عواصم - الوكالات
منذ انطلاق "طوفان الأقصى" في السابع من شهر أكتوبر 2023 تصدرت "كتائب عز الدين القسام" - الجناح العسكري لحركة المقاومة الفلسطينية حماس- محركات البحث والسوشيال ميديا ونشرات الأخبار ووسائل الإعلام حول العالم.

وعلى الرغم من وفاته قبل 88 عاماً، فإن اسم عز الدين القسام، المعروف أيضاً بـ"زعيم المجاهدين" عند الفلسطينيين، لا يزال يلمع في سماء العالم.

فمن هو عز الدين القسام؟

عز الدين القسام كان أحد أبرز المقاومين ضد الاحتلال البريطاني لفلسطين. ولعب استشهاده دوراً كبيراً في إشعال الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، وأصبح رمزاً للمقاومة الفلسطينية.

ومحمد عز الدين بن عبد القادر القسام، الملقَّب بعز الدين القسام، وُلد في بلدة جبلة السورية عام 1883، وقد هاجر جده من العراق إلى تلك البلدة.

قضى عز الدين القسام طفولته في جبلة، حيث تلقى تعليم القرآن والقراءة والكتابة والحساب في مدارس القرية. تلقى أيضاً تعليماً دينياً من والده، عبد القادر بن مصطفى بن يوسف بن محمد القسام، الذي كان من أعضاء الطريقة القادرية المرتبطة بالشيخ عبد القادر الجيلاني.

سافر القسام، وهو في سن 14 عاماً، مع شقيقه فخر الدين إلى الأزهر لدراسة العلوم الشرعية. وبعد سنوات من الدراسة، عاد بشهادة الأهلية. تركت هذه الفترة أثراً كبيراً على شخصية القسام، حيث تأثر بعلماء الأزهر مثل الشيخ محمد عبده، وكذلك بالحركة الوطنية النشطة التي كانت تناضل ضد الاحتلال البريطاني وكانت حاضرة في مصر بعد فشل الثورة العرابية.

بعد إتمام دراسته في الجامع الأزهر، قرر عز الدين القسام العودة إلى بلدته جبلة التي غادرها في عام 1896. وبعد وقت قصير من عودته، قرر السفر إلى إسطنبول، عاصمة الخلافة العثمانية، للاطلاع على أساليب تدريس الدروس المسجدية هناك. لكنه لم يمكث هناك طويلاً، وعاد مرة أخرى إلى جبلة في عام 1903، حيث قرر أن تكون نقطة انطلاقه.

وهناك بدأ عز الدين القسام بتدريس الأطفال في الصباح وتعليم الكبار في المساء، وأسّس مدرسة في عام 1912 لتعليم الأطفال والكبار على حد سواء. كما درس الحديث والتفسير في جامع إبراهيم بن أدهم، وبعد ذلك عُيّن موظفاً في شعبة التجنيد في جبلة. وعند انتهاء عمله، كان يعقد حلقات تعليمية في المساجد قدر الإمكان.

ثم عُيِّن عز الدين القسام خطيباً في جامع المنصوري، الذي كان واحداً من أبرز المساجد وسط المدينة. بفضل مهاراته وأسلوبه الجديد في خطابته، جذب الناس إلى المسجد من كل مكان. وشجعهم على التغيير، حيث كان مما قاله من على المنبر: "إن الله لا يغيِّر ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم، كونوا أعزةً كرماء، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، لا إيمان لمن رضي بالخنوع، واستكان للظلم، واستعذب العبودية للبشر". كان يدعو الناس لمحاربة الفقر والضعف والبؤس، ويحثهم على العمل والتعاون والمحبة والتضحية.

محاربة عز الدين القسام للاستعمار البريطاني والفرنسي

مقاومة الاستعمار الإيطالي في ليبيا والفرنسي في سوريا كانت من بين أهم التحديات التي واجهتها المنطقة في بداية القرن العشرين. ولعب عز الدين القسام دوراً بارزاً في هاتين المعارك.

