بوابة الفجر:
2025-01-24@23:02:49 GMT

أحمد ياسر يكتب: حرب غزة... تحديات وجودية للأردن

تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT

منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي دخلت الآن أسبوعها السابع، اتخذ الأردن موقفًا متطرفًا بشكل استثنائي في إدانة الهجوم... وقد اتهم الملك عبد الله ووزير الخارجية أيمن الصفدي إسرائيل علنًا بارتكاب جرائم حرب متعددة، ودعوا الغرب إلى التوقف عن اختيار كيفية وتوقيت تطبيق القانون الدولي.

 

ومع اشتداد الحرب، ضاعف الأردن جهوده ورفع الرهان، معلنًا أنه لن يوقع على اتفاق حاسم بشأن المياه مقابل الطاقة مع إسرائيل، بل وذكّر تل أبيب بأن معاهدة السلام التي مضى عليها 29 عامًا بين البلدين هي مجرد اتفاق سلام.

.

 

بمثابة قطعة من الورق يمكن وضعها جانبًا لتجميع الغبار.

 

ولم يقتصر الأمر على أن الملك كان صاخبًا في إدانته للحرب، محذرًا من أنها قد تخرج عن نطاق السيطرة وتتحول إلى مواجهة إقليمية، ولكن حتى الملكة رانيا، التي ليس لها أي دور سياسي، كانت صريحة بنفس القدر في الإشارة إلى الكارثة الإنسانية الكارثية...التي يعاني منها المدنيون في غزة، وخاصة الأطفال.... وزار الملك عبد الله عددا من العواصم الأوروبية وحث القادة على دعم وقف فوري لإطلاق النار. كما حذر من أن أي تهجير قسري لسكان غزة سيعتبر خطا أحمر بالنسبة للأردن.

 

وذهب رئيس الوزراء بشر الخصاونة إلى حد القول إن التهجير القسري للفلسطينيين سيكون بمثابة إعلان حرب...ولم يتم استخدام مثل هذه اللغة من قبل قط، على الرغم من أن العلاقات بين البلدين انتقلت من سيئ إلى أسوأ خلال العقد الماضي، وخاصة في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

استدعت الأردن هذا الشهر سفيرها في تل أبيب وسمحت لعشرات الآلاف من الأردنيين بالاحتجاج علنا، في جميع أنحاء البلاد، ليس فقط ضد إسرائيل ولكن أيضا ضد الولايات المتحدة، التي تعتبرها الغالبية العظمى هنا متواطئة في الحرب.

 

وبصرف النظر عن الفلسطينيين المحاصرين، في كل من غزة والضفة الغربية، فإن الأردن هو الذي سيعاني أكثر من غيره في النتيجة النهائية للحرب... التصور السائد في عمان هو أن إسرائيل لا تسعى إلى تدمير حماس ردًا على هجومها في 7 أكتوبر2023، بل تهدف إلى تغيير ديناميكيات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

 

وليس من الواضح إلى أي مدى ستذهب إسرائيل في عدوانها الحالي !!! ومتى ستضطر إلى التوقف... الاعتقاد السائد في عمان هو أن إدارة بايدن ضعيفة للغاية وضعيفة سياسيًا بحيث لا يمكنها أن تأمر نتنياهو وحكومته الحربية بوقف الحرب... وفي الوقت نفسه، ليس لدى المملكة المتحدة وبقية أوروبا أي نفوذ حقيقي على إسرائيل.

 

إن الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، والتي لا تعتقد عمان أنها ستدمر حماس، سوف تحقق أحد الأمرين التاليين، أو حتى كليهما.

 

  الأول: إنشاء منطقة عازلة في شمال غزة، وهي أرض قاحلة لن يعود سكانها السابقون إليها أبدًا.. وقد تم تحقيق ذلك بالفعل من خلال سياسة الأرض المحروقة التي طبقتها إسرائيل في معظم أنحاء مدينة غزة ومخيمات اللاجئين المجاورة لها.

