أبعد من زنجبار جغرافيا وتاريخيّا
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
يظهر الشرق الإفريقي ممثلا في زنجبار في مجموعة الشاعر محمد الحارثي (أبعد من زنجبار) الصادرة عام 1997م عن دار شرقيات، وهي تضم ثمانية عشر نصا شعريا امتدّت كتابتها بين عامي 1993-1996 في أماكن مختلفة مثل: «مسقط، مراكش، المضيرب، سايجون، باريس، القاهرة، قرطبة، زنجبار، عدا قصيدة الغبيراء، التي امتدّت فكرة كتابتها من أواخر الثمانينيات حتى المعنى الذي استعصى على عصفورة التأويل»، على حد تعبير المؤلف.
ولزنجبار مكانة كبيرة عند العمانيين؛ تتمثّل في أنّ لها مكانة تاريخية وصلات مشتركة، لا يمكن حصر هذا الحضور في نصين اثنين فقط -أقصد رواية الطواف حيث الجمر الذي كتبتُ عنها الجزء الأول لهذا المقال، أو مجموعة محمد الحارثي هذه- فإنّ زنجبار حاضرة في كتابات العمانيين الشعرية والسردية والثقافية والتاريخية والاقتصادية وأدب الرحلات وغيرها من مجالات الكتابة المختلفة. كما تمثّل ارتباطا تاريخيا وصلات اجتماعية ممتدة منذ أن عرف العمانيون الشرق الإفريقي؛ كونها المكان الذي أقاموا عليه إمبراطوريتهم العظمى الممتدة من عمان إلى إفريقيا، والمكان المجسّد للسياسية العمانية الحكيمة لسلاطين الدولة البوسعيدية في فترات حكمها هناك.
تطل لفظة زنجبار في مجموعة محمد الحارثي في موضع واحد وهو عتبة المجموعة الشعرية؛ إذ تحمل المجموعة عنوانا مركبا من ثلاث كلمات: اسمان يتوسطهما حرف الجر، وهو (أبعد من زنجبار).
ويتمثّل لفظ البُعد الوارد في المجموعة قيمة تعبيرية مهمة في انتقاء العتبة؛ إنها قائمة على بُعدين تعبيريين ربما قصد المؤلف اختيارهما: الأول بُعدٌ جغرافي متمثل في المسافة البعيدة الفاصلة بين عُمان وبين زنجبار من جهة، أو بين زنجبار وبين مكان كتابته لنصوص المجموعة، وبُعده واقترابه من زنجبار؛ لذا فهو يُعبّر بمدى البعد والقرب من المكان الجغرافي باعثا له حنينه وشعوره الكتابي في تلك اللحظة.
الثاني يتمثّل في البعد التاريخي؛ فلزنجبار تاريخ مشترك طويل مع عُمان وهنا يحتمل أن يكون التعبير ببُعد المسافة هو تعبير عن الزمن التاريخي الذي يحاول إعادتنا إليه من خلال نصوصه الشعرية ومفرداته والإحالات المختلفة على حوادث تاريخية مرتبطة بعُمان وزنجبار.
بخلاف العتبة لا نجد ذكرا صريحا لزنجبار في المجموعة إلا فيما ورد الإشارة إلى المكان فيها، كما في نص (المقهى الطافي أمام قصر العجائب)، فإنه يستحضر زنجبار من خلال أمكنتها، ومعالمها التاريخية، وقصصها، ولعل قصر العجائب الذي بُني عام 1883م أحد معالم زنجبار كونه «قصرا رسميا للسلطان برغش، وهو أول منزل في زنجبار تدخله الكهرباء، وتستخدم فيه المصاعد الكهربائية، ويتميز بأبوابه الضخمة ذات النقوش الأنيقة المتقنة والزخارف الذهبية، كما تحرس المدخل أسودٌ نحاسية». (مذكرات رجل عماني في زنجبار، ص39).
