إفلاس النظام العالمي
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
د. خالد بن علي الخوالدي
كنَّا نؤمن بأن النظام العالمي بكل تصنيفاته نظام غير عادل، وبه الكثير من المحاباة والكيل بمكيالين لصالح الدول الكبرى، أما اليوم فإننا نجزم بإفلاس الأنظمة العالمية كلها باستثناء النظام الخاص بحقوق الحيوانات والذي تُرفع له القبعة لدوره العظيم في رسم سياسات صارمة وقوية تحترم حقوق الحيوانات حول العالم.
هذه النتيجة الإفلاسية للأنظمة العالمية الخاصة بحقوق الإنسان أصبحت حقيقة واضحة وجلية ولا تحتاج إلى دليل أو برهان، فما يحدث في غزة قد فضح هذه الأنظمة وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة التي تقف عاجزة ومقيدة ومكبلة حتى عن الإدانة، ولم تحرك ساكنًا على جرائم الحرب التي تحدث بشكل يومي وتلزم الصمت إزاء العنجهية الصهيونية واستخدام الأسلحة المحرمة دوليًا واستهداف المدنيين الأبرياء، وهذا- لعمري- إفلاس ما بعده إفلاس ونظام عالمي ظالم وغير عادل.
لا أدري ما الجدوى من وجود هذه الأنظمة التي تنصر الظالم على المظلوم، وتساعد القوي على البطش والتنكيل بمن هو أضعف منه، وتجامل وتحابي وتفرض عقوبات دولية على من تشاء (روسيا مثالًا) وتصمت صمت الجبناء على من تشاء (المحتل الإسرائيلي نموذجًا).. إننا كشعوب نتنازل عن وجود الأنظمة العالمية المختلفة التي تقف عاجزة عن إحقاق الحق وإحلال السلام والضرب بيد من حديد على من تسول له نفسه المساس بحق الإنسان في الحياة بكرامة وعزة.
ما يحدث في غزة ليس دمارًا لهم وحدهم؛ بل دمار لنا جميعًا ودمار للثقة والأمل الذي كُنّا نرسمه للمنظمات العالمية المختلفة لإعادة الحياة إلى طبيعتها وتصحيح مسار الأحداث إلى نصابها، والمؤسف هو تشدق الأمم الغربية التي تدير كل المنظمات العالمية بمبادئ العدل والحق وحقوق الإنسان والتي لا تنطبق إلا عليهم وعلى من يحبون، وتهدم كل هذه المبادئ عندما يأتي الأمر على الأبنة المدللة وعلى من لا يسير على نهجهم ويستمع إلى حديثهم ويُخالف آراءهم.
إننا كشعوب عربية ومسلمة وكل أحرار العالم نختلف مع هذه المنظمات وندعو بصوت واحد إلى حق أهل غزة في الدفاع عن أرضهم ومقدساتهم وحقهم في العيش بأمان دون حصار أو تضييق، والكلمة في الأخير لنا نحن الشعوب حتى وإن دانت الأنظمة لهذه المنظمات وشجبت واستنكرت وأدانت، فردة فعل الشعوب الحرة في الدول الغربية كان لها تأثير أكبر على أحداث غزة من كل المنظمات العالمية، فهذه الشعوب خرجت في مسيرات مليونية لكسر القيود التي وضعتها حكوماتها لمنع التعبير عمَّا يحدث في غزة، ومنعت هذه الحكومات التي تعتبر نفسها ديموقراطية وتدعو إلى حرية التعبير مسألة حتى التعاطف مع أهل غزة عندما تعلق الأمر بالصهيونية العالمية.
علينا أن نقرأ الفاتحة على منظمات الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر وهيومن رايتس ووتش وغيرها من المنظمات التي اتضح عجزها وموتها السريري أمام آلة الحرب الإسرائيلية المحتلة، وعلى الدول الباحثة عن العدل تشكيل تكتلات جديدة تؤمن بقيمة الإنسان وحقه في الحياة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الفن كوسيلة للاحتجاج.. أداة فعّالة للتعبير عن الغضب وتغيير الواقع
على مر العصور، كان الفن وسيلةً قوية للتعبير عن الأفكار والمشاعر، ولكنه تجاوز هذا الدور التقليدي ليصبح سلاحًا مؤثرًا في الحركات الاجتماعية والسياسية. الفن لم يعد مقتصرًا على الجماليات أو التعبير الفردي فقط، بل أصبح أداة احتجاج تحمل رسائل حادة، مثيرة للجدل، وتلعب دورًا محوريًا في تغيير الواقع. من الرسومات الجدارية إلى العروض المسرحية، ومن الموسيقى إلى الأفلام الوثائقية، استُخدم الفن كسلاح سلمي في مواجهة القمع، الظلم الاجتماعي، والتمييز.