بعد احتلال إيطاليا لليبيا عام 1911، خرج عز الدين القسام إلى الشوارع لجمع الناس وحثهم على الانضمام إلى صفوف المقاومة ضد الاحتلال الإيطالي. قاد التظاهرات الشعبية الداعمة لليبيا في مدن مثل جبلة واللاذقية والساحل وقرى أخرى. تمكن عز الدين القسام من تجنيد مئات الشباب وجمع المال والمواد اللازمة للمقاتلين المتطوعين وعائلاتهم، ونجح في إقناع السلطات العثمانية بتوفير وسائل نقل لهم إلى ليبيا.

بعد ذلك، جاء الدور على مقاومة الاستعمار الفرنسي في سوريا. بعد احتلال فرنسا لسوريا في عام 1918، دعا عز الدين القسام إلى رفع السلاح والجهاد ضد المستعمر الفرنسي. عمل على نشر الوعي وحث الناس على المقاومة في خطبه ودروسه. اشترى أيضاً الأسلحة ودرّب المجاهدين.

في إحدى خطبه، أعلن القسام أن الإنجليز كانوا سبب البلاء، ودعا إلى مقاومتهم وطردهم من فلسطين قبل أن يحققوا وعدهم لليهود. حذّر الفلسطينيين من التساهل فيما يتعلق بالهجرة التي كان اليهود يقومون بها إلى فلسطين.

نضال عز الدين القسام من حيفا

فرّ الشيخ القسام إلى فلسطين عام 1921، مع بعض رفاقه، بعد فشله مع عمر البيطار في ثورة جبل صهيون السورية (1919-1920). وقد صدر بحقه حكم بالإعدام غيابياً من الاحتلال الفرنسي.

استقر عز الدين القسام في مسجد الاستقلال في الحي القديم بحيفا، حيث استقبل الفقراء الفلاحين الذين نزحوا من قراهم. نشط عز الدين القسام بينهم في محاولة لتعليمهم ومكافحة الأمية التي انتشرت بينهم. كان يقدم دروساً ليلية ويزورهم بانتظام، وكان يحظى بتقدير ودعم الناس.

انضم عز الدين القسام أيضاً إلى المدرسة الإسلامية في حيفا ثم جمعية الشبان المسلمين هناك، وأصبح رئيساً للجمعية في عام 1926. خلال تلك الفترة، دعا عز الدين القسام إلى التحضير والاستعداد للجهاد ضد الاستعمار البريطاني، ونشط في دعوته العامة بين الفلاحين في المساجد في شمال فلسطين.

منذ وصوله إلى فلسطين، أدرك عز الدين القسام خطورة التهديد الصهيوني والدور الذي تلعبه سلطات الانتداب البريطاني في تعزيزه. دعا في خطبه إلى مواجهة المستوطنين اليهود "كأعداء وليس كمهاجرين أو ضيوف"، وانتقد السماسرة الذين يبيعون الأراضي لليهود.

ووراء المنابر، كان عز الدين القسام يستعد لقيادة أعمال سرية أكثر أهمية وخطورة. وعلى ضوء تجربته في الثورة السورية، كان يدرك أهمية التخطيط والتنظيم المحكم، وضرورة السرية لتجنب أي هجمات مبكرة من الاستعمار.

تشكيل العصبة القسامية الجهادية

تشكلت العصبة القسامية الجهادية بواسطة الشيخ عز الدين القسام في عام 1921 بعد وصوله إلى حيفا. وبدأ الشيخ عز الدين القسام بتطوير هذه الفكرة بعد عودته من زيارته للأزهر الشريف، حيث درس الشعب وعقيدته، وكذلك مخططات اليهود والبريطانيين لفصل فلسطين عن العالم الإسلامي. وعزّز القسام روح الجهاد في الشعب وبناء القاعدة التي ستساعده على رفع تنظيمه واختيار الأعضاء المناسبين.