يتحول نص (المقهى الطافي أمام قصر العجائب) إلى نص محملٍ بمرجعيات مختلفة؛ مرجعيات تاريخية ومرجعيات مكانية. ويتخذ من أحداث التاريخ مادّة أولى للتعبير الشعري، ويتشكل من الحوادث المرتبطة بزنجبار كونها مدخلا مهما في عملية الربط بين التاريخ والمكان، وهنا يفتتح مرجعيته باستعادة صورة السلطان بعد رحيل الأميرة عن زنجبار. إنها حادثة تناولها التاريخ لكن عمل الشاعر على إظهار صورة خاصة للسلطان من هذه الحادثة؛ إن الشاعر يعيد قراءة الأحداث التي يعيش معها السلطان حالة من الحزن بسبب خيانة الخلان له، وهروب الأميرة:
على الساحلِ المُسمى بالسواحيلية: فَرَضاني،
كان السلطانُ يرقبُ أبدان السفن التي تُضَمّخُ
موانئ اليابسة بشذى القُرنفل.
فبعد أن خانهُ الخِلان،
وهربت الأميرةُ
أضحت تلك تسليتهُ الوحيدة
في فصِّ خاتم الجزيرة.
إنّ خصوصية المكان الزنجباري لها قيمة مهمة في بناء الهوية التاريخية، ولعلّ مسميات مثل: السواحيلية، والفرضاني، والقرنفل لها دلالات رئيسة في تعميق الهوية المكانية في النص الشعري. ومع هذا المكان المحدد يمكن لأحداث التاريخ أن تستعاد شعرا، وهنا يحاول محمد الحارثي إضفاء لحظة تأمل على الواقع الذي يعيشه السلطان: (لحظة تأمل السفن)، اللحظة التي تتحول إلى تسلية خاصة يعيشها السلطان. ومع ذلك يبقى للمكان حضور قوي في النص وهو ما يدل عليه حضور المقهى ضاجّا بألوان الحياة والمارة والذاكرة.
إن المكان/ المقهى مشرعٌ هنا على صور عالقة بالذاكرة، إنه مكان الحكايات، والأساطير، صورة ممتدة للبحر المنفتح على الحياة والحرية. هذا المقهى واجهة تجمع أضداد الحياة، وترفها، وحركتها وسكونها، هذه الصور التي قصدها النص في رسم صورة المدينة البعيدة:
على هذا الساحل
(المُتكتِّم على ينابيع حكايته تلك)
يتأرجحُ المقهى الطافي
بندولا قطباهُ الذكرى والنسيان
الأسطورةُ ونسيمُها المرفرف
في الأشرعة المثلثة
كما لو كانت ساعةُ الزمن
راسيةً في مينائها البكر،
أو
كما لو كانت مُبحِرةً
في غُروب مرآة.
عَبرتْ قهوتَهُ الحروبُ
وتلوّنت فوق ساريته
الأعلام.
بكى واستبكى الموجةَ التي
تحت قدميه.
امتدحَ زجاجه المكسور
وطاولاته التي طاولت
أعناق السفن
ثم
استأسدَ في عَريشِ غابته
ظافرا بإمبراطوريةٍ وخطايا.
بيدَ أن للذنوب غفّارُها!
يتسع الحضور الدلالي للمكان/ المقهى، والذي تتسع معه الصور المنفتحة على الآخر القادم من البعيد، لذا فإن زنجبار أبعد من كل اللحظات التي كان يفتش عنها الباحث عن الحياة، وهذا البعد جعل منه مكان الحياة والرغبة في بناء الذات، يظهر اكتظاظ المكان بمرادفات الحياة في المقطع الآتي:
فالعاطلون عن كهرمان الحياة،
قاطفو ثمرات جوز الهند،
والبحارة المزمنون يرتادونهُ
في قيلولاتِ الحيلة.
وبين الفينةِ والأخرى
شقراواتٌ بمعاطف سفاري
يبتسمن بين أفخاذهنّ
لساحرٍ يعتصرُ زجاجةَ ميرندا
ويقرأ كفَّ اليابسة في الأماسي
ذات الشمس الحمراء، الأماسي التي
لا تكلُّ من تكرار شمسٍ حمراء
وأطفالٍ على حافة الزرقة
يترنمون بصوتٍ يكاد أن يكون
واحدا:
من يُباهي بقفزة
كهذه؟
«ترنيمةٌ خِلتُها مقهى طافٍ أمام
بيتِ العجائب»
قال غريقٌ في بحر الظلمات..
لكنَّ بحَّارا - أطفأ سيجارتهُ المُعشوشبة
ونَشرَ شراعهُ المثلث -
كانَ قد سبقهُ إليها.
