4 محاور رئيسية تضع الحلول للأزمات الراهنةالإصلاح يتضمن علاج الأوضاع الاقتصادية والتعليمية والتشريعية وأزمة السد الإثيوبىرئيس الوفد يطالب بمنح اختصاصات تشريعية لمجلس الشيوخضرورة إجراء تعديلات دستورية لتحقيق الفصل بين السلطاتلابد من استقلال كامل للقضاء بعيداً عن السلطة التنفيذيةيجب الانسحاب من إعلان المبادئ لوقف عدوان السد الإثيوبىالقضاء على الفقر يتحقق بالتنمية المستدامة وتحقيق العدالة الاجتماعية

 

المدقق فى برنامج الدكتور عبدالسند يمامة، المرشح فى الانتخابات الرئاسية، يجد أنه يتناول أربعة محاور رئيسية، وهى إصلاح التعليم والتشريع والاقتصاد، والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المائية فى نهر النيل من عدوان السد الإثيوبى.

ويشير برنامج الدكتور عبدالسند يمامة إلى أمرين بالغى الأهمية، الأول هو تحديد الأزمة أو المشكلة، والثانى هو العلاج لهذه المشاكل أو الأزمات، وكعادة حزب الوفد بصفته معارضاً وطنياً لا يترك أى أزمة دون أن يضع لها الحلول الناجحة التى تقضى عليها تماماً بحكم خبرة الوفد التاريخية فى الحكم والمعارضة.. ولذلك جاء برنامج الوفد فى السباق الرئاسى، ليضع اليد على ما يعانى منه المصريون، ويقدم لها العلاج الشافى.

وفيما يتعلق بالتعليم نجد أن الدكتور عبدالسند يمامة أخذ مرجعية له فى هذا الشأن، وهو الوزير الوفدى السابق الدكتور طه حسين، خاصة فى مؤلفه الشهير «مستقبل الثقافة فى مصر»، الذى يؤكد من خلاله أن التعليم الأولى والإلزامى ركن أساسى من أركان الحياة الديمقراطية الصحيحة، بل هو ركن من أركان الحياة الاجتماعية مهما يكن نظام الحكم الذى نخضع له. والمعروف أن الدستور خصص نسبة من صافى الدخل القومى 4٪ للتعليم، و2٪ للتعليم الجامعى، و1٪ للبحث العلمى، وتتصاعد حتى تتفق مع المعدلات العالمية، ولكن ذلك لا يتم حتى الآن. ولا أحد يخفى عليه أن التعليم فى مصر يعد فى ذيل قائمة الدول على مستوى العالم. والجميع يدرك مظاهر التخلف التى تسود الحالة التعليمية فى البلاد من الروضة وحتى الجامعة، فى كثافة الفصول وتدخل السياسة فى التعليم، ولأن الدكتور عبدالسند يمامة أستاذ فى الجامعة، فهو يدرك حجم الخطر البشع الذى تتعرض له العملية التعليمية، بصفته ينتمى لفئة الأساتذة بالجامعة وباحثاً فى القانون، إضافة إلى توليه رئاسة وعمادة معهد الدراسات السياسية بحزب الوفد على مدار عدة سنوات.

أما المحور الثانى فهو الإصلاح التشريعى، ويدعو الدكتور عبدالسند يمامة فى برنامجه الانتخابى إلى ضرورة إيجاد ثورة تشريعية تتناسب مع معطيات الحياة الحالية فى ظل قوانين بات عمرها ما يقرب من مئة عام ولم تعد صالحة الآن لأوضاعنا الحالية، وفى هذا الشأن يرى رئيس حزب الوفد ضرورة إجراء تعديلات دستورية خاصة التى تم تعديلها عام 2019، مع الإبقاء فقط على الباب السابع الخاص بمجلس الشيوخ وضرورة إضافة اختصاصات له ليكون أكثر فاعلية، حتى يكون هناك بالفعل غرفتان للبرلمان، وتكون هناك اختصاصات تشريعية للشيوخ بدلاً من وضعه الحالى. وفى هذا الصدد لابد من احترام مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها، طبقاً لنص المادة الخامسة من الدستور أحد أسس النظام السياسى، ولابد من استقلال كامل للسلطة القضائية بعيداً عن السلطة التنفيذية، ويرى الدكتور عبدالسند يمامة ضرورة إجراء تعديل فى المادة 185 المعدلة فى الفصل الثالث للسلطة القضائية، لأن نص هذه المادة يتعارض مع نص المادة 184 التى تقضى بأن السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها وأنواعها وتصدر أحكامها وفقاً للقانون. كما أنه لابد من المناداة بعودة اختصاصات مجلس الشيوخ التى كان ينص عليها دستور 1923 قبل ثورة 1952.

