هدنة غزة.. لماذا الآن وليس التصعيد؟!
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
جمال بن ماجد الكندي
بعد 49 يومًا من معركة طوفان الأقصى، نستطيع تقسيم هذا الحدث الكبير إلى قسمين؛ الأول: المعركة التي بدأت بتوقيت فصائل المُقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بتاريخ 7 أكتوبر، عندما شنت المُقاومة الفلسطينية هجومًا على مستوطنات غلاف غزة وما فيها من مواقع عسكرية، وحققت المُفاجأة بالسيطرة على المواقع العسكرية وقتل عدد كبير من العسكريين الصهاينة وأسْرِهِم، واحتجاز عدد من المدنيين، والانسحاب بسلام إلى داخل غزة ومعهم غنائم الحرب، والتي مثلت فيما بعد ورقة المقاومة الفلسطينية من أجل "تبييض" سجون الاحتلال الصهيوني من الأسرى الفلسطينيين بكافة أطيافهم.
القسم الثاني من هذه المعركة بدأ بالعدوان الهمجي على قطاع غزة المحاصر تحت ذريعة أن "إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها"، وهذه العبارة راجت في بداية العدوان، لكنها سرعان ما تبخّرت وانقلب الرأي العام العالمي ضدها بسبب جرائم العدو الصهيوني في غزة، وانكشفت وحشيته بسقوط العدد الكبير من الشهداء والجرحى من المدنيين الذين راحوا ضحية هذا العدوان.
وفي هذا القسم الثاني من المعركة، بدأت الهدنة التي أُجبر العدو الصهيوني على قبولها. والسؤال هنا لماذا قبلها هذا الكيان، بينما قال رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو إن الحملة على غزة لن تتوقف حتى يتم تحقيق هدفين رئيسيين؛ وهما: تحرير الأسرى الصهاينة من مدنيين وعسكريين، والقضاء على حركة حماس في غزة. فلماذا الهدنة الآن وليس التصعيد؟!
للإجابة على هذا السؤال لدينا عوامل خارجية وداخلية، سارعت بقبول العدو الصهيوني لهذه الهدنة.
أولًا: العامل الخارجي: تكمن أهمية هذا العامل في كونه الضاغط على الكيان الصهيوني، وتمثل في ردة الفعل الدولية على جرائمه التي ارتكبها في غزة، فكانت ردة الفعل مفاجِئة لهذا الكيان وداعميه خاصة أمريكا، وتمثلت في المظاهرات الغربية المُنددة بالعدوان على غزة، وكان عنوانها البارز في الولايات المتحدة الأمريكية بمدنها المختلفة، وهذا ما أزعج الإدارة الأمريكية بأن يكون مركز المظاهرات العالمية في أمريكا، لذا شكَّل هذا الأمر ضغطًا كبيرًا على الإدارة الأمريكية، خاصةً وأن شعبية الرئيس الأمريكي جو بايدن بين فئة الشباب تقلَّصت، وهذا الأمر سوف يكون له تأثير عكسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في 2024.
لذلك تحول الضوء الأخضر الذي أُعطي للكيان الصهيوني لتحقيق أهدافه إلى مدة زمنية مُحددة وبعدها يُفرض على إسرائيل الدخول في هدنة، ومن العوامل الخارجية كذلك تنديد المنظمات الحقوقية والإنسانية بما تفعله إسرائيل في غزة، وضعف روايتها تجاه ما تقوم به من جرائم، وخاصةً السردية الهزلية لمسرحية مجمع الشفاء الطبي بأن تحته مقر القيادة الحمساوية وجميع أسرى معركة طوفان الأقصى في الممرات السرية لهذا المجمع! كل هذا الفشل كان أمام أعين المجتمع الدولي، لذلك قامت أمريكا بالضغط على ربيبتها لقبول الهدنة، والتي معناها حسب رأي بعض القادة العسكريين الصهاينة المتقاعدين هزيمة الجيش الإسرائيلي.
ثانيًا: العامل الداخلي: وينقسم إلى ثلاثة أقسام القسم الأول خسائر للجيش الإسرائيلي، والقسم الثاني المظاهرات المطالبة بتسريع رجوع الرهائن والأسرى الإسرائيليين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية، والقسم الثالث الخسائر الاقتصادية اليومية من تبعات الحرب على غزة؛ فبالنسبة لخسائر الجيش الإسرائيلي فالمعلن عنه لا يطابق الواقع، فعدد الآليات الصهيونية التي تمَّ تدميرها تدميرًا كليًا أو جزئيًا فاق 350 آلية، من دبابة وناقلة جند وجرّافة، وطبعًا هذه الآليات لا تتحرك بنفسها، ولكن يوجد بها جنود وهم بين قتلى وجرحى، ويكفي أن هناك تقارير من داخل الكيان الصهيوني بوجود أكثر من 1600 حالة إعاقة بسبب حرب غزة، وهذه الأعداد هي عامل ضاغط على الحكومة الإسرائيلية لقبول الهدنة.
