذاتية لذلك، فدولة الكيان الإسرائيلي تعتمد على الدعم الأمريكي اللا محدود، وتستغل ضعف الأنظمة العربية، بينما يرجع تأثير السعودية في المنطقة إلى سببين: ثروتها النفطية، والعمل في إطار الاستراتيجيات الغربية في المنطقة، ومنها التطبيع مع دولة الكيان الإسرائيلي .
في كتابه « الشرق الأوسط الجديد « يطرح رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي الأسبق، شمعون بيريز الآتي : « لا بد من سلام في المنقطة وتشكيل كيان في مواجهة الخطر الإيراني « وقال : « السلام يبدأ بإنشاء شرق أوسط جديد، وأن هذا الشرق لا بدّ أن يبدأ بتنفيذ مشاريع مشتركة على البحر الأحمر « (22)
وقد تناولنا سابقاً الاستراتيجية الإسرائيلية في البحر الأحمر وباب المندب، ووجودها كمحور فاعل، ليس فقط من خلال تأثيرها هي فحسب ـ بل من خلال كونها جزءاً من الاستراتيجية الغربية للولايات المتحدة التي تعد « حماية إسرائيل « ضمن أهدافها.
عملت الولايات المتحدة منذ عقود على دمج دولة الكيان الإسرائيلي بمحيطها العربي بوسائل شتى، وقد أثمرت تلك الجهود على تغيير السياسات والمفاهيم والتحالفات، وأصبحت الكيان الصهيوني المغتصب للأرض العربية والمقدسات الإسلامية في فلسطين، في حلف واحد مع بعض الدول والإمارات العربية، في مواجهة جمهورية إيران الإسلامية، وتركيا أيضاً.
نعود إلى كتاب بيريز الذي قال في كتابه أيضاً : « يمكن لنا أن نبدأ في نقطة البحر الأحمر، فقد تغيرت شطآن البحر الأحمر مع الزمن وأصبحت مصر والسودان وإريتريا تقع على أحد الجوانب فيما تقع إسرائيل والأردن والسعودية على الجانب الآخر وهذه البلدان تجمعها مصلحة مشتركة، ويمكن القول إنه لم يعد هناك أسباب للنزاع، فأثيوبيا من بعد نظام « منجستو « وإريتريا المستقلة حديثاً تريدان إقامة علاقات سليمة مع جاراتهما بما في ذلك إسرائيل، في حين أن مصر وقعت بالفعل اتفاقية سلام مع إسرائيل، أما الأردن والسعودية واليمن فتريد تأمين حرية الملاحة والصيد وحقوق الطيران «.(23)
د ـ الدول المشاطئة:
ـ أمواج التطبيع تضرب الضفتين
بإلقاء نظرة سريعة على الدول المشاطئة للبحر الأحمر على الضفتين، الأفريقية والآسيوية يتبين لنا ما يلي: الضفة الأفريقية أو الغربية للبحر الأحمر، والممتدة من خليج السويس وحتى جنوب باب المندب، بالإضافة إلى السواحل الصومالية، أصبحت إقليماً يعمل في إطار مشروع الهيمنة الغربية بطريقة أو أخرى، بعض تلك الدول يرتبط بمعاهدات وعلاقات رسمية مع دولة الكيان الإسرائيلي، مثل مصر وإريتريا، وأخرى في طريقها للتطبيع كالسودان (24)، والبقية تحت سيطرة حلفائها.
وفي الضفة الآسيوية التي تضم كلاً من الأردن، والسعودية واليمن، ترتبط الأردن بمعاهدات سلام وعلاقات ثنائية مع دولة الكيان الإسرائيلي، كما لم يعد خافياً أن السعودية التي تمتلك أكبر شاطئ على البحر الأحمر يزيد عن 1800 كيلومتر، باتت تعمل مع دولة الإمارات كقاطرة لجر الدول العربية الأخرى نحو التطبيع مع دولة الكيان الإسرائيلي، فما الذي تبقى ؟
ـ تحالفات مضطربة
في ديسمبر 2018م أعلن في الرياض عن تأسيس « تحالف دول البحر الأحمر وخليج عدن « يضم كلاً من، السعودية، مصر، السودان، جيبوتي، الصومال، الأردن واليمن ممثلة بالحكومة التي تقيم بالرياض منذ 2015م، وكان لافتاً غياب إريتريا التي تمتلك ثالث أطول شاطئ على البحر الأحمر بعد مصر والسعودية، بطول ألف كم .