الفن والاحتجاج الاجتماعي: كيف يُحدث الفرق؟الفن قادر على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية ليخاطب الجماهير بشكل مباشر وعاطفي. في حين أن الكلمات المكتوبة أو الخطابات قد تكون محدودة بتأثيرها، فإن الفن يستطيع اختراق النفوس وإثارة التساؤلات بشكل يصعب تجاهله. على سبيل المثال، عندما تكون هناك رقابة على وسائل الإعلام أو قيود على حرية التعبير، يظهر الفن في المساحات العامة، كالجدران أو الشوارع، ليحمل صرخات المحتجين.
أحد أبرز الأمثلة هو فن الجرافيتي، الذي وُلد في أزقة المدن ليصبح صوت المهمّشين. في سبعينيات القرن الماضي، استخدمت حركات الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الفن لتسليط الضوء على قضايا العنصرية والتهميش. كان الفنانون السود، مثل كيث هارينغ وجان ميشيل باسكيات، يعبرون عن غضبهم من العنصرية من خلال رسومات تحمل رموزًا ومعاني عميقة.
الفن ضد الأنظمة القمعيةفي أماكن أخرى من العالم، واجه الفنانون أنظمة قمعية باستخدام أدوات بسيطة ولكن ذات أثر كبير. في أمريكا اللاتينية خلال فترة الديكتاتوريات العسكرية في السبعينيات والثمانينيات، ظهرت حركات فنية قوية مثل "فن المناديل البيضاء" في الأرجنتين، حيث كانت أمهات المفقودين يرتدين مناديل بيضاء ويعبرن عن معاناتهن برسائل فنية صامتة في الساحات العامة. كانت تلك المناديل رمزًا للمقاومة السلمية ضد اختفاء أبنائهن على يد الأنظمة القمعية.
وفي العالم العربي، شكّل الربيع العربي لحظة فارقة في استخدام الفن كوسيلة احتجاجية. فقد انتشرت الأغاني الثورية، مثل أغنية "إرحل" التونسية التي غناها المطرب الشاب حمادة بن عمر (الجنرال)، والتي أصبحت صوت الاحتجاجات في الشوارع. كما لعب فن الشارع دورًا محوريًا، حيث امتلأت الجدران برسومات تعبر عن الغضب والأمل في نفس الوقت، مثل رسومات الفنان المصري المعروف باسم "علاء عوض" التي أصبحت رمزًا للاحتجاج ضد الفساد.
الأفلام والمسرح: سلاح سلمي ذو تأثير عميقلم يقتصر الاحتجاج الفني على الشوارع، بل امتد إلى المسرح والسينما. في جنوب إفريقيا، خلال نظام الفصل العنصري، استخدم الكاتب المسرحي أثول فوغارد المسرح لتعرية الظلم الاجتماعي من خلال عروض تفاعل معها الجمهور بقوة. كما لعبت الأفلام الوثائقية دورًا كبيرًا، مثل فيلم "13th" للمخرجة آفا دوفيرناي، الذي يسلط الضوء على العنصرية الممنهجة في النظام القانوني الأمريكي.
الجدل حول الفن الاحتجاجي: حرية تعبير أم تهديد للنظام؟
رغم قوة الفن كوسيلة احتجاج، فإنه يثير الجدل حول حدود حرية التعبير. هناك من يرى أن هذا النوع من الفن يشعل التوترات الاجتماعية أو يهدد استقرار الأنظمة. في المقابل، يجادل المدافعون بأن الفن الاحتجاجي هو جزء من الحق الإنساني في التعبير، ويعتبرونه شكلًا سلميًا وضروريًا لمواجهة الظلم.
في الوقت الذي يحاول فيه بعض الأنظمة قمع الفنانين أو تجريم أعمالهم، يظهر التاريخ أن القمع غالبًا ما يزيد من إصرار الفنانين على الإبداع والتعبير. وهكذا، يبقى الفن أداة احتجاج لا يمكن إيقافها، وجسرًا يربط بين الأجيال والمجتمعات، حاملًا صوت المهمشين ودعوات التغيير.
في النهاية، يبقى السؤال: هل سيظل الفن وسيلة سلمية للتعبير عن القضايا العادلة، أم أنه سيتحول إلى ساحة مواجهة مع القوى المسيطرة؟ الإجابة على هذا السؤال متروكة للجماهير، وللفنانين أنفسهم، الذين أثبتوا مرارًا أن أصواتهم لا يمكن إسكاتها.