قام عز الدين القسام بكل هذا بشكل سري لتجنب الاكتشاف من السلطات البريطانية والعصابات اليهودية. بعد اختيار أعضاء فريقه واختبارهم جيداً، بدأ في تنفيذ عمليات جهادية فردية قبل أن يعلن خروجهم للجهاد.

وتمكن عز الدين القسام من تشكيل خلايا سرية مكونة من مجموعات صغيرة لا تتجاوز خمسة أفراد. في عام 1932، انضم عز الدين القسام إلى فرع حزب الاستقلال في حيفا وبدأ في جمع التبرعات من السكان لشراء الأسلحة.

تميزت مجموعات القسام بتنظيم دقيق، حيث كانت هناك وحدات متخصصة للدعوة إلى الجهاد والاتصالات السياسية والتجسس على الأعداء والتدريب العسكري.

في عام 1931، بدأت العصبة القسامية في تنفيذ عمليات فدائية مثل الهجمات على المستوطنات الصهيونية وإعداد كمائن للمستوطنين. كان الهدف الرئيسي هو وقف الهجرة اليهودية، وكذلك مطاردة العملاء الذين يتجسسون لصالح المخابرات البريطانية للانتقام منهم. ومع ذلك، توقفت نشاطات المجموعة بعد فترة قصيرة بسبب تسريب بعض أسرار التنظيم إلى البريطانيين، واستمرت هذه الحالة المجمدة حتى نهاية عام 1935.

إعلان الجهاد العلني للقسام

في نوفمبري 1935، اضطر القسام لإعلان الجهاد، على الرغم من عدم استكمال استعداداته العسكرية بشكل كامل. اضطر إلى ذلك بسبب زيادة الهجرة اليهودية إلى فلسطين في ذلك الوقت وتوسعهم في الأراضي التي استولوا عليها.

فقد وصل عدد اليهود إلى فلسطين في عام 1935 إلى نحو 62000 يهودي، وامتلك اليهود في نفس العام مساحة تقدَّر بـ73000 دونم من الأراضي الفلسطينية. وجراء تشديد السلطات البريطانية الرقابة على تحركاته، قرر القسام الهرب إلى المناطق الريفية.

اغتيال عز الدين القسام

في 15 نوفمبر 1935، اكتشفت القوات البريطانية مكان اختباء عز الدين القسام في قرية البارد الريفية. ومع ذلك، تمكّن القسام و15 من أتباعه من الهروب إلى قرية الشيخ زايد. وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني، لاحقتهم القوات البريطانية، التي حاصرتهم وقطعت الاتصال بينهم وبين القرى المجاورة. وطالبت القوات القسام ورفاقه بالاستسلام، لكنهم رفضوا ودخلوا في اشتباك معها.

خلال المواجهة، قتل القسام أكثر من 15 جندياً بريطانياً، ودارت معركة متواصلة لمدة ست ساعات بين الجانبين. في نهاية المعركة في 20 نوفمبر، استُشهد الشيخ عز الدين القسام وبعض رفاقه، وجُرح واعتُقل الباقون.

استشهاد عز الدين القسام كان له تأثير كبير في اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى في عام 1936. وقد تحولت هذه الحادثة إلى نقطة تحول مهمة في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية في ما بعد.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: عز الدین القسام إلى عز الدین القسام فی إلى فلسطین فی عام

إقرأ أيضاً:

الحرب الإقليمية القادمة ودور حزب الله واليمانيين

يبدو أن حرب طوفان الأقصى لم تنتهِ بعد، وأن الهدنة الحالية هشّة وقابلة للانهيار. والواقع أن إسرائيل قد هُزمت في جبهات القتال واضطرت لرفع يديها استسلامًا وقبول شروط حركة حماس. ومع قبولها بهذه الشروط، أصبحت إسرائيل في وضعٍ أسوأ مما كانت عليه في 7 أكتوبر. ففي ذلك اليوم، شهد العالم كيف تخلخل الجهاز العسكري والأمني الإسرائيلي، وكيف تمكن المجاهدون الفلسطينيون من التوغل حتى حدود 1948، داخل إسرائيل وفي المعسكرات العسكرية والمراكز الأمنية والاستخباراتية السرية. لقد كانت هذه الحادثة صعبة جدًا على إسرائيل، التي تُعد كيانًا مصطنعًا ومؤقتًا، وتسببت في خسائر فادحة لها ولآبائها الاستعماريين.

