ثنائية موسيقية نمساوية على المسرح الصغير بالأوبرا
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
تستضيف دار الاوبرا المصرية برئاسة الدكتور خالد داغر بالتعاون مع المركز الثقافي النمساوي بالقاهرة ضمن خطتها لعرض وتقديم مختلف اشكال الفنون العالمية حفلا للثنائي الموسيقى سونوما الذى يضم عازفتا الفيولينة والجيتار الشقيقتان ميرا وسارة جريجوريتش.
يقام الحفل في الثامنة مساء الخميس 30 نوفمبر علي المسرح الصغير، والذي يتضمن البرنامج مجموعة من أعمالهما الخاصة التي تتميز بمزيج فريد يجمع طابع الكلاسيكى والمعاصر والجاز الى جانب الوان متنوعة من الموسيقي في كيان مترابط.
يذكر ان الثنائي ميرا وسارة جريجوريتش نشأتا في بيئة موسيقية ، عزفتا الموسيقى فى سن مبكرة وعلى مدار 20 عاما اصبح لهما اسلوبا فريدا ومتميزا فى الاداء كما تحمل مؤلفاتهما الخاصة طابعا يمزج بين أنواع الموسيقى المختلفة ، اصدرتا أول ألبوماتهما عام 2021 وضم مجموعة من اعمالهما الخاصة ، قدمتا العديد من العروض فى النمسا بالاضافة لعدة جولات فنية بمختلف دول العالم .
دار الأوبرا المصرية، أو الهيئة العامة للمركز الثقافي القومي افتتحت في عام 1988 وتقع في مبناها الجديد والذي شُيد بمنحة من الحكومة اليابانية لنظيرتها المصرية بأرض الجزيرة بالقاهرة وقد بنيت الدار على الطراز الإسلامي.
ويعتبر هذا الصرح الثقافي الكبير الذي افتتح يوم 10 أكتوبر عام 1988هو البديل عن دار الأوبرا الخديوية التي بناها الخديوي إسماعيل العام 1869، واحترقت في 28 أكتوبر العام 1971 بعد أن ظلت منارة ثقافية لمدة 102 عاما.
ويرجع تاريخ بناء دار الأوبرا القديمة إلى فترة الازدهار التي شهدها عصر الخديوي إسماعيل في كافة المجالات، وقد أمر الخديوي إسماعيل ببناء دار الأوبرا الخديوية بحي الأزبكية بوسط القاهرة بمناسبة افتتاح قناة السويس، حيث اعتزم أن يدعو إليه عدداً كبيراً من ملوك وملكات أوروبا.
وتم بناء الأوبرا خلال ستة أشهر فقط بعد أن وضع تصميمها المهندسان الإيطاليان أفوسكانى وروس، وكانت رغبة الخديوي إسماعيل متجهة نحو أوبرا مصرية يفتتح بها دار الأوبرا الخديوية، وهي أوبرا عايدة وقد وضع موسيقاها الموسيقار الإيطالي فيردي لكن الظروف حالت دون تقديمها في وقت افتتاح الحفل.
وفقدمت أوبرا ريجوليتو في الافتتاح الرسمي الذي حضره الخديوي إسماعيل والإمبراطورة أوجيني زوجة نابليون الثالث وملك النمسا وولى عهد بروسيا.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: دار الأوبرا المصرية حفلات الأوبرا الخدیوی إسماعیل دار الأوبرا
إقرأ أيضاً:
كيف الخلاص من ثنائية العلمانية والإسلام السياسي؟
منذ التسعينيات وأنا أردد أن علينا- فكريًا وسياسيًا – وضع الخط الفاصل لا بين العلمانيين والإسلاميين، وإنما بين الديمقراطيين والاستبداديين، فالحرب الحقيقية في مجتمعاتنا ضد أنظمة الفساد والقمع تجمع في أرض الميدان- ويجب أن تجمع أكثر- بين الديمقراطيين أكانوا إسلاميين أو علمانيين في مواجهة الاستبداديين ومنهم علمانيون وإسلاميون.
تُرجمت هذه القناعة التي توصلت لها في الثمانينيات إلى برنامج عمل سياسي مهّد حكم الترويكا في تونس بعد انتصار ثورة الياسمين. قلّ من يعرف أو يتذكّر أن تحالف حزب النهضة الإسلامي وحزبي المؤتمر والتكتل – وهما حزبان علمانيان- كان نتيجة اجتماع مفصلي دعوت إليه في مدينة اكس بفرنسا سنة 2003، كل مناهضي الدولة البوليسية، وانعقد طيلة ثلاثة أيام، وتمّ فيه الاتفاق لأول مرة على العمل المشترك، وحتى على صياغة وثيقة كانت مسوّدة أهم نتاج الثورة: دستور 2014.
