كتب ومخطوطات ومبانٍ أثرية.. آلة الحرب الإسرائيلية تدمر معالم غزة
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
«دمار ودم.. خراب وقتل»، سحابة سوداء تحجب النور عن نحو مليونى شخص، أرواح تُزهق وأحلام تُحطم، وآثار عاشت قبل أن تولد أمم بأكثر من ألف سنة، حالة الدمار التى أحدثها جيش الاحتلال الإسرائيلى بغزة لم تقتصر على القتل والتهجير القسرى واستهداف المدارس والمستشفيات، بل شملت التاريخ بأسره، متمثلاً فى آثار دينية يصل عمر بعضها إلى نحو 1400 سنة، قبل الهدنة التى توصلت إليها مصر مع الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، وأوقفت كل ذلك.
تلال وقصور يزيد عمرها عن عمر دولة الاحتلال الإسرائيلية بمئات السنين، تدمرها طائرات الاحتلال بضغطة زر، ظنا منهم أن أهلها سينسون ماضيهم ويزهدون فى مستقبلهم.
جيش الاحتلال الإسرائيلي يدمر آثار غزةمساجد وكنائس أثرية، قصور من العصور البيزنطية، ومواقع أخرى تعود للحقبة المملوكية، ومكتبة تضم كتباً حجرية ومخطوطات تاريخية حُرقت بالكامل وأصبحت غير قابلة للترميم، بحسب تقرير رصده الدكتور محمد الكحلاوى، رئيس اتحاد الأثريين العرب، لـ«الوطن».
60 أثراً هو مجموع الآثار المدمَّرة نتيجة القصف الأخير، من بينها 6 مساجد أثرية، وهى الجامع العمرى بـ«جباليا»، طراز مملوكى، لكن يُرجَّح أن تأسيسه قد كان فى عام 15 هجرياً، وقد تم تدميره بشكل كامل بتاريخ 19 أكتوبر الماضي، والأسوأ من ذلك أن المسجد أصبح غير قابل للترميم أو استعادته مرة أخرى.
فى منطقة «بيت لاهيا» دمر الاحتلال جامع الشيخ سليم أبو مسلم، وفيه مقام هذا الشيخ، بُنى منذ نحو خمسة قرون، وأصبح لا يمكن ترميمه مرة أخرى، كذلك جامع الشيخ سعد فى المنطقة نفسها، أصابه تدمير جزئى، ولكن يمكن ترميمه واستعادته.
جامع كاتب الولاية بغزة، المميز بطرازه المملوكى العثمانى، شُيد من قبَل المماليك البرجية فى عام 1432م، وجرى تدميره جزئياً 17 أكتوبر الماضى، والمسجد العمرى الكبير الذى يبلغ عمر مئذنته 1400 عام، تم بناؤه قبل الفتح الإسلامى، وكان يُستخدم كمعبد كنعانى، ثم كنيسة بيزنطية، تعرَّض للضرر من قوات الاحتلال فى نوفمبر الجارى، وأيضاً تضرر جزئياً مسجد السيد هاشم، ويضم قبر جد الرسول هاشم بن عبد مناف.
تدمير مساجد وكنائس تاريخيةوكذلك الكنائس الأثرية لم يتركها الاحتلال وشأنها، أقدم كنيسة فى غزة، كنيسة القديس بروفيرويس التى شُيدت فى عام 406م، تعرضت للأذى من الاحتلال فجرى تدمير مبنى مجلس وكلاء الكنيسة بشكل كلى، واستشهد داخلها أكثر من 20 شهيدا من العائلات المسيحية التى لجأت لها هرباً من القصف الإسرائيلى، فى 19 أكتوبر الماضى.
وكنيسة العائلة المقدسة للاتين، التى أسسها «الأب جان موريتان» فى غزة عام 1869، دُمرت بشكل جزئى بسبب قصف غير مباشر أدى لتشققات فى الجدران والنوافذ، وقد لجأ إليها أهل غزة خلال عدوان أكتوبر الماضي.
ينقسم الضرر إلى كلى وجزئى، ومن المواقع الأثرية التى تضررت بشكل غير مباشر بأضرار جزئية وما زالت مهددة مقبرة الإنجليز، التى يعود تاريخ إنشائها لعام 1904، ومبنى بلدية غزة الذى يعود لعام 1893، وكذلك «حمام السمرة» وهو طراز عثمانى مملوكى، وتم تأسيسه قبل 8 قرون.
تل رفح، وهو موقع أثرى يعود للفترتين اليونانية والرومانية، تضرر رفقة قصر «الباشا» الذى يعود للعصر المملوكى 1260 ميلادياً، كما تضرر «بيت الغصين»، وتم بناء المنزل من قبَل عائلة الغصين الثرية فى القرن الثامن عشر، وهو واحد من العديد من المبانى التاريخية فى غزة التى أصبحت فى حالة سيئة، وتدهور بسبب الأزمة المستمرة.
المؤرخ الفلسطينى عبدالحميد أبوالنصر، ممثل فلسطين فى اتحاد المؤرخين العرب، يروى لـ«الوطن»، أن تلك الاعتداءات لم تكن فى غزة وحدها، ولكنها فى كل فلسطين، مضيفاً أن الاعتداءات الإسرائيلية كانت على مواقع مسجلة على قائمة التراث العالمى، فى ظل غياب اليونيسكو، وعدم التدخل لحمايتها، وفقاً لمواثيقها المعلنة.
وأشار إلى أن الاحتلال دمر عدداً كبيراً من المتاحف فى قطاع غزة، من بينها «متحف العقاد»، وكان يضم 3200 قطعة أثرية، وكذلك متحف التراث «شهوان»، الذى كان يضم أكثر من 10 آلاف قطعة أثرية وتاريخية، ودُمرت أيضاً أجزاء من «متحف خان يونس»، وتهشمت عشرات القطع به، ومتحف الخضرى، الذى يضم آلاف القطع الأثرية الفريدة، خلال عملية الهجوم البرى.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: أثار غزة الاحتلال الإسرئيلي قطاع غزة قطع أثرية فى غزة
إقرأ أيضاً:
كتاب إسرائيليون: سيبقى السابع من أكتوبر جرحا غائرا.. لن تشفيه الحرب
رغم مضي قرابة خمسة عشر شهرا على هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر على مستوطنات غلاف غزة، لكن دولة الاحتلال لا زالت تستيقظ كل صباح على هذا الكابوس، وليس هناك من حلّ لجعل خسارة السابع من أكتوبر شيئا من الماضي، دون الحفاظ عليها كحاضر مستمر، وبالتالي فإن الزمن ليس كفيلا بأن يجعل الإسرائيليين يتعافون من هذا الجرح الغائر.
نير كيبنيس الكاتب في موقع "ويللا" العبري، أكد أن "هجوم حماس في ذلك اليوم، حتى بعد إبرام صفقة التبادل، ما زال يجعل دولة الاحتلال بأكملها عالقة في حلقة مفرغة، وبسبب الحرب التي شنّتها على غزة ردّا على ذلك الهجوم ما زالت تعيش آثار العزلة العالمية التي بات يواجهها كل إسرائيلي يقيم في الخارج، بجانب المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية التي جعلت الباحثين الإسرائيليين حول العالم منبوذين بسبب الاشمئزاز منهم، وهكذا أصبح الطبق الرئيسي الذي نتناوله منذ السابع من أكتوبر غير قابل للهضم أبداً".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21"، أن "ذلك الهجوم وقع تحت مسؤولية هذه الحكومة، المسؤولة عن الفوضى في غزة، وعدم القدرة على اتخاذ القرار، والتصريحات الكاذبة التي كلفتنا مزيدا من أرواح المختطفين والجنود، ورغم ما حققه الجيش من إنجازات عسكرية في أكثر من جبهة، لكن الشعور بأن السابع من أكتوبر لم ينته بعد لا يزال يتردد في أذهان الإسرائيليين، وهذا يعني أنه لا يوجد نصر، وباتوا يتأرجحون بين الأمل واليأس، والصراخ مرارًا وتكرارًا، والإنهاك والترقب المزعج للأعصاب، والشعور بالعجز عن التعبير عن مشاعرهم".
وأشار إلى أن "الفشل الذي صاحبنا منذ صباح السابع من أكتوبر سييرافقنا طويلا، وسيكون أمراً صعباً للغاية على معنوياتنا، لكننا خسرنا نتيجة لسنوات من العمى السياسي، والفشل العسكري المخزي والفظيع، وهو ما يزال مستمراً حتى يومنا هذا، مما يجعل من تلك الخسائر مدفونة في دواخل الإسرائيليين جميعاً، ليس فقط في كوابيس من اختنقوا من الدخان في الثكنات، ونجوا من الجحيم، بل وفي الجزء الخلفي من عقول دولة بأكملها".
وأوضح أن "ما عاشه الإسرائيليون منذ هجوم حماس ترسيخ لثقافة الكذب، لأنه حين يتفاخر المتحدث باسم جيش الاحتلال أمام المراسلين العسكريين بالعدد الهائل من المسلحين الذين تم القضاء عليهم أو اعتقالهم في الأيام الأخيرة، نكتشف لاحقاً أن الأرقام ليست حقيقية، بل تقديرات مبالغ فيها".
وختم بالقول إنه "رغم اهتمام الإسرائيليين بعدد المقاومين الذين تم القضاء عليهم، فإنهم يتجاهلون عدد من لا زالوا يقاتلون من الفلسطينيين، وبعضهم من المجندين الجدد، حتى أن عدد من تم القضاء عليهم لم يتجاوز عشرة آلاف".
وفي السياق، أكد الجنرال غادي شمني، الملحق العسكري للاحتلال بالولايات المتحدة، وعضو حركة "القادة من أجل أمن إسرائيل"، أن "الحرب التي يخوضها الجيش منذ خمسة عشر شهرا يدفع فيها جنوده حياتهم ثمناً لحرب استنزاف بلا أمل، وهذا الوضع القاتم ليس نتيجة لفشل عسكري فحسب، بل لفشل قيادي أيضاً، لأنه رغم التعبئة العسكرية الكاملة، لكن أهداف الحرب الرئيسية المحددة في البداية لم تتحقق بعد خمسة عشر شهراً من بدئها".
وأضاف في مقال نشره موقع "ويللا" العبري، وترجمته "عربي21"، أن "نتائج حرب غزة قد تُخرج حماس أقوى، مما يفرض علينا مزيدا من الضغوط، لأنه تداعياتها خطيرة على وضع الضفة الغربية، لأن الإنجازات التكتيكية قد تؤدي لفشل استراتيجي، صحيح أن الجيش ربما تعافى من فشله الخطير في السابع من أكتوبر، لكن عند الوصول للمستويات الاستراتيجية والسياسية، تظهر صورة قاتمة للإدارة الفاشلة، لأن الحكومة تتجنب تحديد خطة استراتيجية واضحة ترتكز على مناقشة معمقة وشاملة لأهداف الحرب، ووسائل تحقيقها".
وحذر من أن "إلقاء الشعارات الفارغة حول "النصر الكامل" في الهواء، يقابله ممارسة عملية للدولة دون بوصلة استراتيجية، وباتت الفجوة بين الحكومة والجيش مردّها إلى العمل انطلاقا من مصالح سياسية ضيقة تسعى للحفاظ على الائتلاف، أما كبار قادة الجيش فلا يتحدون الحكومة على الإطلاق رغم أن سياساتها تشكل تهديداً خطيراً على الدولة، خاصة تجنب مناقشة اليوم التالي بغزة، ومواصلة القتال دون هدف واضح، والترويج لقانون إعفاء المتدينين من الخدمة العسكرية".
وأكد أن "كل ذلك من شأنه الإضرار بثقة الجمهور، وقدرة الجيش على العمل، وزيادة الثمن الباهظ الذي تكبده نتيجة لحرب الاستنزاف بغزة، مما يعني أن الدولة وقعت فعلياً في فخّ باهظ التكاليف ومؤلم، حيث يقتل عشرات الجنود شهريا، وبدلا من التركيز على تحقيق الأهداف الاستراتيجية، أصبحت الحرب أداة سياسية، وفيما يدفع الجنود الذين سقطوا في المعركة الثمن الأغلى، تركّز القيادة السياسية على الحفاظ على سلطتها".