غزة- لأكثر من 40 عاما كانت عبارة "المدرسة بيتي الثاني" ملازمة للسبعيني شحدة أبو زريق، وهو مدير مدرسة متقاعد، لم يتخيل يوما أنها ستصبح بيته الأوّل، وقد اضطر للنزوح عن منزله في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، ويقيم حاليا برفقة 34 من أبنائه وأحفاده في مدرسة حكومية بمدينة رفح جنوبا.

صبيحة اليوم الثاني لمعركة "طوفان الأقصى" في السابع من الشهر الماضي، نزح أبو زريق بأسرته من بلدة بيت حانون، المتاخمة للسياج الأمني الإسرائيلي، نحو مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في محيط المستشفى الأندونيسي ببلدة بيت لاهيا المجاورة في شمال القطاع.

"زلزال قلب حياتي" هكذا يصف أبو زريق (71 عاما) للجزيرة نت، أثر العدوان الإسرائيلي عليه وعلى أسرته، وقد أصبحوا مشردين بلا مأوى، حيث نال الدمار الهائل الذي تعرضت له بلدة بيت حانون، من منزله ومزرعته.

شحدة أبو زريق قضى 40 عاما معلما ومديرا وحوّله العدوان الإسرائيلي إلى نازح يقيم بالمدارس (الجزيرة) مدرسة للإيواء

مكث أبو زريق وأسرته في مدرسة بيت لاهيا 43 يوما، ورغم حدة الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت محيط المستشفى الإندونيسي وانتهت باقتحامه لاحقا، لم يغادر هذا النازح السبعيني المدرسة إلا بعد قصف استهدفها مباشرة، ويقول إن "العناية الإلهية حفظت أرواح 3 آلاف نازح غالبيتهم من النساء والأطفال".

من أقصى شمال القطاع إلى أقصى جنوبه، قرر أبو زريق النزوح بأسرته إلى مدينة رفح، التي لم يجد في مدارس "أونروا" متسعا لهم، فبادر مع أسر أخرى إلى فتح مدرسة الدوحة الثانوية، وكانوا أول النازحين فيها قبل أن تتوافد إليها عشرات الأسر الأخرى.

تخلّت أسرة أبو زريق عن سيارتها الخاصة الحديثة، التي لم يمض على شرائها أكثر من 3 شهور، وتركتها في الشارع، واستقلت عربات تجرّها الدواب إلى أقرب نقطة مسموح بها قبل السير على الأقدام لنحو 5 كيلومترات، عبر "مفترق الشهداء" حيث تتمركز الدبابات الإسرائيلية على شارع صلاح الدين الرئيسي الواصل بين شمال القطاع وجنوبه.

في "مختبر العلوم" بمساحة لا تتعدى 25 مترا مربعا، تتكدس هذه الأسرة على 4 فرشات فقط، يقول أبو زريق إنهم يضطرون إلى مشاركة عدد من الأطفال في فرشة واحدة للنوم عرضا وليس طوليا، فيما الكبار ينامون بالتناوب وكل فردين على فرشة واحدة عكس بعضهما البعض، بحيث يكون رأس أحدهما عند قدميْ الآخر.

اكتسب أبو زريق خبرة واسعة في إدارة المدارس على مدار 4 عقود، لكن لم يكن من بينها تجربة إدارة مدرسة تحولت إلى مركز نزوح يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، وتزداد معاناة النازحين إليه ليلا في ظل أجواء شتوية شديدة البرودة.

شحدة أبو زريق لم يتمكن من توفير ملابس شتوية لأحفاده تقيهم البرد الشديد خلال الليل (الجزيرة) معاناة لا تتوقف

ينظر النازحون في هذه المدرسة باحترام كبير لأبو زريق، الذي يجد في ذلك مسؤولية كبيرة ملقاة على كاهله، لذلك يستيقظ باكرا لصلاة الفجر، ويبدأ عمله التطوعي في متابعة شؤون عائلته والنازحين، واحتواء أية مشاحنات قبل أن تتحول إلى مشكلات يسببها الضغط النفسي الذي يعيشه النازحون لظروف معيشتهم القاسية.

لم تفلح مساعي أبو زريق في الحفاظ على روتين حياته اليومي قبل اندلاع الحرب، حيث كان ينام مبكرا، ويستيقظ عند الساعة الثانية فجرا لقيام الليل، ثم ينطلق لمسجد مجاور لمنزله لأداء الفجر، ويمكث فيه حتى شروق الشمس، ويعود لمنزله وينام حتى التاسعة صباحا، حيث يبدأ يومه بتدريس أحفاده واجباتهم المدرسية، وتحفيظهم القرآن الكريم.

في مركز الإيواء انقلبت حياة هذا الرجل السبعيني "رأسا على عقب"، وافتقد كثيرا من عاداته اليومية، كما تلفت أسنانه المستعارة، وبصعوبة بالغة تمكن من إصلاحها حتى يتمكن من مضغ القليل من الطعام المتوفر.

تزداد هذه الأعباء ليلا -بحسب أبو زريق- الذي يقول "الليل يطول والنوم معدوم، والقلب يرتجف من شدة البرد، وخلال إحدى لياليه فاضت روح نازحة خمسينية وخلّفت وراءها أطفالا"، معبرا عن خشيته من تفشي أوبئة فتاكة إذا طالت فترة النزوح واشتد الشتاء، بسبب الاكتظاظ الشديد وانعدام الرعاية الصحية والمرافق الحيوية، واللجوء إلى إشعال النار من مواد بلاستيكية للتدفئة والطهي.

ومع حلول ساعات المساء تبدو هذه المدرسة كـ"مقبرة"، وفقا لوصف أبو زريق، حيث يخيم عليها الحزن والظلام، ويفتك البرد بأطفال ونساء داخل الغرف، يتلاصقون أملا في اكتساب بعض الدفء، فيما رجال يتجمعون في حلقات متناثرة هنا وهناك حول نيران يشعلونها من بعض أوراق الكتب وأغصان أشجار مزروعة بالمدرسة.

يخشى النازحون من تفشي الأوبئة والأمراض نتيجة الاكتظاظ والبرد وعدم توافر المرافق الحيوية (الجزيرة)

عندما نزح آلاف الغزيين خفافا من مناطق شمال القطاع، سواء لأن الأجواء كانت مشمسة، أو لأن الاحتلال لم يمهلهم الوقت الكافي لجلب أمتعتهم وملابسهم الشتوية، لم يدركوا وقتها أن فترة نزوحهم ستطول وسيلقي الشتاء بظلاله الثقيلة عليهم.

ويواجه هؤلاء أزمة حادة في توفير ملابس شتوية إما لعدم توافرها في الأسواق، أو لغلاء فاحش بالمتوافر منها، وكان لأبو زريق نفسه تجربة شخصية عندما عاد من السوق بيدين خاويتين ولم يجد سراويل ثقيلة لأحفاده، الذين تنتابهم خلال الليل أحلاما مزعجة، وباتوا يعانون من التبول الليلي، بسبب الخوف والبرد الشديدين.

 من بين أسرة أبو زريق يوجد 5 نساء و12 فتاة، يقول هذا الرجل السبعيني الذي نشأ على عادات وتقاليد صارمة تحترم خصوصية المرأة، إن معاناتهن مضاعفة عن الرجال، وفي كثير من جوانبها لا تستطيع حتى مجرد التعبير عنها بالكلام.

ووجد أبو زريق في بضع كلمات تعبيرا مكثفا عن معاناة النساء النازحات في مراكز الإيواء، قائلا "مقيدات الملابس واللسان"، وصمت لوهلة قبل أن يكمل ببضع كلمات أخرى "هنا فقدت المرأة أنوثتها تماما".

ومن أجل دخول دورة المياه، أو الحصول على فرصة للاستحمام، تحتاج المرأة في مراكز الإيواء إلى إجراءات معقدة، والكثير من التحضير، مع طلب المساعدة من نساء أخريات يتبادلن دور توفير الأمان وبعض الخصوصية "المؤقتة والسريعة" لبعضهن البعض.

يحول الليل مراكز الإيواء إلى ما يصفه النازحون بمقابر مظلمة ومخيفة وباردة (الجزيرة)

من على مقاعد كلية العلوم في جامعة الأزهر بمدينة غزة، حيث يدرس يحيى -أحد أحفاد أبو زريق (21 عاما)- الفيزياء، إلى النزوح في مختبر العلوم في مركز إيواء، يشعر هذا الشاب بقلق كبير على مستقبله، مع حجم الدمار الهائل الذي طال جامعات غزة، ولا يعلم شيئا عن مصير جامعته.

يعاني يحيى من آلام نتيجة عملية جراحية في ساقه، تزداد حدتها مع البرد الشديد خلال الليل، من دون أن يجد قطعة قماش لتدفئة ساقه، ويقول للجزيرة نت، وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة شعور بالقهر "حياتنا صارت مقلوبة، منازل وجامعات مدمرة، وخشب مقاعد الدراسة وقود للنار، والمدارس للإيواء والتعليم في مهب الريح".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: شمال القطاع

إقرأ أيضاً:

محافظ شمال سيناء يتفقد مدرسة قبر عمير

أجرى اللواء خالد مجاور، محافظ شمال سيناء، زيارة مفاجئة إلى مدرسة قبر عمير التابعة لإدارة الشيخ زويد التعليمية، في إطار حرصه على متابعة سير العملية التعليمية في مدارس المحافظة، تفقد الفصول الدراسية والاطمئنان على الطلاب.

واستهل المحافظ زيارته بتفقد الفصول الدراسية، حيث تابع أوضاع الطلاب وحرص على التأكد من سير العملية التعليمية بالشكل المطلوب، وبلغ إجمالي عدد الطلاب في المدرسة 370 طالبًا وطالبة، موزعين على مرحلتين: الابتدائية والإعدادية.

حيث تضم المرحلة الابتدائية 260 طالبًا وطالبة موزعين على 6 فصول دراسية، بينما تضم المرحلة الإعدادية 110 طلاب وطالبات موزعين على 3 فصول دراسية.

وخلال جولته، اطلع المحافظ على التزام العاملين بأداء مهامهم، حيث التقى بعدد من المعلمين للاستماع إلى ملاحظاتهم حول سير العمل، كما تعرف على احتياجاتهم لضمان استمرار العملية التعليمية بشكل منتظم.

وأشاد المحافظ بانضباط العاملين داخل المدرسة، معربًا عن تقديره للجهود المبذولة لضمان استمرارية العملية التعليمية في هذه الظروف.

وأثنى المحافظ على التنظيم داخل الفصول الدراسية ومستوى التفاعل بين الطلاب والمعلمين، مؤكدًا أن هذه النماذج تعد دليلًا على نجاح خطط التطوير التعليمي في المحافظة.

وأشار إلى أن الزيارة تأتي ضمن سلسلة من الجولات الميدانية التي تهدف إلى دعم وتطوير القطاع التعليمي في شمال سيناء من خلال المتابعة الدورية للمدارس والاطمئنان على انتظام الدراسة.

وفي ختام زيارته، دعا اللواء خالد مجاور العاملين إلى بذل المزيد من الجهود للارتقاء بالعملية التعليمية، مطالبًا بتوفير الدعم اللازم للمدرسة لضمان استمرارية النجاح.

وأكد أن المحافظة تعمل بشكل مستمر على تلبية احتياجات المدارس وتوفير الإمكانيات التي تسهم في تحسين الأداء التعليمي. 

مقالات مشابهة

  • جهزوا الملابس الثقيلة.. موجة باردة تضرب العراق والغبار يملأ الأجواء ابتداءً من الأحد
  • محافظ شمال سيناء يتفقد مدرسة قبر عمير
  • طقس العراق.. أجواء معتدلة نهارا باردة ليلا مع فرص لزخات مطرية في الجنوب
  • الإمارات تغيث النازحين في شمال غزة
  • محافظ بني سويف يبحث تطبيق النموذج الياباني بمدارس قرى حياة كريمة
  • “الأرصاد اليمني”: أمطار متفرقة نهاراً وأجواء باردة ليلاً
  • الأرصاد يتوقع أجواء باردة أثناء الليل والصباح الباكر على عدد من المحافظات
  • محافظ أسوان يتابع الموقف التنفيذى لمشروعات "حياة كريمة".. 100 قرية بمراكز إدفو وكوم أمبو ونصر النوبة في مرحلتها الأولى بـ2000 مشروع.. بدء تشغيل موقف رؤوف غرب مدينة كوم أمبو بتكلفة 28.3 مليون جنيه
  • تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم في شمال العراق
  • وسائل إعلام فلسطينية: استشهاد فلسطيني في قصف الاحتلال الإسرائيلي مجموعة من النازحين بمخيم جباليا شمال قطاع غزة