أما المحور الثالث، فهو يتعلق بالإصلاح الاقتصادى ولابد من تحقيق الرخاء من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، ورفع معدلات النمو الحقيقية للاقتصاد القومى ورفع مستوى معيشة المواطنين وزيادة فرص العمل وتقليل البطالة والقضاء تماماً على الفقر. وهذا يتطلب بالضرورة تطبيق معايير الشفافية والحوكمة ودعم محاور التنافسية وتشجيع الاستثمار، ولابد من نمو متوازن جغرافياً وقطاعياً وبيئياً، ومنع الممارسات الاحتكارية، مع مراعاة الإشراف المالى والتجارى، ويرى الدكتور عبدالسند يمامة أنه لو تم تطبيق ذلك، لتم القضاء تماماً على الأزمات الاقتصادية التى تعانى منها البلاد. وهذه الأهداف كفيلة تماماً بالقضاء على الفقر داخل البلاد.

أما المحور الرابع، فهو يتعلق بالسد الإثيوبى، ويهتم بالحفاظ على حقوق مصر التاريخية من نهر النيل ضد العدوان الغاشم من السد الإثيوبى، فنهر النيل هو شريان الحياة لمصر، والمادة 41 من الدستور تقضى بضرورة حماية الدولة المصرية لنهر النيل، ولا أحد ينكر أن هناك خطراً فادحاً يتعرض له نهر النيل، ويرى الدكتور عبدالسند يمامة فى هذا الشأن ضرورة الانسحاب من اتفاقية إعلان المبادئ فى ظل عدم احترام إثيوبيا الاتفاق، وهناك اتفاقيات كثيرة موقعة بشأن حماية نهر النيل من أى اعتداء، بدأت فى روما عام 1891 بين بريطانيا وإيطاليا، ومجموعة معاهدات تم إبرامها فى أديس أبابا عام 1902، والمعروف حقوق مصر فى مياه النيل سابقة بآلاف السنين على هذه المعاهدات. ولذلك وجب التصدى لعدوان السد الإثيوبى على حقوق مصر التاريخية، وهذا يتم بضرورة الانسحاب من اتفاق المبادئ والسعى الجاد لإيجاد حلول لعدم نقص حصة مصر المائية.

كانت هذه المحاور الأربعة الرئيسية التى اعتمد عليها برنامج الدكتور عبدالسند يمامة، والتى حددت المشكلات ووضعت الحلول لها دون شطط أو مغالاة فى الرؤية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مجلس الشيوخ الإصلاح الاقتصادي الدکتور عبدالسند یمامة السد الإثیوبى نهر النیل حقوق مصر فى هذا

إقرأ أيضاً:

المداخل الثلاثة للتكامل المعرفي.. قراءة نقدية في المنهج والتطبيق

تستأثر قضية التكامل المعرفي باهتمام كبير لدى العديد من الباحثين، لاسيما منهم المعنيين بتجسير العلاقة بين العلوم الشرعية وبين العلوم الاجتماعية، أو المعنيين بالوصل بين علوم الكون وعلوم الوحي.

البعض يفضل أن يصطلح على هذه العملية المعرفية والمنهجية بالجمع بين القراءتين، والبعض الآخر، يفضل أن يستعمل مفهوم التأصيل، فيما حمل تيار مهم من الباحثين المتغربين مشروع "أسلمة المعرفة"، واعتقدوا أن تحرير المناهج الغربية من التحيز، ووصلها بالرؤية الإسلامية من شأنه أن يقيم الجسر الضروري بين معارف الوحي ومعارف الكون أو بين العلوم الشرعية وبين العلوم الاجتماعية.

وبعيدا عن المناخ الذي تأسست فيه هذه الاصطلاحات، وبررت وجودها، وأخذا بعين الاعتبار، مسار التقييم والنقد هذه الاصطلاحات، وما ترتب عنها من مشاريع بحثية، وإسهامات منهجية، بل وتراكمات معرفية أيضا، فإن المفهوم نفسه، أضحى يطرح التباسات كثيرة، تحتاج إلى جهود لتبديدها، ومن ذلك ما يرتبط بتداخل المعرفة والمنهج في هذا المفهوم، وهل يقصد بالتكامل المعرفي، تكامل المعارف التي تنطلق من نسق ثقافي مرجعي واحد، كما هو الشأن في تكامل علم اللغة بعلم الأصول، أو تكامل المنطق بهذا العلم، أو تكامل علم أصول الدين بعلم أصول الفقه، أو تكامل الأصول مع الفقه، مما يوصف عادة بالتداخل المعرفي، أم يقصد به تكامل المعارف التي تصدر عن أنساق ثقافية مرجعية متغايرة؟

