لجريدة عمان:
2025-03-10@13:43:12 GMT

أبعد من زنجبار جغرافيا وتاريخيّا

تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT

يظهر الشرق الإفريقي ممثلا في زنجبار في مجموعة الشاعر محمد الحارثي (أبعد من زنجبار) الصادرة عام 1997م عن دار شرقيات، وهي تضم ثمانية عشر نصا شعريا امتدّت كتابتها بين عامي 1993-1996 في أماكن مختلفة مثل: «مسقط، مراكش، المضيرب، سايجون، باريس، القاهرة، قرطبة، زنجبار، عدا قصيدة الغبيراء، التي امتدّت فكرة كتابتها من أواخر الثمانينيات حتى المعنى الذي استعصى على عصفورة التأويل»، على حد تعبير المؤلف.

ولزنجبار مكانة كبيرة عند العمانيين؛ تتمثّل في أنّ لها مكانة تاريخية وصلات مشتركة، لا يمكن حصر هذا الحضور في نصين اثنين فقط -أقصد رواية الطواف حيث الجمر الذي كتبتُ عنها الجزء الأول لهذا المقال، أو مجموعة محمد الحارثي هذه- فإنّ زنجبار حاضرة في كتابات العمانيين الشعرية والسردية والثقافية والتاريخية والاقتصادية وأدب الرحلات وغيرها من مجالات الكتابة المختلفة. كما تمثّل ارتباطا تاريخيا وصلات اجتماعية ممتدة منذ أن عرف العمانيون الشرق الإفريقي؛ كونها المكان الذي أقاموا عليه إمبراطوريتهم العظمى الممتدة من عمان إلى إفريقيا، والمكان المجسّد للسياسية العمانية الحكيمة لسلاطين الدولة البوسعيدية في فترات حكمها هناك.

تطل لفظة زنجبار في مجموعة محمد الحارثي في موضع واحد وهو عتبة المجموعة الشعرية؛ إذ تحمل المجموعة عنوانا مركبا من ثلاث كلمات: اسمان يتوسطهما حرف الجر، وهو (أبعد من زنجبار).

ويتمثّل لفظ البُعد الوارد في المجموعة قيمة تعبيرية مهمة في انتقاء العتبة؛ إنها قائمة على بُعدين تعبيريين ربما قصد المؤلف اختيارهما: الأول بُعدٌ جغرافي متمثل في المسافة البعيدة الفاصلة بين عُمان وبين زنجبار من جهة، أو بين زنجبار وبين مكان كتابته لنصوص المجموعة، وبُعده واقترابه من زنجبار؛ لذا فهو يُعبّر بمدى البعد والقرب من المكان الجغرافي باعثا له حنينه وشعوره الكتابي في تلك اللحظة.

الثاني يتمثّل في البعد التاريخي؛ فلزنجبار تاريخ مشترك طويل مع عُمان وهنا يحتمل أن يكون التعبير ببُعد المسافة هو تعبير عن الزمن التاريخي الذي يحاول إعادتنا إليه من خلال نصوصه الشعرية ومفرداته والإحالات المختلفة على حوادث تاريخية مرتبطة بعُمان وزنجبار.

بخلاف العتبة لا نجد ذكرا صريحا لزنجبار في المجموعة إلا فيما ورد الإشارة إلى المكان فيها، كما في نص (المقهى الطافي أمام قصر العجائب)، فإنه يستحضر زنجبار من خلال أمكنتها، ومعالمها التاريخية، وقصصها، ولعل قصر العجائب الذي بُني عام 1883م أحد معالم زنجبار كونه «قصرا رسميا للسلطان برغش، وهو أول منزل في زنجبار تدخله الكهرباء، وتستخدم فيه المصاعد الكهربائية، ويتميز بأبوابه الضخمة ذات النقوش الأنيقة المتقنة والزخارف الذهبية، كما تحرس المدخل أسودٌ نحاسية». (مذكرات رجل عماني في زنجبار، ص39).