 

  ثانيًا: بعد أن دمرت إسرائيل الشمال، فسوف تحول اهتمامها نحو الجنوب، حيث لجأ أكثر من 1.4 مليون من سكان غزة إلى المنطقة.... يمكنها إما أن تتركهم هناك أو تبدأ حملة قصف أخرى لإجبارهم على الفرار إلى سيناء... وحتى لو لم تفعل شيئًا، مع الحفاظ على سيطرتها على القدر الضئيل من المساعدات المسموح لها بالدخول عبر معبر رفح، فإن الوضع الإنساني سوف يتدهور على النحو الذي قد يضطر الملايين في نهاية المطاف إلى التوجه نحو مصر.

 

حتى الآن فإن عجز الغرب عن التأثير على نتنياهو وحكومته الحربية يجعل مثل هذا السيناريو ممكنًا مع حلول فصل الشتاء....وتصف وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة الوضع في جنوب غزة بأنه كارثي، ومع ذلك لا يُسمح إلا لعدد قليل من شاحنات الإغاثة بالمرور عبر معبر رفح.

 

ويثير مثل هذا السيناريو جميع أنواع الأعلام الحمراء بالنسبة للأردن.... عندما تحدث عدد قليل من الصهاينة اليهود القوميين المتطرفين عن كون الأردن "وطنًا فلسطينيًا بديلًا"، لم يأخذهم سوى عدد قليل منهم على محمل الجد... وكانت مصر قد وقعت للتو معاهدة سلام مع إسرائيل، وبعد عقد ونصف من ذلك، توصلت كل من منظمة التحرير الفلسطينية والأردن إلى اتفاقيات سلام منفصلة مع تل أبيب.. لقد أصبح حل الدولتين الصيغة الدولية المقبولة لإنهاء عقود من الصراع.

 

ولكن على مر السنين منذ ذلك الحين، قام المتطرفون في إسرائيل بتحرك بطيء من محيط السياسة الإسرائيلية إلى المركز... وتضاعفت المستوطنات اليهودية غير الشرعية عشرة أضعاف.... لقد خرجت عملية السلام عن مسارها، وبذل نتنياهو كل ما في وسعه لإضعاف السلطة الفلسطينية وتهميشها، في حين دعم حماس، التي تسيطر الآن على غزة.

في حين أن هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، كان لحظة فاصلة، فإنه جاء في مرحلة كانت فيها حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة تبذل قصارى جهدها لاختبار معاهدة السلام الأردنية الهشة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمستقبل الضفة الغربية والقدس الشرقية.

 

والآن يجد الأردن نفسه في موقف صعب... ولو نفذت إسرائيل خطة لتهجير الفلسطينيين في غزة، لكانت قد حدثت سابقة. ماذا سيكون التالي؟ وتشهد الضفة الغربية بالفعل غارات إسرائيلية يومية على مخيمات اللاجئين في جنين ونابلس وأماكن أخرى. 

 

ويجري الآن تطهير المنطقة (ج)، التي تشكل 60% من الضفة الغربية والتي ليس للسلطة الفلسطينية رأي فيها أو سيطرة عليها، من آخر تجمعاتها الفلسطينية القليلة.... المستوطنون المسلحون في حالة هياج.... ويقوم الجيش الإسرائيلي بتدمير البنية التحتية للمدن والمخيمات الفلسطينية.

 

ولا يمكن للأردن أن يسمح بالتهجير القسري للفلسطينيين من الضفة الغربية.... وهذا يشكل تهديدا واضحا ومباشرا لوجودها....وهي تستضيف بالفعل أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين.

وفي عهد نتنياهو، سعت إسرائيل إلى ترسيخ هوية الدولة كوطن حصري لليهود، حتى عندما جلبت هذه الخطوة وسمي الفصل العنصري، سواء داخل حدود عام 1948 أو خارجها.... لكن إسرائيل تواجه تحديًا ديموغرافيًا ووجوديًا..

وسواء حدث ذلك بالفعل أو سيحدث في غضون سنوات قليلة، فإن عدد غير اليهود بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط سوف يفوق عدد اليهود، تستطيع إسرائيل أن تبني المستوطنات وتقتل الفلسطينيين، لكنها ستخسر الحرب الديموغرافية حتمًا... وبالتالي، فإن الحل النهائي، كما يرغب اليمين المتطرف، هو الترحيل القسري.