صحيح أن الحلف الثلاثي لم يصمد، لكن ذلك لم يحصل؛ بسبب خلافات أيديولوجية، فالنهضة لم تكشّر عن أنيابها حال وصولنا للسلطة لتطالب بتطبيق الشريعة، ولم أدخل كرئيس الدولة في تحالفات مع العلمانيين الراديكاليين للتخلص من النهضة. كان الخلاف سياسيًا محضًا حول التعامل مع بقايا النظام الاستبدادي.
إعلانأذكر أنني تحدثت في اللقاءات الثلاثة التي جمعتني بالرئيس محمد مرسي، بخصوص ضرورة تجاوز الثنائية الجدباء فوجدته مقتنعًا كل الاقتناع بأن الخط الفاصل هو فعلًا بين الديمقراطيين والاستبداديين، وأكد لي أنه سعى بكل جهد ليشرك علمانيين في الحكم لكنه جوبه بالرفض؛ لأنهم لم يتمكنوا من تجاوز برمجيات فكرية قديمة وضغائن مستحكمة.
قبل المواصلة لنحدّد عمّا نتحدّث.
***
سألني أحدهم عن تعريف بسيط للعلمانية، وقد استنكرت أنها تعني الإلحاد. قلت ممازحًا: طوفان من الكتب والمقالات عن ظاهرة فيها كم من مدارس متناقضة، وتريد مني تعريفًا وتلحّ على أن يكون بسيطًا!
فجأة مرّت أمامنا فتاة محجّبة، فقلت ممازحًا: العلمانية -على الأقل التي أوْمن بها- هي رفض فرض الحجاب بالقوة كما تفعل الدولة في إيران، ونزعه بالقوة كما كانت تفعل الدولة في تونس (عهد بن علي)، أو التضييق عليه وحتى منعه في أماكن الدراسة كما في فرنسا اليوم.
ثم عدت للجِدّ: لا تفهم ما العلمانية إن لم تعرف جذورها. إنها ثورة 1789 الفرنسية التي نشأت في عداء شديد للكهنوت الكاثوليكي؛ لأنه كان مع الأرستقراطية أحد ركني استبداد الملكية المطلقة التي قامت ضدها.
كما نكّلت هذه الثورة بالأرستقراطية بقطع 1119 رأسًا، منهم رأسا الملك والملكة، نكّلت بالكنيسة الكاثوليكية رهبانًا ومبانيَ مبلورة علمانية متطرفة، وكرههًا للكهنوت الرجعي المعادي للثورة يتحول إلى كره للدين نفسه. إنها العلمانية التي أخذها للأسف الكثير من مثقفينا خاصة في المنطقة المغاربية يخفون وراء كرههم للإسلاميين كرههم للإسلام.
لكن هذا الكُره هدأ تدريجيًا حتى في فرنسا ليعرّف قانون 1905 العلمانية بأنها حياد الدولة تجاه الدين – أي دين – حيث لا تضطهده، لكنها لا تبني عليه قوانينها وسياساتها. إنها العلمانية التي أتبناها ويمكن تلخيصها كالآتي: لا تدخل للسياسة في شؤون الدين ولا تفويض للدين في المعارك السياسية، كما يفعل ما يسمّى بالإسلام السياسي.
إعلانقال هل من تعريف واضح وبسيط للإسلام السياسي؟
قلت يا رجل اتقِ الله، طوفان من الكتب والمقالات في محاولة ضبط هذا المصطلح -المرفوض أصلًا من الكثير من الإسلاميين – وتريد مني تعريفًا بسيطًا. إنه هو الآخر طيف واسع من الأفكار والتصرفات يمتد من أقصى التشدّد والانغلاق إلى أقصى المرونة والتفتح. هكذا تجد فيه الداعين إلى قطع الأيدي ورجم الزانيات بعد صلاة الجمعة، كما تجد فيه الباحثين عن مدّ الجسور والتعامل البناء مع فكر العصر، البارحة الاشتراكية، اليوم الديمقراطية.
قال: قل ما القاسم المشترك بين كل مكونات الطيف وعليك الأمان.
قلت إجمالًا هو ادعاؤها أن مرجعية التشريعات والقيم التي تسعى لجعلها دعامة الدولة والمجتمع كلام الله، لا كلام البشر.
قال لماذا تقول إنها تدّعي. قلت لأن النص القرآني الذي هو مصدرها الأساسي لا ينطق إلا عبر بشر كثر يفسّرونه حسب ما يعتقدون- بصدق وأحيانًا حسب أهوائهم ومصالحهم- ومن ثمة كثرة وتعقيد وتناقض التنظيمات والمدارس الفكرية التي نضعها تحت نفس الاسم الفضفاض.
قال: في نفس السياق ما القاسم المشترك بين العلمانيين؟ قلت إيمانهم بأن كلام البشر كافٍ وحده لإرساء دعائم المدينة الفاضلة. لكن كلام البشر كما تعلم يذهب في كل اتجاه ومن ثمة لا تستغرب أن توجد علمانيات متطرفة ومعتدلة، علمانيات اشتراكية وليبرالية، علمانيات استبدادية وديمقراطية.
سأترك قضايا التعريف للمؤرخين والباحثين في العلوم السياسية، فهم أدرى مني بتشعّب الموضوع. ما يهمني كرجل سياسي هو الصراع الذي ورثته وأعايشه – وأساهم فيه – منذ أكثر من نصف قرن بين العلمانيين بكل مللهم ونحلهم، والإسلاميين بكل طوائفهم وشيعهم، وتأثير هذا الصراع على شعوبنا المنكوبة به.
***
آخر مظاهره خروج البعض في ساحة الأمويين بعيد انتصار الثورة السورية للمطالبة بدولة علمانية وانفجار غضب الأصوليين في وجوههم يذكرونهم بأن من يقرر هو المنتصر، وبالتالي سوريا ستكون إسلامية أحب من أحب وكره من كره.
إعلانثمة أيضًا بمناسبة الاحتفال بالذكرى الرابعة عشرة للثورة التونسية حادثة تجمّع النهضة وبعض العلمانيين الذين ما زالوا ينسقون معها أمام المسرح البلدي عند منتصف النهار.. وإصرار شظايا اليسار العلماني على التجمع في نفس المكان، لكن في الرابعة بعد الظهر لأن الاستقطاب العقائدي الفجّ ما زال سيد الموقف.
الأهم من هذه الأحداث الفلكلورية المحطات التاريخية الكبرى التي شهدت الانتصار المدوي أو الهزيمة المهينة لهذا الطرف أو ذاك.
قد يكون أهم انتصار للعلمانية في عالمنا الإسلامي الهجوم الكاسح الذي قاده كمال أتاتورك لاجتثاث كل التراث الديني لتركيا والذي وصل ذروته بإلغاء الخلافة سنة 1924.
نَهج بورقيبة على نفس السياسة سنة 1956 عبر إعلان مجلة الأحوال الشخصية بكل بنودها المعطلة للشرع الإسلامي، ثم بمناداته عبر ثلاث خطب في فبراير/ شباط 1960 بضرورة التخلي بكل بساطة عن ركن من أركان الإسلام ألا وهو صيام رمضان.
في الاتجاه المعاكس نجد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في فبراير/ شباط 1978 التي أنهت عقودًا من الصلف العلماني كما مثلّه حكم الشاه رضا بهلوي منذ 1941، أو تغلب الأحزاب الإسلامية في أفغانستان على كل الأنظمة العلمانية التي حاول السوفيات والأميركيون زرعها وآخرها انتصار طالبان سنة 2021.
أضف للقائمة إعلان زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي في يونيو/ حزيران 2014 في مدينة الموصل عن عودة الخلافة، حتى وإن لم تدم المغامرة الدموية طويلًا.
لا أحد يعرف هل سنشهد قريبًا في إيران انتصاب دولة علمانية على أنقاض الدولة الدينية، أو كيف ستتطور المعركة المحتدمة منذ قرابة قرن في بعض البلدان الإسلامية الأخرى، فكما قال أبو سفيان "يوم بيوم بدر وإن الأيام دول والحرب سجال".
كل ما نحن متأكدون منه أن المحاولة العلمانية كالإسلامية لتطويع المجتمع والدولة انتهت في الماضي، وستنتهي في المستقبل لنفس الفشل.
إعلان***
تتباين مظاهر هذا الفشل زمانًا مكانًا والسبب واحد. لماذا؟
يقول فرانسيس بيكون أبو العلم التجريبي: " أنت لا تملي إرادتك على الطبيعة إلا إذا أطعت قوانينها ". ما يصدق على العلم يصدق على السياسة. لكنّ المتطرفين من العلمانيين والإسلاميين يعتقدون أنه يمكن إملاء الإرادة على المجتمعات دون إطاعة القوانين التي تحكمها وحتى العمل ضدها.
من هذه القوانين:
كل مجتمع بشري مطالب بالتواصل مع ماضيه، وذلك بالمحافظة على عاداته وتقاليده ومعتقداته ضمانًا لاستقراره وإلا فإنها الفتنة والفوضى.هذا الشرط الأساسي للبقاء هو الذي يبلوره كمّ هائل من النظريات والمؤسسات والأشخاص يصفهم خصومهم بالمحافظين أو الرجعيين أو الظلاميين أو المتخلفين أو ما شئت من النعوت اللطيفة الأخرى!. كل مجتمع بشري مطالب لضمان مستقبله بالتحديث والتحيين المتواصلين لأفكاره ومؤسساته -أكان عن طريق الإصلاح المتدرج أو الثورة – حتى يمكنه مواكبة تحديات عالم لا شيءَ ثابتًا فيه، وإلا فإنه الانحطاط والاندثار.
هذا الشرط الأساسي للبقاء هو الذي يبلوره كمّ هائل من النظريات والمؤسسات وأشخاص يسمون أنفسهم بالتقدميين والحداثيين ويسميهم خصومهم بالمنبتين والتغريبيين وما شئت من النعوت اللطيفة الأخرى!. كل مجتمع بشري مطالب بتلبية الحاجتين الأساسيتين وإن تبدوَا متناقضتين لأنهما متكاملتان وضروريتان لكيف يحفظ المجتمع توازنًا لا يكون إلا بالتوفيق بين الثبات والحركة.
إنها حاجة السيارة التي تشق طريقها في مسار وعر للمسرّع والمكبح. إن أفرط السائق-وهو في قضية الحال النظام السياسي بالنسبة للمجتمع – في استعمال المكبح تأخرت السيارة عن بلوغ هدفها، وإن أفرط في استعمال المسرّع خاطر بحياته وبسلامة السيارة.
هذه البديهيات هي التي يجهلها أو يتجاهلها المتطرفون من الجانبين.
من تبعات هذا الجهل أو التجاهل ارتطام إرادة التغيير في الأنظمة العلمانية المتطرفة بمقاومة الجزء المحافظ من المجتمع. أما المسؤول عن هذه المقاومة السلبية الصامتة أو الصاخبة وأحيانًا العنيفة فليس "التخلف" و"الرجعية" و"الظلامية"، وإنما ضرورة الحفاظ على تواصل مجتمع لا حاضر ولا مستقبل له إلا وهو مرتكز على ماضيه.
إعلانأما في الأنظمة الدينية المتطرفة فخيار التوقف عند الماضي والتصادم مع الجزء المتحرك من المجتمع والمسؤول عن المقاومة ليس "الاغتراب" و"التبعية" و"التنكر للهوية والخروج عن الدين" وإنما ضرورة تحيين مجتمع لا نفع له من ماضيه إن لم يكن له مستقبل بالضرورة مختلفًا عن هذا الماضي.
عن خيار التعرض لإحدى الحاجتين الضروريتين ينتج عاجلًا أو آجلًا فشل هذا الطرف أو ذاك ثم يتجدد الدوران في نفس الحلقة المفرغة بعد تبادل الدورين.
لا شكّ أن أتاتورك تقلّب في قبره وهو "يرى" عودة الأتراك بقوة لكل ما حاول تخليصهم منه، وهو حسب رؤيته كان "تخلفهم الناتج عن تعلقهم بشرقيتهم وإسلامهم"، وذلك بوصول حزب العدالة والتنمية التركي للسلطة سنة 2002. من أبلغ رموز هذا الثأر التاريخي إلغاء القرار الذي اتخذه أتاتورك سنة 1934 بتحويل مسجد آيا صوفيا إلى متحف ليعود المتحف مسجدًا من جديد بقرار أردوغان سنة 2020.
لا شك أن بورقيبة هو الآخر تقلّب في قبره وحركة النهضة الإسلامية هي التي تفوز بأول انتخابات ديمقراطية سنة 2011، لأنه كان لها قاعدة جماهيرية لم تنجح علمانيته المأخوذة دون رويّة من تاريخ أمة أخرى في التأثير عليها إلا بصفة سطحية.
