تحدث الكثيرون سابقا عن عالم ما بعد الحداثة، لنجد آخرين اليوم قد بدأوا بالحديث عن عالم ما بعد الإعلام، عززته الحرب الأوكرانية، والحرب الصهيونية على غزة، ووقوع الإعلام وأدواته كضحية من ضحايا هذه الحروب. فتضحية الإعلام الغربي بمصداقية بناها عبر عقود دفعت الكثير من المشاهدين والمتابعين لهذه الوسائل للانفضاض عنها والتخلي عنها، في حين برزت وسائل التواصل الاجتماعي كبديل عن التقليدي، إلّا أنها لم تحظَ بتلك المصداقية التي كان يحظى بها الإعلام التقليدي سابقا، والذي خسرها اليوم بشكل كبير في ظل ما جرى ويجري وتداعيات المجريات عليه وعلى الواقع المعاش بشكل عام.
إن تراجع المهنية والاحترافية لدى وسائل الإعلام الغربية خلال فترة الحرب على غزة، والتي تجاهلت حق الفلسطينيين، حيث لم تعاملهم كبشر وفقا لرسالة صحافيي بي بي سي، وحتى وصل الأمر إلى مضايقة الصحافيين العاملين حتى في وسائل الإعلام الغربية لمجرد تعبيرهم عن مواقفهم إزاء ما يجري على منصات تواصلهم الاجتماعي، عبر انتقاد البلطجة الصهيونية، فكانت النتيجة طرد البعض منهم.. كل ذلك يشكل انتحارا أو نحرا لوسائل الإعلام التقليدية الغربية، التي بدأت تفقد الكثير من شعبيتها ومصداقيتها أمام المتابعين والمشاهدين.
السردية والرواية التي كان ينبغي أن تنتشر وتصل إلى القارئ والمتابع حوربت بكل قوة ووحشية، بل ووصل ذلك إلى عمليات تصفية جسدية، حيث دفع الإعلام ربما أكبر فاتورة له في فترة زمنية قصيرة ومحدودة، حين قتل العدوان الصهيوني أكثر من خمسين صحافيا، 45 من بينهم فلسطينيون، وخمسة فقط من غير الفلسطينيين، لتقتل إسرائيل بذلك وخلال أيام أكثر مما قُتل في العالم كله خلال عام 2021، فضلا عن ممارستها القوة في منع بث أخبار تدينها، حيث قطعت الإنترنت عن الصحافيين وهددت عائلاتهم، فقتلت مثلا عائلة الزميل وائل الدحدوح؛ مراسل الجزيرة في غزة.
لقد كانت الاستراتيجية الصهيونية إزاء الإعلام واضحة، بل وحظيت بدعم وتواطؤ غربي وأمريكي تحديدا وبشكل كبير وفج، حين سعت تل أبيب إلى سياسة التعتيم والكتم، ومنع وصول الصورة والخبر الدقيق للرأي العام، وفرضت قيودا على صحافيين يعملون لوسائل إعلام أجنبية كالأسوشييتد برس، بحجة أنهم علموا بموعد عملية طوفان الأقصى كما تزعم تل أبيب، ولم يُبلغوا الحكومة الإسرائيلية، بمعنى أن الصحافي ينبغي أن يعمل جاسوسا لها.
إن المرحلة الإعلامية الجديدة بحاجة إلى خريطة إعلامية جديدة، وعلى الإعلاميين أن يتنادوا بعيدا عن سطوة الحكومات وعاديات المال والسلطة من أجل أن يختطوا خريطة طريق لأنفسهم في ظل هذه التداعيات الضخمة والهائلة التي ستلقي بظلالها على مستقبل الإعلام بشكل عام، وستلقي بظلالها على العلاقة التي ستنشأ بعد هذه الحروب بين المرسل والمستقبل.
