أحمد ياسر يكتب: حرب غزة... تحديات وجودية للأردن
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي دخلت الآن أسبوعها السابع، اتخذ الأردن موقفًا متطرفًا بشكل استثنائي في إدانة الهجوم... وقد اتهم الملك عبد الله ووزير الخارجية أيمن الصفدي إسرائيل علنًا بارتكاب جرائم حرب متعددة، ودعوا الغرب إلى التوقف عن اختيار كيفية وتوقيت تطبيق القانون الدولي.
ومع اشتداد الحرب، ضاعف الأردن جهوده ورفع الرهان، معلنًا أنه لن يوقع على اتفاق حاسم بشأن المياه مقابل الطاقة مع إسرائيل، بل وذكّر تل أبيب بأن معاهدة السلام التي مضى عليها 29 عامًا بين البلدين هي مجرد اتفاق سلام.
بمثابة قطعة من الورق يمكن وضعها جانبًا لتجميع الغبار.
ولم يقتصر الأمر على أن الملك كان صاخبًا في إدانته للحرب، محذرًا من أنها قد تخرج عن نطاق السيطرة وتتحول إلى مواجهة إقليمية، ولكن حتى الملكة رانيا، التي ليس لها أي دور سياسي، كانت صريحة بنفس القدر في الإشارة إلى الكارثة الإنسانية الكارثية...التي يعاني منها المدنيون في غزة، وخاصة الأطفال.... وزار الملك عبد الله عددا من العواصم الأوروبية وحث القادة على دعم وقف فوري لإطلاق النار. كما حذر من أن أي تهجير قسري لسكان غزة سيعتبر خطا أحمر بالنسبة للأردن.
وذهب رئيس الوزراء بشر الخصاونة إلى حد القول إن التهجير القسري للفلسطينيين سيكون بمثابة إعلان حرب...ولم يتم استخدام مثل هذه اللغة من قبل قط، على الرغم من أن العلاقات بين البلدين انتقلت من سيئ إلى أسوأ خلال العقد الماضي، وخاصة في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
استدعت الأردن هذا الشهر سفيرها في تل أبيب وسمحت لعشرات الآلاف من الأردنيين بالاحتجاج علنا، في جميع أنحاء البلاد، ليس فقط ضد إسرائيل ولكن أيضا ضد الولايات المتحدة، التي تعتبرها الغالبية العظمى هنا متواطئة في الحرب.
وبصرف النظر عن الفلسطينيين المحاصرين، في كل من غزة والضفة الغربية، فإن الأردن هو الذي سيعاني أكثر من غيره في النتيجة النهائية للحرب... التصور السائد في عمان هو أن إسرائيل لا تسعى إلى تدمير حماس ردًا على هجومها في 7 أكتوبر2023، بل تهدف إلى تغيير ديناميكيات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وليس من الواضح إلى أي مدى ستذهب إسرائيل في عدوانها الحالي !!! ومتى ستضطر إلى التوقف... الاعتقاد السائد في عمان هو أن إدارة بايدن ضعيفة للغاية وضعيفة سياسيًا بحيث لا يمكنها أن تأمر نتنياهو وحكومته الحربية بوقف الحرب... وفي الوقت نفسه، ليس لدى المملكة المتحدة وبقية أوروبا أي نفوذ حقيقي على إسرائيل.
إن الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، والتي لا تعتقد عمان أنها ستدمر حماس، سوف تحقق أحد الأمرين التاليين، أو حتى كليهما.
الأول: إنشاء منطقة عازلة في شمال غزة، وهي أرض قاحلة لن يعود سكانها السابقون إليها أبدًا.. وقد تم تحقيق ذلك بالفعل من خلال سياسة الأرض المحروقة التي طبقتها إسرائيل في معظم أنحاء مدينة غزة ومخيمات اللاجئين المجاورة لها.
ثانيًا: بعد أن دمرت إسرائيل الشمال، فسوف تحول اهتمامها نحو الجنوب، حيث لجأ أكثر من 1.4 مليون من سكان غزة إلى المنطقة.... يمكنها إما أن تتركهم هناك أو تبدأ حملة قصف أخرى لإجبارهم على الفرار إلى سيناء... وحتى لو لم تفعل شيئًا، مع الحفاظ على سيطرتها على القدر الضئيل من المساعدات المسموح لها بالدخول عبر معبر رفح، فإن الوضع الإنساني سوف يتدهور على النحو الذي قد يضطر الملايين في نهاية المطاف إلى التوجه نحو مصر.
حتى الآن فإن عجز الغرب عن التأثير على نتنياهو وحكومته الحربية يجعل مثل هذا السيناريو ممكنًا مع حلول فصل الشتاء....وتصف وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة الوضع في جنوب غزة بأنه كارثي، ومع ذلك لا يُسمح إلا لعدد قليل من شاحنات الإغاثة بالمرور عبر معبر رفح.
ويثير مثل هذا السيناريو جميع أنواع الأعلام الحمراء بالنسبة للأردن.... عندما تحدث عدد قليل من الصهاينة اليهود القوميين المتطرفين عن كون الأردن "وطنًا فلسطينيًا بديلًا"، لم يأخذهم سوى عدد قليل منهم على محمل الجد... وكانت مصر قد وقعت للتو معاهدة سلام مع إسرائيل، وبعد عقد ونصف من ذلك، توصلت كل من منظمة التحرير الفلسطينية والأردن إلى اتفاقيات سلام منفصلة مع تل أبيب.. لقد أصبح حل الدولتين الصيغة الدولية المقبولة لإنهاء عقود من الصراع.
ولكن على مر السنين منذ ذلك الحين، قام المتطرفون في إسرائيل بتحرك بطيء من محيط السياسة الإسرائيلية إلى المركز... وتضاعفت المستوطنات اليهودية غير الشرعية عشرة أضعاف.... لقد خرجت عملية السلام عن مسارها، وبذل نتنياهو كل ما في وسعه لإضعاف السلطة الفلسطينية وتهميشها، في حين دعم حماس، التي تسيطر الآن على غزة.
في حين أن هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، كان لحظة فاصلة، فإنه جاء في مرحلة كانت فيها حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة تبذل قصارى جهدها لاختبار معاهدة السلام الأردنية الهشة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمستقبل الضفة الغربية والقدس الشرقية.
والآن يجد الأردن نفسه في موقف صعب... ولو نفذت إسرائيل خطة لتهجير الفلسطينيين في غزة، لكانت قد حدثت سابقة. ماذا سيكون التالي؟ وتشهد الضفة الغربية بالفعل غارات إسرائيلية يومية على مخيمات اللاجئين في جنين ونابلس وأماكن أخرى.
ويجري الآن تطهير المنطقة (ج)، التي تشكل 60% من الضفة الغربية والتي ليس للسلطة الفلسطينية رأي فيها أو سيطرة عليها، من آخر تجمعاتها الفلسطينية القليلة.... المستوطنون المسلحون في حالة هياج.... ويقوم الجيش الإسرائيلي بتدمير البنية التحتية للمدن والمخيمات الفلسطينية.
ولا يمكن للأردن أن يسمح بالتهجير القسري للفلسطينيين من الضفة الغربية.... وهذا يشكل تهديدا واضحا ومباشرا لوجودها....وهي تستضيف بالفعل أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين.
وفي عهد نتنياهو، سعت إسرائيل إلى ترسيخ هوية الدولة كوطن حصري لليهود، حتى عندما جلبت هذه الخطوة وسمي الفصل العنصري، سواء داخل حدود عام 1948 أو خارجها.... لكن إسرائيل تواجه تحديًا ديموغرافيًا ووجوديًا..
وسواء حدث ذلك بالفعل أو سيحدث في غضون سنوات قليلة، فإن عدد غير اليهود بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط سوف يفوق عدد اليهود، تستطيع إسرائيل أن تبني المستوطنات وتقتل الفلسطينيين، لكنها ستخسر الحرب الديموغرافية حتمًا... وبالتالي، فإن الحل النهائي، كما يرغب اليمين المتطرف، هو الترحيل القسري.
وقد أدرك الأردن هذا الواقع، وأنه سيدفع ثمنه، إلى جانب مصر.... ويجب النظر في سيناريو النقل القسري، لأن الولايات المتحدة لا تملك أي نفوذ حقيقي لتطبيقه على نتنياهو....وهذا ما يفسر استعداد الأردن لوضع معاهدة السلام مع إسرائيل على المحك.....لكن ذلك يأتي بعد أن أصبح الأردن يعتمد بشكل شبه كامل على إسرائيل في الحصول على المياه والغاز الطبيعي. ولن يكون من السهل إيجاد بدائل.
ولا أحد يدري حقًا إلى أي مدى قد يذهب الملك عبد الله في تحدي الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة!!!! وفي إثارة استياء حلفائه الأميركيين والأوروبيين... ومما تم الكشف عنه حتى الآن، فإن الملك على استعداد للذهاب إلى أقصى حد ممكن لعرقلة خطط إسرائيل الشريرة في غزة وخارجها.
ويراهن الأردن على احتمال عدم السماح لإسرائيل بمواصلة حمام الدم الحالي في غزة لفترة أطول... لكن هذا خطر... ولا يبدو أن القادة الغربيين يملكون الأدوات، أو الإرادة، لتحدي نتنياهو في هذا الوقت....يترشح بايدن لإعادة انتخابه، ويتسابق خصومه الجمهوريون للتعهد بدعم أعمى للحرب الإسرائيلية في غزة.
بالنسبة للأردن، تبدو كل الخيارات صعبة.... وقد تذهب إلى حد إلغاء أو تعليق معاهدة السلام مع إسرائيل، لكن ذلك سوف يأتي بتكلفة باهظة، على الرغم من علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.... وفي الوقت نفسه، لا يمكنها أن تسمح بتكرار سيناريو غزة في الضفة الغربية.... إنها مسيرة خطيرة على حبل مشدود للأردن من الآن فصاعدا!!!
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: احمد ياسر غزة فلسطين اخبار فلسطين الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الاحتلال الاسرائيلي نتنياهو حماس طوفان الاقصي الحوثيون السلطة الفلسطينية الأسرى الإسرائيليين الاردن بايدن صحراء النقب الضفة الغربية معاهدة السلام الضفة الغربیة مع إسرائیل على غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
تبديل العملة في السودان.. محاولة لضبط الاقتصاد وسط تحديات كبيرة (القصة الكاملة)
يشهد السودان مرحلة اقتصادية حرجة فرضتها تداعيات الحرب التي ألحقت أضرارًا واسعة بالاقتصاد الوطني، وأثرت بشكل مباشر على استقرار العملة والنظام المصرفي.
وفي خطوة تهدف إلى معالجة هذه التحديات، أعلن بنك السودان المركزي استبدال العملة الوطنية كجزء من حزمة إجراءات تهدف إلى استعادة الثقة في الاقتصاد وتحقيق الاستقرار النقدي، وسط جهود متواصلة لإعادة بناء ما دمرته الحرب.
من جانبه أكد محافظ بنك السودان المركزي، برعي الصديق، أن قرار استبدال العملة الوطنية جاء كإجراء حتمي لمعالجة الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الحرب، والتي شملت انتشار العملات المزيفة ونهب المخزون النقدي.
وأوضح أن القرار استند إلى دراسات دقيقة ونُفذ بالتنسيق مع الجهات الاقتصادية والأمنية، وبإشراف مباشر من مجلس السيادة الانتقالي، بهدف استعادة الثقة في النظام المصرفي وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.
جاء ذلك خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الاقتصادي الأول لمواجهة تحديات الحرب، الذي انطلق يوم الثلاثاء في العاصمة الإدارية بورتسودان.
تداعيات الحرب على الاقتصاد السودانياستعرض الصديق التأثيرات الكارثية للحرب على الاقتصاد السوداني، مشيرًا إلى تدمير البنية التحتية وتعطيل الأنشطة الزراعية والصناعية، ما أدى إلى خروج العديد من المنشآت الإنتاجية من الخدمة.
كما لفت إلى ارتفاع معدلات التضخم وزعزعة استقرار العملة الوطنية بسبب عمليات النهب الواسعة التي استهدفت فروع البنوك والبنك المركزي، بما في ذلك شركة مطابع السودان للعملة، وهو ما أسهم في انتشار العملات المزيفة وتهديد النظام المالي بشكل خطير.
سياسات لمعالجة الأزمة الاقتصادية
وكشف الصديق عن حزمة من السياسات التي أطلقها البنك المركزي للحد من تداعيات الحرب، ومن أبرزها:
ضبط استدانة الحكومة من الجهاز المصرفي للحد من العجز المالي.
ترشيد استخدام النقد الأجنبي لتحسين استقرار السوق.
إعادة تشغيل نظم الدفع المصرفية التي تعرضت للتوقف بسبب الحرب.
وأوضح أن هذه السياسات تهدف إلى إعادة بناء الاقتصاد الوطني تدريجيًا، وتحقيق الاستقرار النقدي.
رؤية للتعافي الاقتصادياختتم الصديق تصريحاته بالتأكيد على أن الجهود الحالية تمثل المرحلة الأولى من خطة تعافي الاقتصاد السوداني. ودعا إلى تكاتف كافة الأطراف الفاعلة لضمان تحقيق أهداف التنمية والاستقرار، مشددًا على ضرورة استمرار العمل الجاد لمعالجة التحديات العميقة التي خلفتها الحرب.
وأشار إلى أن البنك المركزي ملتزم بتطوير أدواته وسياساته لدعم استدامة الاقتصاد في المدى الطويل، وتعزيز ثقة المواطنين بالنظام المالي والمصرفي في البلاد.
كيف يُنفذ تبديل العملة؟سحب العملات القديمة: يتم تحديد فترة زمنية لسحب العملات القديمة من الأسواق وإبدالها بعملات جديدة.
التعامل مع المخاطر: لضمان نجاح العملية، تُصاحبها إجراءات أمنية مشددة لمنع التهريب وعمليات الغش أثناء تبديل العملة.
إدارة السيولة: توفر الحكومة آليات لمنع شح السيولة النقدية أثناء فترة التبديل.
التحديات المرتبطة بتغيير العملة في السودان1. التكلفة المالية العالية: طباعة عملة جديدة عملية باهظة التكلفة، خاصة في بلد يعاني من عجز مالي حاد.
2. ضعف البنية التحتية المصرفية: هناك مناطق واسعة في السودان تفتقر إلى بنوك أو مراكز مالية، مما يجعل عملية التبديل صعبة.
3. الآثار الاجتماعية: قد يؤدي الإجراء إلى تفاقم الأوضاع المعيشية لفئات معينة إذا لم يتم تنفيذه بحذر.
التجارب السابقة ومواقف الأطرافإجراءات محدودة: بعد الثورة، تم سحب فئات كبيرة من العملة لكن لم يُنفذ تبديل شامل.
الدعوات المستمرة: نادت بعض الجهات الاقتصادية والسياسية بضرورة الإسراع في تغيير العملة لمكافحة الفساد وضبط السيولة.
تحديات سياسية: الانقسامات السياسية والظروف الأمنية المعقدة تؤثر على اتخاذ قرارات اقتصادية جذرية مثل تبديل العملة.