القسم الثاني من العامل الداخلي هي المظاهرات ضد نتنياهو من أجل الإسراع في إرجاع الأسرى اليهود من المدنيين بأي وسيلة، وكانت وسيلة الهدنة هي الأسلم والأسهل والقصف الهمجي العشوائي من أجل استرجاعهم بالقوة كلف إسرائيل مقتل 60 منهم، وستكون هنالك تبعات سياسية على نتنياهو بسبب هذه الخسائر البشرية.
القسم الثالث من العامل الداخلي هي الخسائر الاقتصادية من وراء هذه الحرب؛ فإسرائيل اضطرت للاستدانة من أجل الحرب وبفوائد كبيرة، فالعدد الأكبر من جيشها هو من جنود الاحتياط، وهم من الطبقة العاملة في إسرائيل، وعندما يذهبون إلى الحرب تتعطل العجلة الاقتصادية فيها، وهو ما حصل في إسرائيل، فعامل الوقت كلما طال يقتل اقتصادها ويضعها في دائرة العجز المالي، وأما عند الجانب الفلسطيني فهو عنصر قوة، وورقة ضغط على هذا الكيان الغاصب، وتاريخيًا إسرائيل لا تستطيع تحمل عاملين في أي حرب تخوضها، عامل أعداد القتلى والجرحى، والعامل الآخر هو إطالة أمد الحرب وهما قد تحققا في حرب غزة، لذلك ذهبت إسرائيل مرغمة لقبول الهدنة.
هذه العوامل الخارجية والداخلية سرَّعت قبول إسرائيل للهدنة، ولكنَّ هناك عامل أهم منهما وأساسي، وهو الصمود الأسطوري لأهل غزة، ووقوفهم صفًا واحدًا مع مقاومتهم رغم ما أصابهم من قتل وتشريد وتدمير، والقتال البطولي لقوى المقاومة الفلسطينية في غزة.
الهدنة في غزة سوف تتبعها هدن مقبلة، والمفاوض القطري والمصري يعملان على وقف دائم لإطلاق النَّار وفق شروط المقاومة والتي بعد الانتهاء من تبادل الأسرى من النساء والأطفال من الجانبين سيفتح باب الأسرى العسكريين، وشروط قوى المقاومة الفلسطينية لإتمام هذه الصفقة التي سوف تحقق على الأرض معنى الانتصار الكبير لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة العزة في هذه المعركة، والعدو الصهيوني بات مهزومًا بعد كل التدمير الذي أحدثه في غزة، ولم يحقق أي مكسب عسكري، خاصة بعد أن أثبتت حماس سيطرتها على مجريات الحرب في غزة.
لذلك، بعد زعم الجيش الإسرائيلي سيطرته على شمال غزة خرجت الدفعة الثالثة من الرهائن المدنيين من شمال غزة وهذه انتكاسة عسكرية إسرائيلية تظهر ضعف استخباراتها وعدم تحقيق نتائج على الأرض فهذه غزة العزة مقبرة الغزاة.
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تأخر خمسة أشهر.. لماذا الإعلان عن تشييع جنازة نصر الله الآن؟
ينكبّ «حزب الله» راهناً على إنجاز الترتيبات المرتبطة بتشييع أمينَيه العامَّين السابقَين؛ حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، تشييعاً واحداً في 23 فبراير (شباط) الحالي.
اقرأ ايضاًويبدو واضحاً أن هدف الاستعدادات والتجييش هو ضمان مشاركة شعبية كبيرة في التشييع؛ الذي أقر عضو المجلس السياسي في «الحزب»، محمود قماطي، بأنّ القيادة تريده «استفتاءً شعبياً يثبت التمسك بالعهد والوعد، وتأكيداً على الالتزام بالمبادئ التي يمثلها (حزب الله)، وبقضية تحرير لبنان»، وذلك بعد حرب شرسة جداً شنتها إسرائيل على «الحزب» وأدت إلى مقتل العدد الأكبر من قياداته وتدمير هائل طال معظم مناطق نفوذه.
