المسلة:
2025-01-16@17:12:33 GMT

من النهر الى البحر

تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT

من النهر الى البحر

27 نوفمبر، 2023

بغداد/المسلة الحدث:

ابراهيم العبادي

كان من مضاعفات الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة الفلسطيني ،تكثيف المراقبة وتشديد المحاسبة على اصحاب الرأي الذين وقفوا الى جانب الحق الفلسطيني وتبنوا الشعار الذي ترفعه القوى الاسلامية عادة (من النهر الى البحر ).

في الولايات المتحدة الامريكية وفي دول غربية اخرى صار ترديد هذا الشعار في وسائل التواصل الاجتماعي ،يمثل موقفا معاديا للسامية ،وكل موقف صريح ضد السلوك الاسرائيلي تاريخيا اوحاضرا يصنف غربيا بانه (ضد السامية) يستدعي محاسبة مطلقه وربما فصله من عمله او اعتقاله .

عمليا تفسر السلطات في الغرب ترديد شعار من النهر الى البحر ،بأنه تكرار لموقف عربي قديم ، كان يرفض اي شكل من اشكال التعامل او الاعتراف بوجود الدولة العبرية ، ويصر على تحرير ارض فلسطين كلها من حدود نهر الاردن شرقا الى البحر المتوسط غربا .كان ذلك في ذروة الصعود القومي العروبي ،وكان من يتجرأ خلاف هذا التفكير يلاقي صنوفا من الرفض والتخوين والشتائم السياسية ،فالعرب عامة والفلسطينيون خاصة، رفضوا مبدئيا قرار التقسيم الذي اصدرته الامم المتحدة وتمسكوا بحق عودة اللاجئين ،ورفض الكثير منهم خطاب الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة عام 1965 في مدينة اريحا الفلسطينية الذي دعا فيه الى القبول بقرار التقسيم واقامة الدولة الفلسطينية على الجزء الذي بقي من ارض فلسطين .

بعد هزيمة حزيران العربية عام 1967 وافول نجم التيار القومي واقرار النظام السياسي العربي باستحالة تحرير فلسطين كلها ،حل التيار الاسلامي محل التيار القومي بالمطالبة بأزالة (اسرائيل )من الوجود , وعدم القبول بمعادلة الامر الواقع التي قبل بها النظام السياسي العربي ، و جعل محور سياساته تقوم على مبدأ ( الارض مقابل السلام) ،بمعنى اعادة الارض الفلسطينية المحتلة عام 1967 الى اهلها ، مقابل الاعتراف باسرائيل واقامة السلام وتطبيع العلاقات معها .الاسرائيليون هم من رفضوا اعادة الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة بموجب القرار الدولي 242 ،ومهدوا بهذا الموقف لانقسام سياسي حاد بين قوى اسلامية ترفض القبول بوجود اسرائيل ،وقوى غير اسلامية (قومية ووطنية )قبلت بهذا الوجود على امل اقامة دولة فلسطينية تنهي مأساة الشعب الفلسطيني ،المائز بين الرؤيتين الدينية ومقابلها ،ان الاولى جعلت الارض مركزا لايديولوجيتها في مقابل من جعل الانسان الفلسطيني مركزا لايديولوجيته السياسية ،الاولى ترى الصبر والانتظار والمقاومة لحين انهيار معادلات القوة الراهنة ومن ثم انهيار الكيان الصهيوني ،وهذه الرؤية ترتبط بتفسير للتاريخ وللخطاب القرأني والمستقبل الموعود ب (ظهور المهدي ونزول المسيح عيسى )، ولم يكن مستغربا ان يربط قادة عسكريون وخطباء دينيون وارباب خطاب اعلامي ، ماحدث في المعركة الاخيرة (طوفان الاقصى ) وبين تصورهم لنهاية التدافع السياسي والعسكري والمفاهيمي الجاري في منطقتنا ،فهنا معسكر للمقاومة يتبنى رؤية دينية -سياسية ،لاتعبأ بالمعادلات السياسية القائمة ولا تلقي بالا لما تفرضه العلاقات الدولية والاقليمية المستندة الى منطق القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية ،معسكر المقاومة يتبنى ستراتيجية (وحدة الساحات ) في مقابل مايسميه وحدة المعسكر المقابل ،ويدعو الى مراكمة النتائج تدريجيا والصبر على اشاعة ثقافة المقاومة اعلاميا وفكريا وتثوير الساحات الداخلية في الدول القائمة وتهديد المصالح الغربية خاصة الامريكية ومشاغلتها في عموم مساحات انتشارها لاسيما في العراق وسوريا والبحر الاحمر والخليج ،لاتتحدث الفصائل الاسلامية عن الاشكاليات التي تحدث في ساحاتها الداخلية ،حينما تتعارض افكارها وشعاراتها وايديولوجيتها مع الانظمة السياسية القائمة والتزاماتها القانونية وعلاقاتها الدولية ،ولاتريد الخوض في اشكاليات خطيرة مثل من (يملك قرار الحرب والسلام) ،في الدول القائمة ،فتخرج عن الموقف الرسمي وتتصرف بمفردها بناء على تفسيرها للوقائع والاحداث دونما حساب لارتدادات هذا الموقف على مصالح الشعوب والدول القائمة ،فالقضية عندها تتلخص في الشعار التاريخي (لاصوت يعلو فوق صوت المعركة )والمعركة في عرف وتفسير معسكر المقاومة هي المواجهة المستمرة .يمكن ملاحظة الجدل السياسي القائم حاليا في ايران والعراق ولبنان وداخل الساحة الفلسطينية وعموم المنطقة العربية للتأكد من اختلاف التصورات بين الرؤيتين ،رؤية معسكر المقاومة وبين الرؤية الموازية التي ترى ان الصراع في المنطقة الذي امتد لاربعة اجيال لم يقترب من الحسم،وان ادارة الصراع ماتزال موزعة بين اتجاهات عديدة لايحتكرها التيار الاسلامي وحده ،وان ستراتيجية وحدة الساحات تواجه تحديات جدية ،فالجمهورية الاسلامية الايرانية مثلا وجدت ان مصلحتها تقتضي عدم الانجرار وراء دعوات المشاركة في الحرب القائمة ،فيما ضبط حزب الله في لبنان مشاركته ضمن قواعد اشتباك لاتصل الى مستوى الحرب الشاملة .