يتحول نص (المقهى الطافي أمام قصر العجائب) إلى نص محملٍ بمرجعيات مختلفة؛ مرجعيات تاريخية ومرجعيات مكانية. ويتخذ من أحداث التاريخ مادّة أولى للتعبير الشعري، ويتشكل من الحوادث المرتبطة بزنجبار كونها مدخلا مهما في عملية الربط بين التاريخ والمكان، وهنا يفتتح مرجعيته باستعادة صورة السلطان بعد رحيل الأميرة عن زنجبار. إنها حادثة تناولها التاريخ لكن عمل الشاعر على إظهار صورة خاصة للسلطان من هذه الحادثة؛ إن الشاعر يعيد قراءة الأحداث التي يعيش معها السلطان حالة من الحزن بسبب خيانة الخلان له، وهروب الأميرة:

على الساحلِ المُسمى بالسواحيلية: فَرَضاني،

كان السلطانُ يرقبُ أبدان السفن التي تُضَمّخُ

موانئ اليابسة بشذى القُرنفل.

فبعد أن خانهُ الخِلان،

وهربت الأميرةُ

أضحت تلك تسليتهُ الوحيدة

في فصِّ خاتم الجزيرة.

إنّ خصوصية المكان الزنجباري لها قيمة مهمة في بناء الهوية التاريخية، ولعلّ مسميات مثل: السواحيلية، والفرضاني، والقرنفل لها دلالات رئيسة في تعميق الهوية المكانية في النص الشعري. ومع هذا المكان المحدد يمكن لأحداث التاريخ أن تستعاد شعرا، وهنا يحاول محمد الحارثي إضفاء لحظة تأمل على الواقع الذي يعيشه السلطان: (لحظة تأمل السفن)، اللحظة التي تتحول إلى تسلية خاصة يعيشها السلطان. ومع ذلك يبقى للمكان حضور قوي في النص وهو ما يدل عليه حضور المقهى ضاجّا بألوان الحياة والمارة والذاكرة.

إن المكان/ المقهى مشرعٌ هنا على صور عالقة بالذاكرة، إنه مكان الحكايات، والأساطير، صورة ممتدة للبحر المنفتح على الحياة والحرية. هذا المقهى واجهة تجمع أضداد الحياة، وترفها، وحركتها وسكونها، هذه الصور التي قصدها النص في رسم صورة المدينة البعيدة:

على هذا الساحل

(المُتكتِّم على ينابيع حكايته تلك)

يتأرجحُ المقهى الطافي

بندولا قطباهُ الذكرى والنسيان

الأسطورةُ ونسيمُها المرفرف

في الأشرعة المثلثة

كما لو كانت ساعةُ الزمن

راسيةً في مينائها البكر،

أو

كما لو كانت مُبحِرةً

في غُروب مرآة.

عَبرتْ قهوتَهُ الحروبُ

وتلوّنت فوق ساريته

الأعلام.

بكى واستبكى الموجةَ التي

تحت قدميه.

امتدحَ زجاجه المكسور

وطاولاته التي طاولت

أعناق السفن

ثم

استأسدَ في عَريشِ غابته

ظافرا بإمبراطوريةٍ وخطايا.

بيدَ أن للذنوب غفّارُها!

يتسع الحضور الدلالي للمكان/ المقهى، والذي تتسع معه الصور المنفتحة على الآخر القادم من البعيد، لذا فإن زنجبار أبعد من كل اللحظات التي كان يفتش عنها الباحث عن الحياة، وهذا البعد جعل منه مكان الحياة والرغبة في بناء الذات، يظهر اكتظاظ المكان بمرادفات الحياة في المقطع الآتي:

فالعاطلون عن كهرمان الحياة،

قاطفو ثمرات جوز الهند،

والبحارة المزمنون يرتادونهُ

في قيلولاتِ الحيلة.

وبين الفينةِ والأخرى

شقراواتٌ بمعاطف سفاري

يبتسمن بين أفخاذهنّ

لساحرٍ يعتصرُ زجاجةَ ميرندا

ويقرأ كفَّ اليابسة في الأماسي

ذات الشمس الحمراء، الأماسي التي

لا تكلُّ من تكرار شمسٍ حمراء

وأطفالٍ على حافة الزرقة

يترنمون بصوتٍ يكاد أن يكون

واحدا:

من يُباهي بقفزة

كهذه؟

«ترنيمةٌ خِلتُها مقهى طافٍ أمام

بيتِ العجائب»

قال غريقٌ في بحر الظلمات..

لكنَّ بحَّارا - أطفأ سيجارتهُ المُعشوشبة

ونَشرَ شراعهُ المثلث -

كانَ قد سبقهُ إليها.

