هل بات العلم الحديث يسمح لنا فعلا بإدارة المناخ؟
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
مع حلول فصل الشتاء في نيودلهي، يهبط الهواء البارد، فيحتجز التلوث في المدينة. والدخان الناتج عن الحرائق الموسمية الخاصة بالممارسات الزراعية في شمال الهند يؤدي إلى انخفاض جودة هواء المدينة التي عادة ما تصنف بوصفها الأسوأ في العالم.
وقد سعت حكومة نيودلهي إلى إيجاد حلول مسبقة لتخفيف التلوث، فمنها القيود المرورية وأبراج تنقية الهواء.
وبرغم أن فعالية الاستمطار لم تزل موضع جدل، لم يمنع ذلك أكثر من خمسين دولة من استثمار الملايين سنويا في مبادرات تعديل الطقس. فقد كثفت المكسيك أخيرا جهودها في مجال تلقيح السحب لمكافحة الجفاف، بعد أن بدأت برنامجها الأول في عام 2020، في حين استخدمت إندونيسيا تلقيح السحب لمحاولة ملء السدود ومنع جفاف النباتات القابلة للاشتعال استباقا لموسم الحرائق هذا العام.
ترجع جذور التلاعب بالطقس إلى عام 1946، عندما قام العالمان الأمريكيان فنسنت شيفر وإيرفينج لانجموير بنثر جزيئات الجليد الجاف في سحابة، مما أدى إلى ظهور بلورات الجليد وتساقط الثلوج بشكل واضح. ومنذ ذلك الحين، نشرت حكومة الولايات المتحدة برامج تلقيح السحب، وذلك بصفة أساسية في الولايات الغربية مثل مونتانا ووايومنج ونيفادا، في محاولة لزيادة هطول الأمطار والثلوج.
ولفتت هذه التكنولوجيا أيضا انتباه القطاع الخاص. فقد استخدم منتجع فيل للتزلج في كولورادو (شركة استشاريي المناخ الغربية) لنشر مولدات على قمم الجبال لتحسين تساقط الثلوج منذ عام 1975، مع وجود عشرات المولدات الأخرى في المنطقة.
منذ عام 1997، عملت (جمعية تعديل الطقس في غرب تكساس) على زيادة هطول الأمطار على جنوب غرب تكساس. وفي الوقت نفسه، تقدم شركة (أوليفرز ترافلز) في المملكة المتحدة خدمات تلقيح السحب لضمان طقس صاف لحفلات الزفاف في فرنسا.
استعمالات أخرى
كان الاستعمال الرئيس لهذه التكنولوجيا هو تعزيز هطول الأمطار، ثم استكشفت استعمالات أخرى. في الفترة من عام 1962 إلى عام 1983، حاولت مبادرة حكومية أمريكية تعرف بـ(مشروع ستورمفيوري) إضعاف الأعاصير المدارية دون نجاح حقيقي، في حين ثبت عدم فعالية محاولات برامج أخرى للحد من تأثيرات البرق من العواصف إلى الأرض.
ومع ذلك، شهد مشروع (كولد واند) تجريبا أكثر نجاحا في تقنيات تبديد الضباب في مطلع السبعينيات، بينما استخدمت شركات الطيران الأمريكية أيضا تقنية تبديد الضباب لعقود من الزمن. وجرب الكرملين أيضا هذه التكنولوجيا منذ فترة طويلة. فبعد كارثة تشيرنوبيل النووية عام 1986، استخدم الاتحاد السوفييتي تقنية تلقيح السحب لزيادة هطول الأمطار في المنطقة لغسل الهواء من الجزيئات المشعة ومنعها من الوصول إلى موسكو. والآن، تستخدم روسيا هذه التكنولوجيا لتنقية السماء في يوم موكب النصر السنوي في موسكو، في حين تستخدم روسيا أيضا تكنولوجيا منع البَرَد لحماية المحاصيل والممتلكات.
كما خصصت حكومات أخرى موارد كبيرة لتلقيح السحب لعقود من الزمن. فمنذ عام 1951، تطورت الجمعية الفرنسية لمقاومة الأوبئة الجوية لتصبح برنامجا واسع النطاق على المستوى الوطني، كما أن المشروع الملكي لصنع الأمطار في تايلند نشط منذ عام 1969.
وفي السنوات الأخيرة، ازدادت شعبية تلقيح السحب في منطقة الشرق الأوسط وأجزاء من أفريقيا تعاني من نقص المياه. ولدى المغرب وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية جميعا برامجها الوطنية، في حين تنظر بلاد عدة أخرى في الأمر.
الصين في المقدمة
ولكن الصين هي التي جعلت من نفسها دولة رائدة في مجال تعديل الطقس على مدى العقدين الماضيين. إذ يوظف «جيش الطقس» في الصين ما يقرب من خمسين ألف شخص، والآلاف من قاذفات الصواريخ والمدافع، وعشرات الطائرات، وذلك إلى حد كبير من خلال مركز تعديل الطقس التابع لجمعية الأرصاد الجوية الصينية.
في عام 2006، تم استعمال تلقيح السحب لتنظيف الرمال قبالة بكين بعد عاصفة رملية شديدة. وبعد ذلك بعامين، تم استعمال تلقيح السحب للحد من التلوث وتمهيد الطريق لطقس مشمس قبل دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2008، وتكرر ذلك في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022 في بكين.
ولا يقتصر تلقيح السحب في الصين على عاصمتها فحسب، فمعظم المدن الصينية لديها برامجها الخاصة. فضلا عن ذلك، شهد حوض نهر اليانجتسي، الذي يعاني حاليا من جفاف شديد، 241 رحلة جوية وخمسة عشر ألف إطلاق صاروخي بين يونيو ونوفمبر من عام 2022، ويقال إن ذلك أدى إلى «8.56 مليار طن متري من الأمطار الإضافية» وفقا لمصادر في الحكومة الصينية.
يقدِّر أغلب المؤيدين أن عملية تلقيح السحب الناجحة يمكن أن تؤدي إلى زيادة في هطول الأمطار بنسبة تتراوح بين 10% و30%، ولكن الشكوك لا تزال تحيط بهذه الأرقام. ولم يزل من الصعب أيضا توثيق الزيادات في هطول الأمطار وتحديد مكان هطولها بدقة. وفي ضوء هذه القيود (فضلا عن جدوى تعديل الطقس الاقتصادية المشكوك فيها)، أوقفت إسرائيل برنامجها لتلقيح السحب الذي استمر لخمسين في عام 2021.
استخدام الطقس سلاحا
منذ ظهور تكنولوجيا تلقيح السحب، كان هناك قلق من إمكانية استخدامها سلاحا. ففي عام 1957، حذرت اللجنة الاستشارية للرئيس الأمريكي المعنية بالتحكم في الطقس من أن التلاعب بالطقس يمكن أن يؤدي إلى تطوير أسلحة أكثر تدميرا من القنابل النووية.
خلال حرب فيتنام، أنفق مشروع بوبي لتلقيح السحب التابع للحكومة الأمريكية ملايين الدولارات بين عامي 1967 و1972 لتمديد موسم الرياح الموسمية في فيتنام في محاولة لإغراق طريق هوشي منه وتعطيل خطوط إمداد الجيش الفيتنامي الشمالي. كما يشتبه في أن الاتحاد السوفيتي استخدم تلقيح السحب لزيادة هطول الأمطار في أفغانستان خلال الحرب السوفيتية الأفغانية لتحويل المناطق إلى طين وتعطيل تحركات المجاهدين.
لكن التخوف العام في الولايات المتحدة بشأن استخدام الطقس كسلاح دفع إلى توقيع قانون سياسة تعديل الطقس الوطني لعام 1976، كما وقعت الولايات المتحدة وجانب بلاد أخرى على اتفاقية حظر الاستخدام العسكري أو أي استخدام عدائي آخر لتقنيات التعديل البيئي (CONMED) في عام 1977 وتشترط الاتفاقية على الموقعين الامتناع عن عسكرة تعديل الطقس.
ومع ذلك، لا يزال هناك قلق بشأن الكيفية التي يمكن أن تؤدي بها التكنولوجيا والممارسات الحالية إلى إشعال الصراعات. فقد اتهم مسؤولون إيرانيون إسرائيل ودولة خليجية بـ «العمل على منع السحب الإيرانية من الإمطار» في عام 2018، في حين أثارت خطط الصين التوسعية في عمليات تلقيح السحب قلق الهند أيضا.
وتجري أيضا طرق بديلة للتلاعب بالطقس. ففي عام 1996، ناقش تقرير للقوات الجوية الأمريكية بعنوان «الطقس بوصفه قوة مضاعفة: امتلاك الطقس في عام 2025» كيف يمكن لتقدم تقنيات المراقبة أن يؤدي إلى نشر سحب مصنوعة من جسيمات ذكية لتوليد «ضباب ذكي».
وهناك أيضا مشاريع مصممة لإثارة البرق داخل السحب، بما قد يؤدي إلى تعقيد عمليات طائرة إف 35 الأمريكية التي لا يمكنها الطيران على مسافة خمسة وعشرين ميلا بحريا من عاصفة رعدية.
وبعيدا عن مبادرات العسكرة، تلوح في الأفق أيضا مشاريع جديدة لتعديل الطقس.
وتجري مناقشة متزايدة لمقترحات إضافة مواد مغذية إلى المحيط لتشجيع نمو العوالق النباتية وزيادة امتصاص الكربون، وهو ما يعرف بتخصيب المحيطات. كما أصبحت مشاريع تفتيح البحار والسحب لعكس ضوء الشمس والحد من الاحتباس الحراري العالمي من الأفكار السائدة، برغم القلق المستمر من قدراتها التدميرية أو نتائجها غير الفعالة.
ومع استمرار التطور في تكنولوجيا تعديل الطقس، يجدر بنا أن نحذر من المزيد من الخصخصة والعسكرة. فقد أصبحت خصخصة تلقيح السحب، على سبيل المثال، ذات طابع عولمي متزايد. إذ يقع مقر شركة (تعديل المناخ Weather Modification Inc) في فارجو بولاية داكوتا الشمالية، وتوفر خدمات تلقيح السحب للهند. وتنشط شركة (أنظمة ميتيو Meteo Systems) السويسرية في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ أكثر من عقد من الزمن.
ومع تقديم العشرات من البلاد والشركات الآن خدمات تلقيح السحب، ينبغي على صناع السياسات أن يضعوا ويفرضوا قواعد تنظيمية جديدة لتعديل الطقس. وفي حين تلعب الاتفاقيات والمؤسسات مثل اتفاقية حظر الاستخدام العسكري أو أي استخدام عدائي آخر لتقنيات التعديل البيئي (CONMED) وفريق خبراء تعديل الطقس التابع للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية أدوارا مهمة، فإن المشهد الآن مزدحم بمختلف الجهات الفاعلة التي تتنافس على دور أكبر في تطبيق التكنولوجيا.
يجب النظر إلى التنسيق العالمي باعتباره مهمة ضرورية لتجنب التأثيرات الكارثية المحتملة الناجمة عن التلاعب بالطقس. وقبل أن تشرع الحكومات والشركات في بذل جهود واسعة النطاق لتغيير الطقس، يمكن أن يكون التنظيم الإضافي تحسبا للتقنيات المستقبلية بمثابة إجراء وقائي لتجنب الأزمات البيئية والتخفيف من ظهور نظريات المؤامرة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذه التکنولوجیا تعدیل الطقس یؤدی إلى یمکن أن منذ عام فی حین فی عام
إقرأ أيضاً:
مستشفى كمال عدوان: الاحتلال لا يسمح بإدخال الأدوية والأغذية والإسعاف
عرضت قناة القاهرة الإخبارية خبرا عاجلا يفيد بأن مدير مستشفى كمال عدوان شمالي غزة، قال إنه لا يزال تحت الحصار الإسرائيلي.. والاحـ ـتلال لا يسمح بإدخال الأدوية والأغذية ومركبات الإسعاف.
وأضاف أن لديهم 85 مصابا من الأطفال والنساء يتلقون خدمة صحية بالحد الأدنى والعناية المركزة بها 6 حالات حرجة.