وعلى الرغم من الدور الكبير الذي لعبته وسائل الإعلام من الحشد والمناصرة وتعبئة الرأي العام العربي والغربي إزاء الحرب في غزة، إلاّ أن تداعيات المصداقية والثقة ستظل تدفع الثمن، وبالتالي على الإعلاميين ووسائل الإعلام الجادة البحث في أسباب وتداعيات ذلك كله، وسبل حله ومواجهته، وإلّا فإن المهنة في خطر، وعملية بحث المشاهد والمتابع عن بديل لهذا الإعلام ستتواصل.. وقد يجدها، وقد وجدها بالفعل؛ إن كان من خلال منصات وسائل الإعلام الجديدة على الرغم من سلبياتها عليه وعلى المشاهد والمستخدم، بالإضافة إلى اقتحام الذكاء الاصطناعي الساحة، مما سيؤثر كله على مستقبل المهنة، ومستقبل العلاقة بين المرسل والمستقبل، فتتأثر عملية صناعة الرأي العام برمتها.
لقد تحدث كثير من الخبراء بأن الرأي العام في حرب غزة لعب دورا كبيرا في وقف هذه الحرب، وهذا الرأي العام جاء نتيجة عملية تراكمية لوسائل الإعلام والنخب، وهو أمر ينبغي تعظيمه وعدم تجاهله أو تحاشيه والتقليل منه، فتجاهله يعني تجاهل أدواته، وخسارة الأدوات ستلقي بتداعيات كبيرة اجتماعية واقتصادية وسياسية على المرسل بشكل عام، وهو أمر معني به بشكل أساسي وفعلي واستراتيجي؛ الإعلامي والمؤسسات الإعلامية الجادة التي كانت على الدوام أمينة وحارسة لهذه المهنة المهمة في صناعة الرأي العام، وتشكيل وصياغة القناعات والتوجهات.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإعلام غزة الفلسطينيين إسرائيل إسرائيل فلسطين غزة الإعلام انحياز مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وسائل الإعلام الرأی العام
إقرأ أيضاً:
كيف تناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية فشل اعتراض صاروخ حوثي استهدف تل أبيب؟ (ترجمة خاصة)
تناولت الصحف العبرية، الهجوم الصاروخي الذي نفذته جماعة الحوثي فجر اليوم السبت واستهدف تل أبيب (وسط إسرائيل) مخلفا نحو 30 جريحا، حسب الإحصائيات الأخيرة.
وسلطت تلك الصحف في مجمل تغطيتها التي رصدها وترجمها "الموقع بوست" الضوء على فشل جيش الدفاع الإسرائيلي في اعتراض تلك الصاروخ.
واستيقظت تل أبيب فجر اليوم السبت على دوي صفارات الإنذار، أعقبها انفجار كبير، للصاروخ التي فشلت كل دفاعات جيش الاحتلال اعتراضه مخلفا حفرة عمقها عدة أمتار.
وقال الجيش الإسرائيلي إن محاولات اعتراض صاروخ قادم من اليمن فشلت بعد فترة وجيزة من انطلاق صفارات الإنذار وسط إسرائيل.
وأعلن الإسعاف الإسرائيلي حينها إصابة 16 شخصا جراء سقوط صاروخ على تل أبيب أطلق من اليمن. وكانت الجبهة الداخلية الإسرائيلية أعلنت تفعيل صافرات الإنذار في تل أبيب.
وتحدثت هيئة البث العبرية عن تحقيق لسلاح الجو الإسرائيلي لإجراء عدة محاولات اعتراض فاشلة لتلك الصاروخ، وسقط في تل أبيب في الطبقتين العليا والسفلى من الغلاف الجوي.
وحسب سلاح الجو الإسرائيلي فإن التحقيق الأولي الذي أجراه بعد رصد الصاروخ الباليستي، تم تفعيل حالة التأهب في المنطقة الوسطى التابعة للجيش الإسرائيلي، مشيرا إلى أنه تم إطلاق صواريخ اعتراضية في الطبقة العليا من الغلاف الجوي أخطأت الهدف خارج حدود إسرائيل.
وأفاد "تم إطلاق صواريخ اعتراضية باتجاه الصاروخ، في وقت لاحق وهذه المرة في الطبقة السفلية من الغلاف الجوي، والتي أخطأت الهدف أيضا". لافتا إلى أن نظام الدفاع الجوي في إسرائيل يعمل على شكل طبقات ويسمى "نظام الدفاع متعدد الطبقات".
وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع، إن الجماعة "قصفت هدفا عسكريا في مدينة يافا المحتلة (تل أبيب) بصاروخ باليستي فرط صوتي ردا على القصف الإسرائيلي لليمن والمجازر المستمرة في قطاع غزة".
ثغرة خطيرة
وفي السياق قالت صحيفة "معاريف" العبرية، إن الجيش الإسرائيلي يواجه صعوبة في التصدي لتهديدات الحوثيين في اليمن دفاعا وهجوما، مشيرة إلى أن الحوثيين يتسببون منذ أكثر من عام في أضرار جسيمة للغاية للاقتصاد الإقليمي بشكل عام وللاقتصاد الإسرائيلي بشكل خاص.
وذكرت الصحيفة أن الفشل في اعتراض الصواريخ والطائرات المسيرة للحوثيين خلال الأيام الأخيرة الماضية يكشف عن خلل كبير و"ثغرة خطيرة" في طبقات الدفاع الجوي الإسرائيلي المختلفة.
وأكدت معاريف أن إسرائيل غير قادرة على مواجهة تحدي الحوثيين من اليمن، وكان ردها ضعيفا على ذلك التهديد.
وأردفت "لم تكن إسرائيل مستعدة استخباراتياً وسياسياً لمواجهة تهديد الحوثيين من اليمن. ولم تضع خطة حقيقية ضدهم كما حدث في الشمال حيث قامت الحكومة الإسرائيلية منذ أكثر من عام بتطبيع إطلاق النار من لبنان".
تضيف "علينا أن ننظر إلى واقع الفقراء ونقول بصوت عال: إسرائيل غير قادرة على مواجهة تحدي الحوثيين من اليمن. لقد فشلت إسرائيل في مواجهة الحوثيين من اليمن. لقد استيقظت إسرائيل متأخرة جداً في مواجهة التهديد القادم من الشرق، وهي تجرها ضعفاً في ردها على التهديد.
وزادت "المحزن في الأمر برمته هو أن إسرائيل لا تبلور خطة حقيقية ضد التهديد القادم من الشرق.
وقالت معاريف "تمتلك إسرائيل أسطولاً من سفن الصواريخ والغواصات التي لا تُستخدم فعلياً لسبب ما ضد الحوثيين في اليمن. لدى إسرائيل قيادة "الدائرة الثالثة" داخل الجيش الإسرائيلي، والتي كان من المفترض أن تنسق الاستخبارات في المنطقة الشرقية وقدرات الهجوم. وفوق كل شيء، تمتلك إسرائيل سلاح الجو".
وترى أن "قصف خزان وقود أو بعض زوارق القطر القديمة في ميناء صغير في اليمن يشبه تماماً قصف الكثبان الرملية في غزة، أو موقع من الورق المقوى لحماس أمام ناحال عوز. ويجب على إسرائيل أن تتخذ قرارا حقيقيا للتصرف بشكل حاسم. ليس فقط في اليمن، بل أيضاً ضد القائمين على أنشطة الحوثيين والمبادرين إليها، والذين، على حد علم المخابرات الإسرائيلية، لا يتمركزون في صنعاء بل في طهران".
ماذا وراء سقوط الصواريخ في قلب البلاد؟
من جانبها صحيفة "والا" تطرقت إلى فشل منظومة الدفاع الإسرائيلي في اعتراض الصاروخ الباليستي القادم من اليمن.
وقالت الصحيفة إن الصاروخ الذي يناور بعد دخوله الغلاف الجوي، وهو من اختراع الأميركيين والروس من أيام الحرب الباردة، يشكل تحدياً مختلفاً.
وحسب الصحيفة فإن المناورة تهدف إلى تعطيل تحديد نقطة التأثير، وقدرة الصواريخ الاعتراضية على إصابة الصاروخ الباليستي. سيتوقعون أن يستمر الصاروخ في مسار معين، وبعد أن يكونوا في الجو بالفعل سيتبين لهم أنه تحول في اتجاه مختلف، ولن يتمكنوا من ضربه، بسبب السرعات الهائلة التي يتحرك بها الصاروخ. يتم الاعتراض عندما يطير كل من الهدف والمعترض بسرعة آلاف الكيلومترات في الساعة".