ثلاثة مداخل مؤسسة للتكامل المعرفي

فإذا كان الأمر يخص النوع الأول، فهذا التكامل المعرفي لا يترتب عنه أي إشكال، بحكم أن النسق الثقافي والمرجعي الذي تتحرك فيه المعارف موحد، ولا تتباين الرؤى داخله إلا عبر آلية التأويل. أما إن كان يخص النوع الثاني، فالأمر يتطلب بعض التفصيل، وهل يراد بالتكامل المعرفي عملية إدماج المناهج الدارسة، ومحاولة فك ارتباطها وتحيزاتها بغية الإفادة منها وتشغيلها في سياق ثقافي آخر، أم يقصد بها تحقيق التكامل بين المعارف المنتجة باعتبارها مفاهيم وقيم وأنماط ثقافية؟

ربما كان من التواطؤ المعرفي غير المقصود، أن الذين يدعون إلى التكامل المعرفي، أو التداخل المعرفي، أو التأصيل، أو أسلمة المعارف، لا يختلفون في مسعاهم للوصل بين علوم الوحي وعلوم الإنسان، أو في تحقيق الجمع بين القراءتين، في استهداف إدماج المناهج لا تبيئة وتوطين المعارف، وذلك تقديرا منهم، بأن المعارف حمالة مفاهيم ومنظومات قيمة مرتبطة بأنساقها الثقافية، وهي ليست محل توافق أو مهادنة، إذ الجميع، ينطلق من قاعدة أن المشكلة ليست في القيم والمفاهيم، فهي تكتسب صفة الثبات والخلود وغير القابلية للتغيير، وإنما المشكلة في التصورات ومناهج الفهم التي تأثرت بفعل واقع الجمود الحضاري، وأيضا بفعل  الهيمنة الثقافية الغربية.

البعض يفضل أن يصطلح على هذه العملية المعرفية والمنهجية بالجمع بين القراءتين، والبعض الآخر، يفضل أن يستعمل مفهوم التأصيل، فيما حمل تيار مهم من الباحثين المتغربين مشروع "أسلمة المعرفة"، واعتقدوا أن تحرير المناهج الغربية من التحيز، ووصلها بالرؤية الإسلامية من شأنه أن يقيم الجسر الضروري بين معارف الوحي ومعارف الكون أو بين العلوم الشرعية وبين العلوم الاجتماعية.ولذلك، تسعى هذه القراءة النقدية إلى توضيح هذه المقدمة الأساسية حتى تنضبط الأفكار، وتتحرر من الالتباس والغموض، ويكون هذا الإسهام مشروطا بخلفيته المفهومية. وهي تضم محورين: استعراض موجز لثلاث دراسات تندرج ضمن جهود تشغيل منهجية التكامل المعرفي، ثم تسجيل خلاصة الخبرة المحصلة من هذه التجربة، والنتائج التي أفسر عنها الاستعمال الوظيفي لمناهج العلوم الاجتماعية، سواء في دراسة نماذج من التراث الفكري للأمة، أو في دراسة ونقد بعض النماذج المعرفية الغربية، أو في تحليل بنية ونظام تفكير بعض الحركات الإصلاحية.

دراسات في اختبار ثلاثة مداخل للتكامل المعرفي

نختار عرض مختصر لثلاث دراسات كتبتها في سياقات مختلفة، تختلف من حيث زاوية التعاطي مع التكامل المعرفي. فالأولى، تأصيلية، تنطلق من نموذج تراثي في دراسة جماعة دينية (دراسة الإمام الغزالي لجماعة شيعية سرية هي الإسماعيلية)، حاول الباحث من خلالها التأصيل لبعض مفردات علم الاجتماع الديني التي سبق الإمام الغزالي إلى اعتمادها قبل أن تستقر النماذج الدارسة للحركات الدينية.

والثانية، نقدية تأسيسية (نموذج تفسيري لقياس تطور الديمقراطية في العالم العربي)، تنطلق من تقييم النمط الغربي في دراسة تطور الديمقراطية في العالم العربي، ونقد أسسه كما استقرت في نماذج دراسة التحولات الديمقراطية، واقتراح نمط آخر، ينطلق من السياق المخصوص لواقع الديمقراطية في العالم العربي، ويميز بين حركية المؤسسات وتطورها، وبين دينامية المجتمع في علاقته بهيمنة النمط الاستبدادي، ودراسة ثالثة إدماجية:"مراجعات الإسلاميين"، حاولت استثمار بعض المناهج الغربية وتوظيفها في دراسة ظواهر تنتمي إلى الحقل السوسيولوجي العربي.