وزارة الخارجية السعودية أوضحت، أن الكيان يعتبر مبادرة من الملك سلمان لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وإيجاد تناغم في التنمية بين الدول في هذه المنطقة الحيوية والحساسة، وتضمنت الأهداف المعلنة إنشاء مناطق حرة في موانئ جميع الدول المشاطئة، ومن ضمن المشاريع « مدينة نيوم « السعودية المزمع إنشائها شمال البحر الأحمر ضمن «رؤية 2030م» السعودية، وتقدر تكاليف إنشائها بنحو 500 مليار دولار.
وعلى الرغم من محاولة إظهار الطابع الاقتصادي للتكتل، إلا أن الأهداف العسكرية والأمنية كانت واضحة وطاغية، إذ تنص الأهداف على: « حماية التجارة العالمية وحركة الملاحة الدولية، وتعزيز الأمن والاستثمار والتنمية لدول الحوض.. « مع التأكيد على أهمية « مواجهة استراتيجيات الدول المتوغلة في البحر الأحمر ودول القرن الأفريقي لتأمين متطلبات السيطرة الاستراتيجية على هذا الممر المائي على ضوء خبرات الماضي وحقائق الحاضر ومصالح دول الكيان المستقبلية، وتشير تقارير وتحليلات إلى التحالف باعتباره موجهاً بصورة أساسية لتحجيم النفوذ والتأثير الإيراني والتركي في البحر الأحمر (25).
وهذا يؤكد أن الكيان الجديد يعمل في إطار تحالف مشروع الهيمنة الغربية وحماية المصالح الإسرائيلية، حتى وإن لم تشارك دولة الكيان الإسرائيلي في هذا التحالف بشكل مباشر، ويتأكد أيضاً من خلال المناورات العسكرية المشتركة لعدد من دول التحالف المعلن التي أقيمت طيلة العامين الماضين.
خامساً: نموذج من الضفتين .. الصومال واليمن
اليمن والصومال نموذجان متشابهان من الضفتين، متقابلان جغرافيا وتفصل بينهما مياه خليج عدن الذي يربط المحيط الهندي بالبحر الأحمر، ويعيشان ظروفاً سياسية وأمنية متشابهة، ويمكن القول إنهما، كانا ولا يزالان الأكثر عرضة للتدخلات الخارجية والحروب والنزاعات، وكلاهما يعيشان تحت « الفصل السابع « (26) الذي شرعن للقوى الدولية والإقليمية، استباحة أرضهما وبحرهما وسمائهما.
ولعل قراءة الظروف والأحداث التي يعيشها البلدان تساعد في فهم ما يجري و معرفة الخلفيات والأبعاد وعلاقتها بالصراع على النفوذ في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي .
1 – الحرب على اليمن وعلاقتها بالصراع الإقليمي والدولي في البحر الأحمر
اليمن دولة بحرية بامتياز، تبلغ مساحته نحو نصف مليون كم مربع، ويبلغ عدد سكانه نحو 25 مليون نسمة، وهو بلد بحري بامتياز بشواطئ تمتد أكثر من 2200 كم . على البحر الأحمر ووباب المندب وخليج عدن.
بالإضافة إلى موقعه الاستراتيجي، يمتلك اليمن عدداً من الجزر ذات مواقع استراتيجية هامة في البحرين الأحمر والعربي أهمها :
جزيرة ميون : وتقع في مضيق باب المندب، ومن خلالها يمكن التحكم بطرق الملاحة في مدخل المضيق.
مجموعة جزر حنيش: وتقع بالقرب من المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وتشمل جزيرة حنيش الكبرى والصغرى، وزقر، بالإضافة إلى مجموعة صغيرة من الجزر في ارخبيل حنيش يزيد عددها عن عشرين جزيرة .
جزيرة سقطرى : تقع جزيرة سقطرى في البحر العربي، وتبعد نحو 350 كيلومتراً عن الشاطئ الجنوبي اليمن . وتعد من أكبر الجزر في العالم، إذ تبلغ مساحتها 3500 كيلومتر مربع، ويسكنها نحو 80 ألف نسمة، وتشرف الجزيرة على خطوط الملاحة الدولية غرب المحيط الهندي .