ورغم اصرار القوى الاسلامية على شعارها الاثير (من النهر الى البحر ) لكن المساحة تضيق عمليا على من ينادي بذلك بعدما غدا حل الدولتين مورد توافق دولي ،وبدون هذا التوافق لن يكون للقضية الفلسطينية افق سياسي معقول في ظروف الصراع القائمة ،فالقوة المسلحة وحدها لن تحسم الصراع في ظل الواقع الدولي القائم على الدفاع المستميت عن (حق اسرائيل في الوجود !! )،مااعاق هذا الحل حتى الان هو التيارات الدينية المتطرفة واليمين الاسرائيلي الذي يرفع شعار من النهر الى البحر معكوسا ،فهذه التيارات ترفض وجود حق للشعب الفلسطيني على ارضه، وترى ان الحل يكمن باقتلاع الفلسطينيين من ارضهم وتهويدها بدعوى انها ارض اسرائيل التاريخية !!!!؟؟؟؟.وتنظر هذه القوى المتطرفة الى قيام دولة فلسطينية ذات سيادة بانها خطر داهم ،في مقابل هذه الرؤى المتشددة ،كانت هناك رؤية ترى ان حل الدولتين لن ينهي الصراع لاسباب دينية وهوياتية رغم امكانية تحققه عمليا ، بسبب الرفض الاسرائيلي والضعف العربي والانحياز الدولي الذي يمنع الضغط الفعال لانجازه عمليا ، وان الحل هو في قيام دولة علمانية يتعايش فيها اليهود والفلسطينيون على ارض فلسطين بحيث تتساوى فيها حقوق المواطنة والمشاركة في ادارة الدولة ،وهذا هو الحل الوحيد برأي دعاته للخلاص من هذا الصراع المستعصي .غير ان هذه الرؤية لم تنضج ولن تنضج قريبا حتى يقتنع الصهاينة والفلسطينيون بهذا الخيار الذي يحاربه الدينيون والمتطرفون واليمينيون على الجانبين .

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: من النهر الى البحر

إقرأ أيضاً:

هل انتصرت غزة؟

شهدت الأيام الأخيرة تصاعدا دراماتيكيا في الأحداث الميدانية في قطاع غزة، وعلى مائدة المفاوضات، سعيا لنهاية مرحلية لمعركة طوفان الأقصى، والأخيرة شكلت تحولا استراتيجيا في مسار الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، بعد أشهر طويلة من القتال العنيف؛ فالساعات الماضية كانت حبلى بالكثير من البوادر الإيجابية لنهاية هذه المواجهة الدموية، التي أظهرت القوة العظمى لإرادة الشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقوقه وأرضه.

"طوفان الأقصى" يمثل لحظة فارقة في التاريخ الحديث للمنطقة، كما فتح الباب واسعا أمام تساؤلات عميقة بشأن مستقبل "إسرائيل"، وفيما يبدو فإن الصراع المستمر في الأراضي الفلسطينية دخل مرحلة جديدة قد تحمل في طياتها مفاجآت وتحولات في المشهد السياسي والعسكري، سواء على الصعيد الفلسطيني أو الإسرائيلي، بل وعلى مستوى المنطقة بأسرها.