وذكرت صحيفة "والا" في تقرير لها تحت عنون: فشل الدفاع واستغربت الصواريخ أيضاً: ماذا وراء سقوط الصواريخ في قلب البلاد؟ "منذ فترة طويلة، يزعم الإيرانيون أنهم طوروا صواريخ باليستية ذات رأس حربي مناور قادر على خداع الدفاع الجوي الإسرائيلي. هل هذا ما تسبب في تفويت أنظمة الدفاع الليلة؟
وأضافت "من المتوقع أيضًا أن يقدم وزير الدفاع ورئيس الأركان وقائد القوات الجوية إجابات للجمهور، وليس مجرد التقاط الصور في الحرم السوري في أودي عتصيون".
وتابعت "بعد اعتراض الهجومين الصاروخيين الإيرانيين في أبريل وأكتوبر، كان هناك شعور في المؤسسة الأمنية بأن نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي، الذي تم بناؤه باستثمار مليارات الدولارات، سيخلق بالفعل جدارًا ضد إيران. أُطلقت مئات الصواريخ على إسرائيل، وكانت الأضرار طفيفة، وكانت الوفاة الوحيدة في الشتات البدوي، في منطقة بلا حماية".
واستدركت الصحيفة العبية "الهجوم على رمات أفيل بالأمس، والهجوم على يافا هذا الصباح، يثيران مخاوف من أن الإيرانيين يعرفون أيضًا كيفية استخلاص الدروس من ساحة الاختبار الكبيرة والمستمرة التي كان علينا أن نوفرها لهم، سواء في عمليات الإطلاق من إيران نفسها أو في عمليات إطلاق متتابعة. الصواريخ القادمة من اليمن والتي تزودها إيران بالحوثيين".
تقول "بحسب التحقيقات الأولية، فقد تم تفعيل أنظمة الاعتراض الليلة، وفشلت الصواريخ الاعتراضية في اعتراض الصاروخ الذي أطلق من اليمن. الآن، يركز التحقيق الأكثر شمولاً الذي تجريه القوات الجوية بالتعاون مع مديرية الجدار بوزارة الدفاع وصناعة الفضاء الجوي ورافائيل على مسألة الخطأ الذي حدث بالضبط، وخاصة ما إذا كان حادثًا لمرة واحدة أم حادثًا جديدًا وجديدًا. سلاح يكسر قواعد اللعبة قدمه الإيرانيون للحوثيين".
ونقلت صحيفة "والا" في تقرير آخر لها عن سكان الحي، إن السقوط وقع أثناء عملية الإنذار، أثناء توجههم إلى الملجأ. وقال نسيم الذي يعيش في مخيم للاجئين: "وقع انفجار خطير ومخيف للغاية. استعدنا للنزول إلى الملجأ وفي الطريق إلى هناك سمعنا بالفعل انفجارا هز جميع نوافذ المنزل. قبل انتهاء الإنذار". مبنى بالقرب من التأثير.
وأضاف: "مع قليل من التأخير، كان من الممكن أن أكون في المنزل، وبهذه الطريقة لم يكن لدى أولئك الذين يعيشون في الطوابق العليا الوقت للوصول إلى الملجأ وكان من الممكن أن يصابوا. هذا غير منطقي".
تصعيد خطير
من جهتها وصفت صحيفة "جيروزاليم بوست" فشل اعتراض الصاروخ بالتصعيد الخطير وقالت "يُظهر أن إسرائيل لا تستطيع الجلوس مكتوفة الأيدي والسماح للحوثيين بالهجوم، كما كانت الحال لمدة عام وشهرين".
وأضافت "كما يُظهر أن الصور فوق جبل الشيخ مع المسؤولين الإسرائيليين وكبار القادة العسكريين الذين يعلنون النصر على ما يبدو ليست كافية لوقف الحوثيين، أو حماس، التي لا تزال تحتجز 100 رهينة".
وأوضحت أن إسرائيل تواجه أيضًا تحديات مع حزب الله. لم يعد الكثير من الناس إلى الحدود، لأن وقف إطلاق النار لمدة شهرين قد يكون هشًا. وهذا يوضح أن الشعور بالنصر الذي شعرت به إسرائيل قد يكون في غير محله.