1 ـ الدراسة الأولى:

فضائح الباطنية للإمام الغزالي: تم اختيار دراسة هذا المنتوج التراثي، لكونه يمثل نموذجا من نماذج علم الاجتماع الديني، حاول الإمام الغزالي فيه أن يقدم معطيات ومعلومات عن جماعة دينية ـ الباطنية ـ وأهم مقولاتها، وأساليبها في الحركة، وطرقها في الاستقطاب، مع تقديم نموذج تفسيري لأسباب توسع هذه الجماعة بالقياس إلى محدودية الخطاب الذي تتنباه. وقد كان المبرر الأساسي للاشتغال على هذه الدراسة الفرضية المفارقة التي طرحها الإمام الغزالي في هذا الكتاب، بين الخطاب الذي تتبناه هذه الجماعة، والذي لا يتمتع بأدنى شروط الانسجام المنطقي والتأصيل الشرعي والانضباط لأحكام العقل، وبين توسع الجماعة وانتشارها، إذ حاول أن يختبر مبكرا، العلاقة بين مكونات الخطاب وبنيته وبين عناصر التأثير والجاذبية الجماهيرية.

2 ـ الدراسة الثانية:

من أجل بناء نموذج مستقل لقياس تطور العالم العربي نحو الديمقراطية: وقد اندرجت في سياق متابعة زخم علوم السياسة في دراسة تجارب بالانتقال إلى الديمقراطية، والاشتغال الكثيف على نظريات الانتقال الديمقراطي، وفي ظل أي شروط يتم، والاجتهاد في تقديم نموذج تفسيري لهذه الظاهرة.

ما برر الاشتغال على هذه الدراسة أمران: الأول زخم الدراسات الذي طالت الدول التي انتقلت إلى الديمقراطية، وذلك ضمن موجات ثلاث، وكيف تم الاجتهاد في تفسيرها بمحددات مختلفة، سواء بالتركيز على الشروط السياسية الخاصة بكل بلد، أو بالاهتمام بوضعية الثروة ومستوى الدخل ومسار التحديث وأثر ذلك في تسريع وتيرة الانتقال، أو بالتركيز على أولوية الثقافة السياسية السائدة، أو بالشروط الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها، أو بالوضع الإقليمي الذي يتاخمه، أو بأثر السياسات الدولية عليه ومدى تأثر البلد برياح الدمقرطة الآتية من الخارج.

وأما الثاني، فيرتبط بموجة الدراسات التي حاولت تفسير أسباب تعثر انتقال العالم العربي إلى الديمقراطية، وكيف أخطأت هذه الدول تجربتها في التأسيس لموجة رابعة من الانتقال إلى الديمقراطية مع ربيع الشعوب، وكيف تباين تفسير ذلك بسبب من تحكيم نماذج نظرية اعتمدت في دراسة الموجات الثلاث للانتقال الديمقراطي، ومحاولة إسقاطها على العالم العربي دون فهم سياقاتها الخاصة.

وهكذا اتجهت هذه الدراسة لنقد منهجية اعتماد التصانيف الدولية لقياس مؤشرات الديمقراطية في العالم العربي في تفسير الحالة الديمقراطية العربية، وكيف تساهم منهجية التمييز بين الأقطار الحرة عن شبه الحرة، والأقطار شبه الحرة عن غير الحرة، في إضفاء صورة ظاهرية شكلية عن التطور الحاصل في اتجاه الديمقراطية في عدد من البلدان، وتخفي في المقابل  تطورات مهمة قد تحصل في تقليص بعض العوامل المعيقة للديمقراطية، دون أن تكون مندرجة بالضرورة ضمن مصفوفات قياس الديمقراطية ومؤشراتها، إذ كان  منطلق النقد في هذه الدراسة، محاولة لطرح سؤال بناء نموذج تفسيري عربي، يبحث تطور الديمقراطية في العالم العربي بالتركيز على حركة الشعوب نحو الديمقراطية، ويرصد تحول أو استقرار العوامل المعيقة للديمقراطية، ويتحرر من أقانيم مؤشرات قياس الديمقراطية كما استقرت في المقاربات الغربية، ويتحرى أهم المؤشرات التي تنبئ عن حصول تقدم نوعي في اتجاه الديمقراطية بغض النظر عن تقدم وضعها المؤسساتي أو مشمولاتها التقليدية.

