الخطاب الإعلامي الإسرائيلي: «نحن نقاتل الحيوانات البشرية»
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
«نحن نقاتل الحيوانات البشرية».. مقولة وزير الدفاع الإسرائيلي يواف جالانت المتوحشة، أطلقها عقب الصدمة الكبرى التي أصابته من طوفان الأقصى، حيث صرح أثناء اجتماعه بالقيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي: (لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة، لن يكون هناك كهرباء ولا طعام، نحن نقاتل الحيوانات البشرية، ونتصرف وفقًا لذلك).
المقولة.. تسويغ نفسي توجه به قائله إلى نفسه، ثم إلى غيره، فلكي يشرّع العنف ويُعمِل القتل في البشر؛ عليه أولًا أن يجردهم من إنسانيتهم، فهم ليسوا أعلى منزلة من الحيوانات، فالإنسان وحده مستحق للحياة، أما الحيوان فلم يوجد إلا لخدمته، وله أن يقتله إن أضر به، وقد يقتله بدون سبب. فأراد وزير الدفاع الإسرائيلي أن يبرر أعماله الإجرامية ضد الفلسطينيين بأنه ليس عليه حرج في قتلهم واجتثاثهم. وهذا تبرير «أهل الكتاب» منذ القدم: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) [آل عمران:75]. ويبدو أن العقيدة العسكرية الإسرائيلية متخلفة، لم تواكب متغيرات الحياة.
الغربيون.. من الناحية العلمية والحقوقية يفترض أنهم تجاوزوا هذه المقولة البائسة، فعلومهم النفسية والاجتماعية قطعت شأوًا بعيدًا في الدراسات، ولكنهم كفروا بعلمهم وانساقوا وراء إسرائيل. وبرأيي؛ أن انسياق الغربيين يكشف أمرين: إنهم لم يقلوا ذعرًا عن الإسرائيليين من هول صدمة طوفان الأقصى. وأن الحالة السبُعية لا تزال كامنة في قرارة أنفسهم، فانطلقوا قبل أن يوازنوا الأمور إلى تأييد الإسرائيليين في حربهم على الفلسطينيين. وبهذا المعنى.. هم الأولى بالمقولة، فالطوفان أخرج دفينة نفوسهم إلى الناس.
المقولة.. التي صادق عليها الإسرائيليون بشن حرب إبادة على غزة، من أهم الأسباب التي دفعت بالناس في العالم -ومنهم غربيون- للخروج عليهم في احتجاجات عارمة مناهضة لجرائمهم، وهذا يكشف عن طبيعة الخطاب عندما ينفلت منفعلًا لحظة الصدمة الأولى؛ فإنه لا يبصر العواقب. حاول الإسرائيليون أن يسندوا مقولتهم بتزوير مشاهد تشوِّه صورة المقاومة، وتظهرهم بأنهم قتلة للأطفال والمدنيين، ولكن هذا الخطاب المصوَّر أيضًا باء بالفشل، فتراجعوا عنه، وتمكنت المقاومة من دحضه عمليًا، بمعاملة الأسرى الإسرائيليين، حيث تكلمت المُسرَّحات بأنهن لم يجدن لدى حماس إلا المعاملة التي تليق بالأسير. وهكذا خسر الإسرائيليون حربهم الإعلامية، مقابل نجاح خطاب المقاومة.
من أسوأ ما اتسم به الخطاب الإعلامي الغربي قيامه على الأكاذيب والتضليل في المعلومات، ورغم أن الأكاذيب لغة حاضرة في الصراعات والحروب؛ تبريرًا وهجومًا نفسيًا، وقد مارسها الأمريكيون باستمرار، وما زلنا نتذكر الأكاذيب العمياء التي اتهم بها الأمريكيون العراقيين قبيل اكتساحهم العراق عام 2003م، وهي أن النظام العراقي يملك أسلحة دمار شامل، ولديه علاقة بالقاعدة، ورغم أنها انكشفت واعترف الأمريكيون أنفسهم بزيفها؛ إلا أنها بدايةً انطلت على شعوبهم الغربية، لعدم القدرة على كشفها مباشرة، ولبدائية التواصل الرقمي حينذاك. أما الأكاذيب الأخيرة التي اختلقها الإسرائيليون وتبناها الساسة الغربيون فهي ضحلة، سرعان ما افتضحت أمام العالم بسبب نوافذ التواصل الاجتماعي.