إنّ لزنجبار في هذا النص حضورا مهما يحاول الشاعر إبرازه بقوة الحدث التاريخي، ولعل هذا النص يعيد القارئ إلى مجالات الكتابة الشعرية الملتزمة بالتاريخ.

وهنا تظهر زنجبار حاملة دلالات الحنين في وجدان الإنسان العماني عموما، والكاتب العماني خصوصا، ما يدفعه إلى العودة إلى شواهد التاريخ والكتابة عن المكان الإفريقي.

إنّ المتأمل في الدلالات التي يتشكل منها النص يجد بها تنوعا في الاستخدام بين الحنين والحسرة، الحنين إلى الماضي الذي فُقِد، ويمثّله المكان بذاكرته وحوادثه، كما يمثله السلطان والأميرة. والحسرة على ضياع كل ذلك وبقاء الذاكرة دالة على أحداثه.

إنّ صورة زنجبار في نص محمد الحارثي أكبر من كونها مدينة، أو فضاء متخيلا يضم أصنافا مختلفة من الحياة والذاكرة والحنين، إنها مشروع كتابي قصده الحارثي للتعبير عن رؤية واسعة ممتدة، ورؤية واشتغال يتطلع إلى أن يصنع منه دفقا جماليا يربط الواقع بالمتخيل، والأدبي بالتاريخي، والمكاني بالمجهول.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: زنجبار فی من زنجبار أبعد من

إقرأ أيضاً:

مخلفات الاحتلال الإسرائيلي في غزة: قنابل موقوتة تهدد الحياة

#سواليف

لا زالت #غزة تعاني من تداعيات #الاحتلال الإسرائيلي المستمرة منذُ #حرب_الإبادة، حيث لا تقتصر آثاره على #الحصار و #الدمار، بل تمتد لتشمل #مخلفات_الحرب، التي تحولت إلى #قنابل_موقوتة تهدد حياة #المدنيين، فالمتفجرات غير المنفجرة من قذائف وصواريخ وقنابل باتت تشكل خطراً دائماً على السكان خاصة #الأطفال الذين قد يعبثون بها دون معرفة مدى خطورتها.

 المتفجرات غير المنفجرة: #كارثة مستمرة

خلال العدوان الإسرائيلي وبالرغم من التهدئة بين الاحتلال والمقاومة في غزة الا ان القطاع ما زال يعاني من مخلفات آلاف القنابل والصواريخ غير المنفجرة، وما كشفته الاوضاع أن عدداً كبيراً منها لم ينفجر عند الارتطام بالأرض، مما يجعلها أشبه بأفخاخ مميتة تنتظر الضحية التالية وفقاً للتقارير اليومية التي تخرج عن هذا الموضوع، تحتوي هذه المخلفات على مواد شديدة الانفجار يمكن أن تبقى فعالة لعقود إذا لم يتم التخلص منها بشكل آمن.

مقالات ذات صلة تفاصيل بشعة .. الإعدام لقاتل والدته في العقبة 2025/03/09

هذه الذخائر تنتشر في الأحياء السكنية والحقول الزراعية، وحتى داخل المنازل المدمرة مما يزيد من تعقيد وصعوبة الوضع للسكان وخاصة الأطفال غير مدركين لخطورتها، ما يؤدي إلى وقوع إصابات ووفيات مأساوية عند العبث بها.

 الضحايا: المدنيون أولاً..

المدنيون هم الضحية الأكبر لهذه القنابل الموقوتة، حيث سجلت العديد من حالات الاستشهاد والإصابة نتيجة انفجار هذه المتفجرات منذ الهدنة الحالية فالأطفال الذين يجذبهم شكل القنابل الغريب غالباً ما يكونون الأكثر عرضة للخطر كما المزارعين الذين يحاولون استصلاح أراضيهم بعد الهدنة الحالية، فلا زال الخطر مستمراً عند اصطدامهم بمتفجرات غير مكتشفة أثناء حراثة الأرض.

إضافة إلى الخسائر البشرية فإنها باتت تؤثر على الحياة اليومية للسكان، حيث تمنع إعادة الإعمار في بعض المناطق، وتعيق الأنشطة الزراعية، وتبث الخوف بين الناس، مما فاقم من الأوضاع المعيشية الصعبة أصلاً في القطاع المحاصر.

 المسؤولية الدولية والتعامل مع الأزمة

وفقاً للقانون الدولي الإنساني، يتحمل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية إزالة مخلفات الحرب وتأمين حياة المدنيين، إلا أنه يتنصل من هذه المسؤولية، مما يضع الحمل على كاهل المؤسسات المحلية والدولية، الجهات المختصة في غزة، مثل فرق الهندسة التابعة للشرطة وفرق الدفاع المدني، تبذل جهوداً جبارة في تفكيك هذه المتفجرات بأدوات وإمكانات محدودة للغاية وفي بعض الحالات من المفترض ان يتم الاستعانة بخبراء دوليين لتقديم الدعم الفني، لكن الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع يعوق إدخال المعدات المتخصصة اللازمة لتسريع عمليات الإزالة، كما تعمل هذه الاجهزة على توعية السكان بمخاطر هذه المتفجرات، من خلال حملات إرشادية في المدارس والمجتمعات المحلية.

 تحديات إزالة المتفجرات

رغم الجهود المبذولة، تبقى إزالة هذه القنابل الموقوتة تحدياً كبيراً بسبب عدة عوامل، كنقص المعدات المتطورة فالحصار الإسرائيلي المفروض يمنع دخول المعدات الخاصة بإزالة المتفجرات، مما يضطر الفرق المحلية إلى استخدام وسائل بدائية تعرضهم للخطر مع عدم توفر خرائط دقيقة للأماكن المستهدفة فالاحتلال لا يشارك أي بيانات حول المناطق التي قصفها، مما يزيد من صعوبة تحديد مواقع الذخائر غير المنفجرة، عدا عن الاكتظاظ السكاني فالكثافة السكانية العالية في غزة تجعل من الصعب إخلاء المناطق المشتبه بها، مما يزيد من خطر وقوع إصابات في حال حدوث انفجار غير متوقع فتكرار العدوان الإسرائيلي في كل عدوان جديد يضيف مزيداً من الذخائر غير المنفجرة، مما يجعل الجهود المبذولة لإزالتها سباقاً ضد الزمن.

 الحلول والمطالبات

لحل هذه الأزمة، يجب اتخاذ عدة خطوات اهمها الضغط الدولي على الاحتلال الإسرائيلي لإجباره على تحمل مسؤوليته في إزالة مخلفات الحرب، أو على الأقل السماح بإدخال المعدات والخبراء المتخصصين، مضافاً لذلك تعزيز دعم المنظمات الدولية العاملة في مجال إزالة الألغام والمتفجرات، وتوفير تمويل أكبر لهذه العمليات

وتوسيع برامج التوعية بين السكان، خصوصاً الأطفال، حول كيفية التعرف على الذخائر غير المنفجرة وتجنب الاقتراب منها وإنشاء فرق متخصصة ومدربة محلياً تمتلك المعدات والقدرة على التدخل بسرعة عند اكتشاف أي قنبلة غير منفجرة.

 خاتمة

تبقى مخلفات الاحتلال الإسرائيلي من المتفجرات قنبلة موقوتة تهدد حياة سكان غزة، مما يضيف تحدياً جديداً إلى الأوضاع الإنسانية الكارثية في القطاع ورغم الجهود المبذولة فإن الحل الحقيقي يكمن في إنهاء الاحتلال ووقف العدوان المستمر حتى لا تستمر غزة في دفع ثمن الحروب حتى بعد انتهائها.

مقالات مشابهة

  • اعتزال نجم ألعاب القوى بركات الحارثي بعد مسيرة حافلة بالإنجازات
  • صيب السماء يعرقل الحياة في بغداد (صور)
  • السيب يفتح ملف مباراة ذهاب كأس التحدي.. وأمجد الحارثي يتماثل للشفاء
  • مخلفات الاحتلال الإسرائيلي في غزة: قنابل موقوتة تهدد الحياة
  • بيوم المرأة العالمي.. مقتل شابة تركية في مقهى بطلق ناري
  • محمد بن راشد: المرأة سر الحياة ومربية الأجيال وصانعة الأبطال
  • ما هو أبعد من قدرة الحكومة على معالجة دلفة مزراب
  • تتجلى الـ”تراجيديا” في كل زوايا الحياة اليومية في غزة
  • الدكتور عبد اللطيف الحارثي يستقبل المهنئين بالشهر الفضيل
  • “شِعب الجرار” إحدى المكونات الطبيعية التي تعزّز الحياة الفطرية والبيئية في جبل أحد بالمدينة المنورة