دولة منزوعة السلاح… مقترح إنهاء القضية الفلسطينية
تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT
في أحد المشاهد الأخيرة للمسلسل السوري «الزير سالم» الذي يحكي قصة حرب البسوس، التي قامت بين التغلبيين والبكريين، عاد أبو ليلى المهلهل (الزير سالم) من الأسر، وقد تولى ابن أخيه «الجرو بن كليب» التغلبي ملكا صوريًا على القبيلتين تحت رقابة البكريين، الذين أخذوا من الملك خيول قبيلته وأعطوهم الماعز ليضمنوا أنهم لن يعودوا للحرب.
استعادت ذاكرتي هذا المشهد، عندما استمعت إلى حديث رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، خلال مؤتمر صحافي مشترك جمعه ورئيسي وزراء إسبانيا وبلجيكا الجمعة الماضية، مع أول ساعات الهدنة بين المقاومة الفلسطينية في غزة وحكومة الاحتلال الإسرائيلي.
اقرأ/ي أيضاً.. ما الذي ستفعله “إسرائيل” في اليوم التالي للحرب؟.. مسؤولون وخبراء يجيبون (تقرير خاص)رئيس النظام المصري أتى خلال كلمته في المؤتمر بمقترح يقضي بإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967عاصمتها القدس الشرقية مع وجود قوات دولية لتحقيق الأمن للدولتين الفلسطينية والإسرائيلية. السيسي سبق أن تقدم بهذا المقترح بعد مرور 11 يوما من معركة طوفان الأقصى، وهو مقترح ليس جديدا. صرح السيسي بأن هناك استعدادا لتكون الدولة منزوعة السلاح، ووجود قوات من الناتو أو الأمم المتحدة أو قوات عربية أو أمريكية لتحقيق الأمن لكلا الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية.
ونضع تحت كلمة (هناك استعداد) مئة خط، فلم يبين الجهة التي لديها الاستعداد لذلك، إلا أنه بالرجوع إلى فترات سابقة، تتبين هذه الأطراف التي تبنت هذه الفكرة، حيث طرحها في السابق قبل خمس سنوات محمود عباس رئيس سلطة رام الله، الذي قال: «أدعم دولة في حدود 1967 من دون جيش، أريد قوات شرطة غير مسلحة مع هراوات وليس مسدسات»، وهذا يتوافق مع التطلعات التي أبداها الطرف الإسرائيلي، حيث تبناها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون عام 2001، كما تبناها رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو في تصريح سابق عام 2009.
ما يثير الدهشة من هذا التصريح، أن الرئيس المصري تجاوز الشعب الفلسطيني والمقاومة، التي هي طرف الصراع مع الكيان الإسرائيلي، ونقل ما يعبر عن آمال قديمة للاحتلال وتطلعات سلطة كرتونية تمثل عبئا ووبالا على الفلسطينيين التواقين إلى التحرير، فحديثه في أول ساعات الهدنة يتجاهل أن هذه الهدنة الإنسانية التي كان له دور فيها يضاف إلى الوساطة القطرية والأمريكية، قد تمت وفقا لشروط المقاومة، التي أرغمت أنف العدو الصهيوني وأسقطت هيبته وجعلته يتراجع في خزي عن موقفه السابق الذي أكد خلاله أنه لا تفاوض مع حماس.
بالنظر إلى المقاومة كخيار استراتيجي للفصائل الإسلامية في فلسطين حتى تحرير الأرض، نفهم أن تصريح رئيس النظام المصري يتوافق مع الرؤية الإسرائيلية والغربية ورؤية السلطة الفلسطينية، في القضاء على المقاومة، والذي هو السبيل الأوحد لتنفيذ هذا المقترح بإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح. يجدد السيسي هذا المقترح الذي وافق عليه من قبل الجانب الإسرائيلي، كبديل عن مقترح حل الدولتين الذي يقضي بإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967، وهو ما تم إقراره في مجلس الأمن بعد نكسة 1967، وهو ما تنادي به الدول العربية، وتأباه حكومة الاحتلال، علما بأن هذه الدولة الفلسطينية ـ وفقا لحل الدولتين – تقام على ما مساحته 22% من الأراضي الفلسطينية، ثم أتى المقترح الذي طرحه رئيس النظام المصري ليجعل هذه الدولة منزوعة السلاح، تشرف عليها قوات أجنبية، فيفقد الفلسطينيون معظم أراضيهم، ويفقدون سيادتهم أيضا على تلك النسبة المتبقية، فأي عار يحمله هذا المقترح!
اقرأ/ي أيضاً.. الوهم الخطير.. “إسرائيل” أمام 6 خيارات في قطاع غزة كلها سيئةمقترح دولة فلسطينية منزوعة السلاح، يعني نزع السيادة عن الفلسطينيين أصحاب الأرض، وتركهم فريسة سهلة لاحتلال يضرب بالقوانين والأعراف الدولية عرض الحائط، ويستبعد الدول العربية من المعادلة ولا يكترث بها ولم يستجب لمطالبها حتى بفتح المعبر لدخول المساعدات الإنسانية، رغم ما قطعه العديد من هذه الدول من خطوات واسعة باتجاه التطبيع. فمن الغريب أن يأتي هذا المقترح من طرف لا يليق به الحيادية في هذه القضية، ويفترض به التخندق مع المصالح الفلسطينية، لكن حتى الحيادية لم تظهر لها رائحة في هذا المقترح الجائر، الذي يعني إنهاء القضية الفلسطينية لصالح احتلال صاحب تاريخ أسود في عدم الالتزام بتعهداته.