ثمان سنوات من الحرب والحصار
الحرب التي أعلنها تحالف دولي بقيادة السعودية في 26 مارس 2015م، على اليمن، لا تزال مشتعلة . مرت أكثر من ثمان سنوات من الحرب المدمرة والحصار الجائر، وشنت طائرات التحالف السعودي أكثر من ٢٥٠ ألف غارة، أسفرت عن استشهاد عشرات الآلاف من اليمنيين ونزوح الملايين ..وأرقام الخسائر لا تحصى .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
اليمن: تحول السفن إلى رأس رجاء الصالح تهديد مباشر لمصالح الدول المطلة على البحر الأحمر
قال وزير النقل اليمنى عبدالسلام صالح حُميد، أن تحول حركة السفن إلى رأس رجاء الصالح يمثل تهديدًا رئيسيًا ومباشرًا لمصالح الدول المطلة على البحر الأحمر.
ونقلت صحيفة "الشروق" عن حُميد، أن تأثير ما يحدث في البحر الأحمر لم يقتصر على اليمن وحده، حيث إنه لم يتكبد وحده الخسائر المترتبة على هذه التطورات، وإنما باتت تأثيرات ما يحدث واضحة لدرجة كبيرة على جميع الدول المطلة على البحر الأحمر، ومن بينها مصر.
وأكد أن تأثير تفاقم الأوضاع لن يقتصر على اليمن ومصر والدول المطلة على البحر الأحمر، وإنما من شأنه أن يؤثر على جميع دول العالم.
واعتبر حُميد أن تحرك عدد كبير من السفن، التى كانت تمر عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس نحو طريق رأس الرجاء الصالح، بالاضافة إلى معوقات التأمين البحرى وارتفاع تكاليف الشحن، وغيرها من التحديات باتت تهدد بصفة رئيسية ومباشرة مصالح الدول المطلة على البحر الأحمر، لذلك فالوضع الراهن يحتم على الجميع العمل على تضافر الجهود لمواجهة هذا الصراع، والتصدى لكل التهديدات التى باتت تحيط بنا جميعًا.
وفيما يخص العلاقات المصرية اليمنية، قال وزير النقل اليمنى، إن مصر هي بلدنا الثانى، والحضن الذى يجمع كل العرب وليس اليمن وحده، الذى تربطه بمصر روابط تاريخية.
وأشاد بموقف القاهرة الداعم لليمن عقب اندلاع الحرب عام 2015، قائلًا: «لقد كانت مصر من أوائل الدول التى فتحت مطاراتها أمامنا عقب الحرب، وسنظل دائمًا حريصين للغاية على تعزيز سبل التعاون، وتوطيد العلاقات المصرية اليمنية على كل الأصعدة».
كما أكد حُميد أن الحكومة اليمنية تبذل جهودًا كبيرة لتجاوز التحديات الناجمة عن الحرب فى اليمن عبر إعادة بناء كل ما تم تدميره سواء فيما يخص المؤسسات أو البنية التحتية.
وأشار إلى تعافى الموانئ والمطارات، حيث يتم فيها العمل بصورة جيدة، وموضحًا أنه على الرغم من ذلك لا يزال هناك المزيد من العمل والجهد المطلوب حتى تتمكن اليمن من استعادة قوتها الاقتصادية.
كما أعرب وزير النقل اليمنى عن تطلع بلاده لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول المنطقة العربية فى ضوء توقيعها لاتفاقية نقل البضائع على الطرق البرية بين الدول العربية، مشيرًا إلى أن هذه الاتفاقية ستعد بمثابة مرجعية سواء لتحديد حقوق كل طرف، أو لحل كل النزاعات التى قد تنشأ بين سواء مالكى البضائع أو الناقلات.
كما أكد حُميد أهمية هذه الاتفاقية، لمساهمتها البارزة فى تعزيز الروابط والصلات بين اليمن والدول العربية، خاصة دول الخليج العربى التى تربطها باليمن حدود جغرافية مباشرة.
وأشار إلى أن الهدف الرئيسى من الاتفاقية هو تشجيع نقل البضائع بين الدول العربية ومنح المزيد من التسهيلات لنقل البضائع برًا، فضلًا عن تجاوز القيود ومعوقات النقل البرى على الطرق فيما بينها.
وأوضح حُميد أن من أبرز امتيازات هذه الاتفاقية هو مساهمتها فى توحيد القواعد والإجراءات المنظمة للنقل الدولى للبضائع على الطرق بين الدول المتعاقدة، لا سيما فيما يتعلق بالوثائق المستخدمة فى عملية النقل الدولى للبضائع أو فيما يتعلق بمسئولية الناقل والحفاظ على حقوق الأطراف المختلفة وضمان السرعة فى حل المنازعات.