إنّ لزنجبار في هذا النص حضورا مهما يحاول الشاعر إبرازه بقوة الحدث التاريخي، ولعل هذا النص يعيد القارئ إلى مجالات الكتابة الشعرية الملتزمة بالتاريخ.
وهنا تظهر زنجبار حاملة دلالات الحنين في وجدان الإنسان العماني عموما، والكاتب العماني خصوصا، ما يدفعه إلى العودة إلى شواهد التاريخ والكتابة عن المكان الإفريقي.
إنّ المتأمل في الدلالات التي يتشكل منها النص يجد بها تنوعا في الاستخدام بين الحنين والحسرة، الحنين إلى الماضي الذي فُقِد، ويمثّله المكان بذاكرته وحوادثه، كما يمثله السلطان والأميرة. والحسرة على ضياع كل ذلك وبقاء الذاكرة دالة على أحداثه.
إنّ صورة زنجبار في نص محمد الحارثي أكبر من كونها مدينة، أو فضاء متخيلا يضم أصنافا مختلفة من الحياة والذاكرة والحنين، إنها مشروع كتابي قصده الحارثي للتعبير عن رؤية واسعة ممتدة، ورؤية واشتغال يتطلع إلى أن يصنع منه دفقا جماليا يربط الواقع بالمتخيل، والأدبي بالتاريخي، والمكاني بالمجهول.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: زنجبار فی من زنجبار أبعد من
إقرأ أيضاً:
الإشارة «صفارة».. حراس الشواطئ في مهمة للحفاظ على «الحياة»
بينما أنت تلعب وتسبح فى البحر وتستمتع بالمياه يقف هناك على الشاطئ وعينه تراقبك في صمت، يراجع حركاتك ببطء، وعقله مشغول بك، ويستمر كذلك منذ الصباح وحتى غروب الشمس يراقبك في المياه أثناء السباحة لتأمينك خوفاً من تعرضك للغرق، ويهرع إليك لإنقاذك لتسبح في طمأنينة وتستمتع بإجازتك لقضاء وقتك في أمان تام.
حراس الشواطئ«مهنة لايف جارد أو حراس الشواطئ، من أهم المهن العاملة فى القطاع السياحى»، يحكى أحمد عبدالعظيم، أحد حراس الشواطئ بالغردقة، أن مهنتهم يعتبرونها «مهنة الحفاظ على الأرواح»، شارحاً أنها ليست سهلة وتحتاج إلى تدريب مسبق وخبرة فى التعامل مع الحالات.
يعدد «أحمد» شروط الالتحاق بالمهنة: «تتطلب مواصفات خاصة؛ منها لياقة بدنية ومهارة وسرعة بديهة ونظرات ثاقبة، والحصول على دورات تدريبية وتصريح لمزاولة المهنة ودورات الإسعاف الأولية». كل ذلك ضروري لأن الأمر لا يتوقف عند الإنقاذ: «لازم نعمل الإسعافات الأولية، وعمل تنفس صناعى أو إنعاش قلبي إذا تطلب الأمر لحين وصول سيارة الإسعاف».
حراس الشواطئ في الغردقةيبدأ علي طايع، أحد حراس الشواطئ فى الغردقة، مهمته منذ شروق الشمس، حيث التدريب نحو ساعة، ثم تسلُّم المهمة فى الساعة الثامنة صباحاً مع وصول زائرى الشواطئ، وتوزيع المهام بين الحراس والإشارة في التعامل بينهم هي «لغة الصفارة».
ويوضح محمد اللبودي، الخبير السياحي بالغردقة، أن مهنة حراس الشواطئ من أهم المهن في القطاع السياحي، حيث تتعلق بالحفاظ على الأرواح البشرية، وتتطلب مهارات خاصة وخبرات خاصة، وشروط التعيين بها: الحصول على تصريح مزاولة المهنة من الاتحاد المصري للسباحة.
ولفت إلى أن التعرض للغرق ليس لمَن لا يجيد السباحة فقط، لكن قد يكون الشخص محترف سباحة ويتعرض لشد عضلي أو غيبوبة سكر لأصحاب الأمراض المزمنة أو إجهاد أو ضربة شمس.