القنبلة التي انفجرت عقب هذا التصريح، هي إبداء الجانب الإسرائيلي رفضه لهذه الفكرة، حيث ذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية ليور هايات، أن «نتنياهو تحدث خلال عامي 2009 و2010 عن حل الدولتين بوجود دولة فلسطينية منزوعة السلاح، لكن هذه ليست سياسة الحكومة» مضيفا: «لقد تغير الكثير من الأمور منذ ذلك الحين». هذا التحفظ الإسرائيلي على تصريحات السيسي، يؤكد أن الرجل استعاد هذا المقترح تطوعا لا بمقتضى التنسيق مع الجانب الإسرائيلي، أو ربما يكون مناورة إسرائيلية ليصبح هذا الحل سقف الطموحات الذي تسعى الدول العربية للوصول إليه، اختزالا لفكرة إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.
المقترح يحمل الكثير من السطحية، إذ بمقتضاه تعيش دولة تمتلك أسلحة نووية إلى جوار دولة منزوعة السلاح، ثم يفترض أن يعيش الطرفان في سلام، في ظل امتلاك الطرف الأول مشروعا توسعيا معروفا للقاصي والداني يتجاوز جغرافيا فلسطين إلى الدول المحيطة. مما يثير الدهشة أيضا، أن هذا المقترح تتبناه وتدعو إليه جهات عربية وقفت عاجزة تنتظر موافقة الاحتلال لإدخال شاحنات الإغاثة، رغم الضغط الجماهيري، فكيف ستتحدث هذه الجهات في ضمانات لسلام دائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين بموجب هذا المقترح! الشعب الفلسطيني هو من يقرر مصيره، وليس الدول التي تركته طيلة ثمانين عاما للدمار وعبث الاحتلال، وليس هناك من معنى ولا جدوى للتطوع بالحديث عن إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، ولا حتى عن حل الدولتين بإقامة دولة فلسطينية مجتزأة من معظم مساحتها على حدود الرابع من يونيو 1967م ولو كانت ذات سيادة، ولا قيمة لأن تنوب أي جهة للحديث عن مصير فلسطين متجاوزة الفلسطينيين. الفلسطينيون لن يبرحوا رغبتهم في تحرير كامل الأرض، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
*نشر أولاً في صحيفة “القدس العربي”
*كاتبة أردنية
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
شاهد أيضاً إغلاق آراء ومواقف
انا لله وانا اليه راجعون ربنا يتقبله ويرحمه...
ان عملية الاحتقان الشعبي و القبلي الذين ينتمون اغلبيتهم الى...
مع احترامي و لكن أي طفل في المرحلة الابتدائية سيعرف أن قانتا...
مشاء الله تبارك الله دائمآ مبدع الكاتب والمؤلف يوسف الضباعي...
الله لا فتح على الحرب ومن كان السبب ...... وا نشكر الكتب وا...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: دولة فلسطینیة منزوعة السلاح بإقامة دولة فلسطینیة رئیس النظام المصری دولة منزوعة السلاح دولة فلسطینیة من هذا المقترح فی الیمن
إقرأ أيضاً:
دينا هلالي: خطة إعمار غزة خارطة طريق لدعم القضية الفلسطينية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أكدت النائبة دينا هلالي، عضو مجلس الشيوخ، أن كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي في القمة العربية الطارئة المنعقدة بالقاهرة حملت العديد من الرسائل المهمة التي تعكس الدور المصري المحوري في دعم القضية الفلسطينية، وتؤكد الموقف الثابت لمصر في التصدي لأي مخططات تهدف إلى تهجير الفلسطينيين أو طمس هويتهم الوطنية، لافتة إلى أهمية اعتماد الرئيس السيسي البيان الختامي للقمة العربية والخطة المصرية لإعادة إعمار والتي تهد بمثابة خارطة طريق لدعم القضية الفلسطينية وانهاء معاناة الفلسطينيين وحصولهم على جميع حقوقهم المشروعة وفى مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وقالت "هلالى"، إن كلمة الرئيس السيسي بعثت رسائل عدة للعالم أجمع حول أزمة القضية الفلسطينية، وأبرزت دور مصر التاريخي والسياسي تجاه دعم حقوق الشعب الفلسطيني، والضغط المستمر من أجل إنهاء الحرب في القطاع وإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية رغم تعنت إسرائيل في منعها من أجل الضغط على الشعب الفلسطيني، وتضمنت رسالة استراتيجية تعكس الوعي العميق بالتحديات الإقليمية، وتحذيرًا من التهجير القسري للفلسطينيين.
وأوضحت أن مصر لن تقبل بأي مساس بحق الشعب الفلسطيني في العيش بكرامة على أرضه، مؤكدة ضرورة التكاتف والتعاون العربى المشترك لإعادة إعمار غزة حول الرؤية التي تبنتها القمة العربية، في ظل الظروف الراهنة والأوضاع الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، خاصة أن نجاح هذه الخطة يتطلب تعاونا إقليميا ودوليا لضمان تنفيذ المشروعات التنموية بشكل سريع وفعال.
وأشارت "هلالى"، إلى أن خطاب السيسي يؤكد التزام مصر الثابت بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين، وأنها لن تكون جزءًا من أي تسوية تمس هذه الحقوق، لافتة إلى أن مصر بثقلها التاريخى وحضورها الاستراتيجى، لم تكن مجرد مضيفة للقمة، بل القوة الدافعة التى أعادت تشكيل المشهد السياسى العربى فى لحظةٍ حرجة، بما يعكس قدرة مصر على الجمع بين الحكمة الدبلوماسية والحزم السياسى، كما أن مصر لها دور محوري في تعزيز وحدة الصف العربي والتعاون لمواجهة التحديات الإقليمية مع التأكيد على ضرورة استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.