ذلك لأن الأساس الأول والأهم لوجود الكيان المؤقت إسرائيل هو مسألة السكان، وهذه المسألة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمسألة الأمن. ومنذ تأسيسها، لم تستطع إسرائيل تحقيق استقرار أمني يضمن لها البقاء والتثبيت. فمنذ البداية، قام الاستعمار بجمع اليهود من مختلف بقاع العالم بوعد الأرض الموعودة وبشعارات تمتد من النيل إلى الفرات وإلى شوش وهمدان في إيران، وبوعد الأمن والحياة الأفضل، وأرسلهم إلى فلسطين لاحتلالها وإنشاء معسكر مؤقت يُسمى إسرائيل ليكون أداة استعمارية ضد شعوب المنطقة. وكلما زاد الأمن لليهود في الأراضي المحتلة، زادت هجرتهم إليها، ولكن كلما تراجع الأمن، زادت هجرة اليهود من الأراضي المحتلة إلى أوروبا وأمريكا أو أي مكان آخر.

وكان أحد أهم الشعارات والاستراتيجيات الكبرى التي اعتمدتها المقاومة خلال حرب طوفان الأقصى هو “التهجير بالتهجير”، وقد نجحت هذه الاستراتيجية إلى حد كبير. لقد تحطم وهم الأمن الذي كانت إسرائيل تحاول ترسيخه في الداخل والخارج لإقناع الصهاينة واليهود بعدم مغادرة الأراضي المحتلة. كما كانت تهدف لجذب اليهود والصهاينة من الخارج للاستثمار والاستقرار في الأراضي المحتلة. لكن هذا الوهم تحطم في 7 أكتوبر بصوتٍ دوى في أنحاء العالم، وأصاب المستوطنين المحتلين بالصدمة والذهول.

لقد وضعت هذه الواقعة إسرائيل في مأزق حقيقي، حيث تحطم وهم الأمن التام في أذهان العالم، وبالأخص في أذهان المجتمع الاستيطاني داخل إسرائيل. كما انهارت الثقة في الجيش والنظام الأمني في توفير الحماية للمجتمع المحتل. وقد هدد هذا الانهيار النفسي وجود إسرائيل ذاته، واضطرت إلى محاولة إعادة بناء هذه الثقة وإقناع المستوطنين بأنها لا تزال قادرة على حمايتهم. وفي مواجهة هذا الواقع، وضعت المقاومة الفلسطينية إسرائيل والاستعمار أمام خيارين لا ثالث لهما.

الخيار الأول:

أن تتجنب إسرائيل الدخول في حرب مع حماس والفصائل الفلسطينية، وتسلك طريق المفاوضات من أجل تحرير أسراها الذين أُسروا في 7 أكتوبر. وكان هذا يتطلب قبول شروط حماس للإفراج عن الأسرى وعودتهم إلى بيوتهم المغتصبة في الأراضي المحتلة.

الخيار الثاني:

أن تدخل إسرائيل في حرب مع الفلسطينيين وحماس، وتعد بتحرير الأسرى ونزع سلاح حماس وتدميرها.

ولكن كلا الخيارين كان صعبًا للغاية. فاتباع الخيار الأول، أي طريق المفاوضات بدون حرب، وقبول شروط حماس كان سيجعل إسرائيل تظهر بمظهر الضعف والهوان أمام العالم والمستوطنين. وهذا كان سيؤدي إلى موجة هجرة معاكسة وانهيار داخلي. أما الخيار الثاني، أي خوض الحرب، فكان أكثر صعوبة وكلفة، لأن الآلة الحربية والاقتصاد والبنية السياسية والاجتماعية لإسرائيل لا تملك القدرة على خوض حرب استنزاف طويلة الأمد. ونتائج الحرب أثبتت ذلك بوضوح، حيث عجزت إسرائيل عن تحقيق أي من أهدافها المُعلنة، واضطرت في النهاية للاستسلام وقبول شروط حماس.