الإسرائيليون.. في مواجهتهم طوفان الأقصى فشلوا في خطابهم الإعلامي الموجه إلى الشعوب، بل فشلوا في مخاطبتهم الشعوب الغربية، تمامًا كما أخفقوا في مواجهة الطوفان عسكريًا، ولجأوا إلى إبادة المدنيين وتدمير البُنية التحتية؛ وفي مقدمتها المستشفيات ودور العبادة والمدارس. في مقابل هذا الخطاب المضطرب.. فإن خطاب المقاومة؛ سواءً أكان ممثلًا في الناطقين السياسيين كخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس في الخارج، وإسماعيل هنية رئيس مكتبها بغزة، وأسامة حمدان ممثلها في لبنان، أم الناطقين العسكريين كمحمد ضيف القائد العام لكتائب القسّام، وأبو عبيدة الناطق الرسمي باسم كتائب القسّام، جاء متسمًا بالتماسك وضبط النفس وتآلف نفوس العرب والمسلمين وأحرار العالم، ومع ذلك؛ كان خطابًا قويًا وواضحًا اتجاه الإسرائيليين ومن يقف معهم.
فمثلًا؛ أجرت الإعلامية رشا نبيل من قناة «العربية»، بتاريخ: 20/ 10/ 2023م مع خالد مشعل لقاءً أبان عن تماسكه النفسي، فقد ألحت على «استخراج الدوافع النفسية» لرجل مقاوم أثناء احتدام المعركة والقتل ينسكب على شعبه، أثبت وثوقه من قضيته، وإيقانه بحقها، وعدم الشك في انتصارها، ولو أنه استفز في هذه اللحظة لما لحقه اللوم، وبكونه مقاومًا فقد كان مؤهلًا لهذه المواقف الصعبة، ومدركًا لخطورة خطابه الإعلامي الموجه للجماهير والساسة. وإذا كان مشعل ظهر في لقائه هذا رجلًا مقاومًا صلبًا نفسيًا؛ فقد كان رجلًا دبلوماسيًا مقتدرًا في لقائه مع الصحفي المصري مصطفى بكري، بتاريخ: 26/ 10/ 2023م، على قناة «البلد» المصرية، فقد استطاع أن يخاطب الحكام العرب وساسة العالم، دون أن يستفز أحدًا منهم، وأظهر قضيته ببُعدها الإنساني، كما كشف الصلف والإجرام الصهيوني بأدلة تقنع المستمع لخطابه.
وكذلك هو حال محمد ضيف، فقد طالعنا بخطابه عقب انطلاق طوفان الأقصى، وكان هادئًا متزنًا، تكلم فيه عن أسباب الطوفان، كالجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها إسرائيل في الشعب الفلسطيني، ووجه رسالة لجنوده بعدم انتهاك أخلاقيات الحرب، فعليهم ألا يقتلوا الشيوخ والأطفال، كما أكد على عزمهم على المقاومة حتى تحرير فلسطين. وتابع العالم خطابات أبو عبيدة، فعلى الرغم من أن عادة العسكريين يظهرون الشدة في خطاباتهم؛ مما قد تخونهم الحكمة، فإنه كان واثقًا في خطابه؛ «يضع الحروف على النقاط»، ولا تجرّه أهوال المعركة إلى الانفعال والاضطراب والتناقض، وكان يدلل على ما يحدث في المعركة بالأرقام ووصف العمليات.
فلنقارن خطابات المقاومة بتصريحات القادة الإسرائيليين الذين دعوا إلى إحراق غزة، وأن أهلها «حيوانات بشرية»، وإلى دعوة أحد وزرائهم بإلقاء قنبلة نووية على الفلسطينيين، فهذا الخطاب الأرعن أسقط كل تبرير قدموه في عدوانهم، بل هزَّ ما بقي من ادعاء الصهيونية من حق وجودهم في فلسطين، بالإضافة إلى فقدان المصداقية للتدليل على ما يقولون من أرض المعركة.
بخلاف الخطاب التصعيدي الذي يستعمله الإسرائيليون؛ الداعي لمواصلة اجتثاث المدنيين، جاء خطابا حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني للتهدئة. ويبدو أنه نظر إلى الهجوم الإسرائيلي والأمريكي الهائج والمدمر على غزة؛ فأرسل رسالة بأنه ليس بصدد إشعال مزيد من النار في المنطقة، والتي وقودها في المقدمة الفلسطينيون، فترك القنبلة الموقوتة في خندق الإسرائيليين والأمريكيين. ومع ذلك؛ لم يكن خطابًا مستسلمًا، فقد بيّن نصر الله أن حزبه دخل المعركة منذ اليوم الثاني لانطلاق الطوفان، وأن جميع الخيارات مفتوحة ومستعد لها. وما يفرق بين خطاب حماس وخطاب حزب الله؛ أن حماس بكونها حركة مقاومة؛ لا حسابات عليها إلا حساباتها فقط، أما حزب الله فهو سياسيًا محسوب على الدولة اللبنانية، ويراعي توجهات السياسة الإيرانية.