 

وقد أدرك الأردن هذا الواقع، وأنه سيدفع ثمنه، إلى جانب مصر.... ويجب النظر في سيناريو النقل القسري، لأن الولايات المتحدة لا تملك أي نفوذ حقيقي لتطبيقه على نتنياهو....وهذا ما يفسر استعداد الأردن لوضع معاهدة السلام مع إسرائيل على المحك.....لكن ذلك يأتي بعد أن أصبح الأردن يعتمد بشكل شبه كامل على إسرائيل في الحصول على المياه والغاز الطبيعي. ولن يكون من السهل إيجاد بدائل.

 

ولا أحد يدري حقًا إلى أي مدى قد يذهب الملك عبد الله في تحدي الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة!!!! وفي إثارة استياء حلفائه الأميركيين والأوروبيين... ومما تم الكشف عنه حتى الآن، فإن الملك على استعداد للذهاب إلى أقصى حد ممكن لعرقلة خطط إسرائيل الشريرة في غزة وخارجها.

 

ويراهن الأردن على احتمال عدم السماح لإسرائيل بمواصلة حمام الدم الحالي في غزة لفترة أطول... لكن هذا خطر... ولا يبدو أن القادة الغربيين يملكون الأدوات، أو الإرادة، لتحدي نتنياهو في هذا الوقت....يترشح بايدن لإعادة انتخابه، ويتسابق خصومه الجمهوريون للتعهد بدعم أعمى للحرب الإسرائيلية في غزة.

 

بالنسبة للأردن، تبدو كل الخيارات صعبة.... وقد تذهب إلى حد إلغاء أو تعليق معاهدة السلام مع إسرائيل، لكن ذلك سوف يأتي بتكلفة باهظة، على الرغم من علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.... وفي الوقت نفسه، لا يمكنها أن تسمح بتكرار سيناريو غزة في الضفة الغربية.... إنها مسيرة خطيرة على حبل مشدود للأردن من الآن فصاعدا!!!

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: احمد ياسر غزة فلسطين اخبار فلسطين الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الاحتلال الاسرائيلي نتنياهو حماس طوفان الاقصي الحوثيون السلطة الفلسطينية الأسرى الإسرائيليين الاردن بايدن صحراء النقب الضفة الغربية معاهدة السلام الضفة الغربیة مع إسرائیل على غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

منى أحمد تكتب: تحديات الرئيس الـ47 للولايات المتحدة

جاءت قرارات الساعات الأولى لتولي سيد البيت الأبيض ، لتؤكد عزمه تنفيذ الوعود الاِنتخابية التى قطعها، منها المثير للجدل والمتعلق بملف الهجرة والجنسية وحقوق المواطنة ، زيادة التعريفة الجمركية مقابل الإعفاءات الضريبية ، بالإضافة إلي تعليق المساعدات الخارجية لمراجعتها والاِنسحاب من بعض الاِتفاقيات والمنظمات الدولية.

وحمل خطاب التنصيب رغبة حثيثة من الرئيس دونالد ترامب في طرح نفسه كصانع للسلام وموحد العالم ، لكن هل ينجح حقا فى تسوية الصراعات الموجودة على الساحة العالمية. 

يأتى إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية ليمثل التحدى الأكبر لتلك الرغبة، و التي يريد من خلالها أن تكون إرثا له ،وهو من أصعب الملفات الشائكة بالنظر إلى الوضع الراهن فى ساحة المعركة، ونظرا لتشابكها مع المصالح الأوروبية فهل يمتلك ترامب مفاتيح الحل فى هذا النزاع المعقد.

قد يرى ترامب أنه نجح فيما فشل فيه سابقه بالتوصل إلى اِتفاق تهدئة ووقف لإطلاق النار فى غزة ، لكنه فى الوقت نفسه لا يضمن استمراريته بإعترافه خلال حفل تنصيبه ، وتناقض يشكل ثانى أكبر تحدى يواجه الصورة الذهنية التى يحاول ترسيخها كصانع للسلام.

مسار القضية الفلسطينية  ثانى أكبر تحدى يواجه المنطقة العربية ، فخلال ولاية ترامب السابقة ،اِتخذت إدارته قرارات سياسية داعمة بشدة لإسرائيل ، كان أبزرها نقل السفارة الأمريكية للقدس و الإعتراف بها كعاصمة لإسرائيل فى تحد صارخ لحقوق الشعب الفلسطيني ، وهو ما آثار موجة اِستِنكار عربية.

ولم يكتف الجالس علي المكتب البيضاوي بهذا بل اعترفت إدارته بالوجود الإسرائيلي على مرتفعات الجولان السورية، وهو ما ينقلنا للحديث عن الوضع السورى ، و رغم تجاهل ترامب للأحداث الأخيرة بسوريا يثار تساؤل هام ، حول إمكانية اِتِّخاذ قرارات نافذة بشأن سوريا الجديدة ، خاصة بعد تصنيف إدارته السابقة لهيئة تحرير الشام التى ينتمى إليها أحمد الشرع كجماعة إرهابية  ،وتقاطعات تجيب عليها الأيام القادمة.
إيران واحدة من أكبر التحديات الكبرى التى تواجه واشنطن فى مجال السياسة الخارجية ، حيث شهدت الفترة الرئاسية السابقة لترامب توترات أفضت إلى اِنسحابه من الاِتفاق النووى خمسة- واحد, و فرض عقوبات اِقتصادية صارمة وهو ما ألقى بظلاله القاتمة على الاِقتصاد الإيراني، وهو ما تخشاه إيران حال  استمرار سياسات ترامب المتشددة  فهل يميل للتصعيد أم للتهدئة فى ظل متغيرات دولية وإِقليمية. 

ومع ذكر إيران لابد من الحديث عن حلفائها، و الذين تعرضوا لهزائم سياسية وميدانية فى سوريا ولبنان والعراق جراء الأحداث الأخيرة ، ولم يتبقى سوى التهديد الحوثى فهل تستمر الإدارة الأمريكية الجديدة في توجيه ضربات عسكرية لتدمير بنيته التحتية وصد هجماته التى تهدد الملاحة البحرية وإسرائيل. 

نقطة التقاطع فى المصالح الأمريكية الأوروبية أحد أهم الملفات التى تواجه ترامب، وتعود للطرح مرة أخرى وفى مقدمتها مستقبل حلف الناتو ، معاهدة الدفاع المشترك والإنفاق العسكرى فى ظل خلافات سابقة بين واشطن والحلفاء الأوروبيين خلال فترة الرئاسة الأولى لترامب.

وتشكل بكين تحدى أخر لترامب على خلفية الحرب التجارية وصراع النفوذ، فالتحدى الأبرز للهيمنة الأمريكية عالميا هو المنافس الصيني اللدود ،لذلك وعد ترامب بزيادة التعريفة الجمركية على المنتجات الصينية ، واِتخاذ عقوبات تجارية لكن هل يستطيع أن يكبح جماح التنين الصيني سياسيا و اِقتصاديا.

علاقات الإدارة الأمريكية سواء بجيرانها أوبحلفائها أومن خلال إستراتيجياتها  فى التعاطى مع العديد من القضايا  متوقعا لها أن تشهد الكثير من المفاجات التى ستحملها السنوات الأربع القادمة ، فى ظل شخصية مثيرة بتصريحاتها وقراراتها  ولا يمكن التنبؤ بأفعالها.

مقالات مشابهة

  • لبنان ينتظر اتصالات دولية للضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي التي دخلها 
  • نتنياهو يؤكد تأجيل انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان
  • تحديات واجهت الفنان إياد نصار في مسلسل ظلم المصطبة ضمن دراما رمضان 2025
  • إبراهيم النجار يكتب: إسرائيل.. ومرحلة تصفية الحسابات السياسية
  • د. محمد بشاري يكتب: غزة: معركة البقاء والصمود أمام مأساة متجددة
  • مصدر مطلع لـCNN: نتنياهو طلب موافقة ترامب على بقاء إسرائيل بمواقع في لبنان
  • منى أحمد تكتب: تحديات الرئيس الـ47 للولايات المتحدة
  • غزة تُطيح بكبار قادة إسرائيل.. ما مستقبل نتنياهو؟
  • أهداف فشل نتنياهو في تحقيقها من حرب غزة.. اعرفها
  • أخيرًا.. نتنياهو يجثو على ركبتيه!