الدراسة الثالثة: في النموذج التفسيري لمراجعات الإسلاميين: إذ تقدم نموذجا لتشغيل بعض مناهج العلوم الاجتماعية لدراسة مراجعات الإسلاميين في مستوياتها الثلاثة: (الانتقال من العمل المسلح إلى العمل السلمي، والانتقال من العمل الثوري إلى المشاركة السياسية، والتحولات داخل منطق المشاركة السياسية)، فقد استعانت الدراسة بنموذجين: النمط المثالي لماكس فيبر، الخلل الوظيفي لميرتون.

وترى الدراسة أن النمط المثالي (الفيبري)، يفترض أن التنظيم الإسلامي، يتبنى خطاطةً سياسيةً تحدد منطلقاته وأهدافه وأداته لتحقيق هذه الأهداف ونظرية العمل التي يحدد فيها مواقفه من الفاعلين وأشكال إدارته للتفاعلات معهم، وأن وظائفه تتخلص في استقطاب أفرادٍ جددٍ للتنظيم بناء على الخطوط الكبرى للمشروع الرسالي الإسلامي (الخطوٍ الأولى)وتنشئتهم على مفردات الخطاطة السياسية (الخطوة الثانية)، حتى يتأهل ليصير أداةً في الفعل (الخطوة الثالثة). وحيث إن التنظيم يفترض دائماً أنماطاً من سلوك الفاعلين اتجاه فعله، فإن الوظيفة الرابعة، تركز على التبرير في مستويين: تبرير الفعل من حيث ارتباطه بالخطاطة السياسية (الأهداف التي يفترض أنه تم الاقتناع بها ضمن عملية التنشئة السياسية)، ثم تغطية الفضاء الداخلي بما يكفي من المواقف التي تجيب عن كافة التفاعلات التي أثارها هذا الفعل. ثم تأتي الوظيفة الأخيرة، والتي تتمثل في تمتين التنظيم وتعزيز وحدته وامتصاص بعض الآثار السلبية التي يمكن أن تلحق بنيته الداخلية من جراء فعله وما أثاره من تفاعلات.

وحتى تكتمل الصورة التمثيلية ضمن هذا النموذج التمثيلي، ركزت الدراسة على الدور الذي تقوم به الخطاطة المعرفية. فإذا كانت الخطاطة السياسية تحدد الأهداف والرهانات، وترسم الخطوط الكبرى لاستراتجية الفاعل الإسلامي، فإن الخطاطة المعرفية تقوم بمهمة، التبرير بمستوييه، وتقديم ما يكفي من الحجج لتغطية الفضاء الداخلي للتنظيم، والحفاظ على النمط القائم، ولو اقتضى ذلك إنتاجَ مواقفٍ جديدةٍ مساندة للخطاطة السياسية الأصلية.

تعتبر الدراسة هذا النموذج، إنما هو الصورة المثالية التي يفترض أن التنظيم يشتغل وفقها، بما في ذلك توقعاته لأنماط سلوك بقية الفاعلين ونسق التفاعلات المفترض. أما الصورة الواقعية، وردود الفعل الحقيقية التي يتلقاها، والاستراتيجيات والرهانات التي ينتجها الفاعلون الآخرون، وأثر كل ذلك على بنيته الداخلية، فهو شيءٌ آخر مختلفٌ عن هذه الصورة المثالية. فأين يقع الاختلال داخل هذا النمط المثالي؟ هل يحدث في مجموع الوظائف؟ أم في وظيفة بعينها؟  وكيف يحصل هذا الاختلال؟ وماذا يترتب عنه؟ وما البدائل التي ينتجها هذا الفاعل لمواجهة هذا الاختلال؟ وهل يتأثر النسق تبعاً لذلك، كلياً أو جزئياً؟

تقدم تجربة "الإسلاميين" خبرة مهمة تثبت بأن الاختلال الوظيفي يمس التنظيم في اللحظة التي ينخرط فيها في نسق التفاعلات الملموس، أي بعد أن تكون خطاطته السياسية خرجت من الأذهان إلى الأعيان، وتحولت إلى فعلٍ قاصدٍ يرمي تحقيقَ رهانٍ سياسيٍ محددٍ. فعند اشتباك الرهانات وتفاعلها، أي لحظةَ تأسيس العلاقة بين المدخلات والمخرجات، تختبر فعالية وظائف النسق، وهل هي قادرةٌ على تقديم البدائل الوظيفية عن الاختلالات الحاصلة، لاسيما إذا لم يقع التطابق بين استجابات الأفراد للأهداف المحددة في الخطاطة السياسية وبين الوسائل المتاحة لتحقيق هذه الأهداف.