استطاع طوفان الأقصى بردة الفعل الإسرائيلية الهمجية وخطابها غير الموزون أن يخلق خطابًا جماهيريًا عالميًا عبر منصات الإنترنت؛ خرج بسببه ملايين البشر في العالم ضد الغزو. وهو كذلك خطاب مؤثر على الحكومات، ويكفي -مثالًا- أن فرنسا التي منعت بدايةً أي تعبير ضد إسرائيل؛ انتهى بها الأمر أن تطالب بعدم استهداف المدنيين وإدخال المعونات الإنسانية لغزة.
أوجد الخطاب الإعلامي الفلسطيني الذي أثاره طوفان الأقصى تحولًا كبيرًا في الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية التي كادت أن تُنسى، كما أنه فضح الأكاذيب الإسرائيلية والغربية. وإعلاميًا، أصبح الوضع ما بعد الطوفان ليس كما كان قبله.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الخطاب الإعلامی طوفان الأقصى خطاب ا
إقرأ أيضاً:
شواطئ.. الخطاب الروائي في أدب جمال الغيطانى (1)
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
بين عالمين، الكتابة، والواقع يقف الراوي مستلهما من بيئته ومجتمعة، ما يجعل هذا الترابط ملموسا ومحسوسا ومرئيا، من خلال الإحالات النصية حينا، والنص الموازى حينًا آخر، في عنوانه، أو تمهيد، أو مدخل، وعلاقة ذلك كله بالنص، في إطاره الفني. ومن خلال العلاقة بخلفيات اجتماعية، وثقافية، وسياسية، أو بالعلاقة الضمنية، التي توجد بين النصوص. ولقد تداخلت الأنواع الأدبية في عصرنا الراهن، نظرًا لمتغيرات التاريخ، ومستجدات الواقع، وتحولات الاستقبال، فلم تعد محافظة على تراتبها الموروث، هذه القراءة النصية، التي يتحول فيها السرد التتابعى، إلى سرد آنٍ، وهو ما يتيح قراءة هذا النسق الزمني لفضاء النص، بموازاة التاريخ، وما تنتجه البنية النصية، وما يتم بها من تفاعلات، على المستويين: الجمالي والدلالي، والغيطانى وصاف وراو في الوقت ذاته، وفى خطاب الدفاتر مستويات عدة سردية: مستوى السرد من الخارج، ومستوى السرد من الداخل، ثم مستوى الخطاب بصنفيه، ويمكن القول إنه من خلال قراءة زمكانية، يسهل الربط بين الدفاتر وما سبقها للكاتب من أعمال، من ناحية، وبالموروث، من ناحية أخرى. فمما أثرى تجربته الإبداعية أنة لم يقطع صلته بمواريثه الروحية والفكرية والفنية على السواء.
من هنا تأتى أهمية كتاب "الخطاب الروائي في دفتر التدوين لجمال الغيطانى" للباحثة عتاب عادل والصادر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
اضطلع جمال الغيطانى برواية دفاتره في صورة الراوي الظاهر، الذي لم يختف أبدا ولم يتخف، فكان دائما ما يعلن نفسه راويا: بانطلاقة الدائم من لحطة الكتابة – حاضر الكتابة – فكما تتمثل لنا " صورة شهرزاد وهى تتربع كل ليلة أمام سرير شهريار، لتسمعنا معه صوتها، كذلك يتربع الغيطانى على كرسيه، أمام مكتبة ليسمعنا صوته " انتبه الآن أثناء تدويني هذا إلى الأثر الصادر عنها".
ويقول: "كم مضى على حضورها الأول لحظة تدويني هذا".. هكذا دائما يطالعنا الراوي، ليس من حاضر زمن القص، بل من حاضر زمن الكتابة، قابعا أمام مكتبة،كما تقبع شهر زاد أمام سرير شهريار، وليس جديدًا على الغيطانى أستلهامة للتراث، الصريح أو الضمني، كما في الدفاتر أو غيرها من أعماله.
إن نص "دفاتر التدوين" الذي بين أيدينا يظهر راويا مختلفا من نوعه، متخطيا اعتبارات كثيرة، كاسرا كل الحوائط والحواجز بينة وبين نصه، فإن كان الذي يتحدث في القصة ليس هو الذي يكتب سطورها وليس هو الشخص الموجود خلف المكتب ممسكا بالقلم. فما بال هذا الراوي الذي يقول: أحيانا أضيق باستعاداتى بعضا مما جرى. فما البال بحالي عند الإقدام على تسطيره. أليس هو ذاك الشخص الذي يقبع خلف المكتب ممسكا بالقلم، يتذكر لحظة ويوارى أخرى، عبثا أحاول أن أحدق فيما لا أقدر على تعيينه، في المتبقي عندي، لا أعرف مستقرة أو مقامة، أو الشروط التي تدفع بعض التفاصيل إلى التواري أو الظهور، عبثًا أجتهد لاستحضار ملامح يفصلني عنها أكثر من أربعين عاما.
وكم أشار إلى جلسته خلف المكتب المتمثلة في لحظة التدوين: "إحدى وثلاثون سنة تفصل بين تدوين هذا وتلك الأيام، وعبر الزمن ومحطاته المتعددة توارت لحظات، وبقيت أخرى، ثمة صورة ناصعة ماثلة، وأخرى لاستعادتها. وكم أدلى بمعلومات صريحة عن شخصه كاسم والده: "عند عبورنا فناء المحطة والوقت ليل، سرت الرعشة منه إلى أمي، اضطرت إلى التوقف والصيحة، الحقنى يا أحمد". وكذلك لقب والدته بين الجيران: "الحقينى يا جمال..." واسمه الذي جاء صريحا أكثر من مرة: "خارج دائرة الجمرك تنتظر سيدة ترتدي معطفا أسود تحته قميص أحمر، وحذا أبيض وترفع لافتة مستديرة مكتوب عليها أسمى هكذا Ghitany Gamal، ومولدة وسنة تخرجه: بدأت سنة ثلاث وستين بعد تخرجي بحوالي عام وأنا دون الثامنة عشرة لتخرجي صغير السن: إذ حصلت على الدبلوم ولى من العمر ستة عشر عاما وشهور قليلة.
إن الغيطانى في دفاتره لم يقدم على كتابة موضوع محدد، بل كتابة حياة كاملة، ممتدة، بحيث تبدأ من مرحلة الطفولة وحتى الشيخوخة، إنها حياته، وهى ليست حياة عادية، بل حياة كاتب رحالة، بدأ الرحلة طفلا حيث إقامة الأسرة بمحافظة القاهرة، والعودة في كل أول صيف إلى حيث الأهل والأقارب في مسقط رأسهم " جهينة " بمحافظة سوهاج، وما أن انتهى من دراسته بمدرسة الصنايع، قسم زخرفة، حيث تخصص فى صناعة السجاد، وهذا ما جعله يبدأ الترحال إلى جميع المحافظات للأشراف على مراكز صناعة السجاد التابعة للمؤسسة التي يعمل بها، ثم اشتغل فيما بعد بالصحافة وبدا الترحال حول العالم، ولا تفوتنا مرحلة عملة كمراسل حربي، التي اطلعتة على جانب آخر من الحياة، وهو أجواء الحروب والمعسكرات وأيضا مراحل اعتقاله، كل هذه الجوانب مما زخرت بة حياة الكاتب، عندما يحاول أن يلم بها جميعا، فإنه من العسير أن يشملها خيط واحد، لذلك تنوعت الأشكال الضامة لهذه الأحداث والأشخاص والأزمنة والأمكنة، والسيرة الذاتية والرواية والرحلة وحتى الخواطر.
وكان زمن ما قبل الكتابة أقل حدة على الغيطانى فى " دفاتر التدوين " مما سواه، وأقل حدة على كتاب السيرة الذاتية بشكل عام من سائر كتاباتهم، فزمن ما قبل كتابة السيرة الذاتية، ما هو الإ عملية اختيار وترتيب لأحداث موجودة بالفعل. إن ما يسمى " بالمخاض الإبداعي " يظهر في صورة ما يعتمل في ذاكرة الكاتب من مد وجزر، حتى يصل إلى مرحلة يمكنه فيها ترجمة هذه العواطف على وريقات، تكون بمثابة كتابات أولية يمكننا نحن القراء أن نطلع عليها، حتى تستوي على الصورة النهائية التي نراها، فزمن " المخاض الإبداعي " خاص بالكاتب ولا نعلم عنه شيئا، وهذا هو الجديد الذي خرج به علينا الغيطانى، إذ أشرك القارئ معه فى زمنه، وهو زمن ما قبل الكتابة إذ قام بتدوين هذه الوريقات وإلصاقها بصفحات الدفاتر، فرأينا ما يعتمل بذاكرته أثناء عملية المخاض الفكري، حيث قال: " أما التحنين – كما أفهم – فهو الحض على الشوق، والتشجيع على الميل. وكلاهما لا يكون إلا من أجل عزيز، غالٍ، بعيد، وهناك أعز على المرء من عمره ؟ هل ثمة أقسى من اللحظات المولية ؟ لا أظن. لذلك شرعت، غير أنني أبدأ بالتحنين، فالمسافات بعيدة والعلامات باهتة، بل إن بعضها محي تمامًا فعملية التحنين هذه ومحاولة استثارة كوامن النفس، حتى تحدث ما بها من ذكريات، هي عملية خاصة بالكاتب، وتكون فى زمن ما قبل الكتابة، ومما أستخدمه الغيطانى في ذلك ذكر المرأة، يقول أما الرفارف التي أحاطت بى ومستني وأجتنى، فمتعلق أمرها بالمرأة.