والآن، مع قبول إسرائيل بالهدنة وقبولها بشروط حماس، عادت إلى نفس المأزق. فالرأي العام، داخليًا وخارجيًا، يعتبر إسرائيل مهزومة، وهذا يشكل تهديدًا خطيرًا لها. وإسرائيل أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تقبل بهذه الهزيمة وتتجنب استئناف الحرب، أو أن تبدأ الحرب من جديد على أمل تحقيق نصر قد يساعدها على إعادة بناء ما تهدم.

يعود السبب في نقض إسرائيل المستمر للهدنة في غزة ولبنان إلى ذات الإشكالية الأساسية. وقد أدركت المقاومة هذه الحقيقة، حيث صرح أبو عبيدة المتحدث باسم كتائب القسام قبل أيام قائلاً:

“إن مجاهدي حماس في حالة تأهب قصوى، ويتوقعون اندلاع الحرب مجددًا، وفي حال حدوث ذلك، سنحطم ما تبقى من كرامة الكيان الصهيوني وسنضاعف خسائره.”

وفي هذا السياق، كان الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، قد أكد مرارًا أن استمرار إسرائيل في انتهاك الهدنة ورفضها الانسحاب الكامل من لبنان سيقابل بحسم من قبل المقاومة، وأن حزب الله مصمم على إخراج الاحتلال من لبنان بشكل نهائي.

وكما جرت العادة، لا بد من التوقف عند سوريا، التي تعد محورًا مركزيًا واستراتيجيًا في الجغرافيا السياسية للصراع القائم في الشرق الأوسط. فقد بدأت الفوضى في سوريا عام 2011 من محافظة درعا ، وسرعان ما انتشر الصراع ليعم أرجاء البلاد. إلا أنه قبل أيام، ومع بدء هجمات المقاومة على السواحل الغربية لسوريا، شهدت درعا تطورًا لافتًا؛ إذ أعلنت مجموعة مقاومة جديدة عن نفسها، مؤكدة أن هدفها هو تحرير الأراضي السورية المحتلة من إسرائيل.

وفي الوقت ذاته، يواصل الاحتلال الإسرائيلي محاولاته للتقدم في سوريا. وأكد قادة الاحتلال أنهم يطبقون النموذج الأردني في سوريا عسكريًا وأمنيًا، ولن يسمحوا لسوريا بامتلاك قدرات عسكرية أو دفاعية. وتكشف مجريات الأحداث في المنطقة عن اقتراب اندلاع حرب كبرى في الشرق الأوسط خلال الربيع أو الصيف المقبل، ويبدو أن تجنب هذه الحرب بات أمرًا مستحيلًا.

في هذا الإطار، خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتصريح مثير حيث قال:

“كل من يحاول مهاجمة سوريا سيجد نفسه في مواجهة معنا. وسنقاتل دفاعًا عن إخوتنا السوريين في البر والبحر والجو.”

لكن من المؤكد أن أردوغان لم يكن يقصد إسرائيل بهذا التصريح، خاصة وأن الاحتلال الإسرائيلي كان حاضراً في سوريا منذ الأيام الأولى لسقوط دمشق، ولم يتحرك أردوغان حينها ضد هذا العدوان. ومن المرجح أن الاستخبارات التركية قد رصدت تحركات كثيفة للمقاومة داخل سوريا، أو أنها استنتجت من خلال تحليل التطورات أن الحرب قادمة لا محالة. وقد أكدت المجازر التي ارتكبها مقاتلو الجولاني بحق السكان العلويين في القرى والمدن الساحلية الغربية لسوريا وجود تحولات خطيرة تشير إلى أن سوريا باتت على أعتاب حرب إقليمية كبرى.