عن فشل قادة إيران وأفغانستان الحتمي في فرض أصوليتهم الدينية، لا شك أنهم لا ينامون قريري العين وهم واعون بتصاعد المقاومة الصامتة والصاخبة التي يلقونها من جزء متعاظم من المجتمع وخاصة النساء وكيف أن تحدّي بعضهن وصل لدرجة المشي بالثياب الداخلية احتجاجًا على فرض الحجاب بالقوة.
بعبارة أخرى قدر الخيار العلماني الارتطام دومًا بالجزء الذي نسميه المحافظ، واستحالة التخلص منه ومن مقاومته لأنه جزء هيكلي ثابت وقارّ في المجتمع.
كذلك قدر الخيار الأصولي الديني الارتطام دومًا بالجزء الذي نسميه الحداثي واستحالة التخلص منه، ومن مقاومته لأنه جزء هيكلي ثابت وقار في المجتمع.
إعلانأي حلّ للإمعان في محاولة إنجاح خيار لا يمكن له أن ينجح؟ طبعًا فرضه بالقوة أي بالاستبداد الذي سيضيف كوارث آلياته من عنف وفساد وظلم، لكارثة الخيار الأخرق؟
مجمل القول: لأن الشكل العلماني للاستبداد لا يفهم أنه لا يمكن لأي شجرة أن تنمو بفصل الجذع عن جذوره.. ولأن شكله الديني لا يفهم أنه لا يمكن منع الأغصان من النمو في أكثر من اتجاه بحثًا عن نور الشمس، فإن قدرَ الاستبداد لكسر المقاومة الطبيعية التي تولدها سياسته الحمقاء، حربٌ أهلية صامتة ضد نصف المجتمع تكلف هذا المجتمع غاليًا وغالبًا ما تنتهي بثورة هي الأخرى باهظة التكاليف.
***
للخروج من الثنائية العقيمة المتسببة في هذه الحرب الأهلية المزمنة تحرك العقل الجماعي بحثًا عن خيار ثالث.
تبلور هذا الخيار في البداية بانشقاق داخل الكتلتين المتصارعتين، تَرك على أقصى الطيف المتطرفين، ودفع إلى وسطه المعتدلين من الكتلتين ليبحثوا عن مخرج.
أي مخرج غير الديمقراطية؟ كيف لا وهي الأيديولوجيا الوحيدة التي تنطلق من الاعتراف بالتعددية المجتمعية والسياسية، ومن الإيمان بضرورة إدارة الصراع بين قوى المحافظة وقوى التغيير بصفة سلمية؛ لكي يتطور المجتمع بآليات الدفع تحت ضغط العلمانية، وبآليات الكبح التي تسهر عليها الأصولية الدينية.
نعم، ولكن.. حقًّا الاستبداد بتداول حكمه عبر شقيه العلماني والإسلامي هو المرض العضال لمجتمعاتنا.
حقًّا الديمقراطية هي دواءه الوحيد المتوفر حاليًا. لكن ماذا لو كان الدواء هو نفسه فاسدًا؟ كيف نداوي مريضًا بدواء قد يزيده مرضًا؟
ألا يعكف بقلق متزايد الكثير من المفكرين الديمقراطيين في كبرى الجامعات ومراكز البحوث على ظاهرة الانحسار المتسارع للديمقراطية في جلّ أماكن العالم وخاصة في أقدم معاقلها (البلدان الغربية)؟
ألا نلاحظ أن القوى الاستبدادية نجحت إلى قدر كبير حتى في الغرب في السطو على جلّ آليات الديمقراطية، ومنها الانتخابات لتطويعها بالمال الفاسد والإعلام الفاسد لتضليل الشعب الذي تدعي خدمته، وفرض مصالحها على مصالحه.
إعلانكيف لا ننتبه لخطورة مدّ الشعبوية والحركات اليمينية المتطرفة في هذا العصر، كالتي حملت هتلر سنة 1933 لسدة الحكم، وبفضل انتخابات لا أكثر منها ديمقراطية؟
كل هذا صحيح، لكن هل لنا من خيار آخر غير التمسك بالقيم والمبادئ الديمقراطية، وهي الوحيدة التي تضمن التوفيق بين المحافظة والتغيير؟ أليس من واجبنا تفحص آلياتها المعطوبة لنرى ما الذي يجب إصلاحه فيها لكيلا يحكم علينا أن نبقى ندور في نفس الحلقة المفرغة التي أنهكت شعوبنا ولا تزال تستنفد طاقات صراع لو وفرناها على أنفسنا لكنا من صنّاع التاريخ لا من ضحاياه؟
***
وللحديث بقية: هذه هي ديمقراطية عرب الواحد والعشرين
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline