باحثون: العالم بحاجة لزيادة الإنفاق لمنع كارثة بيئية
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
تنبأ باحثو جامعة إمبريال كوليدج الإنجليزية بانخفاض "ميزانية الكربون المتاحة" (Remaining carbon budget) أو (RCB) مقارنة بالتنبؤات السابقة التي أجراها متخصصو المناخ.
وتشير نتائج الدراسة المنشورة بدورية "نيتشر كلايمت تشينج" (Nature climate change) إلى أن فرصة تجنب زيادة درجة حرارة الأرض عن معدل 1.5 درجة مئوية سنويا قبل العام 2030 لا تزيد عن 50%.
وقدَّر الباحثون انخفاض ميزانية الكربون المتاحة بنحو النصف منذ العام 2020، الأمر الذي يتطلب اتخاذ حكومات العالم قرارات سريعة بهدف تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ المتمثلة في عدم زيادة درجة حرارة الأرض عن درجتين مئويتين مقارنة بدرجات الحرارة المسجلة في عصر ما قبل الثورة الصناعية خلال القرن التاسع عشر، وبذل الجهد من أجل منع هذه الزيادة عن 1.5 درجة.
ولتحقيق هذين الهدفين ينبغي خفض كمية الانبعاثات الكربونية في أسرع وقت أملا في الحد من التغيرات المناخية التي أدت بالفعل إلى معاناة بعض الدول من ظواهر جوية متطرفة.
ميزانية الكربون المتاحة حتى العام 2029 لا تزيد عن 250 غيغاطنا (شترستوك) حسابات غير دقيقةحاول الباحثون المختصون في علوم المناخ خلال السنوات السابقة حساب كمية الانبعاثات الكربونية التي يمكن السماح بها مستقبلا دون الإضرار بالمناخ العالمي، وأطلقوا على هذه الكمية اسم ميزانية الكربون المتاحة.
وتنبأ تقرير سابق للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) في العام 2018، بأننا قد نستطيع تجنب اجتياز درجة حرارة الأرض معدل 1.5 درجة مئوية بنسبة 50% إذا لم تتخط الانبعاثات الكربونية 580 غيغاطنا من غاز ثاني أكسيد الكربون.
أما الدراسة الجديدة فتتنبأ نتائجها بأن ميزانية الكربون المتاحة لضمان تحقيق الهدف نفسه لا تتجاوز 250 غيغاطنا من غاز ثاني أكسيد الكربون.
وبناء على حسابات التقرير الصادر في العام 2018، كان من المتوقع أن تكفي ميزانية الكربون مدة 14 عاما حتى العام 2032 تقريبا. وبعد إعادة الحساب اكتشف باحثو إمبريال كوليدج عدم دقة التنبؤات السابقة، معلنين أن الميزانية المتاحة تكفي حتى العام 2029 تقريبا، وذلك إذا ثبت معدل الانبعاثات السنوي عند 40 غيغاطنا، وهو المعدل المسجل في العام 2022.
وبانتهاء ميزانية الكربون وعدم القدرة على تحقيق هدف "صافي صفر انبعاثات كربونية" (Net zero carbon emissions)، قد يتعرض العالم إلى تغيرات مناخية حادة يصعب السيطرة عليها. ويعني مصطلح "صافي صفر انبعاثات كربونية" أن كمية الغازات الدفيئة الناتجة من الأنشطة الإنسانية تكافئ الكمية التي نستطيع إزالتها من الجو.
وإلى جانب الانبعاث الكربوني وتأثير الغازات الدفيئة، قد ترتفع درجة حرارة الأرض بسبب بعض العوامل الطبيعية، مثل ذوبان الجليد، والتغير في دوران المحيطات. وفي المقابل تمتص الأغطية النباتية مثل الغابات، كمًّا كبيرا من ثاني أكسيد الكربون، مما يسهم في خفض درجات الحرارة.
العالم لا يتخذ خطوات كافية تضمن بقاء معدل زيادة درجة حرارة الأرض تحت 1.5 درجة مئوية (شترستوك) خطوات غير كافيةوفي البيان الصحفي المنشور بمنصة "يوريك ألرت" (Eurekalert)، أوضح الباحث الرئيسي في الدراسة روبن لامبول أن النتائج تؤكد عدم اتخاذ دول العالم خطوات كافية تضمن بقاء معدل زيادة درجة حرارة الأرض تحت 1.5 درجة مئوية. ويشرح لامبول هذه النتائج بالقول: إن "ميزانية الكربون المتبقية صغيرة جدا، وصرنا نمتلك أقل من عِقد واحد قبل انتهاء هذه الميزانية طالما ظلت نسبة تلك الانبعاثات مرتفعة كما هو الحال حاليا".
وأوضح الباحث أن الحد من الانبعاث الكربوني خلال السنوات القليلة القادمة والوصول إلى "صافي صفر انبعاثات كربونية"، قد يسهم في استقرار درجة حرارة الأرض عبر التأثير المتبادل للعوامل التي تزيد الحرارة وتلك التي تخفضها.
وللوصول إلى تلك الاستنتاجات استغل الباحثون بيانات الانبعاث الكربوني الصادرة حديثا، إلى جانب دراسة تأثير الغازات الأخرى -غير ثاني أكسيد الكربون- التي تسبب زيادة درجة حرارة الأرض، مثل الميثان، والاعتماد على نماذج حسابية دقيقة ومتطورة.
الاستغناء التام عن الوقود الأحفوري أمر غير واقعي (شترستوك) مزيج طاقةوفي حوار أجرته الجزيرة نت مع المنسق الوطني السابق للاتفاقية الإطارية لتغير المناخ في الأمم المتحدة الدكتور هشام السيد علي، أوضح صعوبة التأكد من صحة نتائج الدراسة الجديدة نظرا لاعتمادها على مجموعة من المعادلات المختلفة لا على قياسات فعلية.
وطبقا لرؤيته، أشار علي إلى أن الاستغناء التام عن الوقود الأحفوري أمر غير واقعي ويكاد يكون محض خيال، لأن توليد الطاقة المتجددة وتصنيع آلياته يستدعي استخدام الوقود الأحفوري. وبناء على ذلك لا يعد منع استخدام هذا الوقود حلا لمشكلة زيادة الانبعاثات الكربونية، إنما يكمن الحل في الاعتماد على "مزيج طاقة" (Energy mix) يجمع بين الوقودين الأحفوري والمتجدد، وهو الأمر الذي يحد من استخدام الأول ويعزز استغلال الثاني.
وبسؤاله عن مدى تأثر العالم العربي في حال فشل جهود الحفاظ على درجة حرارة الأرض، أوضح علي أن التغيرات المناخية أثرت في دول عربية عدة بالفعل مثل الجزائر وليبيا، وارتفعت درجات الحرارة في مصر ارتفاعا ملحوظا.
وأضاف: "قد تعاني المدن العربية الساحلية مخاطر متزايدة مستقبلا نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر، الأمر الذي قد يؤدي إلى غمر مناطق عدة بالمياه بما يعيق الحياة فيها، وقد تزداد حدة العواصف الرملية وترتفع درجات الحرارة ارتفاعا غير مسبوق، مما قد يسبب مخاطر عدة تتعلق بصحة الإنسان، وكفاءة الإنتاج الزراعي".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الانبعاثات الکربونیة ثانی أکسید الکربون درجة مئویة
إقرأ أيضاً:
فاتورة بيئية باهظة تكلفة وجبتك اليومية!
سأقدم لك وصفة لوجبة بسيطة ستسهم في تحفيز التفكير. ربما لن تكون شهية، قم بقطع الطماطم إلى شرائح كبيرة، وأضف عليها ما بين 5 إلى 6 ملاعق كبيرة من الزيت الذي تفضله. إن كمية الزيت هذه هي نفسها كمية وقود الديزل التي استُخدمت لوصول الطماطم إلى طبقك الشهي. طبعا يعتمد الأمر على المسافة بينك وبين مزرعة إنتاج الطماطم. توصل عالم البيئة «فاتسلاف سميل» إلى هذه العلاقة قبل عدة سنوات، وهو مؤرخ ومؤثر في مجال الطاقة، ويقترح استخدام زيت السمسم ذي اللون الغامق على السلطة للحصول على أفضل تأثير بصري. هدف هذا التشبيه هو تسليط الضوء على ارتباط الأغذية بشكل تام بالوقود الأحفوري، الذي يُستخدم في تشغيل آلات الزراعة، وصنع الأسمدة، وتدفئة البيوت الزجاجية الزراعية، وتشغيل السفن والمبردات، وحتى في الكهرباء التي تزود ثلاجاتنا بالطاقة الكافية للتبريد. طرح «فاتسلاف سميل» في كتابه الجديد «كيف نُطعم العالم» وجهة نظره هذه، مشيرا إلى أن الطاقة المستهلكة اليوم لإنتاج الطعام تكفي لإطعام 8 مليارات شخص وربما أكثر. وهذا يقودنا إلى أن نظام الإنتاج الغذائي غير كفؤ ويُعتبر هدرا للموارد، حيث يستحوذ إنتاج الغذاء على ثلثي مساحة الأراضي غير المغطاة بالثلوج، ويستهلك معظم كمية المياه الصالحة للاستخدام، كما يولد ما يعادل ثلث انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري في العالم. يُعد «فاتسلاف سميل» أحد أعضاء هيئة التدريس في جامعة «مانيتوبا» في كندا، وهو معروف بدراسة مجالات استخدام الطاقة الآن وكذلك على مر التاريخ البشري. ومع أن أكثر من 30 كتابا من كتبه ركزت على ما نأكله، مثل كتابه «إطعام العالم» الذي أصدره عام 2001، فإنه في كتابه الأخير يناقش المسألة ذاتها، واضعا بعض الحلول العلمية اللازمة لإطعام سكان العالم المتزايدين بشكل كبير، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 10 مليارات نسمة في غضون هذا القرن، من دون أن يتدمر الكوكب. وهذا ما يثير الكثير من الفضول لمعرفة كيف يرى «فاتسلاف سميل» العالم المستهلك للطعام، وما مصيره القادم. ولنعرف ذلك أجرينا معه هذا الحوار:
لماذا يشغل موضوع الطعام تفكيرك دائما ولماذا هو مهم بالنسبة لك؟ وما دافعك لتخصيص آخر كتبك حوله؟ كوني من علماء الطراز القديم، أرى أن كل شيء بالنسبة لي هو «طاقة»، وداخلي دائما يحمل هذا الهاجس. ربما الإجابة الأخرى على سؤالك تكمن في أن الطعام هو بالطبع «طاقة». أضيف إلى ذلك أنني طباخ طوال حياتي، لذلك تجدني في علاقة وثيقة مع الطعام. أما لماذا أعود إلى ذات الموضوع في أكثر من كتاب، فيرجع بشكل بسيط إلى أن موضوع الأكل أصبح يستقطب اهتماما كبيرا لكونه مهما للغاية هذه الأيام ومهددا للحياة، بما في ذلك الخطاب العلمي حوله.
وأصبح الموضوع متعدد الآراء، فهناك من يقول «سيموت الجميع مع حلول عام 2030»، وهناك من يقول «الذكاء الاصطناعي سيحل كل شيء». وفي كتابي الجديد أقول إننا لن نموت، ولكننا نواجه عددا من المشاكل، والأفضل لنا جميعا أن نحل بعضها. في كتابك الجديد نلاحظ أنك غير متفائل من بعض المقترحات المنتشرة حول تحسين نظام الغذاء العالمي، لماذا؟ هذا صحيح، فأحد أبسط الأمثلة هو مقترح أن يتحول الجميع إلى النظام الغذائي النباتي. هذا مقترح غير علمي أبدا، فالشعوب لن تصبح نباتية إلا إذا كان هناك أمر إلزامي، وما أن يزيد دخل الفرد حتى يزيد بشكل مباشر الإقبال على اللحوم. على سبيل المثال، الهند هي من أكثر الدول التي لا تأكل اللحوم، لكنها تشهد الآن زيادة في استهلاكها، فقد تزايد استهلاك اللحوم فيها خلال السنوات العشر الأخيرة. ومن المقترحات الأخرى الدعوة إلى تبني نظام الزراعة العضوية بالكامل، وهذا لن يحدث إلا إذا تولى 70 إلى 80% من سكان العالم توزيع السماد في المزارع. من دون ذلك، لن ينجح الانتقال إلى الزراعة العضوية بالكامل. هي حلول غريبة، ويعتقد أصحابها أنها بسيطة، لكنها لن تنجح بهذه الطريقة. إذن ما هي أبرز المواضيع المرتبطة بالغذاء ويجب أن يفهمها العالم بشكل أفضل؟ من أهم المواضيع هو ارتباط الإنتاج الغذائي بشكل أساسي بالوقود الأحفوري. بدون هذا الفهم، لن يكون هناك نظام غذائي سليم. فالوقود مرتبط بعدة أشياء، مثل الأسمدة والزراعة والآليات، كما هو مرتبط بالنقل عبر السفن والشاحنات. الموضوع مزدوج بين استخدام الوقود الأحفوري وإنتاج وتوزيع الغذاء. فكر معي في التوت الأزرق، على سبيل المثال. في السنوات الماضية، كان يأتينا في كندا من كولومبيا البريطانية (وهي محافظة في كندا). أما الآن، فنحن نحصل عليه من «البيرو»، لأنه يُزرع هناك على مدى العام على خط الاستواء. عندما ينتقل التوت إلينا قاطعا تلك المسافة، فإننا بذلك نحصل على القليل من القشرة والألياف، إلى جانب الكثير من الماء الذي يعادل 90%، وهذا الماء يمثل استهلاكا للطاقة وتأثيرا بيئيا. هذا أمر جنوني تماما. بعيدا عن الوقود الأحفوري والانبعاثات المرتبطة به، هل هناك قضايا أخرى تضر بالبيئة بسبب الإنتاج الغذائي؟ المكون الأساسي للأسمدة هو عنصر «النيتروجين». من أكبر المشكلات التي نواجهها هو استخدام النيتروجين بكميات كبيرة في أمور عديدة، ما يشكل تحديا كبيرا. فهولندا تسبح على النيتروجين، وكميات كبيرة منه لا تمتصه التربة ولا المحاصيل، ولم تستفد منه حتى الحيوانات. في مواقع أخرى، هناك نقص في النيتروجين، فعلى سبيل المثال، في بعض الدول الأوروبية يتم استخدام 10% فقط من النيتروجين المستخدم في أوروبا، لذلك نجد أن العديد من بلدان أفريقيا تعاني من مشكلة الأمن الغذائي. ولا يقل الماء أهمية عن النيتروجين، بل قد تكون مشكلة أكبر. المشكلة الحقيقية تكمن في عدم التوزيع المتكافئ. من الواضح أن بعض الدول لا تمتلك كميات كافية من الماء، وتزداد الحاجة إلى استخدام الماء يوما بعد يوم. تتضح المشكلة في المزارع الدائرة في منطقة الربع الخالي، حيث نجد استهلاكا عاليا للديزل يعادل 100 لتر في الساعة الواحدة، تُستخدم لاستخراج المياه الجوفية لري محاصيل الأعلاف التي تُغذى بها الأبقار المنتجة للحليب. ما تفضلت به يبدو خطيرا للغاية، ولكنك مع ذلك ترفض فكرة أن نظامنا الغذائي سوف ينهار. لماذا؟ في منتصف السبعينيات، أصدر عالم البيئة «ليستر براون» كتابه الشهير «من سوف يُطعم الصين؟»، وتوقع فيه أن الصين لن تكون قادرة على إطعام نفسها. في ذلك الوقت، كتبت ردا بسيطا على كتابه وقلت فيه «آه، بل ستفعل ذلك»، وأعني أنها قادرة على إطعام نفسها. أحد أسباب إصدار كتابي الجديد هو إثبات صحة ما قلته آنذاك، «الصين تُطعم نفسها». ربما لا يعرف الكثير من الناس أن الصين اليوم تنتج المزيد من الأغذية يوميا للفرد الواحد مقارنة باليابان. يحصل الفرد الصيني بشكل متوسط على ما يقارب 3000 سعرة حرارية، كما أنهم يستوردون الكثير لتغذية الحيوانات. حجتي تتمثل في أن الصين، التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، قادرة على القيام بهذه المهمة، لذلك يمكن للدول الأخرى تحقيق ذلك أيضا. تكمن مشكلة أخرى مرتبطة، وهي النفايات. ما أهمية هذا الأمر في هذه القصة؟ هذا ما أطلق عليه «التراخي في النظام»، وهو تراخٍ كبير جدا. لو أخذنا متوسط البالغين في الدول الغربية، الذين يعيشون باستقرار، فسنجدهم يحتاجون إلى ما يعادل 2100 سعرة حرارية يوميا للفرد الواحد، وهو معدل كاف جدا. إلا أننا نجد أن حصة الفرد في أوروبا تعادل 3500 سعرة حرارية يوميا، وأزيد على ذلك أن أغلب الدول الغربية تتمتع بإمدادات من اللحوم تصل إلى 70 كيلوجراما للفرد الواحد في السنة، أو أكثر من ذلك في بعض الدول، حيث تبلغ حصة الفرد الواحد من اللحوم في إسبانيا 90 كيلوجراما سنويا. هذا المعدل كبير جدا، فإذا انخفض إلى 50 أو 30 كيلوجراما للفرد الواحد خلال السنة فهذا معدل كاف جدا ومستوى أفضل. هذا مثال على عدم كفاءة النظام الغذائي العالمي، والهدر منتشر بشكل واسع. يركز كتابي على موضوع إهدار الطعام، كما يعلم الكثير أن 30% إلى 40%من الإنتاج الزراعي العالمي يُهدَر، وبالتالي حتى كمية الوقود التي نستعملها في المعدات والأسمدة والمياه التي تروي تلك المحاصيل تُهدَر معها. لا يمكن وصف هذا بأقل من كلمة «جريمة». ليس من السهل علينا الحد من الهدر على نطاق العالم الواسع، ولكن يجب علينا أن نطوع كل الوسائل للحد من الهدر قدر الإمكان. ما هي الخطوات الأخرى التي يمكن اتخاذها لجعل إنتاج الغذاء أكثر استدامة؟ بما أن نظام الغذاء معقد للغاية، فلا يمكن الاكتفاء بحل أو حلين كبيرين، بل يجب أن تكون الحلول متعددة الجوانب وتدريجية، ومن بين هذه الخطوات، تحسين إدارة المياه، وإدارة النيتروجين، وإدارة أراضي الرعي والأراضي الزراعية بشكل أفضل، وأيضا تقليل تناول اللحوم مع التركيز على تناول طعام عالي الجودة بدلا من المغذيات الفارغة الموجودة في الأطعمة المصنعة، هناك آلاف الخطوات التي ينبغي اتخاذها، وينطبق هذا الأمر أيضا على الطاقة، صحيح أن الأمر يبدو صعبا ومُحبطا، لكنه يُعتبر مشجعا في الوقت نفسه لأنه يمكننا مواجهة المشكلة من زوايا متعددة، فعلى سبيل المثال، مجرد التوقف عن استيراد التوت الأزرق من البيرو لن يكون كافيا لإنقاذنا، لكنه سيشكل مساعدة بسيطة في الاتجاه الصحيح. إذن، ما مدى أهمية اختياراتنا الغذائية الشخصية لاستدامة النظام الغذائي العالمي؟ تأثير ما يأكله الأفراد بشكل مستقل قد يكون غير ملحوظ، ولكن عندما تصل التغييرات الغذائية إلى نسبة معينة من السكان، يصبح لها تأثير حقيقي، هناك بلدان بالفعل وصلت إلى هذه المرحلة، يُنظر عادة إلى فرنسا كبلد يعتمد على استهلاك المشروبات واللحوم، وهما من المنتجات التي تستهلك الكثير من الطاقة، لكن بشكل مفاجئ، استهلاك هذه المنتجات في فرنسا ينخفض بشكل ملحوظ، إذ إن نسبة كبيرة من الفرنسيين يتناولون اللحوم بكميات صغيرة وليس بشكل يومي، تماما كما نفعل في عائلتي، حيث أعددت مؤخرا طبق كاري هنديا مع قطع صغيرة من اللحم بوزن حوالي 100 جرام لكل شخص، ورغم بساطة الكمية تركنا بعض البقايا. هل يمكن للتقنيات الجديدة أن تساعد في جعل الزراعة أكثر استدامة، وما رأيك باللحوم المزروعة في المختبر؟ بصراحة، لا أفكر كثيرا بهذا الأمر، لأن الطلب العالمي الحالي يحتاج إلى مئات الملايين من الأطنان من اللحوم سنويا، وإنتاج اللحوم المزروعة حاليا محدود جدا، إذ يتم تصنيع قطعة صغيرة في المختبر بشكل تجريبي، وبالتالي توسيع نطاق الإنتاج لن يحدث قريبا، أما بالنسبة لما قد يتحقق قريبا رغم صعوبته، فهو زراعة نباتات مشابهة للبقوليات قادرة على التعايش مع بكتيريا تثبيت النيتروجين وإنتاج الأسمدة النيتروجينية بنفسها، سيكون ذلك إنجازا كبيرا، لكنه لا يزال في مراحل العمل منذ عقود، بالمقابل ما نجحنا فيه بالفعل هو إنتاج محاصيل تتحمل الجفاف والملوحة بشكل أكبر من خلال التعديل الجيني أو جهود التكاثر، مما يسمح بالري بمياه مالحة على سبيل المثال. تقول في كتابك أننا نستهلك الوقود الأحفوري بشكل فعلي، فهل تتوقع أن يأتي يوم نتحدث فيه عن استهلاك طاقة الرياح والطاقة الشمسية بدلا من ذلك؟ هذا سؤال معقد، لأن الوقود الأحفوري لن ينفد أبدا، بل سنتوقف عن استخراجه عندما يصبح غير مقبول بيئيا أو مكلفا للغاية، لكن نعم سيأتي وقت يصبح فيه الوقود الأحفوري جزءا أقل أهمية من مصادر الطاقة حتى يصبح شبه معدوم في نهاية المطاف، ولكن ليس قبل عام 2050.
| |