وفي هذا السياق، لم يكن الروس غائبين عن المشهد السوري، فهم طرف رئيسي في الصراع العالمي لإعادة تشكيل النظام الدولي. ومن أجل ترسيخ نفوذهم على السواحل الإفريقية -التي تحررت مؤخرًا من الهيمنة الغربية عبر سلسلة من الانقلابات- يسعون للبقاء بقوة على السواحل الغربية لسوريا وعلى البحر الأبيض المتوسط. وفي هذا الصدد، فتح الروس قاعدة “حميميم” الجوية في اللاذقية أمام موجات اللاجئين العلويين، في إشارة واضحة إلى استعدادهم للمشاركة في الحرب المقبلة.

ويعزز هذا السيناريو اللقاء الذي جمع ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص للشرق الأوسط وأفريقيا، مع قادة الجولاني خلال زيارته الأخيرة لسوريا. وبعد عودته إلى موسكو، توجه مباشرة إلى السفارة الإيرانية بدلًا من العودة للكرملين، وهو ما يعكس مستوى التنسيق العميق بين روسيا وإيران بشأن الملف السوري.

ولا يمكن تجاهل تصريحات ألكسندر دوغين، المفكر الروسي المقرب من الكرملين، الذي كان له تعليق حاد على موقف أردوغان، حيث كتب في تغريدة على تويتر بتاريخ 9 ديسمبر 2024 قائلاً:

“لقد كانت سوريا فخًا لأردوغان. لقد ارتكب خطأً استراتيجيًا وخان روسيا، وخان إيران أيضًا. وهو الآن محكوم بالفشل. بداية نهاية تركيا الكمالية قد بدأت. كنا حتى اليوم ندعمك، لكن من هذه اللحظة ستندم.”

تكشف هذه التصريحات أن إيران وروسيا لم تكونا غافلتين عن تطورات الميدان السوري منذ سقوط دمشق، بل كانتا تجهزان لخوض معركة استراتيجية حاسمة في سوريا والمنطقة.

كل المؤشرات تؤكد أن حربًا كبرى تلوح في الأفق، وأن على الجميع أن يكونوا على أهبة الاستعداد لمواجهة هذا الصراع الذي سيحدد مستقبل المنطقة بأسرها.

دور حزب الله واليمنيين في الحرب القادمة ودورهم في تحقيق الهدف الاستراتيجي للمقاومة

لا شك أن سوريا تعد من أهم المناطق الجيوسياسية والاستراتيجية في الصراع القائم، لكن لا ينبغي إغفال أن الهدف الأكبر لمحور المقاومة هو القضاء على إسرائيل وطرد الولايات المتحدة والاستعمار الغربي من المنطقة. وتأتي الأهمية الاستراتيجية لسوريا في سياق دعم هذا الهدف الكبير.

دروس من الحرب في أوكرانيا:

ما حدث في الحرب الروسية ضد الناتو والغرب في أوكرانيا أظهر أن الكلفة الباهظة للحرب على الولايات المتحدة لم تحقق أي فائدة تُذكر، وهو ما دفع الأمريكيين إلى التفكير في التخلي عن أوكرانيا لتجنب المزيد من الخسائر. وبالمثل، فإن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل قائم فقط على حماية مصالحها الاستعمارية وتحقيق المكاسب الاقتصادية والسياسية. ولذلك، فإن استراتيجية المقاومة يجب أن تتركز على إلحاق خسائر جسيمة بإسرائيل، بحيث تصل واشنطن وحلفاؤها إلى قناعة مفادها أن دعم إسرائيل أصبح عبئًا أكثر من كونه مكسبًا.

الواجبات الميدانية لحزب الله واليمنيين:

للوصول إلى هذه النتيجة، يجب على حزب الله والحوثيين (أنصار الله) تبني استراتيجية هجومية أكثر شراسة وفعالية، بحيث تشمل:

رفع سقف الهجمات بلا رحمة:

يجب أن يتجاوز نطاق الهجمات استهداف القواعد والمراكز العسكرية فقط، بل يجب أن تشمل المناطق السكنية المكتظة في قلب الكيان المحتل، حيث يتم استهداف الأبراج السكنية والمجمعات الكبرى داخل المدن الرئيسية.

هذا النوع من الهجمات سيؤدي إلى انهيار الروح المعنوية للمجتمع الصهيوني، ويعزز حالة فقدان الثقة بقدرة جيش الاحتلال ومنظومته الأمنية على توفير الحماية، مما يدفع بالمجتمع الصهيوني نحو الهجرة العكسية والخروج من الأراضي المحتلة.

استهداف البنية التحتية الحيوية:

يجب أن يكون ضمن الأولويات استهداف خزانات المياه، مصافي النفط، منصات الغاز، محطات توليد الكهرباء، والموانئ التجارية الكبرى في الأراضي المحتلة.

تدمير هذه المنشآت الحيوية سيؤدي إلى شلل اقتصادي واسع النطاق يصعب على الاحتلال وحلفائه من الغرب تحمّل تكاليف إعادة إعماره، مما يجعل الكيان في وضع اقتصادي منهار وضعيف.

الانتقال إلى استخدام الأسلحة الثقيلة:

يجب أن يعتمد حزب الله والحوثيون بشكل أساسي على الصواريخ الباليستية الثقيلة وصواريخ الكروز بعيدة المدى، بدلاً من الاكتفاء بالطائرات المسيّرة أو الصواريخ قصيرة المدى.

هذه الأسلحة المتطورة قادرة على إحداث دمار واسع النطاق في العمق الإسرائيلي وإحداث صدمة استراتيجية تقوض قدرة الاحتلال على الصمود أو الرد الفعال.

ضربات مركزة ومتواصلة:

استمرار وتيرة الهجمات بشكل متواصل ومتزامن بين جبهات لبنان واليمن وسوريا، بحيث يتم تشتيت قدرات الاحتلال وعدم منحه أي فرصة لإعادة ترتيب صفوفه.

الأثر الاستراتيجي المتوقع:

في حال تنفيذ هذه الاستراتيجية بنجاح، فإن الكيان الصهيوني سيتكبد خسائر اقتصادية وبشرية فادحة، وسيدفع الولايات المتحدة وبقية القوى الغربية إلى التفكير جديًا في التخلي عن إسرائيل كما تخلوا عن أوكرانيا.

انسحاب أمريكا من دعم الكيان المحتل سيكون بداية النهاية للمشروع الصهيوني في المنطقة، حيث سيتسارع انهيار الاحتلال وسيتعزز دور المقاومة في تقرير مصير المنطقة بعيدًا عن هيمنة الاستعمار.

التوصية الأساسية:

على حزب الله واليمنيين وبقية فصائل المقاومة أن يتخذوا قرارات جريئة وحاسمة تتناسب مع متطلبات الحرب القادمة، مع ضرورة الانتقال إلى تكتيكات هجومية متطورة تستهدف العمق الإسرائيلي بلا هوادة. هذه هي المعركة الحاسمة التي ستحدد مستقبل المنطقة بأسرها.

كاتب ومحلل ايراني

 

مقالات مشابهة

  • ترامب: زعيم تنظيم "داعش" في العراق قُتل اليوم
  • تعرف على المخاطر الصحية الجسيمة التي يتعرض لها من ينامون أقل من 8 ساعات يوميا
  • فلسطين.. آليات الاحتلال تطلق قذائف صوتية نحو المناطق الغربية لمدينة رفح الفلسطينية
  • مشاركة المقاومة الشعبية
  • ترامب: لدي علاقة رائعة مع زعيم كوريا الشمالية
  • تعرف علي قائمة منتخب فلسطين في تصفيات العالم
  • الجبهة الشعبية : موقف شجاع يجسد عمق التضامن اليمني مع فلسطين
  • الحرب الإقليمية القادمة ودور حزب الله واليمانيين
  • تحليل معمق- زعيم الحوثيين يقود “محور المقاومة” الخارج عن الخدمة  
  • قائد في أمن المقاومة .. ضبط أجهزة تجسس مموهة