"طوفان الأقصى" لم يكن طفرة عسكرية، بل جاء كنتيجة حتمية في سياق تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، ومقدسات الشعب الفلسطيني في القدس، بالإضافة إلى الحملات العسكرية المتواصلة ضد قطاع غزة. في هذا السياق، قررت فصائل المقاومة في غزة، على رأسها حركة حماس إطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق غير مسبوقة في أدواتها وتكتيكاتها من أجل ردع الاحتلال، وتوجيه ضربة قوية قاصمة للجيش الإسرائيلي، وهو ما كان.

عندما نتحدث عن "انتصار غزة"، فإننا نتحدث عن صمودٍ أسطوري لشعب غارق في المعاناة والآلام، من حصار مستمر، وعدوان عسكري إسرائيلي متكرر، وخذلانٍ عربي، وتواطؤ غربي، فقطاع غزة -الذي يمثل نحو 1 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية- ليس مجرد رقعة جغرافية، بل هو رمزٌ للمقاومة، والإرادة التي لا تلين.

إذا كان النصر العسكري لا يتحقق في غزة بالحسم، بالنظر إلى تفاوت القوى العسكرية بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، فإن غزة انتصرت في صمود أهلها وثباتهم على أرضهم، وانتصرت في إرغام الاحتلال على الجلوس على طاولة المفاوضات، وانتصرت بإخفاء عشرات الأسرى الإسرائيليين لخمسة عشر شهرا دون معرفة مصيرهم
على مدار الأشهر الماضية، ارتكب الاحتلال عدوانا شاملا على قطاع غزة، حمل معه دمارا هائلا وآلاما كبيرة على الصعيدين الإنساني والمادي، رغم ذلك، ظل الشعب الفلسطيني في غزة يواجه تلك التحديات بثبات، مما أوجد نوعا من الإصرار على عدم الاستسلام، ما دفع الاحتلال للتراجع خطوتين للخلف. فالشعب الفلسطيني في غزة بمقاتليه وسكانه، أعطى العالم دروسا في الثبات، ومن أن إرادة الشعوب لا يمكن كسرها بسهولة.

إتمام اتفاق وقف إطلاق النار يحمل دلالات هامة على الصعيدين الإقليمي والدولي، فعلى المستوى الإقليمي، تعكس الصفقة قدرة القوى الفلسطينية على تعزيز وحدة الصف في مواجهة التحديات الميدانية والعسكرية، وهي بذلك تفتح الطريق أمام تحركات سياسية جديدة تسهم في الضغط على الاحتلال لتقديم المزيد من التنازلات.

إذا كان النصر العسكري لا يتحقق في غزة بالحسم، بالنظر إلى تفاوت القوى العسكرية بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، فإن غزة انتصرت في صمود أهلها وثباتهم على أرضهم، وانتصرت في إرغام الاحتلال على الجلوس على طاولة المفاوضات، وانتصرت بإخفاء عشرات الأسرى الإسرائيليين لخمسة عشر شهرا دون معرفة مصيرهم، رغم الاستعانة بطائرات التجسس الأمريكية والبريطانية على مدار الساعة في رصد تحركاتهم ومعرفة أماكن تواجدهم.

وانتصرت غزة حين أكدت المقاومة أنها باقية وتتمدد عكس ما كان يريد الاحتلال، في نهاية الأمر قد يكون السؤال الصحيح ليس "هل انتصرت غزة؟"، بل "متى سينتهي هذا الصراع ويُحقق للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة؟".

مقالات مشابهة

  • غرق طفلة مصابة بالتوحد في نهر دجلة قرب بيجي
  • القضية الفلسطينية على رأس أولويات القيادة السياسية.. القاهرة أفشلت مخطط إسرائيل
  • وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط سابقا: نأمل تنفيذ حلول إيجابية لإنهاء الصراع الفلسطيني
  • رئيس الوزراء الفلسطيني يدعو لتولي السلطة الفلسطينية إدارة غزة
  • رئيس الوزراء الفلسطيني يؤكد حق السلطة الفلسطينية وحدها بحكم قطاع غزة
  • رئيس الوزراء الفلسطيني: يجب ألا يحكم غزة غير السلطة الفلسطينية
  • عضو «العمل الفلسطيني»: سموتريتش يسعى لامتيازات مقابل تصويته لصالح الصفقة
  • تعرف على الطبيب الفلسطيني الذي يتمسك بمهمته الإنسانية رغم ساقه المبتورة (فيديو)
  • هل انتصرت غزة؟
  • «النهر الصناعي» يواصل إصلاح أضرار السيول بخطوط نقل المياه بين خليج السدرة وسرت