تستعين الدراسة بمفهوم الاختلال الوظيفي (المقترب البنائي) لتفسير مراجعات الإسلاميين، فتسجل، من منطلق الاستقراء، أن العدول كليةً عن النسق السابق، أو تعديله، بما يسمح بإخراج بعض العناصر المفصلية من الخطاطة السياسية السابقة، وإدخال عناصرَ جديدةٍ إليها، يتطلب التعديل الكلي للخطاطة المعرفية، ذلك أن هناك دائماً إمكانيةٌ لتعديل الرهانات السياسية إذا كانت حديةً. لكن، النسق المعرفي الحدي، لا يمكن تعديله إلا بالانتظام في نسقٍ معرفٍي آخرَ، يتمتع بالأسس والقواعد التي تكسبه قدرةً على تبرير وتسويغ تحولات الموقف عند لحظة التفاعلات مع رهانات بقية الفاعلين السياسيين.

خلاصات خبرة الانتظام المعرفي في تجربة التكامل المعرفي:

تقدم هذه الدراسات ثلاثة مداخل للتكامل المعرفي، يخص الأول البحث في التراث الإسلامي عن أصول وجذور العلوم الاجتماعية، بمفرداتها وقواعدها ومنهجية بحثها (التأصيل). ويخص الثاني، نقد محدودية تشغيل بعض النماذج المعرفية الغربية في دراسة السياقات العربية الإسلامية مع محاولة التأسيس لنموذج عربي مستقل (النقد والتأسيس) وذلك بالإفادة من التراكم الحاصل في تنوع هذه النماذج وأعطاب إسقاطها على دراسة السياقات غير الغربية، فيما يعرض الثالث لمحاولة الإفادة الوظيفية من العلوم الاجتماعية (منهجية الإدماج المعرفي)، ونماذجها ومفاهيمها في دراسة بعض الظواهر الاجتماعية والسياسية المتصلة بالسياق العربي الإسلامي (دراسة وتفسير الكيفية التي تتم بها مراجعات الإسلاميين).

وبالنظر إلى ما تحصل في خبرة اعتماد منهجية التكامل المعرفي في هذه الدراسة، يمكن أن نجمل الخلاصات الآتية، وذلك بحسب كل مقاربة على حدة:

1 ـ مقاربة التأصيل:

يتوقف كثير من الباحثين عند عطب أساسي تواجهه هذه المقاربة، وهو الانطلاق من نموذج جاهز يجري محاولة إسقاطه على المنتوج التراثي، وأحيانا كثيرة بتكلف، بغرض إشباع نفسي، للتأكيد على أن مفردات العلوم الاجتماعية قد كانت مكتملة، أو حضر كثير منها في التراث الإسلامي، وأن المشكلة تكمن فقط في الكشف عنها وإبرازها للوجود، وأن علماء الغرب سبقوا إلى هذه العملية، ونسجوا على التراكم الذي تحقق دون الإشارة إليه.

والواقع، أن المهمة المعرفية، ينبغي أن تتحرر كلية من هذه المسبقات النفسية والمعرفية، فالبحث في التراث الإسلامي، يتطلب الوعي بحدود التمايز بين خبرة العلوم في سياق التأليف، وخبرتها بعد ذلك، كما يتطلب التحرر من أسر العلاقة بين الذات والآخر، إذ المطلوب ابتداء دراسة المنتوج في سياقه دونما تكلف أو تعسف في إسقاط نتائج لا يتحملها.

ولذلك تركزت الخلاصات المستفادة من تجربة دراسة الغزالي للباطنية في العناصر الآتية:

ـ أنه قدم نموذجا لدراسة حركة دينية وفقا لبعض آليات علم الاجتماع الديني (المقابلة والعدول عن المقترب الوثائقي) مع استعمال الممكن (الاعتماد على المنشقين من الجماعة عوض المنتمين لها، بسبب تعذر الوصول إليهم لسريتها).

ـ أنه كشف وسائل تواصلها ومكونات خطابها، وتنوعه بحسب مستويات إدراك الشرائح الاجتماعية المستهدفة، كما درس العلائق التي تربط بين مستويات هذا الخطاب والهدف العام الذي يجمعها، ودرجة تأثيره.

ـ أنه حاول الإجابة على فرضيته الأساسية من الكتاب، وهي فهم أسباب توسع الحركة وانتشارها رغم ضعف خطابها ومحدودية بالقياس إلى شروط الانسجام المنطقي، والمقبولية العقلية، والتوافق مع الشرع.

ـ أنه انتقل في مهمته المعرفية من توصيف الحركة وأشكال تحركيها وخطابها وعناصر تواصلها إلى محاورة معتقدها ومحاولة إبطاله اعتمادا على الحجج والبراهين، بما يمهد للوظيفة السياسية للكتاب.

ـ أنه انتقل من الوظيفة المعرفية (توصيف الجماعة ونقد معتقدها) إلى الحكم عليها، وتوفير سند معرفي وشرعي للسلطة السياسية لشرعنة محاربتها والتصدي لها.

ـ أن الجهد الذي بذله الغزالي، في المستوى المعرفي الأول، المعني بتجميع المعطيات عن الجماعة، وبحث أشكال توسعها وانتشارها، ودراسة مستويات خطابها ومكوناته، والعلاقات القائمة بينها، والوظائف التي تخدمها، وتفسير أسباب انتشارها بالقياس إلى ضعف خطابها، يقدم نموذجا مهما في التأصيل لبعض مفردات ومنهجيات علم الاجتماع الديني في تعاطيه مع الحركات الدينية.

2 ـ مقاربة التأسيس:

يكتنف هذا المقترح عطب أساسي، يتمثل في عدم استواء المجهود المعرفي المبذول في النقد مع الجهد المعرفي المبذول في التأسيس لنموذج بديل، والجواب عنه، أن جهد النقد يتوجه إلى نموذج قد أخذ زمنا طويلا في الاستواء، تطلب تواتر التراكم المعرفي، وأن مبرر النقد برز مع محاولات الإسقاط على السياقات غير الغربية، والنتائج غير العلمية التي يتم الانتهاء إليها، أو بالأحرى تكريس تصنيفات تقليدية يتم ترويجها عن حالة العالم العربي، كما ولو كانت مادة لا تقبل النقاش، وأن ما يطلب هو جهد وضع هذه الدولة في هذه الخانة، ووضع تلك في الخانة المقابلة.  في حين، لا يستطيع أي باحث لمفرده أن يدعي بعد جهد النقد أن محاولته قد غطت المكان، ووفرت الشروط الضرورية لبناء نموذج مستقل في دراسة ظاهرة من الظواهر الاجتماعية والسياسية.

تقدم تجربة "الإسلاميين" خبرة مهمة تثبت بأن الاختلال الوظيفي يمس التنظيم في اللحظة التي ينخرط فيها في نسق التفاعلات الملموس، أي بعد أن تكون خطاطته السياسية خرجت من الأذهان إلى الأعيان، وتحولت إلى فعلٍ قاصدٍ يرمي تحقيقَ رهانٍ سياسيٍ محددٍ. فعند اشتباك الرهانات وتفاعلها، أي لحظةَ تأسيس العلاقة بين المدخلات والمخرجات، تختبر فعالية وظائف النسق، وهل هي قادرةٌ على تقديم البدائل الوظيفية عن الاختلالات الحاصلة، لاسيما إذا لم يقع التطابق بين استجابات الأفراد للأهداف المحددة في الخطاطة السياسية وبين الوسائل المتاحة لتحقيق هذه الأهداف.ولذلك يمكن أن نسجل على هذه المحاولة التي استهدفت دراسة النماذج الغربية في قياس الديمقراطية في العالم العربي وتقديم معالم نموذج مستقل الخلاصات الآتية:

ـ  أن جهد النقد لهذه النماذج أثبت محدوديتها، وأثبت رهانها على ثقل الدولة في العملية الديمقراطية، في حين أن مسار الديمقراطية وتجربتها، انطلقت بالأساس من ثقل المجتمع، وأنه وجب بناء على ذلك، عدم وضع البيض كله في سلة التغيرات التي تحدث فقط على بنية الدولة ومؤسساتها وهياكلها ووضعها الدستوري، وإنما ينبغي الانتباه إلى اتجاه حركية المجتمع بكل مستويات تعبيره إلى الانفلات من قبضة الاستبداد وهيمنة الدولة.

ـ  أن هذه النماذج انطلقت من معاييرها ومقاييسها من تعريف محدد للديمقراطية اقتصر على البعد السياسي والمؤسسي، وألغى من الحساب عملية الديمقراطية باعتباره مسارا لتنامي الشعور الديمقراطي في المجتمع والتعبير عنه بمختلف الأشكال.

ـ أن عملية الـتأسيس البناء على التراكم النقدي وذلك بالاستعانة بجهود باحثين سابقين يلتمس في محاولتهم النقدية أو المفاهيمية، السيب لبناء النموذج والتأسيس له.

ـ أن بناء النموذج، لا يتطلب ابتداء اكتمال مفاهيميه ومفرداته والانتقال من ذلك إلى تحديد وتحرير المقاييس والمعايير، ثم اختبار فعاليتها ودرجة تمثيلها للتفسيرية، بل شرط البناء، تحرير المفاهيم ابتداء، ووضع المنطلقات الأساسية التي تمكن من وضع خارطة طريق للإسهامات القادمة بالتدقيق في المعايير والمقاييس بما يحقق القصد في الاستقلال بالنموذج التفسيري لدراسة تحولات الديمقراطية في العالم العربي.

3 ـ مقاربة الإدماج:

تعترض هذه المقاربة عادة قضية العلاقة بين المنهج وبين الرؤية الناظمة أو النسق الثقافي الذي خرجت منه، كما تواجهها مشكلة تدخل الذات الباحثة في المنهج، وهل يتم توظيف المنهج بشكل وظيفي إجرائي، أم يتم فرض المنهج بحمولته الثقافية والقيمية والحضارية على الظاهرة المدروسة.

وقد اختارت الدراسة الاعتبار بالقدرة الإجرائية الوظيفية للمنهج (النمط المثالي لماكس فيبر) أو المفهوم المدمج من حقل العلوم الاجتماعية (مفهوم الخلل الوظيفي عند ميرتون)، لأن القصد هو اختبار الإمكان التفسيري، وحل مشكلة معرفية مرتبطة بفهم تحولات الإسلاميين ومراجعاتهم والكيفية العملية التي تتم بها هذه السيرورة من الانتقال من نسق إلى آخر.

وقد نتج عن اعتماد المقترب الإدماجي تحصيل الخلاصات الآتية:

ـ أن الوعي بالمنهج (مفاهيم ومفردات وآليات)، والتحرر من تحيزاته، والقدرة على توظيفه الإجرائي، مع تتبع واقع إسقاطاته، يفيد في تأمين عملية الإدماج من العيوب التي تصاحبها في العادة.

ـ  أن عملية اختيار المنهج، لا تبررها فقط الحاجة لحل مشكلة معرفية، بل تبررها بدرجة أكبر، مدى توافق المنهج مع الظاهرة المدروسة، والإمكان الذي يوفره، بحيث لا يكون القصد فقط إثبات مدى قدرة الباحث على توظيف مناهج العلوك الاجتماعية، بل قدرته على اختيار المنهج الذي يضمن تقديم الحل الأمثل للمشكلة المعرفية دون أن ترتب عن عملية الإسقاط تعسفات تفسد منهجية التكامل المعرفي أو تشوهها.

ـ  أن التوظيف المتعدد للمناهج أو المفاهيم، يتطلب وضع الإطار النظري الناظم، الذي يجيب عن سؤال الانسجام أولا، ويوضح حدود العلاقة ثانيا، والفائدة العملية المرجوة من ذلك ثالثا، بالشكل الذي يبدو فيه الاختيار غير مؤثر على مادة البحث، ولا مكيف لها بحسب حاجات المنهج، فحل المشكلة المعرفية، يسبق الحاجة إلى اعتماد تعدد المناهج أو المفاهيم، وحصول الاتساق في عملية التكامل المعرفي، تتطلب الوعي بشروط الاستعمال المتعدد، والاقتضاء الوظيفي وحدود ضرورته.

ـ أن سؤال التوظيف يستتبعه سؤال اختبار الفعالية، وأن عملية الإسقاط تتطلب الإجابة عن كل الإشكالات، بعرضها أولا، وتلافي إخفائها، ثم ببسط الجواب عن الاستثناءات الواردة وعدم تأثيرها على النموذج التفسيري، وذلك على الشكل الذي افترضته الدراسة عند تشغيل مفهوم الخلل الوظيفي في دراسة نماذج مختلفة من الأنساق الحركية، تتباين أشكال تعاطيها في لحظة التفاعلات مع مخرجات الفاعل السياسي الخارج عنها.

مقالات مشابهة

  • المداخل الثلاثة للتكامل المعرفي.. قراءة نقدية في المنهج والتطبيق
  • قيادات الغردقة تزور المرضى بمستشفى الغردقة العام لتهنئتهم بعيد الفطر
  • عطال ينال الاعتراف في دوري نجوم قطر
  • يمامة: المصريون بعثوا برسالة واضحة عقب صلاة العيد بالوقوف خلف الرئيس ودعم القضية الفلسطينية
  • رئيس الوفد يؤدي صلاة عيد الفطر بمسجد مصطفي محمود.. صور
  • قراءة في خطاب حميدتي
  • حديقة فريال التاريخية بأسوان..الفسحة على نهر النيل بـ 10 جنيهات
  • الدكتور عبدالله علي إبراهيم.. مثقف ضد الإذعان لإجماع الصفوة
  • هل يصل ثواب قراءة القرآن إلى الميت؟ دار الإفتاء تجيب
  • السد يسحق الوكرة بثلاثية في الدوري القطري