المشاركون في التشييع
وفي حديث عبر إذاعة «سبوتنيك» الروسية، أكد قماطي أن «التشييع سيجري وفق أكبر نسبة ممكنة من الترتيبات الأمنية والوطنية»، موضحاً أنه «ستكون هناك دعوات لشخصيات من الداخل اللبناني والخارج للمشاركة في التشييع؛ لأن السيد حسن نصر الله ليس فقط شهيداً على مستوى الوطن، بل على مستوى الأمة وحركات التحرر العالمية... وهو شخصية عالمية».
من جهتها، أفادت وكالة «مهر» للأنباء الإيرانية، الثلاثاء، بأن وفداً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية سيشارك بمراسم تشييع نصر الله في بيروت، من دون ذكر أي معلومات بشأن من سيترأس الوفد المشارك في المراسم.
سبب التأخير
وطُرحت علامات استفهام كثيرة عن سبب تأخير تشييع نصر الله؛ فدفنه سيحدث بعد نحو 5 أشهر من اغتياله.
وفي مقابلة لها تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي، ردت ابنة نصر الله؛ زينب، سبب تأخير تشييع والدها إلى «حرص قيادة (الحزب) على سلامة المشاركين في التشييع»، فقد أشارت إلى أن المراسم ستكون عقب انسحاب إسرائيل بشكل كامل من الأراضي اللبنانية «لتأمين أجواء أكثر أماناً».
كذلك قال قماطي إن «تاريخ 23 شباط (فبراير) هو تاريخ مهم لتثبيت تحرير لبنان أولاً»، عادّاً أن «المفروض أن يكون قد تحقق تحرير جنوب لبنان، وهو أمر ضروري للغاية، خصوصاً مع قرب شهر رمضان و(يوم القدس العالمي)».
وكانت الحكومة اللبنانية أعلنت موافقتها على تمديد موعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من القرى والبلدات التي لا يزال يحتلها؛ من 26 يناير (كانون الثاني) الماضي حتى 18 فبراير الحالي؛ أي قبل 5 أيام من الموعد المحدد لتشييع نصر الله وصفي الدين.
وكان الأمين العام الحالي لـ«حزب الله»، نعيم قاسم، هو الذي أعلن موعد التشييع، لافتاً إلى أن شعاره سيكون: «إنّا على العهد». ودعا إلى عدم إطلاق النار في التشييع، عادّاً أنه «عمل منكر وأذية للناس».
اغتالت إسرائيل نصر الله في 27 سبتمبر (أيلول) 2024 خلال وجوده في أحد الأنفاق تحت الأرض بالضاحية الجنوبية، ودُفن سراً وبشكل مؤقت. وبعد وقف النار في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي تردد وجود جثمان نصر الله في «روضة الشهيدين» بمحلّة الغبيري في ضاحية بيروت الجنوبية.
كذلك اغتيل صفي الدين بقصف جوي إسرائيلي في 3 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بعد تعيينه أميناً عاماً جديداً خلفاً لنصر الله.
ورجح الكاتب السياسي الدكتور قاسم قصير أن يكون تحديد 23 من الشهر الحالي موعداً للتشييع مرتبطاً بانتهاء مهلة الانسحاب، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «اختيار المدينة الرياضية موقعاً للتشييع هو لأنها تتسع لمئات الآلاف، وهي مكان يمكن ضبطه أمنياً». وأوضح، رداً على سؤال، أنه «لا شك في أن التشييع رسالة بشأن قوة (الحزب) الشعبية».
اقرأ ايضاًتوتّر في موقع الدفن
وكان قاسم في إطلالته الأخيرة أعلن أن دفن نصر الله سيكون بين طريقَي المطار القديمة والجديدة، وأن دفن صفي الدين سيكون في بلدته دير قانون النهر قرب مدينة صور في جنوب لبنان.
وشهدت المنطقة المخصصة للدفن توتراً أمنياً، الثلاثاء، بعد تدخل قوة من الأمن الداخلي، بمؤازرة عسكرية، استهدفت قطعة أرض تجري عليها عمليات بناء قرب المكان. وقال مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط» إن ما حدث هو «تنفيذ أمر قضائي لإزالة مخالفة من عقار متاخم للأرض التي تُعَدّ لدفن نصر الله» لافتاً إلى أن «الجيش آزر قوى الأمن الداخلي في هذه المهمة، وحين جرت محاولة للتصدي لتنفيذ الأمر القضائي، أُوقف 4 أشخاص».
Via SyndiGate.info
Copyright � Saudi Research and Publishing Co. All rights reserved.
يتابع طاقم تحرير البوابة أحدث الأخبار العالمية والإقليمية على مدار الساعة بتغطية موضوعية وشاملة
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن